الولاية الإلهية في المفهوم القرآني

421 46 839KB

Arabic Pages [116] Year 2021

Report DMCA / Copyright

DOWNLOAD FILE

الولاية الإلهية في المفهوم القرآني

  • Author / Uploaded
  • coll.

Citation preview

‫الطبعة األولى‬

‫م‬2021 - ‫هـ‬1442

www.d-althagafhalqurania.com

2

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫الحم�د هلل رب العاملي�ن‪ ،‬وأش�هد أن ال إل�ه إال اهلل املل�ك الح�ق املبين‪،‬‬

‫وأشهد أنَّ سيدنا محمد ًا عبده ورسوله خاتم النبيين‪.‬‬

‫الله�م ص�لِّ على محم ٍد وعلى آل محمد‪ ،‬وب�ارك على محم ٍد وعلى آل‬

‫محم�د‪ ،‬كام صلي�ت وباركت عل�ى إبراهيم وعل�ى آل إبراهي�م إنك حميدٌ‬

‫مجي�د‪ ،‬وارض الله�م برضاك عن أصحاب�ه األخيار املنتجبين‪ ،‬وعن س�ائر‬

‫عبادك الصالحين‪.‬‬

‫بمناس�بة يوم عيد الغدير‪ ،‬املناسبة اإلسلامية العظيمة واملهمة‪ ،‬املناسبة‬

‫الت�ي تضمنت اإلعلان التاريخي العظيم‪ ،‬الذي نزل األمر من اهلل (س���بحانه‬ ‫وتعال���ى) إلى رس�وله وخات�م أنبيائه محمد (صلى اهلل وس�ل�امه علي���ه وعلى آله)‬

‫لتبليغه في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة‪ ،‬من السنة العاشرة للهجرة‪،‬‬

‫أثن�اء عودة الرس�ول (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) من حج�ة الوداع‪ ،‬بهذه‬ ‫املناسبة املباركة (يوم الوالية ) يسرنا أن نقدم هذه املادة الثقافية التي تضمنت‬

‫عدة أبواب كلها تتحدث عن الوالية وأهميتها في الواقع البش�ري ومن هو‬

‫املؤهل لها بعد رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) إلى يوم القيامة بدء ًا‬ ‫باإلمام علي (عليه السالم)‪ .‬واهلل املوفق‬

‫•••‬

‫‪3‬‬

‫الباب الأول‬ ‫الوالية الإلهية ال�شاملة‬ ‫ماذا تعني الوالية؟‬ ‫الوالية ليست مجرد فكرة خاصة‪ ،‬وصناعة مذهبية‪ ،‬صنعتها طائفة‬

‫معين�ة م�ن أبن�اء األمة‪| .‬ال| الوالي�ة‪ :‬هي حال�ة قائمة في واقع البش�رية‪،‬‬ ‫حالة قائمة موجودة عند كل البش�ر‪ ،‬حتى خارج الس�احة اإلسلامية‪ ،‬طبع ًا‬ ‫نقص�د باملفهوم األعم (حالة الوالية) بمعنى‪ :‬م�ا من طائفة في هذه الدنيا‪،‬‬

‫وال م�ن فئ�ة في ه�ذا العالم (من أبناء البش�ر) إال ولها ارتب�اط بجهة معينة‪،‬‬ ‫برم�وز معينين ترتب�ط بهم على أنهم املصدر والجهة الت�ي تقتدي بها‪ ،‬تتأثر‬

‫بها‪ ،‬تس�تلهم منها تعاليمها وتوجيهاتها‪ ،‬تُقدس ما يقدم من جانبها من آراء‬ ‫ومن أفكار‪ ،‬وتعتبرها مس�ارها الذي تعتمد عليه كمنهج‪ ،‬كمواقف‪ ،‬كمسار‬ ‫في الحياة‪ ،‬هذا ش�يء قائم حتى في خارج الس�احة اإلسلامية‪ ،‬يعني‪ :‬بين‬ ‫اليهود‪ ،‬والنصارى‪ ،‬والوثنيين‪ ...‬كل البش�ر هم على هذا األس�اس‪ ،‬وسواء‬

‫كانوا أصحاب انتامء ديني (باملعنى الش�ائع واملنتش�ر)‪ ،‬أو بغير ذلك‪ ،‬يعني‪:‬‬ ‫(طائف�ة‪ ،‬أو فئ�ة)‪ ،‬كل فئات الدنيا له�ا رموز معينون‪ ،‬لها ق�ادة‪ ،‬لها قدوات‬

‫ترتب�ط بهم‪ ،‬تتأثر بأقواله�م‪ ،‬بآرائهم‪ ،‬بأفكارهم‪ ،‬وتعتب�ر أن املفترض بكل‬ ‫الن�اس أن يحذو حذوها في أن يرتبطوا بتلك الجهة التي آمنت بها‪ ،‬وآمنت‬

‫بأفكاره�ا وثقافاتها وما تقدمه‪ ،‬ولهم مكانته�م وعظمتهم وأهميتهم؛ فهي‬

‫حالة قائمة‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫في الس�احة اإلسالمية كذلك‪ ،‬كل الطوائف اإلسالمية‪ ،‬كل املذاهب‬

‫اإلسلامية لهم ارتباطات برموز معينين‪ ،‬ينظ�رون إليهم على أنهم هم أهل‬

‫الح�ق‪ ،‬وأهل الحل‪ ،‬وأهل العق�د‪ ،‬وأنهم من ينبغي أن تؤخذ أقوالهم‪ ،‬وأن‬

‫يؤم�ن اآلخ�رون بأفكاره�م‪ ،‬وأن يتقبل�وا منهم م�ا يقدمونه‪ ،‬وأنه�م القادة‬ ‫والق�دوة واألس�وة‪ ،‬والذي�ن يفت�رض االرتب�اط به�م م�ن كل أبن�اء األمة‪،‬‬ ‫والحذو حذوهم من كل املنتمين لإلسلام‪ ...‬هذه حالة قائمة في اإلسالم‪،‬‬

‫في الساحة اإلسالمية حالة حاضرة‪ ،‬وخارج الساحة اإلسالمية حالة قائمة‪،‬‬ ‫فقط حساس�ية غريبة وعجيبة تجاه الوالية من املنظور القرآني‪ ،‬وعلى وفق‬

‫ثقافة الغدير (ثقافة يوم الوالية)‪.‬‬

‫هذه املس�ألة تحظى بحساسية من أكثر األطراف‪ ،‬و ُينْظَ رُ إليها بتعقد‬

‫كبي�ر (عقدة عجيب�ة جدًّ ا)‪ ،‬على نح� ٍو يدخل فيه العصبي�ة املذهبية‪ ،‬تدخل‬

‫في�ه إش�كاالت كثيرة وتعقي�دات كثيرة؛ تؤث�ر على الكثير م�ن الناس حتى‬ ‫ف�ي التحقق من هذه الثقاف�ة‪ ،‬في التعرف على هذه املفاهي�م‪ ،‬وأحيان ًا تنقل‬ ‫(أو تصاغ) مفاهيم أخرى‪ ،‬تحس�ب على الناس‪ ،‬وهم بريؤون منها؛ بهدف‬

‫التشويه الكبير جدًّ ا‪.‬‬

‫على كُ لٍ ‪ ،‬الوالية حسب ما قدمها القرآن الكريم في اآلية القرآنية‪:‬‬

‫َّ َ َ يُِّ ُ ُ ُهّ َ َ ُ هُ ُ َ ذَّ َ َ ُ ْ ذَّ َ ُ ُ َ َّ َ َ‬ ‫}إِنما ولكم الل ورس��ول والِين آمنوا الِين ي ِقيمون الصالة‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َّ اَ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ َّ َهّ َ َ ُ هَ ُ َ ذَّ َ َ ُ ْ‬ ‫ويؤتون الزكة وهم راك ِعون ومن يتول الل ورسول والِين آمنوا‬ ‫َ َّ ْ َ هّ ُ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫حزب اللِ ه��م الغ بِ‬ ‫الون { [املائدة‪ ]56-55:‬ثم ف�ي النص املرافق لها‬ ‫فإِن ِ‬ ‫‪5‬‬

‫في حديث النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وبالغه (صلى اهلل عليه وعلى‬ ‫آله وس���لم) نص يمك�ن أن نقول‪ :‬نص نبوي توأم مع الن�ص القرآني‪ ،‬يعني‪:‬‬ ‫متراب�ط كل التراب�ط مع الن�ص القرآني‪ ،‬على صل�ة وثيقة بالن�ص القرآني‬

‫الم ْؤ ِمنِين أ َْولَى‬ ‫هلل َم ْو اَلي َوأَنَا َم ْولَى ُ‬ ‫ِن ا َ‬ ‫ومتش�ابه معه في التسلس�ل‪( :‬إ َّ‬ ‫ُم‬ ‫ِي َم ْو اَلهُ)‪ ،‬كذلك (الله َّ‬ ‫َذا َعل ٌّ‬ ‫ْت َم ْو اَل ُه َفه َ‬ ‫كن ُ‬ ‫َم ْن ُ‬ ‫ُسهِم‪ ،‬ف َ‬ ‫ِبهِم ِم ْن أَ ْنف ِ‬ ‫َاخ ُذ ْل َم ْن َخ َذ َلهُ)‬ ‫َص َرهُ‪ ،‬و ْ‬ ‫ْص ْر َم ْن ن َ‬ ‫َعا ِد َم ْن َعادَاهُ‪ ،‬وَان ُ‬ ‫َالهُ‪ ،‬و َ‬ ‫َال َم ْن و اَ‬ ‫وِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هَّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ح ْز َب اللِ ه ُم الغ بِ‬ ‫الون{‪.‬‬ ‫في مقابل }فإِن ِ‬ ‫واضح جدًّ ا‪ ،‬يتح�دث عن الوالي�ة باعتبارها والية اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫الن�ص القرآن�ي‬

‫َّ َ‬

‫ُ‬

‫هَّ ُ‬

‫(س���بحانه وتعال���ى) }إنما َو يُِّ‬ ‫لك ُم الل{‪ ،‬وهذه املس�ألة مهم�ة جدًّ ا؛ ألن‬ ‫ِ‬

‫العق�دة والعصبي�ات املذهبي�ة جعل�ت هذا املب�دأ املهم والكبير ف�ي القرآن‬ ‫الكريم واإلسالم العظيم‪ ،‬يهمّ ش إلى ح ٍد كبير‪ ،‬ويتعامل معه الكثير بتوحش‬ ‫ونف�ور وابتعاد‪ ،‬وال�كل يريد أن يمر علي�ه مرور ًا عابراً‪ ،‬كثير من املفس�رين‬

‫يحظ باالهتامم الذي يفترض أن نهتم‬ ‫سرعان ما يحاول أن يتخلص منه‪ ،‬لم َ‬ ‫به كمسلمين‪ ،‬بعيد ًا عن العقد املذهبية‪ ،‬والعصبيات الطائفية‪ ،‬والباليا هذه‪،‬‬ ‫واملشاكل التي أثّرت على األمة‪ ،‬وحجبت عن الكثير نور الهداية‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫والية اهلل في مدلولها ال�شامل‬ ‫َّ َ َ يُِّ ُ‬ ‫ك ُ هَّ ُ‬ ‫��م الل{‪ ،‬ه�ذه اآلية تتخاط�ب معنا‪ ،‬تعنين�ا نحن كل‬ ‫}إِنم��ا ول‬

‫م�ن ننتم�ي إلى هذا اإلسلام‪( ،‬اهلل هو ولين�ا)‪ ،‬فام هي ه�ذه الوالية؟ والية‬ ‫اهلل (س���بحانه وتعال���ى) ه�ي‪ :‬والية ش�املة‪ ،‬اهلل هو ول�ي كل ه�ذا الكون‪ ،‬هو‬

‫ملك�ه‪ ،‬هذا الك�ون هو ملك هلل (س���بحانه وتعالى) اهلل ولي�ه‪ :‬خالقه‪ ،‬وفاطره‪،‬‬

‫ومالك�ه‪ ،‬ومنش�ئه‪ ،‬ومكوّ نه‪ ،‬وبارئه‪ ...‬اهلل (س���بحانه وتعالى) ولي هذا الكون‬

‫ال ش�ريك ل�ه في ذل�ك‪ ،‬وال يملك أحد غيره في هذا الك�ون مثقال ذرة في‬ ‫(جل ش���أنه)‬ ‫الس�موات وال ف�ي األرض وال في أي جزء من هذا العالم؛ فله َّ‬ ‫ه�ذه الوالي�ة‪ :‬أوالً‪ -‬أنه املالك له�ذا الكون‪ ،‬وأنه (س���بحانه وتعالى) له والية‬ ‫األلوهية‪ :‬هو وحده في كل هذا العالم املعبود بحق‪ ،‬ال معبود بحق إال هو‪،‬‬ ‫وه�و حصري ًا يمتلك حق العبادة من كل الكائن�ات الفاهمة الواعية في هذا‬

‫الك�ون‪ ،‬وله امللك عل�ى كل ما فيها من‪( :‬حيوان‪ ،‬وجماد‪ ...‬وغير ذلك‪).‬؛‬ ‫(جل ش���أنه) رب‬ ‫فل�ه والي�ة األلوهي�ة‪ ،‬ووالية الربوبية‪ :‬أن�ه هو وحده الرب َّ‬

‫الس�موات واألرض وم�ا بينهما‪ ،‬رب العاملين‪ ،‬وأن الجميع ف�ي هذا العالم‬ ‫‪ -‬بلا اس�تثناء‪ -‬إنما ه�م عبيد له ومل�ك له‪ ،‬ما هن�اك أحد يخ�رج عن هذه‬

‫القاع�دة‪ :‬ال من املالئكة‪ ،‬وال من األنبياء‪ ،‬وال من البش�ر‪ ،‬وال من الجن‪...‬‬

‫وال م�ن أي كائنات في هذا الكون وفي ه�ذا العالم‪ ،‬الكل مربوبون‪ ،‬الكل‬ ‫(ج���ل ش���أنه) رب العاملي�ن‪ :‬املال�ك له�م‪ ،‬املربي له�م‪ ،‬املهيمن‬ ‫عبي�د‪ ،‬وه�و َّ‬

‫(جل شأنه) له والية الربوبية‪.‬‬ ‫عليهم‪ ...‬فهو َّ‬

‫‪7‬‬

‫(جل ش���أنه) املل�ك لهذا العال�م‪ :‬ملكوت‬ ‫ث�م‪ ،‬يبتن�ي على ه�ذا أنه َّ‬

‫الس�موات واألرض كل�ه بي�ده‪ ،‬تح�ت س�لطانه‪ ،‬وتح�ت أم�ره وقه�ره‪،‬‬ ‫(جل ش���أنه) املدبر لش�ئون الس�موات‬ ‫ه�و املهيمن علي�ه بكله؛ ولذلك هو َّ‬ ‫واألرض‪ ،‬فله‪ -‬أيضاً‪ -‬والية التدبير القائم املس�تمر الذي هو فيه مس�تمر‪،‬‬

‫ُ َّ ْ َ َ‬

‫لَىَ ْ َ ْ‬

‫كام يعبّر في القرآن الكريم‪} :‬ثم اس��توى ع العر ِش{‪ ،‬لم يخلق هذا‬

‫الك�ون ثم يتركه هن�اك‪ ،‬ويبقى متفرج ًا عليه إلى أي�ن يتجه‪ ،‬وماذا يحصل‬

‫في�ه‪| .‬ال| متصرف فيه على الدوام‪( ،‬حي قيوم) حس�ب التعبير القرآني‪،‬‬ ‫ح�ي قي�وم‪ :‬قائم عل�ى الدوام‪ ،‬بلا انقط�اع‪ ،‬بتدبير وتصريف ش�ئون هذا‬ ‫الكون بكل ما فيه‪( :‬يحيي ويميت‪ ،‬يخلق ويرزق‪ ،‬يعز ويذل‪ ،)...‬وهكذا‬

‫تصرف شامل‪( ،‬يكوّ ر الليل على النهار‪ ،‬يولج الليل في النهار‪ )...‬تصرف‬ ‫(جل شأنه)‬ ‫مس�تمر ال ينقطع في تدبير ش�ئون هذا الكون وهذا العالم؛ فهو َّ‬

‫املل�ك ال�ذي ل�م ينقطع ولم يت�وان أب�د ًا (وال لحظة‪ ،‬وال طرف�ة عين) في‬

‫تدبير ش�ئون هذا الكون‪ ،‬يرعى فيه مصال�ح مخلوقاته بكلها (بأجمعها)‪،‬‬ ‫ويحك�م هذا الكون ف�ي الوالية التكوينية‪ ،‬وهو مكون هذا الكون بس�ننه‬

‫الت�ي ال يمكن أن يخرج عنها ش�يء في هذا الك�ون أبداً‪ .‬هذه والية قائمة‬

‫ووالية مستمرة‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫والية اهلل‪ ..‬بين النظرة ال�صحيحة والقا�صرة والخاطئة‬ ‫كيف ننظر في ساحتنا اإلسالمية إلى الوالية اإللهية في امتداداتها‬

‫األخرى‪( :‬امتداد الهداية‪ ،‬امتداد التشريع‪ ،‬امتداد اإلرشاد للعباد والتوجيه‬ ‫للعباد)؟‪ .‬في ساحتنا البشرية‪ ،‬البشر دورهم في هذه الحياة‪ ،‬دورهم في هذا‬

‫الوجود‪ ،‬دورهم في هذا الكون‪ ،‬دور بارز‪ ،‬دور أساس�ي‪ ،‬يختلف عن كثير‬ ‫من املخلوقات األخرى التي لها دور محدود جدًّ ا‪ ،‬الدور البش�ري والدور‬

‫اإلنس�اني على األرض‪ :‬دور مهمٌ من أجله س�خر للبش�ر ما في السماوات‬ ‫وما في األرض‪ ،‬من أجله حمل البش�ر مس�ؤولية نأت وامتنعت عن حملها‬

‫الساموات واألرض والجبال‪ ،‬فكيف ننظر في الساحة اإلسالمية إلى الوالية‬

‫اإللهية في بقية األمور‪ ،‬ثم نعود إلى املنظور القرآني؟‬

‫البعض في العالم اإلسلامي يعتب�ر أن الوالية اإللهية‪ -‬في الحد‬

‫األكب�ر‪ -‬هي والي�ة خدمية‪ ،‬يعني‪ :‬ال يس�تحون من اهلل (س���بحانه وتعالى)‬

‫معني ف�ي واقعنا كبش�ر‪ ،‬كعبيد له‬ ‫بمعن�ى‪ :‬عنده�م أن اهلل (س���بحانه وتعال���ى) ٌ‬ ‫(سبحانه وتعالى) أن يخلق‪ ،‬وأن يرزق‪ ،‬أن يحيي‪ ،‬أن يميت‪ ،‬أن يشفي مرضانا‪،‬‬ ‫يمن علينا ويعطينا احتياجاتنا في هذه الحياة‪ ،‬وينتهي دوره هنا‪ ،‬ما يدخل‬ ‫أن َّ‬

‫في بقية ش�ؤون حياتنا [ما عاد له حاجة‪ ،‬خالص يبطل]‪ ،‬هذه نظرة البعض‬

‫من املحس�وبين على اإلسلام‪ ،‬أن ح�دود الوالية اإللهي�ة ال يتجاوز الدور‬ ‫ال�ذي تع�ارف عليه البش�ر على أنه دور خدم�ي‪ :‬يخلق لنا األبن�اء‪ ،‬ويرزقنا‬

‫باألرزاق‪ ،‬ينبت لنا األش�جار‪ ،‬يمنّ علينا باألمط�ار‪ ...‬وهكذا‪ .‬الدور الذي‬

‫تعارفنا عليه في واقعنا الحياتي على أنه دور خدمي‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫البع�ض‪ ،‬ال ب�أس عندهم نظرة أوس�ع إل�ى الوالية اإللهي�ة‪ :‬أنها‬

‫تتج�اوز ه�ذا الجانب‪ ،‬الذي ه�و‪ :‬تلبي�ة احتياجاتنا في هذه الحي�اة‪ ،‬تغطية‬

‫احتياجاتن�ا في هذه الحياة‪ ،‬اإلنعام علينا بام نحتاجه في هذه الحياة‪ ،‬الرعاية‬

‫اإللهية في جانب االحتياجات اإلنس�انية الخاصة بالطعام والشراب‪ ...‬وما‬

‫(جل شأنه)‬ ‫إلى ذلك‪ .‬إلى جانب آخر‪ ،‬وهو‪ :‬التش�ريع‪ ،‬بمعنى‪ :‬أنه يمكن هلل َّ‬

‫أن يش�رع لنا أيض ًا باعتباره إلهنا‪ ،‬وأن يحلّ لنا ش�يئ ًا ويحرم علينا ش�يئ ًا آخر‬ ‫(يح�ل لن�ا الطيبات‪ ،‬يح�رم علينا الخبائ�ث)‪ ،‬ويضاف إلى الرعاي�ة املادية‪،‬‬

‫الرعاية التش�ريعية‪ :‬بأن يدلن�ا ويعرفنا [هذا حالل‪ ،‬وهذا حرام‪ ،‬احذروا من‬ ‫ه�ذا‪ ،‬واعمل�وا هذا‪ ،‬ه�ذا فيه خيرٌ لكم‪ ،‬وهذا فيه ش�رٌ عليك�م]‪ ،‬ولكن من‬

‫دون أن يتدخ�ل في أي آلية ضامنة للتنفيذ واالنضباط ضمن ش�رعه ونهجه‬

‫وتعليامته‪ ،‬فقط أش�به ما يكون لديهم بمستش�ار قانوني‪ ،‬يقدم‪ ،‬يقول‪[ :‬هذا‬ ‫جيد‪ ،‬سابر‪ ،‬وهذا ما يصلح لكم] فقط‪ ،‬يعني‪ :‬ما يتدخل في آلية التنفيذ‪ ،‬فيام‬

‫يضبط عملية التنفيذ‪ ،‬فيام يرعى مس�ار األمة ضمن النهج الذي رس�مه لها‪،‬‬ ‫وه�ذا طرف ال ب�أس تقدم بخطوة إلى األمام عن الط�رف الذي ال يرى في‬ ‫الوالية اإللهية إال الجانب الخدمي فحس�ب‪ ،‬وال ينظر إلى أي اعتبار آخر‪،‬‬

‫بل يتعاطى مع اهلل بوقاحة عجيبة‪.‬‬

‫ث�م‪ ،‬كال االتجاهي�ن يري�ان في مس�ألة القيام بما يعنيه أم�ر األمة‪،‬‬

‫القي�ام في تصريف أو ف�ي توجيه األمة‪ :‬العملية التوجيهي�ة‪ ،‬العملية اإلدارية‬

‫ف�ي واقع األمة‪ ،‬التي تبنى عليها السياس�ات‪ ،‬واملس�ارات‪ ،‬واملواقف‪ ،‬وينظم‬

‫عل�ى ضوئها واقع األمة‪ ،‬أنه أمر ليس هلل أي عالقة به وال صلة به‪ ،‬وأنه ينبغي‬ ‫‪10‬‬

‫الحيلول�ة دون أن يتدخل في املوضوع نهائياً‪ ،‬وأن هذا أمر إلى اآلخرين‪ ،‬مَنْ‬

‫اآلخري�ن؟ لنتأم�ل في واقع األمة م�ن كان هو البديل‪ ،‬من أت�ى؟ هذه الرؤية‬ ‫العبقري�ة تمخضت عن مج�يء من؟ هذه الرؤية أضاع�ت األمة‪ ،‬هذه الرؤية‬ ‫العقيمة التي منش�ؤها أحقاد‪ ،‬ومنش�ؤها حسد‪ ،‬ومنش�ؤها بغضاء‪ ،‬ومنشؤها‬

‫تعص�ب‪ ،‬ومنش�ؤها جه�ل‪ ،‬ومنش�ؤها غب�اء‪ ...‬فتح�ت املج�ال للجائري�ن‪،‬‬ ‫للظاملين‪ ،‬للفاسدين‪ ،‬للمستهترين‪ ،‬ألن يجيئوا هم؛ فيتبوؤوا هذا املقام‪ ،‬ثم ال‬

‫ذاك بقي‪ ،‬الذي هو‪ :‬الشرع في أحكامه‪ ،‬وفي منهجه‪ ،‬على حسب ما يفترض‬

‫أن يك�ون قائ ًام في واقع األمة‪ ،‬وال املش�روع اإلسلامي ف�ي أبعاده األخرى‪:‬‬ ‫جوانبه الحضارية‪ ،‬جوانبه التربوية‪ ،‬جوانبه الواسعة‪ ،‬شؤونه الواسعة املرتبطة‬

‫بطبيعة الدور العاملي املفترض لهذه األمة‪ ،‬كل هذا وذاك ذهب ضائعاً‪.‬‬

‫الر�ؤية الكهنوتية للوالية الإلهية‬ ‫املعني‬ ‫ّ‬ ‫هذه الرؤية أتاحت املجال‪ ،‬وقدمت التبرير والشرعنة ألن يكون‬

‫بإدارة شؤون األمة اإلسالمية (من هب ودب)‪ ،‬فقط يُمَ كّ ن من االستحواذ‬ ‫على واقع األمة بقوة السالح وإغراء املال‪ ،‬فمن تمكن أن يستحوذ على أمر‬ ‫األمة‪ ،‬وأن يس�يطر في واقع األمة‪ ،‬مستند ًا على قوة عسكرية وإغراء مادي‪،‬‬

‫فكي�ف م�ا كان‪[ :‬جاهالً‪ ،‬جائراً‪ ،‬فاج�راً‪ ،‬ظاملاً‪ ،‬فاس�قاً‪ ]...‬ما هناك عندهم‬ ‫مان�ع أبد ًا [يتفض�ل]‪ ،‬ويوجبون عل�ى األمة كلها أن تطيعه ش�رعاً‪ ،‬وتصبح‬

‫عملا إيامني ًا وعبادي� ًا وقربة إلى اهلل (س���بحانه وتعالى) وتصبح مس�ألة‬ ‫ً‬ ‫طاعت�ه‬ ‫تمكينه ملامرسة هوايته في‪ :‬الظلم‪ ،‬والبطش‪ ،‬والجبروت‪ ،‬واالستحواذ على‬ ‫‪11‬‬

‫أموال األمة‪ ،‬وتكوين ثروة شخصية‪ ،‬وتحقيق أغراضه وأهوائه الشخصية‪-‬‬

‫التي تكون املس�ألة الرئيس�ية بالنسبة له‪ -‬تصبح مس�ألة مطلوبة شرعاً‪ ،‬وأنه‬

‫أمر يجب التس�ليم به‪ ،‬والخنوع له‪ ،‬والخضوع له‪ ،‬والتقبل له!!‪ .‬هذه رؤية‬

‫غريبة عجيبة جدًّ ا‪ ،‬ورؤية مسيئة إلى اإلسالم؛ ألنهم‪ -‬في األخير‪ -‬جعلوا‬ ‫اإلسلام مطية للجائري�ن‪ ،‬والجاهلي�ن‪ ،‬والفاس�قين‪ ،‬والظاملي�ن‪ ،‬والطغاة‬ ‫الذي�ن ظلم�وا األم�ة‪ ،‬والذي�ن عبث�وا باألم�ة‪ :‬أفقدوه�ا قيمة اإلسلام في‬

‫مشروعه الحضاري‪ ،‬قيمة اإلسالم في مشروعه التربوي‪ ،‬قيمة اإلسالم في‬ ‫أثره العظيم إلقامة العدل في الحياة‪ ،‬في النهاية كأن العدل ليس من مطالب‬

‫اإلسلام ومقاصد اإلسالم‪ ،‬وكأنه أمر هامشي في اإلسالم‪ ،‬وقدموا صورة‬ ‫مختلة جدًّ ا عن املشروع اإلسالمي كمشروع للحياة‪.‬‬

‫الرؤية هذه‪ ،‬نس�تطيع القول عنها‪ :‬أنها تمثل الكهنوت بكل ما تعنيه‬

‫كلمة (كهنوت)؛ ألنها أعطت سلطة مطلقة‪ ،‬ال ترتبط بضوابط وال بقيم وال‬

‫مب�ادئ أبداً‪ ،‬للطغاة والجائرين‪ ،‬وأعطتهم ش�رعية دينية في ذلك‪ ،‬وكأن اهلل‬

‫(سبحانه وتعالى) (العظيم‪ ،‬والعزيز‪ ،‬والحكيم‪ ،‬والعدل) قد أعطاهم الشرعية‬

‫والصالحي�ة الكامل�ة لفعل كل ذلك ف�ي مقابل أن تخض�ع األمة لهم‪ ،‬هذا‬

‫ه�و الكهنوت‪ ،‬الحالة التي كانت قائمة لدى الغرب في أوروبا‪ ،‬في القرون‬ ‫الوس�طى‪ ،‬ف�ي س�لطة الكنيس�ة‪ ،‬كانت عل�ى هذا النح�و‪ :‬ن�اس يتصرفون‬

‫بمزاجه�م‪ ،‬برغباته�م‪ ،‬بأهوائهم‪ ،‬وعلى أس�اس أن لهم س�لطة في هذا‪ ،‬أو‬

‫ش�رعية دينية ليتصرف�وا كيف ما يش�اءون ويريدون‪ ،‬واآلخ�رون عليهم أن‬ ‫يطيعوهم‪ ،‬وهم يستندون إلى هذا‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫الرؤي�ة القرآنية في ثقافة يوم الوالية (في ثقافة الغدير)‪ ،‬وفي النص‬

‫القرآن�ي‪ ،‬تقدم رؤي�ة مختلفة وإيجابية وبنّاءة وعظيم�ة‪ ،‬وال يفترض النفور‬

‫منه�ا‪ ،‬ال�ذي يفت�رض أن تنفر األم�ة منه ه�و تلك الرؤي�ة‪ :‬التي ينت�ج عنها‬ ‫تمكي�ن الطغ�اة والظاملين والجائري�ن والجهلة‪ ،‬رؤية تمكّ �ن من ال يمتلك‬

‫أي معايي�ر‪ ،‬أي مؤهلات‪ ،‬ألن يتربع على عرش األمة‪ ،‬وأن يتدخل في كل‬ ‫ش�ئون األمة‪ ،‬وأن يكون ه�و املعني بكل أمر األمة‪ ،‬ه�ذه رؤية عقيمة‪ ،‬هذه‬ ‫الرؤي�ة التي يجب أن نش�مئز منها جميعاً؛ رؤي�ة ألحقت األضرار الفادحة‬

‫باألمة عبر التاريخ‪ ،‬وأوصلت األمة اإلسالمية في هذا العصر املهم‪ ،‬في هذا‬ ‫الزمن املهم جدًّ ا‪ ،‬إلى مس�توى أكثر األمم غبن�اً ‪ ،‬وجهالً‪ ،‬وتخلفاً‪ ،‬وضعةً‪،‬‬ ‫وسقوطاً‪ ،‬وتبعي ًة لألمم األخرى‪ ،‬وساقطة وضائعة تحت هيمنة أمم أخرى‪،‬‬

‫وأقوام أخرى‪ ،‬واتجاهات أخرى‪ ،‬إال القليل القليل في أوس�اط هذه األمة؛‬ ‫فه�ي الرؤية الغريبة الت�ي يفترض النفور منها‪ ،‬واالش�مئزاز منها‪ ،‬واالنتقاد‬

‫لها‪ ،‬واالحتجاج الشديد جدًّ ا عليها بأشد ما يمكن أن يكون من العبارات‬

‫واملواقف‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫النظرة القر�آنية للوالية الإلهية‬ ‫الرؤية القرآنية‪ ،‬وفق ما ورد في س�ورة املائدة‪ ،‬والتي كانت من آخر‬

‫ال في القرآن الكري�م‪ ،‬وفي اآليات التي كان�ت من آخر اآليات‬ ‫الس�ور ن�زو ً‬

‫َّ َ َ يُِّ ُ ُهّ‬ ‫لك ُم الل‬ ‫الت�ي نزل�ت في س�ورة املائ�دة‪ ،‬ومنها ه�ذا النص‪} :‬إِنم��ا و‬ ‫َو َر ُس هُ ُ‬ ‫ول{‪ ،‬والية اهلل (س���بحانه وتعالى) مثلام هي والية امللك الحصري لهذا‬ ‫العال�م بكله‪ ،‬ووالية األلوهية‪ ،‬ووالية الربوبية‪ ،‬هي‪ -‬أيضاً‪ -‬والية تش�مل‬

‫واقعنا نحن البش�ر؛ فنحن عبيده‪( :‬مفط�ورون‪ ،‬ومخلوقون‪ ،‬ومربوبون له؛‬ ‫هو ربنا‪ ،‬ملكنا‪ ،‬إلهنا؛ وأوجدنا لهدف‪ ،‬وملشروع‪ ،‬ولدور)‪ ،‬ووالية تشمل‪-‬‬

‫(جل ش���أنه) أن يقول‬ ‫بالتأكي�د‪ -‬الجانب التش�ريعي‪ :‬هو الذي يمتلك الحق َّ‬ ‫لنا‪[ :‬هذا حرام‪ ،‬وهذا حالل]؛ ألننا ملكه‪ ،‬وما بين أيدينا كله ملكه‪ ،‬ثم هو‬

‫(جل شأنه) الذي له الحق؛ ألنه‪( :‬الحكيم‪ ،‬العليم‪ ،‬الخبير‪ ،‬الرحيم‪ ،‬القوي‪،‬‬ ‫َّ‬

‫العزيز‪ ،)...‬الذي له حق أن يتخذ أي قرار ش�اء‪ ،‬وإذا اتخذ قرار ًا ما‪ ،‬أو أمر ًا‬ ‫م�ا؛ فباعتبار عزت�ه‪ ،‬وحكمته‪ ،‬ورحمت�ه‪ ،‬ليس مجازفةً‪ ،‬ولي�س عن جهل‪،‬‬

‫ولي�س عن تص�رف غير حكيم‪ ،‬أو عش�وائي‪...‬أو غير ذل�ك‪| .‬ال| فإذ ًا له‬ ‫والية علينا في التشريع‪ :‬في أن يحل لنا‪ ،‬وأن يحرم علينا‪ ،‬وأن يفرض علينا‪،‬‬

‫وأن يوجب علينا ما نعمل‪ ،‬وينهانا عام ينبغي أن ننتهي عنه‪ ...‬إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫(جل ش���أنه) والية علينا في أن يرعى ش�أننا‪ ( :‬في تدبير أمورنا‪،‬‬ ‫ثم له َّ‬

‫ف�ي إدارة أمورن�ا)‪ ،‬تمتد واليته إلى هذا الجان�ب‪( :‬إلى جانب الهداية‪ ،‬إلى‬

‫ُهّ‬ ‫ل ذَّال َ‬ ‫الل َو يُِّ‬ ‫ِين‬ ‫(جل ش���أنه) من يقول ف�ي كتاب�ه‪} :‬‬ ‫جان�ب اإلرش�اد)‪ ،‬هو َّ‬ ‫‪14‬‬

‫ُّ ُ‬ ‫ىَ ُّ ُ َ ذَّ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ُ ْ خُ ْ ُ ُ ّ‬ ‫آؤ ُهمُ‬ ‫ات إِل انلو ِر والِين كفروا أو يِل‬ ‫آمن��وا ي ِرجهم م َِن الظل َم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ُ ُ خُ ْ ُ َ‬ ‫ىَ ُّ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ك أَ ْص َحابُ‬ ‫ون ُهم ّم َِن ُّ‬ ‫ـئ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ات‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫الظ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫��ور‬ ‫انل‬ ‫الطاغ��وت ي ِرج‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُهّ َ يُِّ ذَّ َ َ ُ ْ‬ ‫ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫انل‬ ‫��الون{ [البق�رة‪} ،]257:‬الل ول الِي��ن آمنوا‬ ‫��ار ه��م فِيه��ا خ دِ‬ ‫ىَ‬ ‫خُ ْ ُ ُِ ّ َ ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ات إِل انلو ِر{ كيف‪ ،‬هل هناك س�احة في الدنيا‬ ‫ي ِرجهم مِ��ن الظلم ِ‬ ‫ومربع فيه نور وآخر فيه ظالم؛ فيأتي ويخرجهم من الساحة التي فيها ظالم‪،‬‬

‫ث�م يذه�ب بهم إلى املربع اآلخ�ر أو املنطقة األخرى التي فيه�ا نور؟ النور‪،‬‬ ‫والظالم‪ :‬كالهام عبارة ع�ن مفاهيم‪ ،‬عن عقائد‪ ،‬عن أفكار‪ ،‬عن تصورات‪،‬‬ ‫ع�ن مش�اريع عمل‪ ،‬فإما أن تك�ون الحالة الظالمي�ة‪ :‬مجموعة من األفكار‬

‫واملعتق�دات‪ ،‬التي تبنى عليه�ا توجهات‪ ،‬وتبنى عليها أعمال‪ ،‬وتبنى عليها‬ ‫مواقف‪ ،‬يبنى عليها مس�ار حياة‪ .‬وإم�ا أن تكون تلك الحالة األخرى‪ ،‬حالة‬

‫الن�ور كذل�ك‪ :‬مفاهيم‪ ،‬أفكار‪ ،‬تعليامت‪ ،‬توجيه�ات؛ تبنى عليها توجهات‪،‬‬

‫تبنى عليها حتى املشاعر النفسية‪ ،‬وتبنى عليها ‪ -‬أيضاً‪ -‬مشاريع عمل‪ .‬هذه‬

‫هي الحالة القائمة في حالة النور وفي حالة الظالم‪.‬‬

‫فالنور‪ :‬عبارة عن مش�روع ومنهج في هذه الحياة‪( :‬فيه املعتقدات‪،‬‬

‫في�ه التعليامت‪ ،‬فيه التش�ريعات‪ ،‬في�ه التوجيهات)‪ ،‬هو مس�ار حياة‪ ،‬مرتبطة‬ ‫بواق�ع حياتنا‪ ،‬في كل ش�ؤننا‪ .‬والحالة الظالمية ه�ي‪ :‬مجموعة من األفكار‬

‫الظالمي�ة الخطيرة جدًّ ا‪ ،‬الس�يئة ج�دًّ ا‪ ،‬التي هي أباطيل وضلاالت‪ ،‬التي‬

‫تنحرف بالبشرية عن املسار الصحيح الذي يوصلها إلى رضوان اهلل ويحقق‬

‫لها الدور الذي تشرف به وتسمو به في هذه الحياة‪ ،‬وتؤدي من خالله دورها‬ ‫‪15‬‬

‫في استخالفها في األرض ومسؤوليتها في األرض على أرقى مستوى‪.‬‬

‫ر�سل اهلل‪ ..‬حَ َملة م�شاعل النور للب�شرية‬ ‫كي�ف يعمل اهلل (س���بحانه وتعالى) في ذلك؟ عملي�ة اإلخراج هذه (من‬

‫رسلا‪ ،‬هؤالء الرس�ل‬ ‫ً‬ ‫الظلامت إلى النور) كيف تتم؟ يرس�ل اهلل إلى عباده‬ ‫يأت�ون بهذه التعليمات‪ ،‬بهذه التوجيه�ات من اهلل (س���بحانه وتعالى) في كتب‬

‫يأت�ون به�ا‪ ،‬يترافق مع ذلك‪ :‬الدور العملي املباش�ر (مع م�ا يقدمونه‪ ،‬مع ما‬

‫يبلغونه)؛ فالرس�ل والكتب هام‪ :‬الثنائيان املتالزمان ملشروع الهداية اإللهية‬ ‫إلخ�راج الناس م�ن الظلامت إلى الن�ور‪ ،‬تجمع وتأتي تل�ك املفاهيم‪ ،‬تلك‬ ‫التعليمات‪ ،‬تل�ك التوجيهات‪ ،‬املعبر عنها بالنور؛ ألنه�ا تضيء لنا دربنا في‬

‫ه�ذه الحي�اة‪ ،‬ومس�ارنا ف�ي هذه الحي�اة‪ ،‬حتى ال نضي�ع وال نتي�ه‪ ،‬تأتي مع‬

‫الرسل‪ ،‬قبل أن تكون مكتوبة تبلغ‪ ،‬وتكتب‪ ،‬وتوثق للبشرية‪ ،‬ويترافق معها‬ ‫معني بعملية التبليغ‪:‬‬ ‫نش�اط ودور محوري ورئيس�ي‪ ،‬مثالً‪ :‬الرسول نفس�ه ٌ‬ ‫يكلم الناس‪ ،‬يبلّغهم‪ ،‬يتلو عليهم من اهلل (سبحانه وتعالى)‪(:‬تلك التوجيهات‪،‬‬

‫تلك املفاهيم‪ ،‬تلك التعليامت‪ ،‬تلك البصائر‪ ،‬تلك التوضيحات)‪ ،‬يترافق مع‬ ‫ذلك أن يكون هو معني ًا إلى ح ٍد كبير‪ ،‬ومرتبطاً‪ -‬بشكل رئيسي ومحوري‪-‬‬

‫بتلك التعليامت‪ ،‬يكون هو‪ :‬أول من يفهمها‪ ،‬من يستوعبها‪ ،‬من يؤمن بها‪،‬‬ ‫من يـتأثر بها‪ ،‬من يجس�دها‪ ،‬من يطبقها‪ ،‬من يلتزم بها‪ ،‬من يمثل القدوة في‬

‫أدائها‪ ،‬من يرعى في النش�اط العملي‪ ،‬والس�عي العملي في الواقع البشري‪:‬‬ ‫العمل على إقامتها‪ ،‬على توجيه الناس في إطارها‪ ،‬على تحريك الناس من‬ ‫‪16‬‬

‫خالله�ا‪ ،‬على تفهيم الناس بها؛ حت�ى ال يفهموها الفهم الخاطئ‪ ،‬أو الفهم‬

‫الناقص‪ ،‬أو الفهم القاصر ‪.‬يعمل على دفع الناس لاللتزام بها‪ ،‬على مواجهة‬

‫كل التحديات التي تعترضها؛ ألنه يحصل ردة فعل في الواقع البشري‪،‬‬

‫يأت�ي من يعارض هذه التوجيهات‪ ،‬من يح�ارب هذه التعليامت‪ ،‬من‬

‫يتصدى لهذه املفاهيم‪ ،‬من يناقش‪ ،‬من يجادل‪ ،‬من يسعى إلبطالها وإنكارها‬ ‫والتكذيب بها‪ ،‬أو العمل بطريقة أخرى إذا فشلت حالة التكذيب‪ ،‬وفشلت‬

‫حال�ة الرفض لها‪ ،‬والتصدي له�ا‪ ،‬واإلنكار لها جمل ًة وتفصيالً‪ ،‬وانتصرت‬

‫هذه الرس�الة اإللهية فيام فيها‪( :‬من مضامين‪ ،‬م�ن توجيهات‪ ،‬من تعليامت‪،‬‬

‫م�ن مفاهيم‪ ،‬من توضيحات‪ ،‬من أفكار‪ ،‬من تصورات‪ ،‬من عقائد)‪ ،‬يعني‪:‬‬ ‫بالنس�بة لنا تصبح هكذا (حال�ة قائمة في واقعنا)؛ يأت�ي مخاطر وتحديات‬ ‫أخ�رى‪ :‬احتوائي�ة من جان�ب املبطلين‪ ،‬عملي�ة تحريف للمفاهي�م‪ ،‬إما من‬

‫خلال افتراء نص�وص جديدة تضاف وتحس�ب‪ ،‬وإما من خلال تحريف‬

‫للمعاني التي حملتها النصوص املقدمة لألمة‪ ،‬والتوضيحات املقدمة لألمة‬

‫في كتب اهلل‪ ،‬وفي حركة أنبياء اهلل ورسل اهلل‪.‬‬

‫فه�ذه العملية‪ :‬هي عملية إخراج من الظلمات إلى النور‪ ،‬األفكار‬

‫الظالمي�ة‪ ،‬العقائد الظالمية‪ ،‬املفاهي�م الظالمية‪ ،‬التص�ورات الخاطئة التي‬

‫يبن�ى عليها مواقف‪ ،‬يبن�ى عليها أعامل‪ ،‬يبنى عليها تحرك في الحياة‪ ،‬تصبح‬ ‫منهج ًا يلتزم به هنا وهناك الكثير من الناس‪ ،‬ويتعصب له الكثير من الناس‪،‬‬ ‫وتصبح عقائد يتشبث بها الكثير من الناس؛ يأتي الرسل واألنبياء بهدي اهلل‪،‬‬ ‫بنور اهلل‪ ،‬بوحي اهلل‪ ،‬بكلامت اهلل‪ ،‬بكتب اهلل‪ ،‬وضمن نش�اط تبليغي وعملي‬ ‫‪17‬‬

‫وتربوي وحركة واس�عة‪ :‬يبلّغون‪ ،‬يجاهدون‪ ،‬يربّ�ون‪ ،‬يقاتلون‪ ،‬يهاجرون‪،‬‬

‫يضح�ون‪ ،‬يُكَ وّ نُونَ هم ف�ي أدائهم الحركي والعمل�ي الحالة التي‬ ‫يعان�ون‪ّ ،‬‬

‫تجس�د تل�ك التعالي�م‪ ،‬تطبّق تلك التعالي�م‪ ،‬تحوّ ل تلك التعالي�م إلى حالة‬ ‫عملية وحياتية قائمة في الواقع‪ ،‬جهد كبير ورئيس�ي‪ ،‬يعني‪ :‬ليست العملية‬

‫التي يكلف بها األنبياء عملية إذاعية‪ ،‬كالش�خص الذي هو مذيع‪ ،‬مذيع في‬ ‫التلفزي�ون أو ف�ي إذاعة‪[ ،‬ما بلا با يقرأ الخبر‪ :‬بلغنا للت�و‪ ،‬وصلنا للتو خبر‬ ‫عاج�ل (ال ال ال)‪ ،‬ويق�وم يق�رأ البالغ‪ ،‬وخالص انته�ت املهمة‪ ،‬وهو ذلك‬ ‫املذي�ع الذي س�ينتظر خبر ًا آخ�ر يقدمه وخالص اكتم�ل املوضوع!] |ال|‬

‫األنبي�اء ليس�وا مذيعين على منص�ات إذاع�ات أو تلفزيون�ات‪| ،‬ال| دور‬ ‫رئيس�ي وكبير جدًّ ا في الس�احة العملية‪ ،‬هو يحمل هذا املش�روع كمشروع‬ ‫حياة‪ ،‬يأتي يتحرك في الس�احة على أساسه‪ ،‬يربي الناس على أساسه‪ ،‬يفهِّ م‬

‫الناس من خالله‪ ،‬يغيّر الكثير من املفاهيم‪ ،‬يحدث تغيير ًا كبير ًا في الس�احة‬ ‫البشرية‪ ،‬في العادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬واملفاهيم‪ ،‬والتصورات‪ ،‬واملواقف‪ ،‬ويتجه‬ ‫بالناس ضمن مسار عملي ومشروع حياة يتحرك فيه‪.‬‬

‫والية الر�سل امتداد لوالية اهلل‬ ‫ه�ذه عملي�ة إخراج الناس م�ن الظلامت إلى الن�ور ضمن الوالية‬

‫اإللهية‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن واحد ًا أو جانب ًا رئيس�ي ًا من مفهوم الوالية اإللهية مثلام‬ ‫ه�و َخلَ�ق‪ ،‬مثلام هو رَ زَ ق‪ ،‬مثلام ه�و أحيا وأمات‪ ،‬مثلام هو يدبّر ش�ؤون هذا‬

‫الكون على نحو مستمر في حركته الكبرى‪ :‬حركة النجوم‪ ،‬وحركة األقامر‪،‬‬ ‫‪18‬‬

‫وحركة الشمس‪ ،‬وحركة األرض‪ ،‬وما في األرض من كل التصرف اإللهي‬

‫في اإلحي�اء واإلماتة والخل�ق‪ ،‬وكل العملية التكوينية والتدبيرية الواس�عة‬

‫ل ذَّال َ‬ ‫جانب آخر من واليته هو هذا الجانب‪َ } :‬و ُّ‬ ‫ِين‬ ‫ٌ‬ ‫جدًّ ا في هذا الكون‪،‬‬ ‫يِ‬ ‫ىَ‬ ‫خُ ْ ُ ُ ّ َ ُّ‬ ‫َُ‬ ‫الظ ُل َم��ات إل ُّ‬ ‫انل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫��وا‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫ور{‪ .‬هذا املش�روع يقوم عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َ َ ُّ ُ ُ ُهَّ‬ ‫األنبي�اء ي�ؤدّون دوره�م‪ ،‬وله�ذا }إِنم��ا و يِلكم الل{ يرعاك�م رعاي ًة‬ ‫ش�املة‪ ،‬رعاية املِلْ�ك والتص�رف‪ ،‬رعاية األلوهي�ة‪ ،‬رعاية الربوبي�ة‪ ،‬رعاية‬

‫التش�ريع‪ ،‬رعاية الهداية‪ ،‬رعاية النصر‪ ،‬رعاية التأييد‪ ،‬رعاية ش�املة تش�مل‬

‫كل نواحي ومناحي حياتكم‪.‬‬

‫ُ‬

‫هُ‬

‫} َو َرس ُ‬ ‫��ول{ امتداد لهذه الوالية في واقعها البشري‪ ،‬من خالل حركة‬

‫الرس�ل واألنبي�اء ف�ي تبليغ ه�دي اهلل‪ ،‬وتعليمات اهلل‪ ،‬ومنهج اهلل (س���بحانه‬

‫عملي‬ ‫ٌ‬ ‫وتعال���ى) والدور الذي يقومون به في إطار الحركة التبليغية‪ ،‬وهو دورٌ‬ ‫يحت�م اهلل في�ه طاعتهم؛ إلنجاح ذلك املش�روع‪ ،‬ولتحويله إل�ى حالة قائمة‬

‫َّ ُ َ َ ْ هّ‬ ‫ََ َْ َ َْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ول إِال يِلطاع بِإِذ ِن اللِ{‬ ‫في الواقع البش�ري‪} ،‬وما أرسلنا مِن رس ٍ‬

‫[النس�اء‪[ ،]64:‬م�ا هو مج�رد فقط موعِّ �ظ واال مُ خبر]‪ ،‬يعن�ي صاحب أخبار‪،‬‬

‫ُ َ‬ ‫ل َطاع‬ ‫صاح�ب تحرير صحفي‪ ،‬يحرر األخبار ويبلغها‪ ،‬أو مذيع‪| ،‬ال| } يِ‬ ‫َّ يُِّ َ ْ ىَ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫ْ هّ‬ ‫نفس ْ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫{‬ ‫أ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ني‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ِب�‬ ‫�‬ ‫انل‬ ‫��هم{ [األح�زاب‪،]6:‬‬ ‫الل‬ ‫ِ‬ ‫بِ��إِذ ِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ىَ ْ ُ ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫س ِهم{ له هذه الوالية التي هي امتداد للوالية‬ ‫}أول بِالمؤ ِمنِني مِن أنف ِ‬ ‫اإللهية ضمن هذا املشروع اإللهي‪ ،‬يبقى هو عبد ًا خاضع ًا هلل (سبحانه وتعالى)‬

‫ْ َ َّ ُ َّ َ‬ ‫يبقى في الواقع الذي يقول فيه ـ كام علّمه اهلل أن يقول‪} -‬إِن أتبِع إِال ما‬ ‫‪19‬‬

‫ُ ىَ‬

‫يَ‬

‫يوح إ َّ‬ ‫ل{‪ ،‬يعني‪ :‬ال يمتلك س�لطة التصرف املزاج�ي‪| .‬ال| ال يمتلك‬ ‫ِ‬

‫أن يتص�رف ف�ي الناس كام يريد‪ ،‬كما هي الحالة األخرى ف�ي الفكرة الثانية‬ ‫ف�ي مفهوم الوالية باملفهوم اآلخ�ر‪ ،‬والية أمر الناس باملفهوم الذي يحارب‬ ‫ثقاف�ة الغدي�ر‪ ،‬ومفه�وم الوالية وفق الن�ص القرآني في ثقافة ي�وم الوالية‪،‬‬

‫يعط�ون الجائر واملس�تكبر الظالم‪ ،‬يأتي جاهل ما يمتل�ك أي معرفة‪ ،‬أحيان ًا‬ ‫يحتاج إلى فريق حوله‪ ،‬يعلمونه ويبذلون جهد ًا كبير ًا عليه كيف يستطيع أن‬ ‫ينطق‪ ،‬كيف يس�تطيع أن يقرأ من ورقة‪ ،‬كيف يس�تطيع أن يتعامل مع الناس‬

‫التعام�ل الروتيني‪ ...‬ويحتاج جهود ًا مضنية ج�دًّ ا جدًّ ا في ذلك‪ ،‬جاهل ال‬ ‫يمتل�ك أي معرف�ة‪ ،‬ال دينية وال غي�ر دينية‪ ،‬ويكون في نفس الوقت إنس�ان ًا‬

‫متسلطاً‪ ،‬جباراً‪ ،‬ال يمتلك الرحمة وال الرأفة‪ ،‬وليس لديه أي مشروع لألمة‬

‫نفس�ها‪ ،‬مفهوم الوالية عنده التس�لط على الناس‪ ،‬ومامرسة حالة التسلط بام‬

‫يرتكب�ه من مظالم وجرائم‪ ،‬وما يجمعه من ثروات‪ ،‬هذا مفهوم الوالية‪ ،‬ثم‬ ‫يعطونه مع ذلك وجوب الطاعة‪ ،‬وجوب اإلذعان‪ ،‬وجوب االس�تجابة له‪،‬‬

‫والخضوع التام له‪.‬‬

‫األنبياء ليست الحالة عندهم هذه الحالة‪ ،‬النبي وهو النبي‪ ،‬ال يمتلك‬

‫س�لط ًة مطلق� ًة يتصرف فيه�ا بمزاج أو ه�وى‪ ،‬إنام يتحرك كعبد هلل (س���بحانه‬

‫وتعال���ى) ه�و أول املؤمني�ن بنه�ج اهلل‪ ،‬أول املس�لمين‪ ،‬علي�ه كل االلتزامات‬ ‫الدينية‪ ،‬وأحيان ًا عليه التزامات أكثر من بقية املس�لمين‪ ،‬بل مس�توى االلتزام‬

‫علي�ه أكث�ر م�ن مس�توى التزامه�م حتى ف�ي االلتزام�ات املش�تركة‪ ،‬وعليه‬ ‫التزام�ات إضافي�ة بحس�ب مهمت�ه ودوره‪ ،‬الح�رام ح�رام علي�ه‪ ،‬الحلال‬ ‫‪20‬‬

‫ كذلك‪ -‬حالل له‪ ،‬االس�تثناءات التي تكون بالنس�بة له اس�تثناءات تتعلق‬‫بمهمت�ه الصعبة والكبيرة‪ ،‬وعليه التزامات إضافية أكثر مام على األمة‪ ،‬وهو‬

‫ذلك الذي هو عبد هلل‪ ،‬خاشع هلل‪ ،‬خاضع هلل‪ ،‬ملتزم بنهج اهلل‪ ،‬مستقيم على‬

‫ْ َ َّ ُ َّ َ ُ ىَ يَ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫أم�ر اهلل وتوجيهات اهلل‪ ،‬فيقول‪ } :‬إِن أتبِع إِال ما يوح إِل {‪}،‬اتبِع‬ ‫َ َّ ْ َ ُ ىَ يَ ْ َ‬ ‫َ ُ َ يَ ْ َ‬ ‫م��ا أ يِ‬ ‫وح إِلك{ [األنعام‪ :‬من اآلية‪} ،]106‬واتبِ��ع ما يوح إِلك{ [يونس‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫م�ن اآلية‪} ،]109‬فاس��ت ِقم كما أمِرت{ [ه�ود‪ :‬من اآلي�ة‪ ]112‬ال تحد أو تنحرف‬

‫ع�ن ه�ذا النهج أبداً‪ ،‬ويبقى هو في مقدمة املؤمنين ه�و ذلك األكثر التزاماً‪،‬‬ ‫األكث�ر طاعةً‪ ،‬األرق�ى واألعظم عبودي ًة هلل (س���بحانه وتعالى) ال يتفرعن‪ ،‬وال‬

‫يتجب�ر‪ ،‬وال يطغ�ى‪ ،‬وال يتكب�ر عل�ى عب�اد اهلل‪ .‬ال‪ ،‬ه�و القدوة ف�ي التزامه‬

‫الديني‪ ،‬القدوة في التزامه بنهج اهلل وش�رع اهلل‪ ،‬وخضوعه ألمر اهلل (س���بحانه‬ ‫وتعالى) وهو في نفس الوقت الذي يحمل من مشروع اهلل‪ ،‬من نهج اهلل ِقيَمَ هُ‬

‫ف�ي الرحم�ة‪ ،‬والحكمة‪ ،‬وإرادة الخير للناس على أرقى مس�توى‪ ،‬فال أحد‬

‫يص�ل إلى مرتب�ة األنبياء في رحمتهم بالناس‪ ،‬ف�ي عطفهم على الناس‪ ،‬في‬ ‫حنوِّ ه�م على الناس‪ ،‬في حرصه�م الكبير‪ ،‬وأن يعزّ عليهم ما يلحق بالناس‬

‫من ضرر‪ ،‬ولو أدنى ضرر‪.‬‬

‫ه�ذه الوالي�ة بمفهومه�ا العظيم‪ ،‬كي�ف ننف�ر منها؟! كي�ف يقول‬

‫البع�ض‪| :‬ال| |ال| ال نري�د هذا املفهوم أب�داً‪ ،‬نريد املفه�وم اآلخر‪ ،‬نريد‬ ‫مفهوم� ًا يفت�ح املجال ويفت�ح كل األبواب لكل جائر وظال�م وطاغية ليأتي‬

‫عل�ى عرش األمة ويدوس�ها بحذائ�ه‪ ،‬ويركعها لجبروت�ه وطغيانه‪ ،‬ذاك هو‬

‫املفهوم املريح بالنسبة للبعض!‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫والية الإمام علي امتداد لوالية النبي الأكرم‬ ‫ه�ذا املفهوم اآلخر (املفهوم القرآني)‪ ،‬مفهوم ثقافة يوم الوالية‪ ،‬قدّ م‬

‫اإلم�ام علي ًا (عليه الس�ل�ام) من موقعه الذي جعل�ه اهلل فيه‪ ،‬والذي وصل إليه‬ ‫ب�إرادة إلهية‪ ،‬وتربي�ة إلهية‪ ،‬وتربية نبوي�ة‪ ،‬بمعايير إيامني�ة‪ ،‬باعتباره في هذه‬ ‫األمة بعد نبيها أرقى هذه األمة في كامله اإليامني ومستواه اإليامني‪ ،‬وارتباطه‬

‫باملشروع اإللهي‪ :‬من حيث العلم بهذا املشروع واملعرفة‪ ،‬من حيث االرتباط‬ ‫العمل�ي وااللتزام الحياتي بهذا املش�روع اإللهي‪ ،‬ومن حيث االئتامن عليه‪،‬‬

‫وم�ن حيث التخلق بأخالقه‪ ،‬ومن حيث‪-‬كذل�ك‪ -‬االلتزام بقيمه ومبادئه‪،‬‬

‫علي كان في هذا املستوى في واقعه في األمة‪ ،‬كان في هذا املستوى‪ ،‬ويأتي‬ ‫له�ذا ال�دور امتداد ًا لنبي اهلل‪ ،‬ألنه م�ا بعد األنبياء هل انتهت املس�ألة؟! هل‬

‫تنتهي ثمرة هذا النهج اإللهي‪ ،‬هل يغلق اهلل (س���بحانه وتعالى) كل نوافذ النور‬ ‫ه�ذه ويترك املجال للظلمة لتطغى في واقع البش�رية؟ هل نافذة النور تغلق‬

‫عندما يعرج بروح نبيٍ من األنبياء؟ والنبي محمد هو خاتم النبيين [خالص‬ ‫انته�ى املوضوع‪ ،‬يجلس الباقي في الظالم إلى قيام الس�اعة]؟! |ال| ال بد‬ ‫من االستمرارية لهذا املشروع‪ ،‬ولهذا النهج اإللهي‪.‬‬

‫ُ هُ‬ ‫ذَّ‬ ‫ُ ُ َ َّ َل�اَ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫َ ذَّ َ َ ُ‬ ‫يمون الص� ة َويؤتون‬ ‫ِين آمن��وا الِين َي ِق‬ ‫القرآن�ي ليق�ول‪} :‬وال‬ ‫َّ اَ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫الزكة ََوهم َْراك ِعون{‪ ،‬مقدم ًا لإلمام علي (عليه السالم) ضمن مواصفاته‬

‫م�ا بعد النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‪َ }:‬و َرس ُ‬ ‫��ول{ يأتي النص‬

‫اإليامني�ة الراقي�ة‪ ،‬ليأتي التقديم له ف�ي البالغ النبوي في ي�وم الغدير ضمن‬ ‫‪22‬‬

‫ِي)‪ ،‬وباإلش�ارة إليه باسمه وشخصه‪،‬‬ ‫َذا َعل ٌّ‬ ‫تش�خيص واضح باالسم‪َ ( ،‬فه َ‬

‫َذا َعل ٌّ‬ ‫ماسك ًا بيده‪ ،‬ومقدم ًا له من فوق أقتاب اإلبل‪َ ( ،‬فه َ‬ ‫ِي َم ْو اَلهُ)‪.‬‬ ‫الدور المهم والمحوري للإمام علي‬

‫اإلم�ام علي (عليه الس�ل�ام) يس�تمر في هذا الدور ما بع�د النبي (صلى‬

‫اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‪ ،‬وهو دور مهم‪ ،‬ودور أساسي في مرحلة العادة‬

‫القائم�ة هي حالة اختالف بعد كل نبي من األنبياء‪ ،‬وحالة نزاع بين أمته‪،‬‬

‫فهل تترك هذه األمة لتتنازع وتختلف‪ ،‬وتتفرق في دينها‪ ،‬في مفاهيم هذا‬ ‫أي منها يمثل االمتداد الحقيقي للنهج اإللهي‪ ،‬املفهوم الصحيح‪،‬‬ ‫الدين‪ٌّ ،‬‬

‫والتعري�ف الصحيح‪ ،‬واملدلول الحقيقي للنصوص؟ |ال| بعد رس�ول‬

‫لي‬ ‫َذا َع ٌ‬ ‫���و اَل ُه َفه َ‬ ‫ْت َم ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫���ن ُ‬ ‫َم ْ‬ ‫اهلل (صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم)‪( ،‬ف َ‬ ‫َم ْو اَلهُ)‪.‬‬ ‫تُقْ فِ�ل ثقاف�ة الغدير كل األب�واب عل�ى كل الجائرين واملتس�لطين‬

‫والطغ�اة؛ ألنه�ا قدّ مت النموذج‪ ،‬وقدّ م�ت لألمة ما يحفظ له�ا ويضمن لها‬ ‫أصال�ة االمت�داد للنه�ج اإللهي بعد رس�ول اهلل (صل ��ى اهلل وعلى آله وس ��لم) إن‬

‫اختلف�ت األم�ة‪ ،‬أو تباينت‪ ،‬أو تفرقت بعد النبي‪ ،‬مَ�نْ يوصلنا إلى هذا النبي؟‬

‫ه�ا نحن اليوم بعد أجي�ال تلو أجيال من عصر النبي إل�ى اليوم‪ ،‬أمتنا تفرقت‪،‬‬ ‫أمتن�ا اختلفت‪ ،‬أمتن�ا تباينت في أكثر أمورها املتعلقة به�ذا النهج اإللهي‪ ،‬إلى‬ ‫مَ�نْ نتطلع؟ هل تركنا هكذا ضحية في مرحلة من أهم مراحل التاريخ؟ أم أن‬

‫هناك امتداد ًا لهذا النهج في أعالمه‪ ،‬في رموزه املؤتمنين؟ النبي حسم املسألة‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫وله�ذا الحظوا‪ ،‬الش�يء ال�ذي كان طبيعي ًا أن يحص�ل بعد حجة‬

‫الوداع‪ ،‬وأثناء حجة الوداع‪ ،‬والنبي يخبر أمته أنه يوشك أن يدعى فيجيب‪،‬‬

‫وأنه على وشك الرحيل من هذه الحياة‪ ،‬هو أن تكثر التساؤالت حول هذه‬

‫املسائل بين أوساط األمة‪ ،‬وأن تسخن االقتراحات والنقاشات واملداوالت‪،‬‬ ‫فماذا بعد وفاته؟ كيف؟ ماذا س�نفعل؟ ماذا س�يحصل؟ لكن النبي لم يترك‬

‫ال ألن تنش�غل األمة بالتساؤالت والجدل والنقاشات واالقتراحات …‬ ‫مجا ً‬

‫الخ‪| .‬ال| حس�م املس�ألة‪ ،‬وأوضح الحجة واملحجة هلل (سبحانه وتعالى) من‬

‫خلال ه�ذه النصوص‪ ،‬وما س�بقها من نص�وص كثيرة ومهم�ة وواضحة‪،‬‬

‫فَقُ �دِّ مَ لنا ضمن مفه�وم هذه الوالية املفهوم ال�ذي يضمن االمتداد األصيل‬ ‫ملنه�ج اهلل (س���بحانه وتعالى) ويحدد لن�ا النموذج األعظ�م واألرقى في األمة‬ ‫الذي يمكن أن تكون األمة متطلع ًة إليه على الدوام؛ لتعرف من هم رموزها‬

‫الذين ينبغي أن تلتف حولهم‪ ،‬أن تنتهج نهجهم‪ ،‬أن تأتمنهم في تجسيدهم‬ ‫لقيم اإلسلام وأخالقه‪ ،‬وفي تقديمهم ملفاهيم اإلسالم ومدلول نصوصه‪،‬‬

‫ِي َم ْو اَلهُ)‪.‬‬ ‫َذا َعل ٌّ‬ ‫هؤالء هم ( َفه َ‬

‫ث�م تطلع إلى اإلم�ام علي في زم�ن النبي‪ ،‬في حياته مع رس�ول اهلل‬

‫تلمي�ذ ًا يربي�ه النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) ويعلّم�ه‪ ،‬ودوره في تلك‬

‫املرحلة مع رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) وفيام بعد رسول اهلل إلى‬ ‫ال ما فيه أيض ًا شواهد واضحة على تلك النصوص‪،‬‬ ‫حين استشهاده‪ ،‬ترى فع ً‬ ‫ومصاديق عملية وحقيقة لتلك النصوص التي تحدثت عنه‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫والي�ة اإلم�ام علي (عليه الس�ل�ام) لم تك�ن مجرد والية س�لطة انتهت‬

‫باستش�هاده‪ ،‬ب�ل والية اقت�داء واهتداء‪ ،‬تبق�ى األمة مرتبط ًة به�ا على مدى‬

‫الزم�ن في كل األجي�ال‪ ،‬تبقى األمة معنية بااللتفات�ة الدائمة إلى علي (عليه‬

‫الس�ل�ام) لتس�تفيد مِنْ علي‪ ،‬كيف كان علي هذا في كل مراحل حياته‪ ،‬وفي‬ ‫كل مراحل دوره الكبير في اإلسالم؟‬

‫(((‬

‫•••‬

‫((( من محاضرة للسيد القائد بمناسبة الوالية لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫الباب الثاني‬ ‫�سنة اهلل في الهداية (منهج وقيادة)‬ ‫اهلل هو من ير�سم لعباده الطريق ال�صحيح‬ ‫إن مس�ؤولية الهداي�ة للعب�اد‪ ،‬وتقدي�م الدي�ن الحق إليه�م‪ ،‬وتقديم‬

‫الطريق�ة الصحيح�ة لعب�ادة اهلل (س���بحانه وتعال���ى) والبرنام�ج الفعل�ي الذي‬

‫يعبِّ�ر عن اهلل في هديه وتعليامته وتوجيهاته‪ ،‬هي مس�ألة ترتبط باهلل (س���بحانه‬

‫تش�كل إنق�اذًا حقيقيًا للناس‪ ،‬ونورً ا‬ ‫وتعالى) ووفق الطريقة اإللهية هي التي ِّ‬

‫َ‬

‫َْ‬

‫حقيقيً�ا للناس‪ ،‬اهلل (س���بحانه وتعالى) يقول‪} :‬إ ِ َّن َعل ْي َن��ا لل ُه َدى{‬

‫[الليل‪:‬‬

‫اآلية‪ ،]12‬مس�ؤولية الهداية للبش�ر‪ ،‬وتقديم التعليامت اإللهية للبشر‪ ،‬وتقديم‬

‫دي�ن اهلل الحق‪ ،‬الذي هو دينه الفعلي وتعليامته الحقيقية‪ ،‬وإيصالها بش�كلٍ‬

‫صحيحٍ ونقيٍ إلى البش�ر‪ ،‬وطريقة إقامتها في واقع البش�ر‪ ،‬هذه مسألة تعود‬

‫(جل ش���أنه) من يمتل�ك الحق في أن‬ ‫إل�ى من؟ إلى اهلل (س���بحانه وتعالى) وهو َّ‬ ‫يح�دد للعب�اد الطريق�ة التي يوصل به�ا هذا الح�ق إليهم؛ حت�ى ال يكونوا‬ ‫ضحي�ة لق�وى الطاغوت التي تفت�ري الكذب على اهلل‪ ،‬الت�ي تخدع الناس‬ ‫بهدف السيطرة عليهم‪ ،‬تفتري على اهلل‪ ،‬وتقدم زورً ا عقائد‪ ،‬أفكارً ا‪ ،‬حاللاً ‪،‬‬

‫حرامً�ا‪ ،‬إلزامات عملية تس�تغل بها الناس ملآربه�ا‪ ،‬ألهوائها‪ ،‬ملا تريده هي‪،‬‬

‫لتتمكن من السيطرة والنفوذ واالستغالل والتحكم بالبشر وبثروات البشر‪،‬‬ ‫ولتستعبد هؤالء البشر‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫َ لَىَ هّ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ‬ ‫اهلل يق�ول‪} :‬إِن علين��ا للهدى{‪ ،‬يقول َّ‬ ‫(جل ش���أنه)‪} :‬وع اللِ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬ ‫ب‬ ‫الس‬ ‫يل{ [النحل‪ :‬من اآلية‪ ،]9‬على اهلل هو‪ ،‬مسؤوليته هو‪ ،‬عندما يقول‪:‬‬ ‫قصد َ ِ َ ِ‬ ‫لَىَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫هّ ْ ُ َّ‬ ‫}إ َّن َعل ْي َنا لل ُه َدى{‪ ،‬وعندما يقول‪َ } :‬‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫��‬ ‫الس‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫يل{‪،‬‬ ‫الل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫يعني أنها من مس�ؤولياته (س���بحانه وتعالى) باعتباره هو ربنا‪ ،‬رب السماوات‬ ‫واألرض‪ ،‬وملكن�ا‪ ،‬مل�ك السماوات واألرض‪ ،‬ومل�ك الن�اس‪ ،‬إلي�ه ه�و‬

‫أن يح�دد للبش�رية طري�ق الخير‪ ،‬طريق الفلاح‪ ،‬طريق العبادة ل�ه‪ ،‬الطريق‬ ‫الصحي�ح واملنهج الحقيقي الذي يرس�مه للناس ليس�يروا علي�ه‪ ،‬أن يحدد‬

‫ه�و الصراط املس�تقيم‪ ،‬ومعالم هذا الصـراط التي تقودنا إليه‪ ،‬والتي تس�ير‬

‫بن�ا فيه‪ ،‬هذا إلى اهلل (س���بحانه وتعال���ى) ليس متروكً ا إلى الن�اس في أهوائهم‪،‬‬ ‫ف�ي اقتراحاته�م‪ ،‬ف�ي مزاجهم‪ ،‬ولذل�ك هو من يح�دد لنا (س���بحانه وتعالى)‬ ‫قن�اة الوصل به‪ ،‬من يوصلنا باهلل‪ ،‬ويصلنا عبره هدى اهلل ونور اهلل‪ ،‬وليس�ت‬

‫مس�ألة متروكة للناس بأمزجتهم وأهوائهم وشهواتهم ورغباتهم‪ ،‬ومتروكة‬

‫لالس�تغالل من قبل‪ :‬املجرمين‪ ،‬وكيانات الطاغوت‪ ،‬واملضلين‪ ،‬وأصحاب‬ ‫األهواء‪.‬‬

‫لَىَ‬

‫هّ َ ْ ُ‬

‫َْ َ‬

‫َّ‬

‫}َ‬ ‫يل َومِنها جآئ ِ ٌر{‪ ،‬يعني‪ :‬هناك سبل كثيرة‬ ‫ب‬ ‫��‬ ‫الس‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫الل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫جائرة‪ ،‬ولكن اهلل س�يتولى هو أن يرس�م لعباده الطريق الصحيح والصراط‬

‫ُ‬

‫ُهّ َ ْ‬

‫ْ َ ّ‬

‫��ل الل يه ِدي ل ِلح ِق{ [يونس‪ :‬م�ن اآلي�ة‪ ،]35‬فكيف يفعل اهلل‬ ‫املس�تقيم‪} ،‬ق ِ‬

‫(س���بحانه وتعال���ى)؟ ه�ل اهلل مثًل�اً يتخاطب بش�كلٍ مباش�ر مع عب�اده كلهم‪،‬‬ ‫ويس�معون نداءه بش�كل مباش�ر‪ ،‬وتعليامته بش�كل مباش�ر‪ ،‬أم هناك طريقة‬ ‫‪27‬‬

‫معينة؟ الطريقة التي س�نَّها اهلل (س���بحانه وتعالى) مع عباده‪ ،‬وهي سنة تتناسب‬

‫م�ع م�ا فطرهم عليه في واقع الحياة‪ ،‬وفطر وصمم عليه حياتهم فيام اعتادوا‬ ‫عليه وألفوه‪ ،‬كمجتمع بشري حياته ذات طابع اجتامعي‪ ،‬وليست ذات طابع‬ ‫ف�ردي‪ ،‬مجتم�ع نظمت حياته‪ ،‬بنيت حياته‪ ،‬حتى ف�ي طبيعة الخلق وتنظيم‬ ‫ش�ؤون الحي�اة كمجتم�ع متراب�ط بعض�ه ببعض‪ ،‬حي�اة اجتامعي�ة‪ ،‬مجتمع‬ ‫يحت�اج إلى قي�ادة واحدة‪ ،‬إلى منهج واح�د‪ ،‬في واقعه الفط�ري يتجه على‬

‫هذا األس�اس‪ ،‬إن اتجه على أس�اس دين اهلل‪ ،‬وإلاَّ اتجه بعيدً ا عن دين هلل بام‬ ‫يضله‪ ،‬ولكن على هذا األساس‪( :‬منهج‪ ،‬وقيادة)‪.‬‬

‫ْ لاَ َ ُ ً‬ ‫هَّ ُ َ ْ‬ ‫الل يص َط يِف م َِن ال َم ئِك ِة ُرسال َوم َِن‬ ‫اهلل (س���بحانه وتعالى) قال‪} :‬‬ ‫َّ‬ ‫اس{ [الحج‪ :‬من اآلية‪ ،]75‬اهلل (س���بحانه وتعالى) الذي له‪ :‬حق الهداية لعباده‪،‬‬ ‫انل ِ‬ ‫منهجا لحياتهم يسيرون عليه في‬ ‫حق التش�ريع لعباده‪ ،‬حق أن يرس�م لعباده ً‬ ‫ه�ذه الحياة‪ ،‬ليصلوا إل�ى الغاية التي يريدها لهم‪ ،‬وتتحق�ق لهم كل النتائج‬

‫املرج�وة م�ن اس�تخالفهم في ه�ذه الحي�اة‪ ،‬أو تق�وم عليهم الحج�ة إن لم‬

‫َ َ هَ ُ خْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ َ‬ ‫يلتزم�وا‪ ،‬اهلل ه�و من يمتلك ه�ذا الح�ق‪} ،‬أال ل اللق واألمر تبارك‬ ‫حْ ُ ْ‬ ‫ُهّ‬ ‫َّ هّ‬ ‫الل َر ُّب الْ َعالَم َ‬ ‫الك ُم إِال للِ ِ{‪ ،‬س�نته‬ ‫�ين{ [األعراف‪ :‬من اآلية‪} ،]54‬إ ِ ِن‬ ‫ِ‬

‫مع عباده أن يصطفي من املالئكة‪ ،‬وهم املالئكة‪ ،‬رسًل�اً ‪ ،‬يختار لهذا الدور‬ ‫خصيصا من بين أوس�اط املالئكة م�ن يختاره لهذا‬ ‫ً‬ ‫(إليص�ال ه�داه) يختار‬

‫ال�دور‪ ،‬م�ع أن املالئك�ة بكله�م مخلوقات صالح�ة ومس�تقيمة‪ ،‬يعني‪ :‬ال‬ ‫يوج�د مالئكة س�يئون ومالئكة صالح�ون‪ .‬ال‪ ،‬ولكن لم تكن املس�ألة إلى‬ ‫‪28‬‬

‫ح�د أن يق�ول‪[ :‬أي واح�د من املالئك�ة يمكن أن يق�وم بهذا ال�دور]‪ .‬ال‪،‬‬

‫يخت�ار اختيارً ا من داخل املالئكة من يوكل إليه ه�ذه املهمة وهذه الوظيفة‪،‬‬

‫أن يوصل هديه عن طريق الوحي‪ ،‬إلى من يصطفيه للناس رس�ولاً ‪ ،‬ليرسله‬

‫هَّ ُ َ ْ َ‬

‫ْ َ لاَ‬

‫َ‬

‫ُ ً‬

‫َّ‬

‫اس{‪ ،‬ومن‬ ‫إلى الناس‪} ،‬الل يصط يِف م َِن الم ئِك ِة ُرسال َوم َِن انل ِ‬

‫أوساط املجتمع البشري‪.‬‬

‫في الواقع البش�ري كذلك املس�ألة في مس�ألة من ي�وكل اهلل إليه هذه‬

‫املهمة‪ ،‬ومن يحمِّ له هذه املس�ؤولية‪ ،‬ومن يختاره لهذا الدور‪ ،‬ليس�ت مسألة‬ ‫انتخاب�ات مثًلً‪ ،‬أن يطل�ب من عب�اده أن ينتخب�وا لهم رس�ولاً أو نبيًا‪ ،‬فلو‬

‫تركت املس�ألة إل�ى االختيار البش�ري لكانت خاطئة ج�دًّ ا‪ ،‬يعني‪ :‬لو نأتي‬

‫مثًل�اً إلى مجتمع مكة‪ ،‬في بداية حركة النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‬

‫كم لقي من التكذيب‪ ،‬األغلبية في مكة كفروا به وكذبوه‪ ،‬بل قال اهلل عنهم‪:‬‬

‫َ َ ْ َ َّ ْ َ ْ ُ لَىَ َ ْ رَ‬ ‫ْ‬ ‫ثهِم{ [يس‪ :‬من اآلية‪ ،]7‬األغلبية خذلوا‪ ،‬األغلبية‬ ‫}لقد حق القول ع أك ِ‬

‫جحدوا الحق‪ ،‬تنكروا للرس�الة‪ ،‬كفروا بالرسول‪ ،‬يعني‪ :‬أنَّ األغلبية كانت‬ ‫إل�ى جان�ب أبي جه�ل وأبي س�فيان‪ ،‬ومكذبي�ن بالرس�ول‪ ،‬ول�و قيل لهم‬ ‫انتخبوا‪ ،‬التجهوا إلى انتخاب أبي جهل أو أبي س�فيان‪ ،‬وكفروا برسول اهلل‬

‫َ ْ لاَ‬ ‫محمد (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) بل كانوا يقولون هم فيام بعد‪} :‬لو‬ ‫ُ ّ َ َ َ ْ ُ ْ ُ لَىَ َ ُ ّ َ ْ َ ْ َ َينْ َ‬ ‫يم{ [الزخرف‪ :‬من اآلية‪،]31‬‬ ‫ن ِزل هذا القرآن ع رج ٍل مِن القريت ِ ع ِظ ٍ‬ ‫غير هذا الشخص‪.‬‬

‫تأثرات الناس ‪-‬أحيانًا‪ -‬في بعض املجتمعات‪ ،‬تفكيرهم‪ ،‬ارتباطاتهم‪،‬‬ ‫‪29‬‬

‫نظرته�م خاضع�ة لتأثي�رات معين�ة‪ ،‬لتقييمات معين�ة‪ ،‬العتب�ارات معينة‪،‬‬ ‫ينشدون إلى من يرونه صاحب سلطة وجاه وثروة ومال وقوة‪ ،‬وليس إلى‬

‫من هو األجدر بحس�اب القيم‪ ،‬واألخالق‪ ،‬واملبادئ‪ ،‬والصالحية الفعلية‬

‫لحمل الرس�الة اإللهية‪ ،‬هل صالحية حمل الرسالة اإللهية هو مستوى ما‬ ‫تملكه من ثروة‪ ،‬كتاجر كبير‪ ،‬أو مستوى النفوذ والسلطة‪ ،‬كصاحب سلطة‬

‫معين�ة‪ ،‬وس�يطرة معين�ة عل�ى مجتمعك‪ ،‬أو وجاه�ة معينة بي�ن املجتمع؟‬ ‫|ال| لها اعتبارات أخرى‪ ،‬اعتبارات أخرى تلحظ حتى في الخلق‪ ،‬عندما‬

‫يخلق اهلل إنسانًا‪ ،‬يخلقه ويعده إعدادًا ويهيئه تهيئة لهذه املهمة ولهذا الدور‬ ‫العظيم‪ ،‬وليكون الئقً ا بهذه املسؤولية وفي مستوى هذه املسؤولية العظيمة‬

‫ْ‬

‫َ ْ‬ ‫اص َط َن ْع ُت َك لنِ َفـس{‬ ‫واملقدسة‪ ،‬يقول عن نبيه موسى (عليه السالم)‪} :‬و‬ ‫َ ْ َ َُْ َ َْ‬ ‫[ط�ه‪ :‬اآلي�ة‪ ،]41‬هكذا يقول اهلل ل�ه‪} :‬واصطنعتك لنِ فس{‪ ،‬وهنا يقول‪:‬‬ ‫َ ْ َ لاَ َ ُ ُ ً‬ ‫هَّ ُ َ ْ‬ ‫�لا َوم َِن َّ‬ ‫الل يص َط يِف مِن الم ئِك ِة رس‬ ‫��اس{‪( ،‬ي َْصطَ فِي)‪:‬‬ ‫}‬ ‫انل ِ‬ ‫َ َ ُّ َ خَ ْ ُُ‬ ‫خصيصا لهذه املس�ؤولية‪ ،‬يقول‪} :‬وربك يلق‬ ‫ً‬ ‫خصيصا ويخلق‬ ‫ً‬ ‫يصنع‬ ‫خْ‬ ‫َ‬ ‫رَ َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ اَ َ ُ‬ ‫ار ما كن له ُم ال‬ ‫ما يش��اء ويخت‬ ‫ِية{ [القصص‪ :‬من اآلية‪ ،]68‬ملاذا؟ ألن‬ ‫لَىَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫هّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يل{‪} ،‬إِن علينا‬ ‫هذه مسؤولية تعود إلى اهلل‪} ،‬وع اللِ قصد السبِ ِ‬ ‫َُْ َ‬ ‫للهدى{‪ ،‬هذه هي مسؤوليته (سبحانه وتعالى) وهو ‪-‬إنفاذًا لهذه املسؤولية‬ ‫حق‬ ‫ورعاي�ة لهذه املس�ؤولية‪ -‬يفعل ما ه�و إليه‪ ،‬ما هو مس�ؤوليته‪ ،‬ما هو ٌ‬ ‫إلي�ه‪ ،‬وليس من اختصاص الناس‪ ،‬هي مس�ؤوليته كي�ف يوصل هديه إلى‬

‫عباده‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫ثم هل في هذه املس�ألة ما يوجب حساس�ية من الرسل واألنبياء؟‬

‫|ال| كل م�ا يمن�ح اهلل الرس�ل واألنبي�اء من مؤهلات عالي�ة لحمل تلك‬ ‫املس�ؤولية العظيمة هو يتجه إلى من‪ ،‬وملصلحة من؟ للناس‪ ،‬ذلك الرس�ول‬

‫وذل�ك النب�ي فيما يمتلكه م�ن مؤهلات عالية‪ ،‬فيام ه�و عليه م�ن‪ :‬رحمة‪،‬‬ ‫وحكمة‪ ،‬وإرادة الخير‪ ،‬وس�عة الصدر‪ ،‬وح�رص عظيم على هداية الناس‪،‬‬

‫ومحبة عظيمة لصالحه�م‪ ،‬وحكمة‪ ،‬وذكاء‪ ،‬ووو‪ ...‬مؤهالت كثيرة جدًّ ا‪،‬‬

‫وطه�ارة‪ ،‬وأمانة‪ ،‬وصدق‪ ،‬و‪ ...‬كل تل�ك املؤهالت عائدها ملن‪ ،‬مصلحتها‬

‫ملن‪ ،‬خيرها ملن‪ ،‬فائدتها ملن‪ ،‬ثمرتها ملن؟ كلها للناس‪.‬‬

‫نجد‪-‬مثًل�اً ‪ -‬أن اهلل (س���بحانه وتعال���ى) يخل�ق صفوة عب�اده‪ ،‬ويعدُّ خير‬

‫عباده لتحمل مس�ؤولية الرس�الة والنبوة‪ ،‬ويوصل من خاللهم هديه ونوره‬ ‫إل�ى عب�اده‪ ،‬ليكون�وا هم من يبلغ�ون‪ ،‬ومن تن�زل إليهم كتب�ه‪ ،‬ويوصلونها‬ ‫إل�ى العباد‪ ،‬ويكونون هم من واقعهم البش�ـري مؤمنين‪ ،‬ملتزمين‪ ،‬معبِّدين‬

‫أنفس�هم هلل‪ ،‬مطيعي�ن هلل‪ ...‬ويمثل�ون ه�م القدوة ف�ي االلت�زام‪ ،‬والتطبيق‪،‬‬ ‫والعمل‪ ،‬وتعبيد أنفس�هم هلل‪ ،‬والقيادة للبش�رية بالسير بها على أساس ذلك‬

‫الهدى‪ ،‬وتربيتها على أساس ذلك النور‪ ،‬وتبصيرها بتلك البصائر‪ ،‬والعناية‬ ‫بها على ذلك األساس‪ ،‬ملا فيه خيرها وفالحها‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫قوى الطاغوت وم�ساعيها ال�شيطانية‬ ‫منذ حقب تاريخية مبكرة‪ ،‬اإلنس�ان‪ -‬بش�كلٍ عام‪ -‬منذ بداية وجوده‬

‫ل�م يترك�ه اهلل همًل�اً ‪ ،‬بقيت مس�يرة الهداية عبر الرس�ل واألنبي�اء وورثتهم‬ ‫الحقيقيون مستمرة وقائمة‪ ،‬وعلى مرِّ التاريخ كان هناك من يتصدى للرسل‬ ‫واألنبي�اء‪ ،‬م�ن؟ ق�وى الطاغوت التي تس�عى إل�ى فصل الن�اس عن حلقة‬

‫الوصل بهدى اهلل‪ ،‬عن مصادر الهداية‪.‬‬

‫ق�وى الطاغ�وت كان أه�م م�ا تركِّ ز علي�ه دائمً �ا أن تفص�ل الناس‬

‫ع�ن مصادر الهداي�ة‪ ،‬ملاذا؟ لكي يبق�ى الناس مرتبطين به�ا وخاضعين لها‬ ‫ومتبعي�ن له�ا‪ ،‬لك�ي تتمكن ه�ي أن تك�ون املوجه�ة‪ ،‬واآلم�رة‪ ،‬واملؤثرة‪،‬‬ ‫واملس�تغلة‪ ،‬واملتحكم�ة بالن�اس‪ ،‬ثم تصيغ له�م من األف�كار والتصورات‬

‫والعقائد‪ ،‬وتوجههم فيام يتناس�ب مع مصالحها‪ ،‬فيام يعزز نفوذها‪ ،‬فيام يعزز‬ ‫س�يطرتها‪ ،‬فيام يمكِّ نها أكثر‪ ،‬واملس�ألة كلها هي مسألة اس�تغالل واستعباد‪،‬‬

‫توظف لها عناوين‪ ،‬عقائد‪ ،‬تصورات‪ ،‬أفكارً ا‪ ،‬وسنش�رح حول هذه النقطة‬ ‫املزيد واملزيد إن شاء اهلل‪.‬‬

‫الحظوا‪ ،‬تس�عى قوى الطاغوت إلى التصدي للرس�ل واألنبياء‪،‬‬

‫وإث�ارة كل الحساس�يات ف�ي س�عيها لفص�ل الناس ع�ن مص�ادر الهداية‪،‬‬ ‫يس�عون‪ -‬في الصدارة‪ -‬للتكذيب بالرس�ل واألنبياء‪ ،‬وفصل الناس عنهم‪،‬‬

‫وإبعاد الناس عنهم‪ ،‬ويأتون إلثارة حساسيات يفترض أن تثار تجاههم هم‪،‬‬

‫ولي�س تجاه الرس�ل واألنبياء‪ ،‬م�ن أول ما أثاروه من الحساس�يات والعقد‬ ‫‪32‬‬

‫لتكذي�ب األنبي�اء وفصل الن�اس عنهم هي بش�رية األنبياء‪ ،‬كان�وا يقولون‪:‬‬

‫بش�را مثلنا‪ ،‬كي�ف يمكن أن يكون هذا البش�ر نبيًا‪ ،‬كيف‬ ‫[هؤالء ليس�وا إال ً‬

‫يمكن أن نطيعه‪ ،‬أن نتبعه‪ ،‬وهو ليس إال بشرً ا مثلنا]‪.‬‬

‫ويجعل�ون من هذه املس�ألة مبررً ا للتكذيب والجح�ود‪ ،‬ثم يريدون من‬

‫الناس ‪-‬في املقابل‪ -‬أن يطيعوهم هم‪ ،‬وهم ليس�ت املس�ألة متوقفة عندهم‬

‫في أنهم بش�ر فحس�ب‪ ،‬إنام هم بش�ر قد فقدوا بشـريتهم وإنس�انيتهم‪ ،‬يأتي‬

‫طغ�اة‪ ،‬مجرمون‪ ،‬ضال�ون‪ ،‬ظاملون‪ ،‬مفس�دون‪ ،‬ال يمتلك�ون أي مؤهالت‬ ‫حتى إنس�انية‪ ،‬يتحكمون باملجتمع‪ ،‬يقدِّ مون كل ما يمكن أن يعزز نفوذهم‬ ‫وس�يطرتهم عليه‪ ،‬ث�م يعملون على فصل هذا املجتمع ع�ن مصادر الهداية‬ ‫اإللهي�ة‪[ ،‬كي�ف تتبعون أولئك‪ ،‬ليس�وا إال بـش�رً ا‪ ،‬اتركوه�م‪ ،]...‬وهذا ما‬

‫َ َ َ ْ َ أَ ُ‬ ‫َ ْ ذَّ َ َ َ ُ َ َ َّ ُ‬ ‫كان�وا يركِّ زون عليه‪} ،‬وقال المل مِ��ن قو ِم ِه الِين كفروا وكذبوا‬ ‫َ آْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫حْ َ َ دلُّ ْ َ َ َ َ لاَّ َ رَ ٌ ّ ْ ُ ُ‬ ‫كمْ‬ ‫ْ‬ ‫خرة ِ وأترفناهم يِف الياة ِ ا نيا ما هذا إ ِ بش مِثل‬ ‫بِلِْقاء ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ َّ َ ُ َ ْ ُ َ َ رْ َ ُ َّ رْ َ ُ َ‬ ‫ُْ‬ ‫يأكل مِما تأكلون مِنه ويشب مِما ت‬ ‫شبون ‪َ 33‬ولئِ ْن أ َطعتم‬ ‫َ َش�رَ ً ْ َ ُ ْ َّ ُ ْ ً خَّ َ ُ َ‬ ‫��اسون‪[ {34‬املؤمن�ون‪[ ،]:‬كيف تطيعون‬ ‫ب� ا مِثلكم إِنكم إِذا ل رِ‬ ‫بـش�رً ا مثلكم؟! ه�ذا ال يمكن أن يكون نبيًا‪ ،‬ال يمك�ن أن يكون مُ َتبَعً ا وأن‬

‫يُط�اع‪| .‬ال| ه�ذا مجرد بش�ر‪ ،‬اتركوه‪ ،‬ال تس�معوا له‪ ،‬ال تس�تجيبوا له‪ ،‬ال‬

‫تصدقوه]‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫كان�وا يتحرك�ون عل�ى هذا األس�اس‪ ،‬كانوا يقولون‪} :‬ل ْو ش��اء َربنا‬ ‫لأَ َ َ َ َ لاَ َ ً‬ ‫نزل م ئِكة{ [فصلت‪ :‬من اآلية‪ ،]14‬لو شاء ألنزل مالئكة‪ ،‬يكون النبي من‬ ‫‪33‬‬

‫املالئك�ة‪ ،‬ويأتي إلى واقعنا البش�ري فيتخاطب معنا باعتب�اره من املالئكة‪،‬‬

‫َ َّ َ ُ ْ ْ ُ ْ اَ ُ َ‬ ‫َ ْ لاَ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ن��زل علينا‬ ‫ْ}فلاَإِن��ا َبِما أ َر ِس��لتم ب ِ ِه كف ِ��رون{‪ ،‬يقول�ون‪} :‬لو أ ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ال َم ئِك��ة أ ْو ن َرى َربنا{ [الفرقان‪ :‬من اآلية‪ ،]21‬اس�تكبار كبي�ر جدًّ ا‪} ،‬ما‬ ‫ُ زَّ ُ ْ َ َ َ َّ َ ّ َ َ اَ ُ ْ ً ُّ َ‬ ‫نظر َ‬ ‫ين{ [الحج�ر‪ :‬اآلية‪،]8‬‬ ‫ن� ِ‬ ‫َن�ل المالئِك ْة لاَإِال ب ِ َاحللاَ ِق وما كن��وا إِذا ّم ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْش�رْ‬ ‫ََْ َ َ َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫}يوم ي‬ ‫ِ�ين َويقولون‬ ‫��ر ْون ال َم ئِكة ب� َ ى ي ْومئِ ٍذ لِل ُمج ِرم‬ ‫حَّ‬ ‫ْ ً ْ ُ ً‬ ‫حجرا مجورا{[الفرقان‪ :‬اآلية‪.]22‬‬ ‫ِ‬ ‫وكام قلت هم يثيرون هذه الحساسية تجاه األنبياء‪ ،‬مع أنها يفترض‬

‫أن تثار ضدهم هم‪ ،‬هم ليس�وا إال بش�ـرً ا‪ ،‬ولكن بش�ـر ضالون‪ ،‬مجرمون‪،‬‬ ‫تائهون‪ ،‬أما بش�رية األنبياء وكونهم من البش�ر‪ ،‬فهذا أمر مطلوب‪ ،‬أن يكون‬

‫ف�ي واقعه كبش�ر؛ ألن�ه معني ف�ي تبليغ هذا الدي�ن أن يكون ه�و من واقعه‬

‫البشري يقدِّ م النموذج‪ ،‬ويقدِّ م القدوة‪ ،‬ويقدِّ م القيادة في تطبيق هذا البرنامج‬ ‫الدين�ي‪ ،‬يعني‪ :‬ل�و أتى مثًل�اً َملَك من املالئك�ة ليخاطب الن�اس‪[ :‬اعملوا‬

‫ك�ذا‪ ،‬وافعلوا كذا‪ ،‬وال تفعلوا كذا‪ ،‬واهلل أمركم بكذا‪ ،‬ونهاكم عن كذا‪،]...‬‬ ‫سيقولون له‪[ :‬أنت من املالئكة‪ ،‬أنت ما تعرف واقعنا كبشر‪ ،‬نفسياتنا كبشر‪،‬‬

‫الواقع الذي نعيش�ه في مشاعرنا ورغباتنا وش�هواتنا كبشـر‪ ،‬أنت استطعت‬

‫أن تلت�زم به�ذا الدين؛ ألنك م�ن املالئكة‪ ،‬ما عندك ما عندنا كبش�ر]‪ ،‬لكن‬ ‫عندما أتى النبي وهو بشر‪ ،‬ثم كان هو أول من يلتزم بدين اهلل‪ ،‬بتعليامت اهلل‪،‬‬ ‫بتوجيه�ات اهلل‪ ،‬ومن يمثِّل القدوة واألس�وة في التطبيق وااللتزام والعمل‪،‬‬ ‫كان ذلك أقرب أثرً ا وأعظم حج ًة في الواقع البش�ري‪ ،‬وحتى أكثر أنسً �ا في‬

‫الواقع البش�ري‪ ،‬بل هذه نعمة على البش�ر أن يجعل منهم‪ ،‬في ما هي س�نة‬ ‫‪34‬‬

‫أيضا نعمة من واقع البشر‪ ،‬أن يبعث‬ ‫من س�نن اهلل (سبحانه وتعالى) مع عباده‪ً ،‬‬ ‫فيهم رس�ولاً من أنفس�هم‪ ،‬حتى في االنس�جام‪ ،‬في االطمئنان‪ ،‬في العالقة‬

‫َ َ ْ‬ ‫ت ل َ ُهمْ‬ ‫في‪ ...‬أش�ياء كثيرة‪ ،‬واحدً ا منهم‪ ،‬أولئك يثيرونها كحساسية‪} ،‬قال‬ ‫َّ َهّ َ ُ ُّ لَىَ‬ ‫حَّ ْ ُ َّ َ َ ٌ ّ ْ ُ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُُْ‬ ‫ع َمن يشاءُ‬ ‫كن الل يمن‬ ‫ُرسلهم إِن نن إِال بشـر مِثلكم ولـ ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫مِن عِبا ِده ِ{ [إبراهيم‪ :‬من اآلية‪.]11‬‬

‫يثي�رون ه�ذه الحساس�ية‪ ،‬عندم�ا يفش�لون في إث�ارة هذه الحساس�ية‪،‬‬

‫يقولون‪[ :‬ال بأس بش�ر‪ ،‬جيد يكون بشرً ا ال مشكلة]‪ ،‬في األخير [لكن ملاذا‬ ‫شخصا آخر‪ ،‬ملاذا يكون هو ذلك بذاته‪ ،‬بنفسه‪ ،‬ملاذا ما يأتي الهدى‬ ‫ً‬ ‫ال يكون‬

‫َ ُ َ َ َ ْ ذلّ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫نزل علي ِه ا ِكر مِن بينِنا{ [ص‪ :‬من اآلية‪،]8‬‬ ‫ه�ذا إلى الجمي�ع مثلاً ]‪} ،‬أأ ِ‬

‫[مل�اذا ال يج�ي للزعي�م الفالني وهو كذل�ك‪ ،‬والش�خصية الفالنية‪ ،‬وفالن‬

‫الفالن�ي‪ ،]...‬حس�د‪ ،‬يثيرون مس�ألة الحس�د والعُ ق�د غير املب�ررة‪[ ،‬وملاذا‬

‫يختص اهلل ذلك أن يجعله رس�ولاً ‪ ،‬ملاذا؟ أبو س�فيان‪ ،‬أبو جهل‪ ،‬أبو فالن‪،‬‬ ‫أب�و علان‪ ،‬والزعيم الفالني‪ ،‬والتاج�ر الفالني‪ ،‬ملاذا ال يكون الكل رسًل�اً‬

‫َ ْ ُ ُ لُُّ ْ‬ ‫ُّْ‬ ‫ئ مِنه ْم‬ ‫ر‬ ‫ام‬ ‫وأنبي�اء؟]‪ ،‬ويقدِّ مون الكثير من املقترح�ات }بل ي ِريد ك ِ ٍ‬ ‫َ ُ ْ ىَ ُ ُ ً ُّ َ رَّ َ ً‬ ‫أن يؤت صحفا من‬ ‫شة{ [املدثر‪ :‬اآلية‪ ،]52‬كل واحد يشتي يصير عنده وحي‬ ‫ْ‬ ‫لاَ‬ ‫َ ُ َ َ َ ُ ُ‬ ‫وكت�اب‪ ،‬وتن�زل عليه املالئكة‪ ...‬وهذه العُ قَ �د‪} ،‬ل ْو ن ّ ِزل هذا الق ْرآن‬ ‫ّ َ ْ َ ْ َ َينْ َ‬ ‫َْ َ ُ َ َ َْ َ ٌ َْ َ‬ ‫لَىَ َ ُ‬ ‫يم‬ ‫ظ‬ ‫ع‬ ‫نزل علي ِه كزن أو جاء‬ ‫أ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫{‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫��ل‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عر َ ٍ‬ ‫ََُ َ ٌ‬ ‫معه ملك{ [هود‪ :‬من اآلية‪ ،]12‬اقتراحات وأطروحات كثيرة يقدِّ مونها‪.‬‬ ‫كل م�ا في األمر أنهم يس�عون لفصل الناس ع�ن مصادر الهداية‪،‬‬ ‫‪35‬‬

‫ليقدموا أنفس�هم كبديل يتمكن ‪-‬دائمً ا‪ -‬من التحكم بالناس‪ ،‬التحكم بهم‬ ‫ف�ي أفكارهم‪ ،‬ف�ي ثقافتهم‪ ،‬في عقائدهم‪ ،‬في تصرفاتهم‪ ،‬في س�ير حياتهم‬

‫لالس�تغالل واالس�تعباد‪ ،‬هذا كل ما في األمر‪ ،‬ه�ذا كل ما يريده الطاغوت‬ ‫الذي يقدِّ م نفسه بديلاً عن منهج اهلل (سبحانه وتعالى)‪.‬‬

‫وإذا قدَّ م نفسه بديلاً ‪ ،‬هو يستخدم العناوين الدينية‪ ،‬يمكنه أن يستخدم‬

‫كل العناوين الدينية‪ ،‬عقائد باس�م الدين‪ ،‬أعاملاً باسم الدين‪ ،‬شعائر للدين‪،‬‬

‫حتى املساجد } َما اَك َن ل ِلْ ُم رْشك َ‬ ‫ِني أَن َي ْع ُم ُروا ْ َم َساج َد اهلل َشاهِ ِدينَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَىَ َ ُ‬ ‫ْ ْ ُ ْ َُْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُُ‬ ‫ْ‬ ‫��هم بِالكف ِر أولئِ��ك حبِطت أعمالهم{ [التوبة‪ :‬م�ن اآلية‪،]17‬‬ ‫ع أنف ِس ِ‬ ‫حْ‬ ‫حْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ هّ‬ ‫َ َ ّ َ َ ََ َ ْ‬ ‫َ َ َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫}أجعلتم ِسقاية ال ِ‬ ‫ج ِد الرا ِم كمن آمن بِاللِ‬ ‫اج وعِمارة المس ِ‬ ‫َو يْالَ ْ‬ ‫اآل‬ ‫م‬ ‫��و‬ ‫خ ِر{ [التوبة‪ :‬من اآلية‪ ،]19‬ولذلك نلحظ أن املس�ألة الرئيس�ية في‬ ‫ِ ِ‬

‫(جل ش���أنه) هو من إليه أن يحدد مصادر الهداية التي‬ ‫س�نة اهلل وهداية اهلل أنه َّ‬ ‫نرتب�ط بها‪ ،‬باعتباره�ا مصادر للهداي�ة‪ ،‬عبرها يصل إلينا اله�دى بكل ثقة‪،‬‬

‫بكل أمانة‪ ،‬بكل مصداقية‪ ،‬إذا فُصلنا عنها ضعنا‪ ،‬وتهنا‪ ،‬بل نس�تغل بش�كل‬ ‫كبير جدًّ ا‪ ،‬ولو بقيت لنا عناوين الدين باسم الدين‪.‬‬

‫يْ‬ ‫وهن�ا نع�ود إل�ى واقعن�ا اإلسلامي‪ ،‬نعم�ة ه�ذا الدي�ن }الَ ْو َم‬ ‫َ ْ َْ ُ َ ُ ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫أكملت لكم دِينكم{‪ ،‬الدين اإلسالمي اكتمل‪ ،‬في كل ما يتعلق به‬ ‫من‪ :‬تشريعات‪ ،‬وتوجيهات‪ ،‬وعقائد‪ ،‬وتعليامت‪ ،‬وفي كل ما نحتاج فيه إلى‪:‬‬

‫بصي�رة‪ ،‬ووع�ي‪ ،‬وفهم‪ ،‬ومعارف ذات صلة مهمة بمس�ؤولياتنا في الحياة‪،‬‬ ‫دي�ن متكام�ل‪ ،‬لم يب�قَ علينا إال أن نتبع ه�ذا الدين‪ ،‬ونتمس�ك بهذا الدين؛‬ ‫‪36‬‬

‫لنحص�د ثمار هذا اإلتباع ف�ي كل ما ارتبط ب�ه من وعود إلهي�ة‪( :‬البركات‪،‬‬ ‫الخي�رات‪ ،‬رضا اهلل‪ ،‬رحمته‪ ،‬فضله‪ ،‬كرمه‪ ،‬النص�ر‪ ،‬العزة‪ ،‬التمكين‪ ،‬الخير‬

‫والس�عادة ف�ي الدنيا وف�ي اآلخرة)‪ ،‬مس�ألة تبقى مرتبطة بامذا؟ بالتمس�ك‪،‬‬ ‫باإلتباع‪ ،‬بااللتزام بهذا الدين‪ ،‬وباالستيعاب لهذا الدين‪.‬‬

‫مبد�أ الوالية ال�ستمرار االت�صال بم�صادر الهداية‬ ‫كمال ه�ذا الدين في ذلك اليوم كان من خلال إعالن مبدأ عظيم‬

‫يحفظ لنا ماذا؟ يحفظ لنا استمرارية االتصال بمصادر الهداية‪ ،‬هذه النقطة‬

‫املهم�ة ج�دًّ ا‪ ،‬حتى ال نع�ود إلى الوضعي�ة التي كان عليه�ا املجتمع العربي‬ ‫وغيره في زمن الجاهلية‪.‬‬

‫مبدأ الوالية‪ :‬الرس�ول (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) كان يتحدث في‬

‫تل�ك الفترة األخيرة م�ن حياته عن قرب رحيله من هذه الحياة‪ ،‬والرس�ول‬

‫كان ه�و بنفس�ه مصدر هذه الهداية التي نرتبط ب�اهلل من خاللها‪ ،‬التي يصلنا‬ ‫من خاللها وحي اهلل وهديه ونوره‪ ،‬وكان هو القائم على تطبيق هذا الدين‪،‬‬ ‫والقائ�د الذي يس�ير بالبش�رية ف�ي هذا االتج�اه‪ ،‬يتحدث عن ق�رب رحيله‬

‫ُدعى‬ ‫���ك أَن أ َ‬ ‫ُوش ُ‬ ‫من هذه الحياة‪ ،‬وأنه س�يغادر هذه الحياة‪ ،‬ويقول‪( :‬إِنِّي أ ِ‬ ‫امي‬ ‫َعد َع ِ‬ ‫اكم ب َ‬ ‫َلق ُ‬ ‫فَأجي���ب)‪ ،‬يقول لهم ف�ي حجة الوداع‪َ ( :‬و َل َعِلّ���ي اَل أ َ‬ ‫���ذا)‪ ،‬وفعًل�اً أقلّ من ثالثة أش�هر بقي رس�ول اهلل (صل���ى اهلل عليه وعلى آله‬ ‫َه َ‬

‫وسلم) وتوفي ورحل عن هذه الحياة‪.‬‬

‫فإذً ا‪ ،‬رس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) عندما بلَّغ هذا البالغ‬ ‫‪37‬‬

‫َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ‬

‫َ تَ َ ُ‬

‫الذي يقول اهلل عنه‪ِ} :‬إَون لم تفعل فما بلغت ِرساله{‪ ،‬أتى ليقول‬

‫للجميع‪ ،‬وملا األمة معنيةٌ به عبر األجيال إلى قيام الساعة‪ ،‬وملا أكَّ ده تأكيدات‬

‫َاش���هد)‪ ،‬من خالل قوله‪:‬‬ ‫متكررة من خالل قوله‪( :‬أ اََل َهل بَلَّغت‪ ،‬اللهم ف َ‬

‫الش���اه ُد ِمنكُم الغَائ َ‬ ‫(فَل ُيبَلِّغ َّ‬ ‫ِب)‪ ،‬ليبقى هذا البالغ لألمة جيلاً بعد جيل؛‬

‫َّ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ألن�ه يحفظ لألمة أهم مس�ألة تعتب�ر مصداقًا لقول�ه‪ِ} :‬إَون ل ْم تفعل ف َما‬ ‫َ َّ ْ َ َ تَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بلغت ِرس��اله{‪ ،‬أهم مس�ألة يعبِّر عنها هذا املضمون القرآني‪ ،‬االرتباط‬ ‫بمصادر الهداية‪.‬‬

‫الم ِ‬ ‫ولي‪َ ،‬وأَنَ���ا َمولَى ُ‬ ‫هلل َم اَ‬ ‫ِن ا َ‬ ‫الرس�ول قال ف�ي بالغه‪( :‬إ َّ‬ ‫ؤمنِين)‪،‬‬

‫كي�ف كانت والية رس�ول اهلل في امتدادها لوالية اهلل‪ ،‬والي�ة هداية وقيادة‪،‬‬

‫يقود البشرية ويهديها على أساس ذلك الهدى (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‬ ‫وله)‪ ،‬هكذا بهذا التعبير الواضح‪ ،‬ويقصد تلك‬ ‫نت َم اَ‬ ‫ك ُ‬ ‫َمن ُ‬ ‫ثم يقول‪( :‬ف َ‬

‫ؤمنِين‪ ،‬أَولَى ِبهِم ِمن‬ ‫الم ِ‬ ‫الوالي�ة التي قال فيها عن نفس�ه‪َ ( :‬وأَنَا َمولَ���ى ُ‬ ‫َذا َعل ٌّ‬ ‫وله‪َ ،‬فه َ‬ ‫نت َم اَ‬ ‫ك ُ‬ ‫َمن ُ‬ ‫ُس���هِم‪ ،‬ف َ‬ ‫أَنف ِ‬ ‫ِي)‪ ،‬وهو إلى جانبه‪ ،‬يمسك بيده‪،‬‬ ‫وله)‪.‬‬ ‫ِي َم اَ‬ ‫َذا َعل ٌّ‬ ‫موجودٌ بشخصه واسمه‪ ،‬ويقدِّ مه أمام الجميع ( َفه َ‬ ‫هنا الرس�ول (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) وهو يتحدث حتى في ذلك‬

‫الخط�اب ع�ن قرب رحيل�ه من ه�ذه الحياة‪ ،‬لنع�رف ما هي املناس�بة‪ ،‬بعد‬

‫مغادرة الرس�ول ‪(-‬صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) لهذه الحياة‪ ،‬من هو الذي‬ ‫يمثِّ�ل امتدادًا يوصلنا به‪ ،‬من هو ال�ذي يعتبر ‪-‬فعلاً ‪ -‬امتدادًا ملصدر الهداية‬

‫ذلك‪ ،‬واألمة حتمً ا ستختلف‪ ،‬واألمة حتمً ا سيدخل فيها الكثير من أشكال‬ ‫‪38‬‬

‫االس�تغالل والتلعّ ب حت�ى بالعناوي�ن الدينية‪ ،‬هنا الرس�ول (صلى اهلل عليه‬

‫وعل���ى آله وس���لم) بأم ٍر من اهلل وبالغً ا عن اهلل (س���بحانه وتعال���ى) بالغً ا عن اهلل‪،‬‬

‫ووضح‪ ،‬وبيَّن‪ ،‬وقدَّ م هذا البالغ الذي له تلك األهمية‪ ،‬بالغ‬ ‫حسم املسألة‪َّ ،‬‬ ‫بمب�دأ‪ ،‬إذا غ�اب أو عُ طِّ ل فكأن هذا الدين ال وجود ل�ه‪ ،‬إذا غاب هذا املبدأ‬

‫أو عُ طِّ �ل؛ تعطلت ثمرة هذا اإلسلام في مش�روعه الترب�وي والحضاري‪،‬‬ ‫وف�ي ثمرة تعليامت�ه وتوجيهاته في الحياة‪ ،‬وتحولت تل�ك التعليامت وتلك‬ ‫جهات‬ ‫ٍ‬ ‫العناوين إلى عناوين معطَّ لة‪ ،‬تس�تغل وتوظَّ ف توظيفًا آخر‪ ،‬من ِقبَلِ‬

‫أخ�رى‪ ،‬كما كانت توظَّ �ف العناوين الدينية ف�ي الزمن الجاهلي الس�تعباد‬ ‫الناس واستغالل الناس‪ ،‬ويُفترى على اهلل الكذب‪.‬‬

‫البالغ يوم الغدير كان تتويج ًا لن�صو�ص كثيرة‬ ‫نصوصا‬ ‫ً‬ ‫ولذلك نجد ‪-‬مثلاً ‪ -‬فيام يتعلق باإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‬

‫تتويجا لها‪ ،‬نص يتحدث‬ ‫ً‬ ‫أخ�رى كثيرة ما قبل هذا البالغ‪ ،‬يعتبر ه�ذا البالغ‬

‫وسى‪ ،‬إاَِّل‬ ‫ُون ِمن ُم َ‬ ‫َة َهار َ‬ ‫َمن ِزل ِ‬ ‫َنت ِمنِّي ب َ‬ ‫عن عَ ل ٍِّي (عليه السالم) يقول‪( :‬أ َ‬ ‫أََّن ُه اَل َنب َّ‬ ‫ِي بَعدِي)‪ ،‬ال نبي‪ ،‬أنت س�تؤدي هذا الدور ليس من موقع النبوة‪،‬‬ ‫ِي)‪،‬‬ ‫ِي َم���ع القُرآن‪ ،‬وَالقُرآن َمع َعل ّ‬ ‫(عل ٌّ‬ ‫ولك�ن من موقع الوالية‪ ،‬يقول‪َ :‬‬ ‫َالح ُق َمع َعل ّ‬ ‫الح���ق‪ ،‬و َ‬ ‫ِي َمع َ‬ ‫(عل ٌّ‬ ‫يق�ول‪َ :‬‬ ‫ِي)‪ ،‬فأنت عندما تأتي لتبتعد عن‬ ‫ِ�ي‪ ،‬ال تبتعد عنه إال وأنت تبتعد عن القرآن‪ ،‬واملس�افة التي فصلت بينك‬ ‫عَ ل ّ‬ ‫نهجا‪ ،‬يمثِّل هذا الدين في روحيته‪ ،‬وأخالقه‪،‬‬ ‫وبي�ن عَ ل ِّي‪ ،‬عَ ل ِّي الذي يمثِّ�ل ً‬

‫وأعامله‪ ،‬وسلوكياته‪ ،‬ومواقفه‪ ،‬وحركته بهذا الدين في هذه الحياة‪ ،‬ودعوته‬ ‫‪39‬‬

‫بهذا الدين للبشرية‪ ،‬للناس فيام يقدِّ مه إليهم‪ ،‬املسافة التي تفصلك عن عَ ل ِّي‬ ‫هي مسافة كانت فاصلة بينك وبين القرآن‪ ،‬وبينك وبين الحق‪.‬‬

‫الرس�ول (صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) كان يتحدث كثي�رً ا عن اإلمام‬

‫عَ ل ِّي (عليه السالم) حتى عن كامله ومؤهالته اإليامنية‪ ،‬التي جعلته جديرً ا بهذا‬

‫الدور‪ ،‬وضمن االختيار واإلعداد اإللهي‪ ،‬حديث واس�ع وكثير‪ ،‬ونصوص‬

‫َسولُه)‪ ،‬يتحدث عنه فيقول‪:‬‬ ‫ُحُّب ُه اللهُ َور ُ‬ ‫َس���ولَه‪َ ،‬وي ِ‬ ‫هلل َور ُ‬ ‫ُح ُّب ا َ‬ ‫كثيرة‪( ،‬ي ِ‬

‫ك ِّل ُم ِ‬ ‫ِ���ي ُ‬ ‫(وَه َو َول ُّ‬ ‫ؤم ٍن بَعدِي)‪ ،‬وكل هذه النص�وص توارثتها األمة في‬

‫اتجاهاتها الثقافية واختالفاتها الفكرية‪ ،‬في مصادرها املعتبرة واملهمة‪ ،‬التي‬ ‫ترج�ع إليها‪ ،‬وتعترف بها‪ ،‬وتعتمد عليه�ا‪ ،‬لتبقى حجة‪ ،‬ملاذا؟ ألن األمة إذا‬ ‫فارقت هذا املبدأ س�تكون ضحية‪ ،‬ضحية للتضليل‪ ،‬ستفتح على نفسها كل‬

‫النوافذ التي يطل منها كل ضال‪ ،‬وكل متجبر‪ ،‬وكل طاغية‪ ،‬ليقدِّ م نفس�ه في‬

‫موقع القيادة‪ ،‬وليقدِّ م نفسه في موقع الهداية‪.‬‬

‫عندما تنفصل األمة عن مصادر الهداية‪ ،‬فتحت املجال لكل أولئك‬

‫م�ن‪ :‬الطواغي�ت‪ ،‬والجائري�ن‪ ،‬واملتس�لقين‪ ،‬والظاملين‪ ،‬واملس�تكبرين‪،‬‬

‫كل منهم نفس�ه في موقع القيادة‪ ،‬وليقدِّ م اآلخر نفس�ه‬ ‫واملضلين‪ ،‬ليقدِّ م ٌ‬ ‫ف�ي موق�ع الهداية‪ ،‬فذاك ينطق عن اهلل زورً ا ويفتري عليه كذبًا‪ ،‬أو يخلط‬

‫الح�ق بالباط�ل‪ ،‬على مثل ما كان عليه بنو إس�رائيل لينفِّق باطله بام يرفقه‬

‫مع�ه م�ن قليلٍ من الحق‪ ،‬واآلخ�ر ليُخضع الناس له‪ ،‬والكل الس�تغالل‬ ‫الناس‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫وال�ذي حصل في واقع األم�ة‪ ،‬عندما الكثير من الن�اس لم يَرُ ق لهم‬

‫ه�ذا املب�دأ بكل ما له من جاذبيه‪ ،‬وبكل ما فيه من وضوح‪ ،‬وبكل ما يحققه‬

‫م�ن ضبط ملس�ار األمة ومس�يرتها ف�ي دينها‪ ،‬وحف�اظ عليها وعل�ى دينها‪،‬‬ ‫وحف�اظ عل�ى االمتداد لهذا الحق‪ ،‬ليبقى في أجي�ال األمة يصلها جيلاً بعد‬

‫جيل بشكلٍ مضمونٍ وموثوقٍ ونقيٍ وسليم‪ ،‬فتحت املجال‪ ،‬فإذا بها تصيح‬ ‫الدخلْ‬ ‫م�ن كثرة ما هن�اك من دخل‪ ،‬من كل ما هناك من كثي� ٍر كثي ٍر كثير من َ‬

‫الثقافي والفكري‪ ،‬وليقول الجميع‪[ :‬صحيح‪ ،‬أصبح لنا موروث إسلامي‬ ‫نختلف عليه]‪ ،‬نختلف على كثي ٍر مام فيه من العقائد أيُّها صحيح‪ ،‬والشرائع‬ ‫أيُّه�ا صحي�ح‪ ،‬واألح�كام أيُّها صحي�ح‪ ،‬هذا يق�ول‪[ :‬هذا حلال]‪ ،‬اآلخر‬ ‫يقول‪[ :‬ذاك حالل‪ ،‬ذاك حرام]‪ ،‬ذاك قال‪|[ :‬ال| هو حالل‪ ،‬ذاك واجب]‪،‬‬

‫اآلخر قال‪[ :‬ال‪ ،‬هو ال يجوز]‪...‬‬

‫وهك�ذا اختالف كبير جدًّ ا‪ ،‬لم تعد مس�يرة األمة عندما تنفصل عن هذا‬

‫املب�دأ املهم‪ ،‬الضابط ملس�يرتها‪ ،‬والحافظ الس�تقامة هذه املس�يرة‪ ،‬في عَ ل ٍِّي‬

‫بكل ما يمثِّله عَ ل ِّي‪ ،‬وبكل ما سبق أن تحدث عنه الرسول به‪ ،‬وهي عبارات‬

‫مهمة وذات مضمون واضح‪ ،‬لم تكن مجرد عبارات تش�جيعية‪ ،‬أن رس�ول‬

‫َنت‬ ‫اهلل يريد أن يش�جع اإلم�ام عَ ِليّا يقول‪[ :‬إنه ‪-‬ما ش�اء اهلل‪ -‬رجال جيد (أ َ‬ ‫وس���ى‪ ،‬إاَِّل أََّن ُه اَل َنب َّ‬ ‫ُون ِمن ُم َ‬ ‫َة َهار َ‬ ‫َمن ِزل ِ‬ ‫ِمنِّي ب َ‬ ‫ِي بَعدِي)] ليش�جعه‪ ،‬أو‬ ‫ِي)‪ ،‬ما ش�اء اهلل ما أعظمه!]؛‬ ‫���ق َمع َعل ّ‬ ‫َالح ُ‬ ‫الحق‪ ،‬و َ‬ ‫ِ���ي َمع َ‬ ‫(عل ٌّ‬ ‫ليق�ول‪َ [ :‬‬ ‫حت�ى يرتاح نفس�يًا‪| .‬ال| ه�ي ذات مضمون ه�ادف‪ ،‬يح�دد طبيعة الدور‬

‫لإلمام عَ ل ِّي (عليه السالم) بأنه سيمثل بعد رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله‬ ‫‪41‬‬

‫وسلم) حلقة الوصل واالمتداد األصيل في موقع القيادة والهداية‪ ،‬ليس من‬

‫موقع النبوة‪ ،‬ولكن من موقع الوالية‪.‬‬

‫نص آخ�ر مهم ج�دًّ ا‪ ،‬وأتى في خط�اب الغدير‪،‬‬ ‫أيض�ا إلى ٍ‬ ‫ث�م نأتي ً‬

‫َم َّس���كتُم ِب ِه لَن‬ ‫َّقلَين‪َ ،‬ما إِن ت َ‬ ‫ِك فَيكُم الث َ‬ ‫وهو حديث الثقلين‪( :‬إِنِّي تَار ٌ‬ ‫يف‬ ‫اللط َ‬ ‫ِن ِ‬ ‫َهل بَيتِي‪ ،‬إ َّ‬ ‫ترتِي أ َ‬ ‫َع َ‬ ‫َ���اب اهللِ‪ ،‬و ِ‬ ‫كت َ‬ ‫َضلُّ���وا ِمن بَعدِي أَ َبدًا‪ِ :‬‬ ‫تِ‬ ‫الحوض)‪ ،‬ولتكون‬ ‫َي َ‬ ‫ُما لَن يَف َت ِرقَا َحتَّ���ى َي ِردَا َعل َّ‬ ‫ِي���ر نََّبَأنِي أََّنه َ‬ ‫الخب َ‬ ‫َ‬

‫هذه النصوص وهذه الواقعة‪ ،‬التي هي مناس�بة الغدير‪ ،‬واقعة الغدير‪ ،‬واقعة‬ ‫أيض�ا بلفظه‬ ‫ثابت�ة وقطعي�ة ومعترفً�ا به�ا بين األم�ة‪ ،‬وليكون ن�ص الثقلين ً‬

‫نصا معترفًا به ومتواتِرً ا بين األمة‪.‬‬ ‫ومضمونه العظيم املهم ً‬

‫فإذا باملس�يرة واضحة املعالم‪ ،‬املس�يرة اإلسلامية في امتدادها الصحيح‪،‬‬

‫في مضمونها وحلقة وصلها املمتدة إلى رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‬ ‫واملضمون�ة واملوثوق�ة واملأمونة‪ ،‬واضحة‪ ،‬ومعاملها واضح�ة‪ ،‬والطريق واضح‪،‬‬ ‫االنصراف عنه انصراف إلى ماذا؟ انصراف إلى واقع كبير من حالة الفوضى‪.‬‬

‫الطغاة وا�ستغالل العناوين الدينية‬ ‫يأت�ي الكثير م�ن األدعياء من يقدِّ مون أنفس�هم باس�م الدين وباس�م‬

‫اإلسالم وباسم القرآن‪ ،‬وأتى الكثير والكثير من أولئك الطغاة‪ ،‬والجائرين‪،‬‬ ‫والظاملي�ن‪ ،‬واملضلي�ن‪ ،‬وإذا به�م يوظِّ ف�ون العناوي�ن الدينية‪ ،‬ويس�تغلونها‬

‫لصالحهم استغاللاً عجيبًا جدًّ ا‪ ،‬ألم يقدِّ م بنو أمية أنفسهم باسم اإلسالم؟!‬ ‫‪42‬‬

‫أل�م يجعلوا طاعته�م واالنقياد لهم والخض�وع لظلمهم عمًل�اً دينيًا وقرب ًة‬ ‫ديني� ًة ومس�أل ًة إيامني�ة؟! ول�م يكون�وا يجه�دون أنفس�هم بأن يقول�وا‪[ :‬ال‬

‫مثًل�اً ‪ -‬نح�ن لس�نا ظلم�ة‪ ،‬نحن نقي�م الع�دل]‪| .‬ال| يقول ل�ك‪[ :‬ظالم‬‫صح‪ ،‬لكن أطع الظالم وإن قصم ظهرك وأخذ مالك]‪ ،‬أطع‪ ،‬فتُقدَّ م الطاعة‬

‫للظلم‪ ،‬والظاملين‪ ،‬واملستكبرين‪ ،‬واملضلين‪ ،‬واملفسدين في األرض‪ ،‬الذين‬

‫له�م برنامج آخر يقيمون الحياة على أساس�ه‪ ،‬تُقدَّ م على أنها ضمن أمر اهلل‬ ‫(س���بحانه وتعال���ى) أن الذي يلزم بها هو الدين نفس�ه‪ ،‬أليس�ت ه�ذه هي حالة‬ ‫استغالل للدين؟‪.‬‬

‫أليس النظام السعودي الظالم‪ ،‬املفسد‪ ،‬املنافق‪ ،‬الذي يرتكب أبشع‬

‫الجرائ�م واملظال�م واملفاس�د‪ ،‬والذي هو ب�ؤرة للضالل والباطل والفس�اد‬

‫ف�ي األرض‪ ،‬ألي�س يقدِّ م اليوم نفس�ه بثوب اإلسلام‪ ،‬وعناوين اإلسلام‪،‬‬ ‫وباس�م اإلسالم؟! أوليس يس�تغل حتى مشاعر الحج‪ ،‬وحتى سيطرته على‬ ‫مكة وعلى املس�جد الحرام كمثل ما كان يفعل املش�ركون‪ ،‬الذين س�يطروا‬

‫على مكة وعلى املس�جد الحرام وعلى ش�عائر الحج‪ ،‬وأداروها حتى على‬ ‫مدى عش�رين عامًا من مبعث رس�ول اهلل بالرسالة‪ ،‬إلى ما قبل وفاته بثالث‬ ‫سنوات؟! أوليست العناوين الدينية اليوم تستغل هنا وهنا وهنا‪ ،‬فئات كثيرة‬

‫كام التكفيريون تاممًا‪ ،‬يس�تغلونها لإلضالل للن�اس‪ ،‬للخداع للناس‪ ،‬للدفع‬ ‫للن�اس إلى مواقف‪ ،‬لتحريك الناس حيث يش�اء ذاك الطاغي�ة أو يريد‪ ،‬في‬

‫األخير توظَّ ف ملصلحة منافقين يعملون لصالح أمريكا وإسرائيل‪.‬‬

‫َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ‬

‫َ‬

‫تَ َ ُ‬

‫هن�ا ندرك معن�ى‪ِ} :‬إَون لم تفعل فما بلغت ِرس��اله{‪ ،‬إنَ هذا‬ ‫‪43‬‬

‫املبدأ العظيم يشكِّ ل ضامن ًة الستقامة وانضباط مسيرة اإلسالم الحق‪ ،‬فيطبَّق‬ ‫ف�ي واق�ع الحياة بش�كلٍ صحيح‪ ،‬ويقدَّ م ف�ي واقع الحياة بش�كلٍ صحيح‪،‬‬

‫ولي�س لالس�تغالل وال لالس�تعباد‪ ،‬وليس لتمكي�ن ذلك الطاغي�ة أو تلك‬ ‫الجهة الظاملة أو املفسدة لتتحول إلى عناوين لالستغالل واالستعباد‪ ،‬وليس‬ ‫اس�م‬ ‫ودب‪ ،‬ليجعل من مقا ٍم معين‪ ،‬أو عنوانٍ معين‪ ،‬أو ٍ‬ ‫هب َّ‬ ‫ليكون بيد من َّ‬

‫معي�ن مقامًا للتضليل واالفتراء عل�ى اهلل بالكذب‪ ،‬بمثل ما كان يحصل في‬ ‫العصـر الجاهلي‪ ،‬يوم فصلت البش�رية عن مصادر الهداية‪ ،‬فأتى اآلخرون‬

‫ليقول�ون‪[ :‬قال اهلل‪ ،‬وأمر اهلل‪ ،‬وهذا دي�ن اهلل‪ ،‬ومن يفعل كذلك أطاع اهلل]‪،‬‬ ‫وهم يس�تغلون الناس تحت تلك العناوين‪ ،‬ويخادعونهم‪ ،‬ويؤثِّرون عليهم‬ ‫بذلك‪ ،‬هذا جانب‪.‬‬

‫نحن معنيون �أن نفهم من هو علي!‬ ‫الجان�ب اآلخ�ر‪ :‬لننظر إلى مس�ألة اإلم�ام عَ ل ِّي (عليه الس�ل�ام) ووالية‬

‫اإلم�ام عَ ل ِّي (عليه الس�ل�ام) م�ن حيث ما كان عليه اإلمام عَ ل ِّي (عليه الس�ل�ام)‬

‫من تمثُّلٍ لهذا الدين بش�كلٍ تام‪ ،‬اس�تيعاب‪ ،‬التزام‪ ،‬عمل‪ ،‬وعي‪ ،‬اس�تقامة‪،‬‬

‫روحي�ة‪ُ ،‬خل�ق‪ ،‬موقف‪ ،‬عمل‪ ،‬فاإلم�ام عَ ل ٌِّي (عليه الس�ل�ام) كان أرقى األمة‬ ‫اإلسلامية بكلها‪ ،‬وأعظم أصحاب رس�ول اهلل‪ ،‬وأعظم املسلمين‪ ،‬وأعظم‬

‫تالمي�ذ رس�ول اهلل (صلى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) حملاً واس�تيعابًا ووعيًا‬ ‫والتزامًا بهذا الدين‪ ،‬بهذا اإلسلام‪ ،‬وتأثرً ا بهذا اإلسلام‪ ،‬حمله علمً ا على‬

‫نح� ٍو ل�م يحمله غيره‪ ،‬ف�كان باب مدين�ة العلم‪ ،‬حي�ث قال الرس�ول‪( :‬أَنَا‬ ‫‪44‬‬

‫ِي بَا ُبهَا)‪ ،‬وكان هو (األذن الواعية)‪ ،‬وكان هو الذي‬ ‫َعل ٌّ‬ ‫ِلم‪ ،‬و َ‬ ‫َ���ة الع ِ‬ ‫َمدِين ُ‬

‫لم يغمض جفنه حتى يعلم ما نزل على رس�ول اهلل في ذلك اليوم (صلى اهلل‬

‫عليه وعلى آله وسلم) ثم حمله التزامًا عمليًا في روحيته وأخالقه‪ ،‬ما حاد عنه‪،‬‬

‫ِي)‪،‬‬ ‫ِي َمع القُرآن‪ ،‬وَالقُرآن َمع َعل ّ‬ ‫(عل ٌّ‬ ‫ما فارقه‪ ،‬فلذلك قال رس�ول اهلل‪َ :‬‬

‫َالح ُق َمع َعل ّ‬ ‫الحق‪ ،‬و َ‬ ‫ِي َمع َ‬ ‫(عل ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ِي)‪ ،‬وكان هو الذي سيتحرك باألمة حينام‬

‫يتحرك بها بنا ًء على أساس ذلك الحق‪ ،‬ال يحيد عنه‪ ،‬وال يزيغ عنه‪ ،‬ال هناك‬ ‫وال هناك‪ ،‬وال بذاك االتجاه وال بذاك االتجاه‪.‬‬

‫َة‬ ‫َمن ِزل ِ‬ ‫َن���ت ِمنِّي ب َ‬ ‫فاألم�ة معنية لتفهم من ه�و عَ ل ِّي‪ ،‬ماذا يعني‪( :‬أ َ‬ ‫وله‪،‬‬ ‫نت َم اَ‬ ‫ك ُ‬ ‫(م���ن ُ‬ ‫وله)‪َ ،‬‬ ‫ِي َم اَ‬ ‫وس���ى)‪ ،‬ماذا يعن�ي‪َ ( :‬ف َعل ٌّ‬ ‫ُون ِمن ُم َ‬ ‫َهار َ‬ ‫َانصر َمن‬ ‫َع���ا ِد َمن َعادَاهُ‪ ،‬و ُ‬ ‫َالهُ‪ ،‬و َ‬ ‫ُم وَال َمن و اَ‬ ‫ولهُ‪ ،‬الله َّ‬ ‫ِ���ي َم اَ‬ ‫َذا َعل ٌّ‬ ‫َفه َ‬ ‫���ره‪ ،‬وَاخذُل َم���ن َخ َذلَه)‪ ،‬ماذا تعن�ي كل تلك النص�وص‪ ،‬ماذا تعنيه‬ ‫َص َ‬ ‫نَ‬ ‫تَ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ َُ‬ ‫تل�ك اآلي�ات‪ ،‬ماذا يعنيه‪ِ} :‬إَون لم تفعل فما بلغت ِرس��اله{؟ ألن‬ ‫هذا هو الكفيل بأن يحرر األمة من جديد من كل قوى الطاغوت والضالل‬ ‫التي تس�عى ‪-‬دائمً ا‪ -‬لفصل الناس عن مصادر الهداية؛ لتستغل الناس هي‪،‬‬ ‫وتتحك�م بالناس هي‪ ،‬وتس�يطر على الناس ه�ي بالباطل‪ ،‬وتفتري على اهلل‬ ‫الكذب‪ ،‬ثم يوظَّ ف لها كل شي ٍء في الدين لخدمتها‪ ،‬الزكاة مال لهم يأكلونه‪،‬‬

‫الحج وس�يلة لالس�تغالل‪ ،‬املس�اجد ومنابرها في كثي ٍر م�ن األقطار تتحول‬ ‫إل�ى بؤر إلضالل الناس‪ ،‬والس�عي للتأثير على الناس ف�ي ما يعبدهم لهم‪،‬‬ ‫وهكذا أش�ياء كثيرة ج�دًّ ا‪ :‬مواقف‪ ،‬والءات‪ ،‬قتال‪ ...‬حت�ى عنوان الجهاد‬ ‫‪45‬‬

‫يحرك�ه التكفيريون ويحرِّ فونه ع�ن مواضعه‪ ،‬ويتجهون بالن�اس إلى ما فيه‬

‫خدم�ة لذلك الطاغي�ة‪ ،‬أو تلك الجه�ة‪ ،‬أو تلك الجهة‪ ،‬كل ش�يء يحرَّ ف‪،‬‬

‫لك�ن باالرتباط بمصادر الهداية تغلق تل�ك النوافذ الكثيرة التي ُفت َِّحت من‬ ‫وأطل منها علامء‬ ‫َّ‬ ‫فأطل منها الجائرون والطغاة من موقع القيادة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫كل اتجاه‪،‬‬ ‫السوء واملضلون باسم الهداية‪ ،‬فذاك وذاك يغلقه هذا املبدأ العظيم‪.‬‬

‫الإمام علي منهج عملي ولي�س عنوا ًنا مذهبيًا!‬ ‫ث�م من يأت�ي ويقول‪[ :‬أنا من ش�يعة علي بن أبي طال�ب‪ ،‬وأنا في هذا‬

‫علي فيه برسول اهلل‪ ،‬يوصلني فيه بالقرآن‪،‬‬ ‫النهج اإلسلامي الذي يوصلني ٌ‬ ‫يوصلني في�ه بالحق]‪ ،‬ثم ال يكون متبعً ا بمصداقية‪ ،‬ال يكونوا على بصيرة‪،‬‬

‫على وعي‪ ،‬على التزام في مسيرة حياته‪ ،‬في مواقفه‪ ،‬في تحمله للمسؤولية‪،‬‬ ‫ف�ي االلتزامات العملية‪ ،‬هو بعيد‪ ،‬أنت لو قلت‪[ :‬أنا مع علي]‪ ،‬وأنت تبتعد‬ ‫عن الحق‪ ،‬فأنت ابتعدت عن عَ ل ٍِّي بقدر ما ابتعدت عن الحق‪ ،‬عندما تقول‪:‬‬

‫[أنا من شيعة علي]‪ ،‬ثم تبتعد عن القرآن‪ ،‬فاملسافة بينك وبين عَ ل ٍِّي هي بقدر‬ ‫املس�افة التي ابتعدت بها عن القرآن‪ ،‬حين تبتعد عن تحمل املسؤولية‪ ،‬أنت‬ ‫ابتعدت عن عَ ل ِّي بتلك املس�افة نفس�ها‪ ،‬فعَ ل ٌِّي والحق اقترنا‪ ،‬وعَ ل ٌِّي والقرآن‬

‫نهج�ا‪ ،‬وليس يمثِّل مج�رد عنوان مذهب�ي‪ ،‬أو عناوين‬ ‫ِ�ي يمثِّل ً‬ ‫اقترن�ا‪ ،‬وعَ ل ٌّ‬ ‫يدَّ عيها اإلنسان ويتباهى بها‪ ،‬ويدخل من خاللها في جدل مع هذا أو ذاك‪.‬‬

‫في النهاية تكون املسألة التزامً ا عمليًا‪ ،‬استقامة على منهج اهلل‪ ،‬اتباعً ا‬

‫منهجا متكاملاً في مبادئه وأخالقه وقيمه وسلوكه‬ ‫للقرآن‪ ،‬تمس�كً ا بالحق‪ً ،‬‬ ‫‪46‬‬

‫وروحيت�ه‪ ،‬وهن�ا ترى نفس�ك تدخل في التول�ي الواعي لإلم�ام علي (عليه‬

‫الس�ل�ام) ولرس�ول اهلل محمد (صلى اهلل عليه وآله وس���لم) ليمتد بك ذلك إلى‬ ‫الدخول واالنضواء تحت والية اهلل في االتباع لهديه والتمسك بمنهجه‪.‬‬

‫(((‬

‫المطلوب من كل م�سلم هو الت�سليم‬ ‫م�ن امله�م أن نتحدث عن قضية مهمة جد ًا إن فهمناها فس�نتقبل كل ما‬

‫يأتي من عند اهلل (سبحانه وتعالى) وهي قضية التسليم هلل (سبحانه وتعالى) يقول‬ ‫الشهيد القائد رضوان اهلل عليه‪:‬‬

‫نح�ن نؤمن أننا عبيد اهلل‪ ،‬أليس هذا هو الذي نؤمن به؟ طيب‪ :‬نقف عند‬

‫هذا‪ ،‬ونتفهم املس�ألة جيداً‪ ،‬م�ادام اهلل هو ملكنا‪ ،‬وإلهن�ا‪ ،‬ونحن عبيده‪ ،‬هو‬ ‫مل�ك الس�موات واألرض‪ ،‬ونحن عبيده‪ ،‬مملوكون له‪ ،‬م�ا ذا يعني؟ أليس‬ ‫هذا يعني أنه يجب أن نسلِّم أنفسنا له؟ أن نعبِّد أنفسنا له‪ ،‬أن نقبل ما يهدينا‬

‫إليه‪ ،‬ما يوجهنا إليه‪ ،‬ما يرشدنا إليه‪ ،‬ما يأمرنا به‪ ،‬ما ينهانا عنه؟ أليس هذا هو‬ ‫منطق العبودية هلل (سبحانه وتعالى)؟ هذا هو منطق العبودية هلل‪ .‬فمتى ما آمنت‬

‫باهلل على هذا النحو‪ ،‬وعبدت نفسي هلل‪.‬‬

‫واق�رأوا القرآن الكريم كيف يرس�خ هذا املفهوم عن�د الناس‪ ،‬حتى عند‬

‫أنبيائه‪ ،‬أن عليهم أن يستش�عروا أنهم عبيد له‪ ،‬ونحن نقول‪ ،‬نش�هد بعبودية‬

‫رس�ول اهلل أكث�ر مام نش�هد بعبودية أنفس�نا هلل‪ ،‬نصلي كل يوم ع�دة مرات‪،‬‬ ‫((( من محاضرة للسيد القائد بمناسبة الوالية لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫ونقول في تش�هدنا‪ :‬وأش�هد أن محمد ًا عبده ورس�وله‪ ،‬ألم يعلمنا رس�ول‬

‫(صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) أن نش�هد بعبوديته هلل؟ فكيف تنس�ى أنت‬

‫عبوديتك هلل! رس�ول اهلل يقول لك‪ :‬اشهد كل يوم بأني عبد هلل‪ ،‬ثم أنا يجب‬

‫أن أفهم بعد عندما ال بد أن أش�هد أن محمد ًا عبد هلل (س���بحانه وتعالى) إذ ًا فأنا‬ ‫من أنا بالنس�بة ملحمد (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) هل يمكن أن استنكف‬ ‫عن عبادة اهلل؟ هل يمكن أن أرى نفسي فوق رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى‬

‫آله وسلم)؟ أعلى منه؟ ال‪.‬‬

‫في الوقت الذي أنت تشهد أن محمد ًا عبد هلل يجب أن تفهم أنك باألولى‬

‫أن تك�ون عبد ًا هلل‪ ،‬فال تس�تنكف ع�ن عبوديته‪ .‬ماذا يعني أنن�ي عبد هلل؟ ما‬ ‫يأتي من جانب اهلل يجب أن أقبله؛ ألنني عبد ملن؟ عبد لرحمن رحيم‪ ،‬عبد‬ ‫لحكيم عليم‪ ،‬لس�ت عبد ًا لطاغية‪ ،‬لس�ت عبد ًا لجبار م�ن جبابرة األرض‪،‬‬

‫يأمر‪ ،‬وينهى‪ ،‬وال يفكر فيمن يأمرهم وينهاهم‪.‬‬

‫أما اهلل (س���بحانه وتعالى) فهو عندما يقول لي‪ :‬انطلق على هذا األس�اس‪،‬‬

‫تقبَّ�ل هذا الش�يء‪ ،‬س�ر على هذا النح�و‪ ،‬فإنه هو الذي يعل�م املصلحة لي‪،‬‬

‫ولجمي�ع البش�ر من حولي‪ ،‬وأن�ا من يجب أن أفهم أنني عب�د له فأتقبل منه‬ ‫ذلك‪ ،‬وإذا لـم نرس�خ في أنفس�نا العبودية هلل (سبحانه وتعالى) فسنكون ممن‬

‫َ ْ َْ َْ َ ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫كف الم ِس��يح أن‬ ‫قـ�ال اهلل عنهم‪ :‬يس�تنكفون عن عبادته }لن يس��تن ِ‬ ‫َْ َُ َُْ ُ َ‬ ‫َ ُ َ َ ْ ً للِهَّ‬ ‫يك��ون عب��دا ِ َوال المالئِكة المق َّربون{ (النس�اء‪ :‬من اآلي�ة‪ )172‬وال‬ ‫املالئكَ ة املُقَ رَّ بون ال يستنكفون أن يكونوا عبيد ًا له‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫م�ا معن�ى ال يس�تنكفون أن يكون�وا عبي�د ًا ل�ه؟ مت�ى م�ا أمرهم بش�يء‬

‫س�ينفذونه‪ ،‬عندما قال اهلل (س���بحانه وتعالى)‪ ،‬أوحى إلى املالئكة أن يسجدوا‬

‫آلدم‪ ،‬ألم يسجد املالئكة كلهم أجمعون إال إبليس؟ ألم يحصل هذا؟ ملاذا؟‬ ‫ألن املالئكة يعيش�ون هذا الش�عور‪ :‬بأنهم عبيد هلل‪ ،‬فهم ال يس�تنكفون عن‬

‫َ َ َ َ‬ ‫قبول أي أمر يأمرهم به‪ ،‬وسيس�لِّمون هلل‪ ،‬ويعملونه بطيبة نفس‪} ،‬فسجد‬ ‫ْ َ َ ُ لُُّ ُ ْ َ مْ َ ُ َ لاَّ ْ َ َ ىَ َ ْ َ ْ‬ ‫رَ‬ ‫َ‬ ‫المالئِكة كهم أجعون إ ِ إِبلِيس أب واس��تكب{(البقرة‪ :‬من اآلية‪)34‬‬ ‫ما الذي دفع املالئكة؟ عبوديتهم هلل‪ ،‬ما الذي جعل إبليس يرفض الس�جود‬

‫آلدم؟ م�ا ال�ذي جعله؟ ه�و أنفته‪ ،‬وكبري�اؤه‪ .‬أي هو لم يعبِّد نفس�ه هلل‪ ،‬هو‬ ‫ل�م يكن صادق� ًا في عبوديته هلل‪ ،‬ف�أدى به ذلك إلى أن يصبح م�اذا؟ ملعون ًا‬

‫مدحور ًا مذموم ًا إلى آخر أيام الدنيا‪ ،‬يهتف البشر بلعنه‪.‬‬

‫أهم نقطة أن نفهم أن علينا أن نعبِّد أنفسنا هلل (سبحانه وتعالى)‪ ،‬ثم آتي بعد‬

‫وأنا أنظر إلى األش�ياء‪ ،‬أنظر إلى س�نة اهلل (س���بحانه وتعالى) في هداية عباده‪،‬‬

‫سنة اهلل في تشريعه لعباده (سبحانه وتعالى)‪ ،‬أنظر إليها من منظار أنني عبد هلل‬

‫كيف سنته‪ ،‬كيف سارت سنته في خلقه‪ ،‬أتقبلها بسهولة‪.‬‬

‫من ه�ذا املنطلق ارجع إلى القرآن الكريم‪ ،‬كي�ف خاطب اهلل في القرآن‬

‫الكريم رسوله محمد ًا (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) الذي أمرنا أن نشهد كل‬

‫َّ ْ َ ُ َ يَ ْ َ‬ ‫يوم عدة مرات أنه عبد هلل‪ ،‬ألم يقل له‪} :‬اتبِع ما أ يِ‬ ‫وح إِلك{(األنعام‪)106‬‬ ‫ْ َ َّ ُ ّ َ ُ ىَ يَ‬ ‫َّ‬ ‫(((‬ ‫ألم يقل هو‪} :‬إِن أتبِع إِال ما يوح إِل{ هذا بالنسبة للنبي مع اهلل‪.‬‬ ‫((( من محاضرة (اإلسلام وثقافة االتباع) للش�هيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان‬ ‫اهلل عليه‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫ويقول رضوان اهلل عليه أيضاً‪:‬‬

‫ابتالن�ا اهلل أيض�اً فيما يتعل�ق بالجان�ب املعن�وي باعتب�ار اإلنس�ان يحب‬

‫التعالي‪ ،‬والس�مو‪ ،‬والرفعة‪ ،‬وال يريد أن يرى فوقه من هو أعلى منه‪ ،‬ال يريد‬

‫أن ي�رى فوق�ه من هو أعلى من�ه‪ ،‬وال يريد أن يبصر فوقه م�ن يمكن أن يدين‬ ‫ل�ه بالفضل عليه‪ ،‬أو بأنه أفض�ل منه‪ ،‬هذه تناولتها ابتلاءات كثيرة جداً‪ ،‬هذا‬

‫املج�ال تركيع�ي‪ ،‬تركيعي كعبد هلل (س ��بحانه وتعالى)‪ ،‬أحطم كل ه�ذا الكبرياء‬ ‫ابتالءات كثيرة منها الحج‪ ،‬الحج ماذا يعني؟ أليس هناك بيت من أحجار‪ ،‬في‬

‫م�كان محدد؟ أحجار‪ ،‬وهناك مواقف أخرى‪ ،‬عرفات‪ ،‬منى‪ ،‬مزدلفة‪ ،‬مواقع‬

‫مح�ددة‪ ،‬أماك�ن ترمي فيها أحج�ار‪ ،‬أماكن الزم أن تبيت فيه�ا‪ ،‬بيت البد أن‬ ‫تطوف حوله‪ ،‬مسعى البد أن تتحرك فيه‪ ،‬من هذه الصخرة إلى هذه الصخرة‪.‬‬ ‫أيض� ًا هذا ابتالء يتجلى مدى صدق ادعائي العبودية هلل‪ ،‬أنا ال يمكن أن‬

‫أق�ول‪ :‬ملاذا يأمرني أن أطوف حول هذه األحجار؟ م�ا قيمتها؟ ما فائدتها؟‬ ‫ما أهميتها؟‪ ..‬وهكذا‪ ..‬إلى مجاالت أوسع فيام يتعلق بهذا الجانب‪ ،‬جانب‬

‫تحطيم الكبرياء التي تتعارض مع ما تتطلبه العبودية من تس�ليم هلل (س���بحانه‬

‫وتعال���ى)‪ .‬م�ع ما يقتضي�ه اإلق�رار بالعبودية هلل من تس�ليم كامل هلل (س���بحانه‬

‫وتعالى)‪.‬‬

‫(((‬

‫وح�ول موض�وع التس�ليم وأهميته يقول الس�يد القائد (حفظ���ه اهلل) في‬

‫رسالة وجهها إلى املجاهدين بمناسبة عيد األضحى‪:‬‬

‫((( من محاضرة للشهيد القائد السيد حسين رضوان اهلل عليه بعنوان (إن الذين قالوا ربنا اهلل‬ ‫ثم استقاموا‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫ف�ي قصة نب�ي اهلل ابراهيم وابنه اسماعيل (عليهما الس�ل�ام)‪ ،‬وقصة الرؤيا‬

‫الت�ي كان�ت اختبار ًا لهام يوض�ح مدى تس�ليمهام ألمر اهلل (س���بحانه وتعالى)‪،‬‬

‫ومحبتهما ل�ه‪ ،‬فنب�ي اهلل ابراهي�م (عليه الس�ل�ام) بل�غ درجة عالية ف�ي إيامنه‪،‬‬

‫خَّ َ َ ُهّ‬ ‫ومكانت�ه عن�د اهلل تعالى‪ ،‬عبر عنها الق�رآن بقول اهلل تعال�ى‪َ } :‬واتذ الل‬ ‫َْ َ َ ً‬ ‫إِبراه‬ ‫ِيم خلِيال{[النس�اء‪ ]125‬وهو قدوة في إيامنه ووعيه وتفانيه في س�بيل‬

‫اهلل تعال�ى‪ ،‬وق�د حكى الق�رآن الكريم قصته م�ع قومه‪ ،‬وس�عيه لهدايتهم‪،‬‬

‫وتحطيمه لألصنام‪ ،‬وس�عي قومه إلحراق�ه بالنار ألجل ذلك‪ ،‬وكيف جعل‬ ‫اهلل النار برد ًا وسالم ًا على إبراهيم‪.‬‬

‫ث�م هجرت�ه ب�إذن اهلل عنه�م‪ ،‬ودعائ�ه أن يرزق�ه اهلل ول�د ًا صالح�اً‪ ،‬فهو‬

‫يعي�ش الغربة‪ ،‬واملجتمعات من حوله تائه�ة في الكفر والضالل‪ ،‬فرزقه اهلل‬ ‫بإسماعيل ول�د ًا صالح ًا وحليماً وزكي ًا ونبياً‪ ،‬وقد أس�كنه في مك�ة بأمر اهلل‬

‫تعال�ى‪ ،‬وبنى معه الكعبة بي�ت اهلل الحرام‪ ،‬ثم أعلن الحج ونادى في الناس‬ ‫إلقامة هذه الفريضة من اس�تطاع إلى ذلك سبيال‪ ،‬وفي مكة جرى االختبار‬

‫َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َّ يْ َ َ َ‬ ‫ع قال‬ ‫اإللهي إلبراهيم وإسامعيل (عليهما السالم)‪} :‬فلما بلغ معه الس‬ ‫َ ُ يَ ّيِ َ‬ ‫ْ َ َ َ ّيِ َ ْ حَ ُ َ َ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يا ب� َّ‬ ‫َن� إِن أرى يِف المنا ِم أن أذبك فانظ��ر ماذا ترى{ وكانت‬ ‫رؤى األنبياء في املنام جزء ًا من الوحي‪ ،‬فكانت هذه الرؤيا بالنسبة له إشارة‬

‫جعلته يتوقع أمر اهلل بذلك‪ ،‬ويريد أن يهيئ ابنه إسامعيل (عليه السالم) ليكون‬

‫على جهوزية لتنفيذ أمر اهلل تعالى‪ ،‬إذا أتى بذلك‪.‬‬

‫واملسألة صعبة جد ًا فاألب برحمته وشفقته على ابنه ومحبته له بالذات‬ ‫‪51‬‬

‫إبراهي�م (عليه الس�ل�ام) وه�و الحليم على الن�اس كلهم‪ ،‬وصاح�ب القلب‬ ‫ال�رؤوف‪ ،‬والذبي�ح في الرؤيا هو إسماعيل ابنه الحليم الب�ار الطيب الزكي‬

‫الصالح النبي‪ ،‬فامذا كان جواب إسماعيل (عليه الس�ل�ام) وهو ال يزال غالم ًا‬

‫َْْ َ ُْ َُ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫جد يِن‬ ‫لم يصل إلى مرحلة الشباب؟ } قال يا أب ِ‬ ‫ت افعل ما تؤمر ست ِ‬ ‫َ‬ ‫هَّ ُ َ َّ‬ ‫الصابر َ‬ ‫إِن ش��اء الل مِن‬ ‫ين{ [الصافات‪ ]102‬لقد أجاب باس�تعداده التام‬ ‫ِِ‬

‫لتنفيذ أمر اهلل تعالى إذا أتى األمر من اهلل بذبحه‪ ،‬وش�جع والده أن ينفذ أمر‬

‫اهلل إذا أت�ى بذل�ك وتجه�زا لتنفيذ األمر نفس�ي ًا وعملياً‪ ،‬وذه�ب إلى منطقة‬

‫منى‪.‬‬

‫َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ ْ َ‬ ‫ني { [الصافات‪ ]103‬أسلام ألمر اهلل تعالى‪،‬‬ ‫}فلما أسلما وتله ل ِلجبِ ِ‬

‫وانق�ادا ل�ه‪ ،‬وأضجعه عل�ى األرض عل�ى جبينه ( يعني ط�رف وجهه)‬

‫ََ ََْ ُ َ ْ َ‬ ‫وانتظ�را أم�ر اهلل تعال�ى ف�ي جهوزي�ة تامة للتنفي�ذ }ونادين��اه أن يا‬ ‫َ ْ َ َّ ْ َ ُّ ْ َ َّ َ َ َ جَ ْ‬ ‫إبْ َراه ُ‬ ‫الرؤي��ا إِنا كذل ِك ن ِزي‬ ‫ِي��م { [الصاف�ات‪} ] 104‬قد صدقت‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سنِني { [الصافات‪]105‬‬ ‫المح ِ‬

‫اكتمل االختبار بنجاح تام‪ ،‬فقد كان إبراهيم وإسماعيل (عليهما الس�ل�ام)‬

‫عل�ى اس�تعداد صادق لتنفيذ األمر اإللهي لو أتى أم�ر اهلل بالذبح‪ ،‬وعلم اهلل‬ ‫منهام تس�ليمهام التام ألمر اهلل فكان ذلك كافي ًا في أن يعيشا التسليم ألمر اهلل‬

‫فوق كل محبة ورغبة‪ ،‬وفوق كل مش�قة ومحنة‪ ،‬وفي أن يكون درس ًا للبشر‬

‫َََ َْ ُ ْ‬ ‫من بعدهام }إ َّن َه َذا ل َ ُه َو بْالَلاَ ء ال ْ ُمب ُ‬ ‫اه ب ِ ِذب ٍح‬ ‫ني {[الصافات‪} ]106‬وفدين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يم { [الصافات‪ ]107‬واهلل (س���بحانه وتعالى) قد فدى إسامعيل (عليه السالم)‬ ‫ع ِظ ٍ‬ ‫‪52‬‬

‫بذب�ح‪ ،‬يعني أضحي�ة من األنعام أتى ب�ه جبريل (عليه الس�ل�ام) إلى إبراهيم‬

‫ال عن إسامعيل (عليهما السالم) ‪.‬‬ ‫ليذبحه بد ً‬

‫إن الدروس من هذه القصة كثيرة ومهمة وأهمها‪:‬‬

‫ـ التس�ليم ألمر اهلل فوق كل الرغبات واأله�واء‪ ،‬والطاعة هلل تعالى‪،‬‬

‫وإخض�اع النفس هلل‪ ،‬واملحبة هلل فوق كل ش�يء‪ ،‬والتفان�ي في طاعة اهلل‬

‫تعال�ى‪ ،‬وم�ن أعظم م�ا ينطبق علي�ه ذلك هو االس�تعداد الت�ام الصادق‬ ‫لبذل النفس في س�بيل اهلل تعالى في مواجهة أعدائه املس�تكبرين الطغاة‬ ‫املعتدي�ن أمري�كا وإس�رائيل وعمالئهم من العرب الذي�ن يعتدون على‬

‫املسلمين بغير حق‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬

‫ـ إن اإلنسان إذا حمل هذه الروحية اإليامنية العالية من التسليم ألمر‬

‫اهلل حت�ى ل�و كان ذلك بذل النفس‪ ،‬وكان أمر اهلل فوق كل رغبات نفس�ه‬ ‫سيكون جندي ًا عظي ًام هلل تعالى وإنسان ًا عملي ًا قوي ًا في تنفيذ توجيهات اهلل‬

‫سبحانه‪ ،‬ويحظى برعاية من اهلل‪ ،‬ومنزلة رفيعة عند اهلل‪ ،‬ويحقق اهلل على‬ ‫يديه النتائج الطيبة ‪.‬‬

‫لقد أصبحت تلك الحادثة العجيبة بام تقدمه من الدروس مناسبة وعيد ًا‬

‫لتخليدها واستذكارها واالستفادة منها‪ ،‬ولالحتفاء والتبجيل والتقدير لهذه‬

‫الروحي�ة العالية‪ ،‬وهذا اإلسلام العظيم الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل‬

‫(عليهما السالم) ‪.‬‬

‫•••‬ ‫‪53‬‬

‫الباب الثالث‬ ‫الإمام علي �أُ ِع َّد في م�سيرة حياته لهذا الدور‬ ‫اإلم�ام عل�ي (عليه الس�ل�ام) حظي في مس�يرة حياته بمس�ا ٍر متميز يؤهله‬

‫لهذا الدور ألنه مقام مهم‪ ،‬مقام كبير‪ ،‬ومقام عظيم يحتاج إلى عناية خاصة‬ ‫وتربي�ة فريدة ومتميزة وهذا ما كان‪ ،‬لقد ش�اء اهلل (س���بحانه وتعالى) أن يكون‬

‫من يتولى تربية علي منذ طفولته املبكرة هو رس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى‬

‫آله وس���لم) الرس�ول (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) أراد أن يرد الجميل إلى‬ ‫عمه أبي طالب؛ ألن أبا طالب قام بدور أساسي في كفالة النبي وتربيته بعد‬

‫وفاة جده عبد املطلب‪ ،‬وبتدبي ٍر من اهلل (سبحانه وتعالى) تولى رسول اهلل (صلى‬ ‫اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) هو تربية وتنش�ئة اإلمام علي من�ذ طفولته املبكرة‪،‬‬

‫فس�لّمه وال�ده أب�و طال�ب إلى النب�ي (صلى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) وكان‬

‫ذل�ك ما قب�ل النبوة‪ ،‬فالنب�ي تولى هو منذ طفول�ة علي املبك�رة التربية لهذا‬

‫الرجل وأعدّ ه إعدادًا متميزً ا‪ ،‬وش�رح اإلمام (عليه السالم) أجواء وواقع هذه‬ ‫التربية والعناية الكبيرة به من جانب الرس�ول (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‬ ‫فق�ال‪« :‬وَ قَدْ عَ لِمْ تُمْ مَوْ ِضعِي مِنْ رَ ُس�ولِ اهللِ (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‬ ‫يص�ةِ‪ :‬وَ َضعَ نِي فِي حِ ْج ِر ِه وَ َأنَا وليدٌ ي َُضمُّ نِي‬ ‫الخ ِص َ‬ ‫بِالْقَ رَ ابَ� ِة الْقَ رِي َبةِ‪ ،‬وَ ا َمل ْن ِز َل ِة َ‬

‫إِلَى َصدْ ِرهِ‪ ،‬وَ يَكْ نُفُ نِي فِي فِرَ اشِ �هِ‪ ،‬وَ ُيم ُِّسنِي َجسَ دَ هُ‪ ،‬وَ يُشِ مُّ نِي عَ رْ فَهُ (((‪ ،‬وَ كَ انَ‬

‫ال َخطْ َل ًة((( فِي‬ ‫�ي َء ثُمَّ ُي ْلقِمُ نِي�هِ‪ ،‬وَ مَا وَ َجدَ لِي كَ ذْ بَ� ًة فِي قَ�وْ ل‪ ،‬وَ َ‬ ‫الش ْ‬ ‫يَمْ َض�غُ َّ‬

‫((( َع ْرفه ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬رائحته الزك ّية‪.‬‬ ‫الخ ْط َلة‪ :‬واحدة َ‬ ‫((( َ‬ ‫الخ َطل ‪ -‬كالفرحة واحدة الفرح ‪ -‬والخطل‪ :‬الخطأ ينشأ عن عدم الرو ّية‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫فِعْ ل»‪ ((( .‬وهذه نقطة مهمة جدًّ ا‪ ،‬أنه بمثل ما حظي اإلمام علي (عليه السالم)‬

‫بعناي ٍة خاصة من جانب الرسول واهتام ٍم كبير بتربيته وإعداده وتهذيبه(((‪.‬‬

‫الإمام علي نف�سه كان مهي�أ لهذا الدور‬ ‫اإلمام علي نفسه كذلك هيأه اهلل ألن يكون لديه قابلية عالية‪ ،‬قابلية عالية‬

‫له�ذه التربية‪ ،‬لو لم يكن لدى اإلمام علي نفس�ه فيام هي�أه اهلل له قابلية كبيرة‬

‫ملس�توى التفاعل الكبير مع هذه العناية من جانب الرس�ول‪ ،‬ملا أثمرت تلك‬

‫الثمرة الكبيرة؛ ألنه مثلاً قد تحرص على أن تهتم بش�خص معين أو بابنك‬

‫مثًل�اً لتربيه تربية‪ ،‬تحرص تبذل جهودًا كبيرة؛ ولكن ترى النتائج محدودة؛‬ ‫ألن مس�توى القابلي�ة لدى املتلقي محدودة مثًل�اً ‪ ،‬لكن اإلمام علي ال‪ ،‬كان‬ ‫مس�توى القابلي�ة كبي�رً ا لديه‪ ،‬وتفاعل�ه هو‪ ،‬وهو م�ن اهلل مهي�أ ألن يتفاعل‬

‫بشكلٍ كبير‪ ،‬فكان كل جه ٍد تربويٍ من رسول اهلل يثمر في اإلمام علي ثمر ًة‬ ‫عظيم�ة‪ ،‬يترك فيه أثرً ا بليغً ا‪ ،‬يحقق نتائج�ه فيه «وَ مَا وَ َجدَ لِي كَ ذْ َب ًة فِي قَوْ لٍ ‪،‬‬

‫ال خطل ًة في فعل» استقامة عالية تفاعل كبير وتأثر عظيم‪ ،‬ثم يحكي اإلمام‬ ‫وَ َ‬ ‫ علي (عليه السالم) ‪ -‬بفعل هذا االرتباط القوي‪ ،‬هذا االرتباط املتميز‪ ،‬هذا‬‫االندماج الكبير في حياة النبي‪ ،‬يحكي عن واقع النبي نفس�ه (صلى اهلل عليه‬

‫هلل تَعَ الَى بِ� ِه ‪ -‬صلى اهلل عليه وآل�ه ‪ -‬مِنْ لَدُ نْ‬ ‫وعل���ى آله وس���لم) «وَ لَقَ �دْ قَرَ نَ ا ُ‬

‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪1‬ص ‪.301‬‬ ‫((( من محاضرة في ذكرى استش�هاد اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) للسيد القائد (حفظه اهلل) لعام‬ ‫‪1434‬هـ‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫الئِكَ تِ ِه يَسْ ُ�ل ُك بِ ِه طَ رِيقَ املَكَ ا ِرمِ‪ ،‬وَ م ََحاسِ َ�ن‬ ‫َك مِنْ َم َ‬ ‫أَنْ كَ انَ فَطِ يمً ا أَعْ ظَ مَ َمل ٍ‬

‫أ َْخالَقِ الْعَ الَمِ ‪َ ،‬ل ْيلَهُ وَ نَهَ ارَ هُ» الرس�ول نفس�ه حظ�ي بتربية عظيمة جدًّ ا‪ ،‬وهو‬

‫كذلك كان مهيأ بش�كل عظيم جدًّ ا‪ ،‬ال أحد يس�اويه من البش�ر فيام هيأه اهلل‬ ‫ل�ه من التأثر والتقبل‪ ،‬فالنبي حظي برعاية خاصة من اهلل في التربية‪ ،‬أن قرن‬ ‫اهلل به ملكً ا عظيمً ا من مالئكته‪ ،‬يهتم بتربيته بتعليمه بتهذيبه بتوجيهه‪ ،‬وهذا‬

‫الرج�ل ال�ذي تولى اهلل تربيت�ه وأنزل ملكً ا م�ن مالئكته لي�ؤدي هذا الدور‬ ‫أيضا تولى هو تربية علي‪ ،‬يواصل اإلمام علي (عليه السالم) ويشرح لنا تلك‬ ‫ً‬ ‫َصيلِ ((( َأثَرَ ُأ ِّمهِ‪،‬‬ ‫األج�واء التربوية الرائعة فيقول‪« :‬وَ لَقَ �دْ كُ ن ُْت َأ َّتبِعُ هُ ا ِّتبَاعَ ا ْلف ِ‬

‫أخال ِقهِ‪ ،‬وَ َيأْمُ رُ ني بِاال ْقتِدَ ا ِء بِهِ»‪.‬‬ ‫يَرْ فَعُ لي فِي كُ لِّ يَوْ م عَ لَمً ا((( مِنْ ْ‬

‫تربية مستمرة يومية عناية خاصة‪ ،‬اهتامم كبير‪ ،‬تنشئة على مكارم األخالق‬

‫منذ الطفولة‪ .‬ومام تميز به اإلمام علي (عليه السالم) أنه وباالختالف مع بقية‬ ‫املس�لمين في عصر النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) لم يحدث أبدً ا بأن‬ ‫تدن�س بدن�س الجاهلية ال بش�ركها وال بقذاراته�ا وال بباطله�ا‪ ،‬بفعل هذا‬

‫االختص�اص‪ ،‬هذه العناية‪ ،‬هذه التربية‪ ،‬هذا االرتب�اط الوثيق ‪-‬منذ أن كان‬

‫طفلاً صغيرً ا‪ -‬بالنبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) هكذا يقول‪« :‬يَرْ فَعُ لي‬ ‫أخالقِ�هِ‪ ،‬وَ َيأْمُ رُ ني بِاال ْقتِدَ ا ِء بِهِ‪ .‬وَ لَقَ �دْ كَ انَ ي َُجاوِرُ فِي‬ ‫فِ�ي كُ لِّ يَ�وْ م عَ لَمً ا مِنْ ْ‬

‫ْ�ت وَ احِ دٌ يَوْ َمئِ ٍذ فِي‬ ‫ال يَ�رَ ا ُه غَ ْيرِي‪ ،‬وَ لَمْ ي َْجمَ عْ َبي ٌ‬ ‫كُ لِّ َس�نَ ة بِحِ �رَ ا َء(((‪َ ،‬فأَرَ ا ُه وَ َ‬ ‫((( ال َف ِصيل‪ :‬ولد الناقة‪.‬‬ ‫((( َع َل ًما‪ :‬أي فضلاً‬ ‫ظاهرا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫((( ِحراء بكسر الحاء‪ :‬جبل على القرب من مكة‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫ِيج َة وَ َأنَا ثَالِثُهُ مَ ا‪ ،‬أَرَ ى‬ ‫ال ِم غَ يْرَ رَ ُسولِ اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وآله ‪ -‬وَ َخد َ‬ ‫اإلسْ َ‬ ‫ِيح ال ُّنبُوَّ ةِ»‪.‬‬ ‫نُورَ الْوَ ْحيِ وَ الرِّ َسا َلةِ‪ ،‬وَ أ َُشمُّ ر َ‬

‫ف�كان اإلمام عل�ي (عليه الس�ل�ام) بفعل ه�ذه التربية العظيم�ة واإلعداد‬

‫العال�ي والعناية الخاصة ارتضع الرس�الة ارتضاعً ا‪ ،‬تعل�م األخالق‪ ،‬عاش‬ ‫أجواء الهداية اإللهية واالختصاص الوثيق واالرتباط القوي جدًّ ا بالرسول‬

‫(صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وواكب اإلسلام من يومه األول فكان أول‬ ‫املؤمني�ن برس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وتوجه ف�ي بقية حياته‬ ‫منطلقً �ا بانطالق� ٍة متميزة‪ ،‬ليس�هم إس�هامًا كبي�رً ا‪ ،‬عظيمً ا‪ ،‬متمي�زً ا في إقامة‬

‫الرس�الة اإللهي�ة‪ ،‬في إقامة الدين بجه�اده املرير‪ ،‬وما بذله م�ن جهو ٍد كبيرة‬ ‫وهو يجاهد ويقاتل مع رس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) موظِ فًا ما‬

‫منحه اهلل من مؤهالت عالية على املس�توى اإليامني وعلى املستوى الفطري‬ ‫بما أعط�اه اهلل من ش�جاعة فائقة وق�درات قتالية متمي�زة ازدادت وعظُ مَ ت‬ ‫باإليامن نفس�ه‪ ،‬بفعل اإليامن نفس�ه فكان فارس اإلسلام ورجل اإلسلام‬ ‫تص�دى في كل ميادين القتال وفي س�احات الصراع‬ ‫وبطل اإلسلام الذي ّ‬

‫لصناديد الكفر وأبطال الش�رك والطغاة واملس�تكبرين بكل ما كانوا يمثلونه‬

‫من إمكانات وقدرات وتحدٍّ ضد اإلسالم وضد أهله(((‪.‬‬

‫((( م�ن محاض�رة للس�يد القائ�د (حفظ ��ه اهلل) ف�ي ذكرى استش�هاد اإلم�ام عل�ي (عليه الس�ل�ام) لعام‬ ‫‪1434‬هـ‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫بع�ض ما ورد في �أمير الم�ؤمنين (عليه ال�سالم)‬ ‫لقد س�عى رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) في مقامات متعددة‪،‬‬

‫ومواطن متعددة‪ ،‬وبشكلٍ كبير‪ ،‬إلى الحديث عن اإلمام علي (عليه السالم)‪،‬‬ ‫الحدي�ث املتميز‪ ،‬املعبر عن مقام اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬عن دوره‪ ،‬عن‬

‫منزلته‪ ،‬وعن أهمية هذا الدور بالنسبة لألمة‪ ،‬والرسول (صلى اهلل عليه وعلى‬ ‫آله وس���لم) في س�عيه ذل�ك‪ ،‬وفي اهتاممه ذل�ك كان يتحرك في هذه املس�ألة‬

‫كام في كل املس�ائل األخرى ذات الصلة بهداية األمة‪ ،‬ذات العالقة بإرش�اد‬ ‫األم�ة‪ ،‬ذات العالقة والصلة بتحديد معالم الهداية لألمة في مس�تقبلها إلى‬

‫قيام يوم الدين‪ ،‬كان يتحرك وفق الخطة اإللهية‪ ،‬وفق التعليامت اإللهية‪ ،‬وفق‬ ‫التوجيه�ات اإللهية‪ ،‬كل اهتامماته‪ ،‬كل س�عيه‪ ،‬كل حركت�ه كانت محكوم ًة‬

‫بالهداي�ة‪ ،‬وكانت تقدِّ م هداي ًة لهذه األم�ة‪ ،‬فلم يكن ذلك الحديث في تلك‬ ‫املقام�ات‪ ،‬بتلك العبارات املهمة والعظيم�ة الداللة‪ ،‬حديثًا عاديًا‪ ،‬أو حديثًا‬

‫هامش�يًا‪ ،‬أو حديثً�ا ترفيًا‪ .‬ال‪ ،‬وحت�ى العبارات التي تح�دث بها عن اإلمام‬

‫علي (عليه السالم) لها داللتها العظيمة واملهمة‪ ،‬فهو فعل ذلك‪ ،‬وقدَّ م ذلك‪،‬‬ ‫وتحرك بذلك في نفس السياق الذي يتحرك فيه وهو يقدِّ م الهدى لألمة كل‬

‫األمة من بعده إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫(((‬

‫((( من محاضرة السيد عبد امللك في ذكرى استشهاد اإلمام علي (عليه السالم) لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫(�أنت مني بمنزلة هارون من مو�سى)‬ ‫اإلمام علي (عليه السالم) عندما نأتي إلى الحديث عنه من خالل النصوص‬

‫الديني�ة التي نقلتها األمة‪ ،‬األمة وليس مذهب ًا معين ًا وليس فئة أو طائفة معينة‬

‫ب�ل نقلته�ا أهم مصادر األمة لدى الس�نّة‪ ،‬ولدى الش�يعة‪ ،‬أه�م املصادر في‬ ‫التراث اإلسلامي وبموثوقية عالية وبنصوص متظافرة‪ ،‬وأصبحت مصنفة‬ ‫بام يقال عليه في املتعارف عليهم بين العلامء واملحدثين بالتواتر أي‪ :‬تواترت‬

‫ونقله�ا ال�رواة من أبناء األمة أع�داد ًا كبيرة من الرواة‪ ‬أطراف� ًا كثيرة من أبناء‬ ‫ال بعد جيل‪.‬‬ ‫األمة وحفظتها األمة جي ً‬

‫(((‬

‫م�ن األحادي�ث املهم�ة الت�ي نقلته�ا األم�ة بالتوات�ر‪ ،‬وبات�ت قطعي ًة في‬

‫موثوقية نقلها عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله)‪ ،‬في تأكيد صحتها عن‬ ‫رس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‪ ،‬من النصوص العظيمة نص يبين‬

‫منزل�ة اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬هذه املنزلة املتصلة بموقعه في اإلسلام‪،‬‬ ‫موقعه في حركة اإلسلام‪ ،‬موقعه في حركة الرسالة اإللهية‪ ،‬موقعه بالنسبة‬

‫لألمة‪ ،‬بالنس�بة للمؤمنين‪ ،‬حينام قال له الرس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله‬

‫ِي بَعدِي)‪،‬‬ ‫وسى‪ ،‬إاَِّل أََّن ُه اَل َنب َّ‬ ‫ُون ِم ْن ُم َ‬ ‫َة َهار َ‬ ‫ِمن ِزل ِ‬ ‫َنت ِمنِّي ب َ‬ ‫وس���لم)‪( :‬أ َ‬

‫نص مه�م‪ ،‬واملهم فيه أن نتفهم داللته‪ ،‬الكثير من الناس يس�مع‬ ‫ه�ذا النص ٌ‬

‫النص�وص‪ ،‬يس�مع األحاديث املهم�ة‪ ،‬ولكنه ال يس�توعب داللتها‪ ،‬ما تدل‬

‫عليه‪.‬‬

‫((( من محاضرة السيد عبد امللك في ذكرى استشهاد اإلمام علي (عليه السالم) لعام ‪1438‬هـ‬

‫‪59‬‬

‫إنن�ا كأمة إسلامية‪ ،‬كمس�لمين يجب أن ن�درك أن هذا الن�ص يحدد لنا‬

‫طبيعة العالقة مع اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬كيف هي عالقتنا كمس�لمين‪،‬‬ ‫وكأم�ة إسلامية‪ ،‬كأمة محم�د باإلم�ام عليٍ (عليه الس�ل�ام)؛ ألنه�ا حددت‬ ‫موقع�ه‪ ،‬في نفس الوق�ت قدَّ مت لنا طبيعة العالقة به من هذا املوقع املحدد‪،‬‬ ‫من هذه املنزلة املحددة‪.‬‬

‫الكثير من الناس نتيجة املش�اكل املذهبي�ة‪ ،‬نتيجة التعبئة الخاطئة‪ ،‬نتيجة‬

‫الجهد الكبير الذي بذلته حركة النفاق في األمة‪ ،‬ينظر إلى اإلمام علي (عليه‬

‫الس�ل�ام) نظرة عادية‪ ،‬ش�خص عادي مث�ل بقية الصحاب�ة‪ ،‬صحابي من بقية‬ ‫نصا ال معنى‬ ‫الصحابة‪ ،‬املس�ألة ليست كذلك أبدً ا أبدً ا‪ ،‬وإال كان هذا النص ً‬

‫له وال داللة له‪ ،‬أن يقول الرسول(صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) لإلمام علي‬ ‫ومروي لدى األمة‪ ،‬ولدى فرق‬ ‫ٌ‬ ‫(عليه الس�ل�ام)‪ ،‬وهذا النص موثوق ومؤك�د‬

‫َة‬ ‫ِمن ِزل ِ‬ ‫َن���ت ِمنِّي ب َ‬ ‫األم�ة‪ ،‬وف�ي أهم املصادر لدى ف�رق األمة‪ ،‬يقول له‪( :‬أ َ‬ ‫وس���ى‪ ،‬إاَِّل أَنَّ��� ُه اَل َنب َّ‬ ‫ُون ِم ْن ُم َ‬ ‫َه���ار َ‬ ‫ِي بَع���دِي)‪ ،‬هل كان ه�ارون في أمة‬ ‫موس�ى حاله حال أي ش�خص من أمة موس�ى؟ حال أي واح�د من أولئك‬ ‫الذين كان لهم تلك الهفوات‪ ،‬واالنحرافات‪ ،‬واألخطاء‪ ،‬واملش�اكل‪ ،‬أم أن‬

‫موقعه كان موقعً ا مهمً ا جدًّ ا؟ نرجع إلى القرآن الكريم لنرى كيف كان مقام‬ ‫ه�ارون (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬الذي كان وزيرً ا بالنص القرآن�ي‪ ،‬هو كان نبيًا‪ ،‬لكن‬ ‫مقام النبوة ليس لإلمام علي (عليه الس�ل�ام)؛ ألنه ال نبي أبدً ا بعد رس�ول اهلل‬ ‫محمد (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‪ ،‬هو خاتم النبيين‪ ،‬فام من نبيٍ من بعده‬ ‫أب�دً ا‪ ،‬لكن نأتي إلى بقية األدوار‪ ،‬بقية املقامات‪ ،‬بقية املهام واملس�ؤوليات‪،‬‬ ‫‪60‬‬

‫الدور الذي كان لهارون‪ ،‬تجد أنه كان الوزير‪ ،‬وكان املعاضد‪ ،‬كان الشريك‬ ‫ف�ي األمر في طبيعة النهوض باملس�ؤولية‪ ،‬كان الخليف�ة في القوم‪ ،‬كان كان‬

‫كان‪ ...‬دور كبير جدًّ ا‪.‬‬

‫فالنص هذا املقطوع بصحته‪ ،‬املؤكَّ د‪ ،‬الواضح‪ ،‬هو يقدِّ م داللتين مهمتين‬

‫ج�دًّ ا‪ :‬منزل�ة اإلم�ام عل�ي من جان�ب‪ ،‬وطبيع�ة العالقة ب�ه بالنس�بة لألمة‪،‬‬

‫بمس�توى هذه املنزلة وبطبيع�ة هذا املوقع‪ ،‬هو في نف�س الوقت يقدِّ م داللة‬ ‫قاطع�ة على املق�ام اإليامني لإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬بمثل ما يقدِّ م موقعه‬ ‫في حركة الرس�الة‪ ،‬في طبيعة املس�ؤولية‪ ،‬في النهوض بهذه املس�ؤولية‪ ،‬في‬

‫عالق�ة األم�ة به كيف يج�ب أن تك�ون‪ ،‬يقدِّ م دالل�ة قاطعة عل�ى أن أكمل‬ ‫جسد مكارم األخالق‪ ،‬أعظم من‬ ‫األمة‪ ،‬أعظم األمة إيامنًا ومنزلةً‪ ،‬أعظم من َّ‬

‫جس�د تعاليم اإلسلام‪ ،‬أعظم من اكتملت فيه كل الصف�ات اإليامنية‪ ،‬وكل‬ ‫َّ‬

‫املقومات ومكونات الش�خصية املسلمة واملؤمنة من أتباع رسول اهلل محمد‬ ‫علي (عليه الس�ل�ام)؛ ألن هذا كان‬ ‫(صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) هو اإلمام ٌ‬

‫ه�و مقام هارون وحال هارون في أمة موس�ى‪ ،‬هو أكمل أمة موس�ى إيامنًا‪،‬‬

‫أعظمه�م كاملاً إيامنيًا‪ ،‬ب�كل املواصفات اإليامنية‪ ،‬بكل العناصر التي تتكون‬ ‫واضح في هذا النص العظيم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بها الشخصية اإليامنية‪ ،‬وهذا أمرٌ‬

‫ال في مقامه وفي مرتبته في األمة هذه هي‬ ‫علي (عليه الس�ل�ام) أو ً‬ ‫فاإلمام ٌ‬

‫هذه املرتبة‪ ،‬هو أعلى هذه األمة ش�أن ًا ومقام ًا ودور ًا عظي ًام في اإلسلام في‬

‫نصرة نبي اإلسلام في معاضدة نبي اإلسلام بهذه الدرجة ولهذا املس�توى‬

‫بمنزل�ة ه�ارون م�ن موس�ى ثم ف�ي كامل�ه اإليامني وكامل�ه ف�ي املواصفات‬ ‫‪61‬‬

‫األخالقي�ة واإليامنية وف�ي املواصفات املتعلقة باملس�ؤولية؛ ألنه ما من أحد‬

‫ف�ي أمة موس�ى كان في مس�توى كامل�ه اإليامني بكل ما يدخ�ل ضمن ذلك‬ ‫ويندرج ضمن ذلك بمستوى هارون‪ ،‬هذا أمر الشك فيه وال نقاش فيه‪.‬‬

‫لألس�ف في بعض املناط�ق في بعض األماكن في بع�ض البلدان يصبح‬

‫اإلنس�ان فيه�ا دكتور ًا أو معل ًام في الجامعة وهو بع�د لم يطلع على مثل هذا‬ ‫النص خاصة في زمن فيه كس�ل كبير وقصور كبير في االطالع على التراث‬ ‫اإلسالمي فيأتي البعض ال معرفة له بذلك أو أنه ال يتفاعل مع هذا النص‪.‬‬

‫ه�ذا نص يفرض علين�ا كمس�لمين كمؤمنين لنا هذا االنتامء اإلسلامي‬

‫ننظ�ر إل�ى األمور الدينية من هذا املنظار النبوي‪ ،‬م�ن املنظار الذي رآه النبي‬ ‫فيه وتحدث عنه النبي به فننظر إلى اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) بهذه الجاللة‬ ‫بهذا القدر بهذه العظمة بهذه األهمية بهذا املقام بهذا املستوى‪.‬‬

‫ه�ذا ما يجب أن يكون هو األث�ر فينا‪ ،‬التفاعل من جانبنا مع نص كهذا‪ ،‬أم‬

‫أن املس�ألة تكون مجرد عبارات نتلفظ بها ليس لها أي أثر في أنفس�نا وال في‬ ‫نظرتن�ا وال ف�ي ثقافتنا وال في فهمنا إنام مجرد عبارات نقول بها على ألس�نتنا‬ ‫(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي) ثم أنت ذلك‬

‫الذي تنظر لإلمام علي (عليه الس�ل�ام) وكأنه مجرد ش�خصية اعتيادية صحابي‬ ‫حاله حال أي واحد من الصحابة على حسب التعبير واملصطلح املنتشر‪ ،‬ال‪.‬‬

‫يج�ب أن ننظ�ر من هذه النظرة من النظرة النبوي�ة أن نكون متأثرين بنبي‬

‫اإلسلام ال أن نك�ون متأثري�ن بالتيار الوهاب�ي التكفيري املش�ؤوم الضال‬ ‫‪62‬‬

‫الذي يأتي لينشر حساسية بالغة حتى عن هذا املقام العظيم‪ ،‬من ينظر بالعين‬

‫الوهابي�ة ه�ي عين عمي�اء مظلمة ال ترى الن�ور وال ترى البصي�رة وبالتالي‬

‫تطل�ع دائ ًام نظرة س�وداوية إلى رموز اإلسلام العظام إل�ى كل ما هو عظيم‬ ‫ومهم وجميل ومفيد في اإلسالم‪.‬‬

‫النظ�رة الوهابي�ة التكفيرية الظالمية هي نظرة تش�وه حتى نبي اإلسلام في‬

‫مقامه األعلى واألعظم واألس�مى واألكبر‪ ،‬نظرة تس�يء إلى النبي بكله دعك‬

‫ع�ن تالمذته دع�ك عن أتباعه دع�ك عن أعوان�ه دعك عن اإلم�ام علي (عليه‬

‫السالم) في مقامه كوزير ومناصر وعظيم في هذا اإلسالم‪ ،‬هذا أحد النصوص‪.‬‬ ‫ه�ذا الن�ص في ثقافتن�ا الدينية يج�ب أن نعلم�ه أبنائنا يج�ب أن يتعلمه‬

‫الطالب يجب أن يسمع به الجميع ال يجوز أن يكون هذا النص غائب ًا بفعل‬ ‫التغييب له في املناهج الدراس�ية الرس�مية أو بفعل السياس�ات التي تحكم‬

‫البرامج التثقيفية في وس�ائل اإلعالم؛ ألن وس�ائل اإلعالم كذلك معظمها‬

‫في العالم اإلسالمي تأتي وتتجاهل كل هذا‪.‬‬

‫ه�ذا ال عالقة له حتى بالسّ �نة وال بأهل السّ �نة وال بالتراث السّ �ني؛ ألن‬

‫التراث السّ ني كان له إسهام كبير جد ًا في نقل هذه النصوص وفي املحافظة‬

‫ال بعد جيل‪ ،‬هذه عقدة وهابية يج�ب أن تكون منبوذة ومرفوضة‬ ‫عليه�ا جي ً‬

‫لدى األمة بكلها‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫الإمام علي امتداد للإ�سالم الأ�صيل‬ ‫وله�ذا ن�درك حاجتنا ف�ي كل زمن لإلمام عل�ي (عليه الس�ل�ام) بمقامه‪،‬‬

‫بمنزلت�ه الت�ي حددت عالقتن�ا به‪ ،‬منزلته ف�ي هذه األمة‪ ،‬منزلته من رس�ول‬ ‫اهلل (منزل�ة هارون من موس�ى)‪ ،‬مقامه في موقع الق�دوة والقيادة والهداية‪،‬‬

‫امت�داده األصيل‪ ،‬املعبِّر عن أصالة اإلسلام‪ ،‬عن اإلسلام ف�ي أصالته‪ ،‬في‬

‫نقائه‪ ،‬في سلامته‪ ،‬تجس�يده لتلك املبادئ والقيم‪ ،‬وتقديمه ألرقى وأعظم‬

‫نم�وذج مس�لم مؤمن قرآني‪ ،‬هذا مهمٌ جدًّ ا لن�ا أن نعيه‪ ،‬أنه ال بد منه في كل‬

‫زم�ن‪ ،‬ف�ي كل مرحلة‪ ،‬ف�ي كل عص�ر‪ ،‬أنت بحاج�ة إلى أن تك�ون متطلعً ا‬

‫إلى عليٍ (عليه الس�ل�ام) لت�رى فيه النموذج األرقى في اتباع رس�ول اهلل‪ ،‬في‬ ‫التمس�ك بالقرآن‪ ،‬في االهتداء بهذا اإلسالم‪ ،‬في االقتداء برسول اهلل (صلى‬ ‫اهلل علي���ه وعل���ى آله وس���لم)‪ ،‬اإلم�ام علي (عليه الس�ل�ام) حلق�ة وصل تصلك‬

‫كل منهم‪( :‬قال رس�ول اهلل‪ ،‬وكان‬ ‫برس�ول اهلل‪ ،‬يوم يأت�ي اآلخرون ليق�ول ٌ‬ ‫رس�ول اهلل‪ ،‬وفعل رسول اهلل)‪ ،‬وهذا يقول ش�يئًا ‪،‬وهذا يقول شيئًا مختلفًا‪،‬‬

‫وهذا‪ ...‬حتى تكون متشوشً ا‪.‬‬

‫من الذي يعبِّر فعلاً عن رس�ول اهلل أرقى تعبير‪ ،‬أصدق تعبير؟ من الذي‬

‫يمثِّ�ل القدوة في االتباع واالقت�داء واالهتداء‪ ،‬من؟ ه�ذا‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬أو ذاك‪،‬‬

‫أو ذاك؟ األم�ة مالن زحمة‪ ،‬هناك مَعْ لَم واضح جدًّ ا‪ ،‬أصيل أصيل‪ ،‬ال يقبل‬ ‫الغ�ش‪ ،‬ال يقبل الزيف‪ ،‬ليس ملوثًا وال بنس�بة ضئيلة أب�دً ا‪ ،‬كاملاً في نقائه‪،‬‬

‫في أصالته‪ ،‬في نظافته‪ ،‬في سلامته ثقافيًا‪ ،‬فكريًا‪ ،‬أخالقيًا‪ ،‬عمليًا‪ ،‬مدرس�ة‬ ‫متكامل�ة‪ ،‬ونم�وذج يحق للمس�لمين أن يفتخ�روا به حتى في أوس�اط كل‬ ‫‪64‬‬

‫البشرية‪ ،‬يقولون‪[ :‬شوفوا ما عمله رسول اهلل محمد‪ ،‬وما عمله القرآن‪ ،‬هذا‬

‫نتاج ونموذج وصناعة لهذا اإلسالم في علي بن أبي طالب]‪ ،‬هذا جانب‪.‬‬

‫(((‬

‫(ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ضك �إال منافق)‬ ‫حدي�ث آخر كذلك تناولته األمة وهو من األحاديث املش�هورة جد ًا بين‬

‫األم�ة حديث (ال يحب���ك إال مؤمن وال يبغض���ك إال منافق) وحديث‬

‫آخ�ر (ال يبغضك مؤم���ن وال يحبك منافق) من ل�وازم اإليامن الحظوا‬

‫هذه األهمية‪ ،‬من لوازم اإليامن محبة اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬فال يكتمل‬ ‫إيامنك إال بهذا‪ ،‬وال يتحقق إيامنك إال بهذا‪.‬‬

‫أنت في الدين اإلسلامي أمامك في اإلسالم ارتباطات واضحة أمامك‬

‫منه�ج تس�ير عليه‪ ،‬أمامك رم�وز وقادة وه�داة تتأثر بهم تقت�دي بهم تتعلم‬

‫منه�م‪ ،‬تس�تفيد منهم‪ ،‬هم قدموا ل�ك هذا الدين وحفظوه ل�ك نص ًا وقدموا‬

‫فيه القدوة العملية وجسدوه واقعا في حياتهم فقدموا أرقى صورة عن هذا‬ ‫الدين في واقع حياتهم‪.‬‬

‫هؤالء الرموز تربطك بهم هذه الرابطة‪ ،‬رابطة أن تقتدي بهم أن تتأثر بهم‬

‫أن ترى في تطبيقهم اإلسلام القدوة لك أن تس�تفيد من معاملهم باعتبارهم‬ ‫حلقة الوصل‪.‬‬

‫نح�ن مثال في ه�ذا الزمان كم بيننا وبين النبي (صل���ى اهلل عليه وعلى آله)‪،‬‬

‫((( من محاضرة السيد عبد امللك في ذكرى استشهاد اإلمام علي (عليه السالم) لعام ‪1439‬هـ‬

‫‪65‬‬

‫مئات الس�نين‪ ،‬من نقل لنا الدين عبر أجيال من جيل إلى جيل‪ ،‬ما بعد وفاة‬

‫النب�ي (صلى اهلل عليه وعلى آله)؟ من نتطل�ع إليه كأمة بعد وفاة النبي ينقل لنا‬ ‫ه�ذا الدين‪ ،‬يقدم أرقى صورة عن كامل هذا الدي�ن‪ ،‬يقدم في واقعه الداللة‬

‫عل�ى الحق ف�ي أي مرحلة م�ن مراحل اختلاف األمة؟ نتطل�ع إلى اإلمام‬

‫عل�ي بن أبي طال�ب‪ ،‬وإال ما فائدة هذه النصوص؟ م�ا فائدة أن يقول النبي‬ ‫كذلك؟‪.‬‬

‫النب�ي لم يكن مهرج ًا ومجرد رج�ل يصدر املديح هكذا يطلق العبارات‬

‫الفضفاضة لإلشادة باآلخرين بغية الرفع ملعنوياتهم والتشجيع لهم‪ ،‬ال‪ ،‬هو‬

‫نبي يقول الحق عن اهلل‪ ،‬ينطق بالحق‪ ،‬وما ينطق عن الهوى لم يكن يخضع‬

‫فيما يقوله ال لتأثيرات ش�خصية‪ ،‬وال لعوامل قراب�ة‪ ،‬وال مليول لها أي صلة‬

‫َ‬ ‫باله�وى م�ن قريب وال من بعي�د‪ ،‬ولم يكن يتقول على اهلل حاش�اه‪َ } :‬وما‬ ‫ْ ُ‬ ‫َْ ُ َ َْ‬ ‫َ يْ ٌ ُ‬ ‫ح يوح‪( {4‬النجم)‪.‬‬ ‫ين ِطق ع ِن اله َوى ‪ 3‬إِن ه َو إِال و‬

‫وحينما يقول ما قاله عن اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) ه�و يدرك أهمية هذا‬

‫الدور لإلمام علي (عليه الس�ل�ام) من بعده ألنه سيرحل من الذي سيرث منه‬

‫ويحمل منه روح اإلسالم‪ ،‬قيم اإلسالم‪ ،‬معارف اإلسالم‪ ،‬حقائق اإلسالم‪.‬‬ ‫وحينما تحص�ل حال�ة االختلاف بين أوس�اط األم�ة من ال�ذي تتطلع‬

‫إلي�ه األمة باعتب�اره الحلقة األوث�ق واألرقى واألكمل واألع�رف واألعلم‬ ‫ال ما قيمة‬ ‫وبدرج�ة املوثوقية العليا؟ يتطلع إلى اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) وإ ّ‬ ‫ه�ذه النصوص؟‪ ،‬فاإلمام علي (عليه الس�ل�ام) عالقتك به عالقة إيامنية كرم ٍز‬ ‫‪66‬‬

‫إيامني أنت عندما تأتي لتتعرف على اإلسالم في ثقافته في معارفه‪.‬‬

‫اإلسالم معلومات معارف وعلوم تتعرف على صالتك‪ ،‬على صيامك‪،‬‬

‫عل�ى حج�ك‪ ،‬على زكاتك م�ن أهم مص�در يوصلك بالنبي‪ ،‬م�ن هو باب‬

‫مدينة علمه؟‪.‬‬

‫عندم�ا تأتي لترى االختالف بين أوس�اط األمة فتبق�ى متحير ًا من تطلع‬

‫إليك عالمة فارقة؟ اإلمام علي حبه إيامن وبغضه نفاق ال يحبك إال مؤمن‪.‬‬ ‫فالحظ�وا جريمة كبيرة واهلل جريمة أن يغيب مثل هذا النص في املناهج‬

‫الدراس�ية‪ ،‬البعض يصبح دكتور ًا في الجامعة لم يطلع بعد على هذا النص؛‬ ‫ألنه اقتصر في معارفه واطالعه وفي ثقافته على املناهج الدراسية املحكومة‬

‫بسياس�ات من جهلة ليس�وا مؤتمنين عل�ى األمة‪ ،‬جهلة تحكموا وساس�وا‬ ‫وقرروا وأخضعوا أنفس�هم العتبارات مادية (فلوس) من السعودية‪ ،‬وجاء‬

‫توجيه ل�وزارة التربية والتعلي�م أو للمناهج الجامعي�ة كيف تكون وظللت‬ ‫بهذا أجيال من أبناء األمة‪.‬‬

‫(((‬

‫فالرس�ول (صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) ق�دم حب اإلمام عل�ي (عليه‬

‫الس�ل�ام) كعالمة فارقة‪ -‬وهذه من أهم النق�اط على اإلطالق‪ -‬عالمة فارقة‬

‫ِض َك‬ ‫َل يُبغ ُ‬ ‫ؤمن‪ ،‬و اَ‬ ‫ُ���ك إاَِّل ُم ِ‬ ‫ُحب َ‬ ‫بي�ن اإليامن والنف�اق‪ ،‬عندما قال له‪ :‬اَ(ل ي ِ‬ ‫إاَّ‬ ‫ِل ُمنَافِ���ق)‪ ،‬وهذه النصوص من النصوص الت�ي تناقلتها األمة‪ ،‬وبحكمة‬ ‫إلهية‪ ،‬وبإقام ٍة من اهلل للحجة على عباده‪ ،‬وعلى هذه األمة نفسها‪ ،‬أن رسول‬

‫((( من محاضرة السيد عبد امللك في ذكرى استشهاد اإلمام علي (عليه السالم) لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫اهلل (صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) عندما ب�ذل جهدً ا كبيرً ا ف�ي إيصال هذا‬ ‫اله�دى إلى الن�اس‪ ،‬في تقديم ه�ذه الحقائ�ق والنصوص املهم�ة جدًّ ا إلى‬ ‫أيض�ا‪ -‬تكفَّل بحفظها؛ لتبق�ى في تراث األم�ة‪ ،‬تتناقلها األمة‬ ‫األم�ة‪ ،‬اهلل‪ً -‬‬

‫جيًل�اً بعد جي�ل في أه�م مصادرها‪ ،‬وكنص�وص تُجمِع وتقط�ع بصحتها‪،‬‬ ‫علامء األمة‪ ،‬املعتبرون لديها‪ ،‬مصادرها املعتبرة لديها تؤكِّ د صحتها‪ ،‬وتُجمِع‬

‫كل من عنده يتناقل ه�ذه النصوص‪ ،‬فتُخلَّد لدى‬ ‫عل�ى صحته�ا‪ ،‬وتتناقلها‪ٌ ،‬‬ ‫بأمس‬ ‫األجيال‪ ،‬لتكون حج ًة هلل [(س���بحانه وتعالى)] على هذه األمة التي هي ِّ‬

‫الحاجة إلى هذه املسألة‪.‬‬

‫ماس�ة جدًّ ا‪ ،‬والواقع يش�هد‪ ،‬واقع األمة ش�هد على حاجة‬ ‫األم�ة بحاجة َّ‬

‫األم�ة إل�ى كل هذا‪ ،‬إلى معلم يمثِّ�ل عالمة فارقة عند اختلاف األمة‪ ،‬عند‬

‫تضاربه�ا‪ ،‬حينما تختلف األمة على املنه�ج‪ ،‬حينام تختلف عل�ى النموذج‪،‬‬ ‫حينما تختل�ف على ما يعبِّر عن الش�خصية اإلسلامية الحقيقي�ة التي تعبِّر‬

‫عن حقيقة اإلسلام‪ ،‬حينام تختلف وتتعدد الطرق‪ ،‬حينام تختلف وتتشوش‬ ‫التفسيرات والتقديامت‪ ،‬وتتضارب اآلراء واألهواء‪ ،‬تحتاج األمة إلى عالمة‬

‫فارق�ة‪ ،‬تحتاج إلى معالم واضحة‪ ،‬تحتاج إلى أعالم بيِّنة‪ ،‬هل تركها اهلل من‬

‫دون ذلك؟ هل تركها اهلل لتعيش حالة الحيرة والتضارب هذه؟ |ال|‪.‬‬

‫فالرسول (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) هو تحرك ضمن الخطة اإللهية‪،‬‬

‫وم�ا قدَّ م�ه كان ضمن حركته في هداي�ة األمة‪ ،‬وحركته في هداية البش�رية‪،‬‬ ‫وق�دَّ م ذلك على أرقى مس�توى‪ ،‬وبأعظم ما يكون‪ ،‬وضمن الس�نن اإللهية‬

‫مع كل األنبياء‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫حب الإمام علي ال�ضمانة الأ�سا�سية لمواجهة الزيف‬ ‫ؤمن‪،‬‬ ‫ُك إاَِّل ُم ِ‬ ‫ُحب َ‬ ‫رس�ول اهلل حينام ق�ال لإلمام علي (عليه الس�ل�ام) اَ(ل ي ِ‬ ‫ِض َك إاَّ‬ ‫َل يُبغ ُ‬ ‫و اَ‬ ‫ِل ُمنَافِق)‪ ،‬قدَّ م لألمة عالمة فارقة تبقى لالستفادة منها إلى‬

‫قيام يوم الدين‪ ،‬إلى يوم القيامة‪ ،‬إلى نهاية أمر هذه األمة وهذه البشرية‪ ،‬هذه‬ ‫األمة هي آخر البشر‪ ،‬هي في الحقبة األخيرة للتاريخ البشري‪ ،‬ختام النبوة‪،‬‬

‫خت�ام الكتب اإللهي�ة هو يعني ذلك‪ ،‬هو يدل على ذلك‪ ،‬النصوص القرآنية‬

‫هي تؤكِّ د ذلك‪.‬‬

‫فرس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) يدرك أن أكبر مش�كلة لألمة‬

‫في داخلها ستكون من خالل حركة النفاق‪ ،‬التي يمكن أن تتزايد أنشطتها‪،‬‬ ‫فتش�كل خط�ورة بالغة على األمة في‬ ‫وأن تتق�وَّ ى حركتها في داخل األمة‪ِّ ،‬‬ ‫كل شيء‪ ،‬تصنع حالة من التشويش‪ ،‬حالة رهيبة من التضليل على املستوى‬

‫الثقافي والفكري‪ ،‬تس�عى إلى االنحراف بمسار األمة‪ ،‬حركة النفاق واحدٌ‬

‫من أخطر ما تفعله باألمة أن تس�عى لالنحراف بمسار األمة عام يمثِّل املنهج‬ ‫اإلسالمي األساس والصحيح‪ ،‬عن اإلسالم املحمدي األصيل‪.‬‬

‫وحركة النفاق أخطر ما فيها أنَّها في ظاهر الحال تعلن إقرارها‪ ،‬وتعبِّر عن‬

‫إسلامها وإيامنها بكل املعالم الرئيس�ية البارزة جدًّ ا في اإلسالم‪ ،‬التي تمثِّل‬

‫عالمة فاصلة بين اإليامن والكفر‪ ،‬فتعلن‪ -‬مثلاً ‪ -‬إسلامها وإيامنها بالقرآن‪،‬‬

‫باإلسلام جمل�ة‪ ،‬بالرس�ول (صلى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم)‪ ،‬تقدِّ م نفس�ها‬ ‫كحركة مس�لمة تنتمي لإلسلام‪ ،‬وتقدِّ م نفس�ها ضمن الوس�ط اإلسالمي‪،‬‬ ‫‪69‬‬

‫َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُ َّ َ‬ ‫داخ�ل الصف اإلسلامي‪} ،‬إِذا جاءك ال ُمناف ِقون قالوا نش��هد إِنك‬ ‫َ ُ ُ هَّ‬ ‫ل َرس��ول اللِ{ [املنافقون‪ :‬من اآلية‪ ،]1‬هكذا كانوا في زمن رسول اهلل (صلى اهلل‬ ‫َ ْ َ ُ َّ َ َ ُ ُ هَّ‬ ‫عليه وعلى آله وسلم) يقولون‪} :‬نشهد إِنك ل َرسول اللِ{‪ ،‬فاملنافق يشهد‬ ‫الش�هادتين‪ ،‬ال يجرؤ على أن يعلن كفره برس�ول اهلل محمد (صلى اهلل عليه‬

‫وعلى آله وس���لم)؛ ألنه‪ -‬في واقع الحال‪ -‬لو كفر برس�ول اهلل‪ ،‬خالص خرج‬ ‫م�ن الصف اإلسلامي‪ ،‬وه�و ال يريد أن يخرج من الصف اإلسلامي‪ ،‬هو‬

‫يدخل ضمن هذا الصف‪ ،‬ينتمي إلى األمة‪ ،‬يتحرك في أوس�اطها‪ ،‬ينتس�ب‬ ‫إليها‪ ،‬هو‪ -‬في نفس الوقت‪ -‬ال يجي ليقول أنه كافرٌ بالقرآن‪ ،‬وال أنه مُ نكِ رٌ‬

‫ألركان اإلسالم‪ ،‬وال وال‪ ...‬جملة من األشياء‪ ،‬وألن املنافقين هم أصناف‪،‬‬ ‫وهم أنواع‪ ،‬بحس�ب التصنيف القرآن�ي‪ ،‬وتحدثنا في هذا في كلامت كثيرة‪،‬‬ ‫فمنه�م م�ن يتحركون تحت عناوي�ن دينية‪ ،‬منهم أصحاب مس�جد الضرار‬

‫ً‬ ‫َ ذَّ َ خَّ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫ضارا ً َو ُك ْف��را ً َو َت ْفريقا ً َبينْ َ ال ْ ُم ْؤ ِمننيَ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫جدا رِ‬ ‫}والِين اتذوا مس�� ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ً ّ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُهَ‬ ‫َُْ‬ ‫ِإَورصادا ل ِمن حارب اهلل ورسول مِن قبل{[التوبة‪ :‬من اآلية‪ ،]107‬هؤالء‬ ‫صن�ف م�ن املنافقي�ن‪ ،‬حركتهم حركة مس�اجد‪ ،‬حرك�ة عناوي�ن دينية‪ ،‬من‬

‫َ َّ‬

‫هّ‬

‫يْ‬

‫ْ‬

‫خ ِر{[البقرة‪ :‬م�ن اآلي�ة‪ ]8‬ويتحرك تحت‬ ‫يقول�وا‪} :‬آمنا بِاللِ َوبِالَ��و ِم اآل ِ‬

‫العن�وان اإليامن�ي‪ ،‬هؤالء صن�ف من املنافقي�ن‪ ،‬تحدث عنهم مَ�نْ ؟ القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬فضحهم مَنْ ؟ القرآن الكريم‪ .‬كشفهم مَنْ ؟ القرآن الكريم‪.‬‬

‫صنف آخر‪| ،‬ال|‪ ،‬يتحدث تح�ت عناوين مصلحية‪ :‬إما عنوان وطني‪،‬‬

‫أو عن�وان قوم�ي‪ ،‬أو أي عنوان‪ ...‬ولكنه يركِّ ز على عن�وان املصلحة العامة‬ ‫‪70‬‬

‫َ‬ ‫َّ َ حَ ْ ُ ُ ْ ُ‬ ‫}إِنم��ا نن مصلِحون{‪ ،‬القرآن هو الذي تح�دث عنهم بهذا‪ِ} :‬إَوذا‬ ‫َ َُ َ ُْ ُ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َّ َ حَ ْ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫ض قالوا إِنما نن مصلِحون{ [البقرة‪:‬‬ ‫قِيل له ْم ال تف ِس��دوا يِف األر ِ‬ ‫اآلي�ة‪ ،]11‬فالعن�وان املصلح�ي واإلصالح�ي ه�و عن�وان رئيس�ي لبعضهم‪،‬‬ ‫يتحرك�ون من خالله‪ ،‬وينش�طون م�ن خالله‪ ،‬وله�م أنش�طتهم وبرامجهم‬

‫وحركتهم الواسعة في داخل هذه األمة‪ ،‬ثم كذلك البعض منهم‪| ،‬ال|‪ ،‬قد‬ ‫يكونون إلى درجة املجاهرة بالشك‪ ،‬املجاهرة بالحديث عن عناوين رئيسية‬

‫في اإلسالم للتشكيك حولها‪ ،‬هذه فئة منهم معينة‪.‬‬

‫فئات كثيرة تحدثت عنهم سورة التوبة‪ ،‬سورة (املنافقون) سورة باسمهم‬

‫في القرآن الكريم‪ ،‬حديث واس�ع عنهم في س�ورة البقرة‪ ،‬اهلل تحدث عنهم‬

‫بأكث�ر‪ ،‬وف�ي نفس الوقت الحديث في القرآن عنهم أس�وأ من الحديث عن‬ ‫الكافرين‪ ،‬وهذه من أهم املس�ائل التي ينبغي على كل مسلم أن يفهم عنها‪،‬‬

‫بالح�د األدنى يفهم عنه�ا نقاطً ا عامة‪ ،‬نقاطً ا أساس�ية‪ ،‬نقاطً ا ضرورية؛ ألن‬ ‫هذه املسألة تشكِّ ل خطورة كبيرة في واقع األمة‪.‬‬

‫فالرس�ول (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) قدَّ م ضمن عمله لهداية األمة‪،‬‬

‫وحركت�ه لهداية األمة‪ ،‬ما يمثِّل ضامنة أساس�ية لها ملواجهة الزيف‪ ،‬ملواجهة‬ ‫التحري�ف‪ ،‬ملواجه�ة التش�ويش‪ ،‬ملواجه�ة كل مس�اعي االنح�راف الت�ي‬

‫س�تتحرك بها قوى النفاق في داخل األم�ة من بعد وفاته‪ ،‬وفي كل زمن إلى‬

‫ؤمن‪،‬‬ ‫ُك إاَِّل ُم ِ‬ ‫ُحب َ‬ ‫قيام الس�اعة‪ ،‬وقال ع�ن اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ :‬اَ(ل ي ِ‬ ‫ِض َك إاَّ‬ ‫َل يُبغ ُ‬ ‫و اَ‬ ‫ِل ُمنَافِق)‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫فاملنافق�ون ال يس�تطيعون أن يعلن�وا موقفً�ا عدائيً�ا‪ ،‬أو أن يتحدث�وا عن‬

‫بغضه�م لرس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)؛ ألنهم ل�و فعلوا ذلك‪،‬‬ ‫خلاص يعني حد فاصل بين اإليامن والكفر‪ ،‬بين اإلسلام والكفر‪ ،‬يصبح‬ ‫خارجا من اإلسالم ومن األمة اإلسالمية ما دام يتحدث عن بغضه لرسول‬ ‫ً‬

‫هلل‪ ،‬أو ع�ن كف�ره برس�ول اهلل‪ ،‬وكما قلن�ا الق�رآن ق�دَّ م ش�هادة مؤكَّ �دة لهم‬

‫َ ْ َ ُ َّ َ َ َ ُ ُ هَّ‬ ‫باعترافه�م بنبوة رس�ول اهلل وإقرارهم بها }نش��هد إِنك لرسول اللِ{‪،‬‬

‫أيضا‪-‬‬ ‫ع�اد معهم زيادة (اللام) للتأكيد‪ ،‬ولكن ال بد م�ن أن يكون هناك‪ً -‬‬ ‫عالمات فارقة‪ ،‬األمة بحاجة إلى هذا (عالمات فارقة) تكشف‪ -‬ليس فقط‬ ‫املسلم من الكافر‪ -‬املسلم من املنافق‪ ،‬داخل األمة ال بد من حالة فرز‪.‬‬

‫حالة الفرز �سنة �إلهية‬ ‫اهلل [(س���بحانه وتعالى)] من أعظ�م ما قدَّ مه من هدى ف�ي كتابه الكريم أنه‬

‫أكَّ د لنا سن ًة من سننه‪ ،‬سنة إلهية ضمن أسلوب اهلل‪ -‬إن صح التعبير‪ -‬ضمن‬ ‫الطريق�ة التي يعتمده�ا اهلل مع عباده‪ ،‬هي‪ :‬حالة الفرز‪ ،‬حالة االختبار‪ ،‬حالة‬ ‫الغربل�ة‪ ،‬حال�ة التنقي�ة‪ ،‬حالة الكش�ف للحقائ�ق‪ ،‬أن يمي�ز اهلل الخبيث من‬

‫َّ اَ َ ُهّ َ َ َ ْ ُ ْ َ لَىَ‬ ‫ني ع‬ ‫الطي�ب‪ ،‬اهلل قال في القرآن الكريم }م��ا كن الل يِلذر المؤ ِمنِ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ىَّ َ َ َ خْ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ب{[آل عمران من اآلية‪،]179:‬‬ ‫ما َ أنتم علي ِه حت َي ِم�يز ال َبِيث مِن الطيِ ِ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ُ رْ َ ُ‬ ‫َ َّ َ ُ ْ لاَ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫تكوا أن يقول��وا آمنا وهم يفتنون ‪2‬‬ ‫انلاس أن ي‬ ‫}أح ِس��ب‬ ‫َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ هَّ ُ ذَّ َ َ َ ُ يَ ْ َ‬ ‫َولَ َق ْد َف َت َّنا ذَّال َ‬ ‫ِين صدقوا َولَعل َم َّن‬ ‫ِين مِن قبلِ ِهم فليعلمن الل ال‬ ‫ْ اَ‬ ‫َ‬ ‫الكذِبِني{[العنكبوت‪.]3-2 :‬‬ ‫‪72‬‬

‫اهلل ال يقبل بالتضليل‪ ،‬بالدجل‪ ،‬بالتزييف‪ ،‬وأن ال يكون هناك ما يميز‪ ،‬ما‬

‫يفرز‪ ،‬ما يبين‪ ،‬ما يكشف‪ ،‬ما يجلّي الناس‪ ،‬يجلّي الحقائق‪ ،‬يجلّي املسارات‪،‬‬ ‫واضحا‪ ،‬هذه من حكمة اهلل‪ ،‬ومن عدله‪ ،‬ومن عزته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتى يكون كل ش�يء‬

‫ال يترك األمور بالش�كل الذي يكون الناس مخبوصين فيأتي بعض الناس‬

‫(مخبوص ومشوش) يقول‪[ :‬يا أخي‪ ،‬ما عاد درينا وين هو الحق‪ ،‬اهلل ينصر‬ ‫الحق‪ ،‬و و و‪| ،]،‬ال|‪ ،‬اإلسلام أرقى من هذا‪ ،‬طريق الهداية اإللهية أعظم‬ ‫«جل شأنه» الذي هو نور الساموات واألرض ال يمكن أن يترك‬ ‫وأسمى‪ ،‬اهلل َّ‬

‫عباده الذين ينتمون إلى دينه في حير ٍة من أمرهم‪ ،‬في حالة التباس‪ ،‬في حالة‬

‫تش�ويش‪ ،‬في حالة اضطراب‪ ،‬ما هناك نور‪ ،‬ما هناك معالم‪ ،‬ما هناك أعالم‪،‬‬ ‫ما هناك حقائق‪ ،‬حالة ملتبس�ة‪ ،‬ما الذي أس�مى اهلل به كتابه القرآن الكريم؟‬

‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ذَّ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ لَىَ َ ْ‬ ‫ون ل ِلْ َعالَم َ‬ ‫ني‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫��‬ ‫ب‬ ‫يِ‬ ‫ِ‬ ‫الفرق�ان }تبارك الِي نزل الفرقان ع ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ً‬ ‫ن ِذيرا{[الفرق�ان‪ :‬اآلي�ة‪ ،]1‬ما الذي أس�مى به حتى ح�وادث تاريخية‪ ،‬مثل‪ :‬يوم‬

‫بدر؟ (يوم الفرقان)‪.‬‬

‫القرآن الكريم هو نور‪ ،‬اإلسالم في قرآنه‪ ،‬وفيام قدَّ مه نبيه ورسوله خاتم‬

‫األنبياء وسيد الرسل محمد (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) قدَّ م لألمة ما يبيِّن‬

‫له�ا‪ ،‬ما ينوِّ ر لها‪ ،‬ما يكش�ف لها معال�م الطريق إلى الجن�ة‪ ،‬إلى مرضاة اهلل‬ ‫(سبحانه وتعالى)‪ ،‬إلى الحق‪ ،‬قدَّ م من البصائر والدالئل ما يوضح‪ ،‬ما يبيِّن‪ ،‬ما‬

‫يجلِّي‪ ،‬ما يضمن لإلنس�ان السير في الصراط املستقيم‪ ،‬هذا هو اهلل (سبحانه‬

‫وتعالى) في نوره‪ ،‬في هديه‪ ،‬في رحمته‪ ،‬في عدله‪ ،‬في عزته‪ ،‬في حكمته‪.‬‬

‫الذين يتهمون املنهج اإلسلامي بالتش�ويش واالضط�راب وااللتباس‪،‬‬ ‫‪73‬‬

‫وليس فيه ما يميز‪ ،‬وال يبيِّن‪ ،‬واألحداث كذلك‪ ،‬والواقع كذلك‪ ،‬وأن األمة‬

‫ه�ذه تركت في هذه الحال�ة من العمى والتخبط؛ ه�م يتهمون اهلل‪ ،‬يتهمون‬ ‫اهلل ف�ي حكمته‪ ،‬يتهمونه في عدل�ه‪ ،‬يتهمونه في رحمته‪ ،‬يتهمونه في علمه؛‬

‫ألنهم يرون أنه تركنا هكذا‪ ،‬نحن عبيده املساكين‪ ،‬املستضعفين‪ ،‬املبهذلين‪،‬‬

‫[م�ا ن�دري ما هو الحق‪ ،‬وأين نس�ير‪ ،‬وما هي املس�ألة‪ ،‬وأي�ن هو الصح من‬ ‫الغل�ط‪ ،‬وكل األم�ور ملتبس�ة‪ ،‬ولم نعد ن�دري ما هو الص�ح والغلط‪ ،‬ومن‬ ‫ه�و املؤمن ومن هو املنافق‪ ،]...‬ال |ال|‪ ،‬ليس�ت املس�ألة كذل�ك أبدً ا‪ ،‬إنام‬

‫ه�ذا نتاج الجهل‪ ،‬أو‪ -‬أحيانً�ا‪ -‬القيود املكبلة م�ن العصبية والعمى تجعل‬ ‫اإلنسان على هذا النحو‪.‬‬

‫علي (عليه السالم) يقدم هو في حبه‪ ،‬في نهجه‪ ،‬في شخصيته‪ ،‬في‬ ‫اإلمام ٌ‬

‫منهجه‪ ،‬في ما جس�ده من قيم هذا الدين‪ ،‬ومبادئ هذا الدين‪ ،‬وأخالق هذا‬

‫الدي�ن‪ ،‬وتعاليم ه�ذا الدين‪ ،‬هو يمثِّل االمتداد األصيل لإلسلام‪ ،‬النموذج‬

‫األصي�ل لإلسلام‪ ،‬وحرك�ة النفاق هي حرك�ة تزييف‪ ،‬تعمد إل�ى أن تأخذ‬ ‫من اإلسلام م�ا يالئمها‪ ،‬وما يالئ�م الطاغوت‪ ،‬وترمي ع�رض الحائط من‬ ‫اإلسلام‪ ،‬من تعاليمه‪ ،‬من مبادئه‪ ،‬من قيمه‪ ،‬ما ال يناس�ب الطغاة والظاملين‬

‫واملس�تكبرين‪ ،‬وما ال يناس�ب الطاغوت واالس�تكبار‪ ،‬وتتأقل�م بام بقي لها‬ ‫من طقوس وشكليات فُرِّ غت وفصلت عن الجوانب األخرى من اإلسالم‬

‫والدي�ن‪ ،‬تتلاءم مع الطاغ�وت‪ ،‬وتولف وتقدم ش�كلاً معينًا عن اإلسلام‬

‫ينس�جم‪ ،‬يعني‪ :‬مسلم ينسجم كل االنس�جام مع إسرائيل‪ ،‬مع أمريكا‪ ،‬وقد‬ ‫يك�ون حتى إمامً�ا للحرم املك�ي‪ ،‬ويذهب لي�زور أمريكا‪ ،‬ويب�ارك قيادتها‬ ‫‪74‬‬

‫للبش�رية‪ ،‬ويَع َتبِر ذلك يعني في س�ياق التوفيق اإللهي الكبير للبشر [ما شاء‬

‫اهلل العظي�م! أي‪ :‬يك�ون قائدهم مث�ل‪ :‬ترامب‪ ،‬ومثل أولئ�ك األمريكيين‪،‬‬ ‫وأولئك الطغاة!!]‪.‬‬

‫�أ�صالة الإمام علي تك�شف حركة النفاق‬ ‫فحرك�ة النف�اق هذه م�ا هو أعظم ما يكش�فها؟ م�ا هي العالم�ة الفارقة‬

‫الس�هلة القريبة التناول؟ اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬ال يستطيع املنافقون أن‬ ‫ينسجموا أبدً ا مع اإلمام علي (عليه السالم)‪ ،‬هم ال يحبونه‪ ،‬يبغضونه‪ ،‬املنافق‬

‫ال ينسجم مع اإلمام علي (عليه السالم)‪ ،‬قد يستطيع منافق معين‪ -‬وقد يكون‬

‫حتى بطبيعة مس�اره في هذه الحياة‪ -‬يقدِّ م نفس�ه على أن�ه متدين‪ ،‬قد يطيل‬

‫لحيته‪ ،‬عملية س�هلة جدًّ ا عملية إطالة اللحية‪ ،‬ما تحتاج إلى مشكلة كبيرة‪،‬‬ ‫خاص�ة بعضهم كثيف الش�عر‪ ،‬ق�د يتخذ إج�راءات معينة‪ ،‬ق�د يتقن عملية‬

‫بعضا من األمور‪ ،‬وق�د يظهر عابدً ا متنس�كً ا‪ ،‬وقد يجيد‬ ‫الس�واك‪ ،‬قد يتق�ن ً‬

‫تلاوة الق�رآن‪ ...‬ش�كليات كثيرة‪ ،‬قد يك�ون خطيبًا في مس�جد‪ ،‬قد يكون‬ ‫إمامًا في مسجد‪ ،‬قد يكون تحت اسم داعية‪ ،‬ويتقن فن الخطابة‪ ،‬ويكاد أن‬

‫يحط�م مكبرات الصوت ف�ي املنابر‪ ،‬ووو‪...‬الخ‪ .‬ولكن س�يصل عند علي‬

‫بن أبي طالب ويواجه مش�كلة‪ ،‬يواجه مش�كلة‪ ،‬خلاص‪ ،‬ما يتحمل يعني‪،‬‬ ‫هذه أصالة اإلمام علي (عليه السالم)‪ ،‬أصالة اإلمام علي التي ال تقبل النفاق‬ ‫وال املنافقي�ن‪ ،‬أصالة عجيبة جدًّ ا وآية‪ ،‬هذه آي�ة‪ ،‬ما يتحمل حتى لو جامل‪،‬‬ ‫مجامل�ة يش�وبها الكثير من التنقص‪ ،‬يعني إذا أضط�ر اضطرارً ا‪ ،‬يقول لك‪:‬‬ ‫‪75‬‬

‫[اإلم�ام علي صحيح رجل جيِّد‪ ،‬لكن ولكن ولكن ولكن ولكن‪ ،‬وانتبهوا‬

‫من حبه؛ ألنه خطير جدًّ ا]‪ ،‬يجعل من محبة اإلمام علي (عليه السالم) مسألة‬ ‫خطيرة للغاية‪ ،‬ومحفوفة باملحاذير‪[ ،‬ويجب أن تنتبه‪ ،‬وال تزيّد‪ ،‬وال تسوي‪،‬‬

‫وال‪ ،]...‬وقائم�ة طويلة م�ن املحاذير التي ال يقدمها عن�د الحديث عن أي‬ ‫شخص آخر‪ ،‬يحتاج يطلع معه مشكلة مع اإلمام علي‪ ،‬مع أن حركة النفاق‬ ‫افتضح�ت في س�عيها الدؤوب لتغيي�ب اإلمام علي من املش�هد نهائيًا‪ ،‬هي‬

‫تسعى لذلك‪ ،‬ولكنها فشلت عبر التاريخ بكله‪ ،‬وإال فهي تسعى‪ ،‬وكلام كان‬ ‫هن�اك جه�ة في األمة أكثر نفاقًا وأس�وء نفاقًا كانت أش�د س�لبي ًة في موقفها‬ ‫من اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬أش�د س�لبية وأكثر س�لبية‪ ،‬وتبدو في جفائها‬

‫وتنكرها لإلمام علي (عليه السالم) بشكلٍ أكبر وأوضح‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫(((‬

‫“علي مع القرآن والقرآن مع علي”‬ ‫ٌ‬

‫(علي‬ ‫‪ ‬حديث آخر قاله رس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وهو‪ٌ :‬‬ ‫م���ع الق���رآن والقرآن مع عل���ي) حديث يؤك�د اقتران اإلم�ام علي (عليه‬

‫الس�ل�ام) بالقرآن في مواقفه‪ ،‬في توجهاته‪ ،‬في مس�ار حياته‪ ،‬في معارفه‪ ،‬فيام‬ ‫يقدمه لإلسلام وعن اإلسالم‪ ،‬فهو مقترن بالقرآن‪ ،‬مواقفه مواقف القرآن‪،‬‬

‫معارف�ه معارف القرآن‪ ،‬سياس�ته سياس�ة القرآن‪ ،‬منهجه ف�ي الحياة قرآني‪،‬‬

‫تطلع إلى اإلمام (عليه السالم) من هذا املوقع (علي مع الحق والحق مع‬ ‫علي)‪.‬‬ ‫((( من محاضرة السيد عبد امللك في ذكرى استشهاد اإلمام علي (عليه السالم) لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫(يحب اهلل ور�سوله ويحبه اهلل ور�سوله)‬ ‫وهك�ذا نجد هناك الكثير والكثير م�ن النصوص حديث الراية في قصة‬

‫خيبر عندما قال النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‪( :‬ألعطين الراية غداً‬ ‫ال يحبه اهلل ورسوله ويحب اهلل ورسوله كرار غير فرار يفتح‬ ‫رج ً‬ ‫اهلل على يديه)‪.‬‬ ‫الحظوا هذا النص كيف يتحدث عن اإلمام علي (عليه السالم) يحبه اهلل‬

‫ورسوله‪ ،‬كيف ال نحب هذا الرجل العظيم الذي حظي باملحبة املؤكدة التي‬ ‫أخبر عنها الرس�ول من اهلل ومن رس�وله؟! كيف ال نحبه؟! وكيف ال ننش�د‬ ‫إلى شخصية بهذه العظمة‪ ،‬بهذا املستوى‪ ،‬بهذا القدر الكبير واملنزلة الرفيعة‬

‫العالية؟! وملاذا سيحبه اهلل ورسوله إال لكامله اإليامني‪.‬‬

‫علي وعل�ى نيته‪ ،‬على‬ ‫ه�ذا الن�ص يقطع لن�ا قطع ًا عل�ى باطن وس�ريرة ٌ‬

‫س�ريرته وعالنيته‪ ،‬رجل إيامنه محقق يش�هد له اهلل ويش�هد له رسوله بكامل‬ ‫إيامنه‪.‬‬

‫هذه املحبة هي وس�ام ش�رف وهي في نفس الوقت هي دليل قاطع على‬

‫كامل�ه اإليامن�ي على عظمته الرفيعة عند اهلل (س���بحانه وتعال���ى)‪ ،‬منزلته العالية‬

‫عند اهلل (سبحانه وتعالى) ومرتبته اإليامنية العالية‪ ،‬ويحب اهلل ورسوله‪ ،‬كذلك‬

‫نفس الشيء شهادة له بمحبته للّه ورسوله بكل ما يلحق بها من كامل إيامني‬ ‫ومواصفات إيامنية‪.‬‬

‫ثم نجد الكثير والكثير من النصوص هذه بعض منها هناك كتب بأكملها‬ ‫‪77‬‬

‫حت�ى في التراث السّ �ني هن�اك كتب بأكملها‪ ،‬اس�مها كت�ب املناقب‪ ،‬كتب‬

‫الفضائل‪ ،‬مقام علي (عليه الس�ل�ام) في األمة قال عنه ابن عباس رضوان اهلل‬ ‫وعلي أميرها وش�ريفها) هو‬ ‫ٌ‬ ‫عليه قال‪( :‬ما من آية فيها ثناء على املؤمنين إال‬

‫صالح املؤمنين‪ ،‬هو أكمل املؤمنين‪ ،‬كل ثناء على املؤمنين ينطبق عليه‪.‬‬

‫(((‬

‫جانب من حياته الإيمانية الجهادية‬ ‫إذا أتي�ت إلى الق�رآن الكريم لتعرف جوانب اإليمان ومجاالت اإليامن‬

‫تج�د أن من أهم ما ف�ي اإليامن من أخالق وأعامل ومس�ؤوليات ويرتبط به‬

‫أش�ياء كثيرة هو الجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬وهو أيض ًا فضيلة عظيمة وشرف كبير‬ ‫ومنزلة عالية عند اهلل (س���بحانه وتعال���ى)‪ ،‬وفيه أيض ًا الداللة التي تدل بوضوح‬ ‫على حقيقة اإليامن فنجد اهلل (سبحانه وتعالى) في القرآن الكريم يتحدث عن‬

‫الجهاد في س�بيله كصفة إيامنية من أهم الصف�ات اإليامنية‪ ،‬ونجده يتحدث‬

‫َ لَىَ‬ ‫َ َ َّ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫ع الْ َقا ِع ِدينَ‬ ‫عن�ه كمنزلة رفيعة وعالية }وفض��ل اهلل المجاهِ ِدين‬ ‫َ‬ ‫اَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْج ًرا َعظ ً‬ ‫��رةً َو َر مْحَ ًة َوكن اهلل غفوراً‬ ‫يم��ا ‪َ 95‬د َر َجات م ِْن ُه َو َم ْغ ِف َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َر ً‬ ‫حيما‪( {96‬النساء)‪.‬‬ ‫ِ‬

‫اإلم�ام عل�ي (عليه الس�ل�ام) كان جه�اده في س�بيل اهلل وإس�هامه الكبير‬

‫جد ًا في مواجهة أعداء اإلسلام وفي الدفاع عن اإلسلام وعن األمة وفي‬ ‫اإلس�هام الكبير في إقامة هذا الدين كان متميز ًا نس�تطيع القول ما بعد النبي‬

‫((( ذكرى استشهاد اإلمام علي )(عليه السالم)› للسيد عبد امللك (حفظه اهلل) لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫(صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‪ ،‬ليس ألحد م�ن أتباعه وال من أصحابه وال‬

‫من أنصاره ما هو لإلمام علي (عليه السالم) في هذا الجانب‪.‬‬

‫فكان جهاده وإس�هاماته ومواقفه وعناؤه الكبير في سبيل اهلل واستبساله‬

‫وفدائيته العالية جد ًا في س�بيل اهلل (س���بحانه وتعالى) وطول مس�يرة اإلسلام‬

‫وف�ي كل املش�اهد واملقام�ات واملواقف الكبيرة في اإلسلام كان كل ذلك‬ ‫متميز ًا بين أتباع الرسول أكثر من أي شخص آخر بين املسلمين‪.‬‬

‫وه�ذا أيض� ًا نتاج لتلك التربية م�ن النبي(صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‪،‬‬

‫َضعْ عبثا أب�داً‪ ،‬جهودٌ أثمرت أيَّام ثمرة‬ ‫َض�عْ جهود النبي في تربيته‪ ،‬لم ت ِ‬ ‫ل�م ت ِ‬ ‫عظيمة‪ ،‬وأثمرت أيَّام أثر ًا عظيامً‪ ،‬وكانت في نفس الوقت شاهد ًا على عظمة‬

‫اإلسالم نفسه‪ ،‬ألن علي ًا هو صنيعة اإلسالم‪ ،‬أثر اإلسالم‪ ،‬كل ما فيه من أثر‬

‫هو أثر أخالق اإلسالم‪ ،‬لقيم اإلسالم ملعارف اإلسالم‪.‬‬

‫وبجهد وبس�عي وبتربية من النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‪ ،‬فاملعلم‬

‫واملربي هو النبي‪ ،‬والذي رباه به وعلمه به وأنشأه عليه هي أخالق اإلسالم‪،‬‬ ‫معارف اإلسلام‪ ،‬قيم اإلسالم‪ ،‬فكان شاهد ًا للنبي وشاهد ًا لإلسالم وعلى‬ ‫عظمة هذا اإلسلام‪ ،‬وتجل�ت فيه قيم هذا الدين وأخلاق هذا الدين على‬

‫أرقى مس�توى‪ ،‬هناك مس�لمون عظماء‪ ،‬هناك أيضا من الصحاب�ة من برزوا‬ ‫عظماء ف�ي إيامنه�م ف�ي عطائه�م في جهاده�م‪ ،‬ف�ي صبرهم‪ ،‬ولك�ن ليس‬

‫بمس�توى ما كان عليه اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪ ،‬وليس بمس�توى ما وصل‬

‫إليه اإلمام علي (عليه السالم)‪.‬‬

‫‪79‬‬

‫والنبي(صل���ى اهلل علي���ه وعلى آل���ه وس���لم) أواله اهتامم ًا خاص� ًا وفي نفس‬

‫الوقت كانت قابليته أعلى من قابلية غيره‪ ،‬لم يمتلك أحد من املس�لمين من‬ ‫قابلية بقدر ما امتلك هو من قابلية عالية في نفسه وفي مداركه وفي مشاعره‬ ‫وفي إحساس�ه وفي وجدانه وفي قدراته وفي طاقته إلى آخره‪ ،‬فكان جهاده‬

‫ومس�يرته الجهادية على نحو عظيم‪ ،‬ولذلك تستطيع الحديث عن الجانب‬

‫الجهادي بالنسبة لإلمام علي (عليه السالم) من جوانب متعددة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬ه�و بط�ل اإلسلام‪ ،‬بي�ن تالم�ذة الرس�ول وبي�ن أتب�اع الرس�ول‬

‫ بين املس�لمين ‪ -‬ما من أح ٍد يصل إلى مس�توى اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‬‫ف�ي بطولته في ثباته في ش�جاعته في قوته املعنوي�ة‪ ،‬كان يمتلك قو ًة معنوي ًة‬

‫عالية‪ ،‬وصنعها فيه اإلسلام والرسول‪ ،‬ووهبه اهلل (سبحانه وتعالى) هذه الهبة‬ ‫العظيمة والعالية‪ ،‬فاإلمام علي (عليه الس�ل�ام) كان يمتلك طاقة معنوية وقوة‬

‫معنوية عالية جداً‪ ،‬ألنها ليس�ت فقط قو ًة غريزية‪ ،‬البعض يمتلكون شجاع ًة‬

‫غريزية ‪.‬‬

‫أكيد يتوفر لإلمام علي (عليه الس�ل�ام) الشجاعة الغريزية ولكن قد تكون‬

‫أنت قمت‬ ‫القوة الغريزية فيك والفطرة الربانية قد تكون بمستوى معين‪ ،‬إنْ َ‬ ‫بتنميته�ا وتنش�ئتها والرف�ع من مس�تواها واإلعلاء من ش�أنها وكان لديك‬

‫القابلية نمت وتعاظمت وتجذرت وتمكنت وأثمرت‪.‬‬

‫وإن أنت لم تنم هذه الفطرة ولم تسع إلى التفاعل معها تبقى في مستوى‬

‫ال‬ ‫محدود وأحيان ًا اإلنس�ان قد يضرب فطر ًة معينة في نفس�ه قد يضربها أص ً‬ ‫‪80‬‬

‫ف�كل منا يمنحه اهلل في فطرته أش�ياء‬ ‫ٌ‬ ‫فلا يس�تفيد منها وت�كاد أن تنعدم فيه‬ ‫عظيم�ة‪ ،‬أش�ياء مهم�ة‪ ،‬أش�ياء ذات قيم�ة‪ ،‬وكل امللكات الالزمة لإلنس�ان‬ ‫الت�ي يحتاج إليها ف�ي حياته للصالح وللخير وللتقوى وللرش�د ولالرتقاء‬

‫كل منا يمنحه اهلل في فطرته ذلك‪.‬‬ ‫اإلنساني واألخالقي ٌ‬

‫لك�ن إذا كان إل�ى جانب هذه الفطرة تنمية وتنش�ئة وبن�اء وارتقاء نمت‬

‫وتعاظم�ت وأثم�رت‪ ،‬وهذا هو ما كان بالنس�بة لإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪،‬‬ ‫إلى جانب ذلك كان له األثر اإليامني إلى جانب الفطرة التي فطره اهلل عليها‬

‫ونم�ت وتعاظم�ت بفع�ل التربية‪ ،‬بفع�ل التنش�ئة اإليامنية املبارك�ة والتنمية‬ ‫األخالقي�ة والتنمي�ة اإلنس�انية والبيئ�ة الراقية الت�ي تربى فيه�ا‪ ،‬الى جانب‬

‫ذلك األثر اإليامني؛ ولذلك قدم اهلل (س���بحانه وتعالى) هذا االستبس�ال‪ ،‬وهذه‬ ‫الفدائية العالية‪ ،‬وهذه الطاقة املعنوية العالية ‪ -‬في سبيل اهلل ‪ -‬قدمها اهلل في‬

‫اس َم ْن ي َ رْشي َن ْف َس ُ‬ ‫الق�رآن تقدم� ًة إيامنية قال اهلل تعالى‪َ } :‬وم َِن َّ‬ ‫��ه‬ ‫انل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َُ ٌ ْ‬ ‫ْ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ات اهللِ واهلل رءوف بِال ِعبا ِد{ (البقرة‪.)207:‬‬ ‫ابتِغاءَ مرض ِ‬

‫يذكر املفس�رون وي�روي ال�رواة أن أول وأعظم مصاديق ه�ذه اآلية من‬

‫أبناء اإلسالم من أتباع الرسول هو اإلمام علي (عليه السالم)‪ ،‬أول مصاديقها‬ ‫م�ن أبن�اء األمة ومن أتباع النبي ه�و اإلمام علي ونعني بأن�ه أول مصاديقها‬

‫اس َم ْن ي َ رْشي َن ْف َس ُ‬ ‫أن اآلية ال تخصه وهي ال تعنيه فقط } َوم َِن َّ‬ ‫��ه‬ ‫انل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َْ َ‬ ‫ات اهللِ{ هي تش�مل كل من يبيع نفس�ه م�ن اهلل ويتجه هذا‬ ‫ابتِغاءَ مرض ِ‬ ‫التوجه (ابتغاء مرضاة اهلل) من اتجاه صحيح وفي اتجاه صحيح وس�ليم ال‬

‫تشوبه شوائب باطلة وال محبطة‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫ولكن أرقى من فعل ذلك أعلى ش�أن ًا من ذلك أكمل إيامن ًا من فعل ذلك‬

‫أصدق من فعل ذلك من أتباع رس�ول اهلل من األمة اإلسلامية‪ ،‬وأولهم في‬ ‫املرتبة األولى‪ ،‬األول من أبناء اإلسالم من أتباع النبي هو علي بن ابي طالب‬

‫(عليه السالم) ‪.‬‬

‫فأنت تتطلع إليه كجندي من جنود اإلسالم إذا أنت تجاهد في سبيل اهلل‬

‫تتطلع إلى هذا الجندي الذي سبقك من جنود النبي من جنود اإلسالم وهو‬ ‫عل�ي بن أبي طال�ب‪ ،‬كيف كان على هذا النحو‪ ،‬وكيف كان الس�ابق أيضاً‪،‬‬

‫ال وسبق ًا في كل‬ ‫بق علي في اإلسالم كان سبق ًا في التصديق بالنبي رسو ً‬ ‫وس ُ‬ ‫َ‬ ‫فضائل اإلسلام‪ ،‬في كل مجاالت العمل اإلسالمي العظيمة واملهمة‪ ،‬كان‬

‫س�باق ًا صادق ًا س�باق ًا يحمل روحية الس�بق في كل مجاالت اإلسالم‪ ،‬حينام‬

‫يدعو النبي إلى شيء ويأمر بشيء ويحث على شيء فهو من يسبق إلى فعل‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫وس�جلت الس�ير لإلمام علي (عليه الس�ل�ام) من املواقف‬ ‫ّ‬ ‫س�جل التاريخ‬ ‫ّ‬

‫ُس�جل لغيره‪،‬‬ ‫البطولي�ة والفدائية ومواقف االستبس�ال في س�بيل اهلل مالم ي َّ‬ ‫حتى برز اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) عُ رف بين األمة اإلسالمية وبين البشرية‬ ‫كافة بأنه بطل اإلسالم‪ ،‬عظيم اإلسالم في جهاده‪ ،‬عظيم أتباع النبي‪ ،‬عظيم‬

‫رج�ال النبي‪ ،‬عظيم جن�وده‪ ،‬بطل جنوده‪ ،‬صفوة جن�وده‪ ،‬ونتحدث بإيجا ٍز‬ ‫ج�د ًا يعن�ي ألن املعول ألن يس�تفيد الناس م�ن التاريخ ومن الس�ير في هذا‬

‫الشأن ومن التراث اإلسالمي فيام ورد‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫فدائي في الإ�سالم‬ ‫علي (عليه ال�سالم) �أول‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫من املواقف التي سجلها التاريخ وسجلتها السير ليلة املبيت على فراش‬

‫النب�ي (صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) بعد أن تآم�ر األعداء عل�ى قتله ألنه‬

‫بع�د أن أت�ى البعض م�ن األوس والخزرج من األنصار إلى مكة وأس�لموا‬ ‫وع�زم النبي على الهجرة فتفاقم القلق لدى املش�ركين والكافرين في مكة‪،‬‬ ‫ال‬ ‫واتخذوا قرار ًا بقتل النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) والتخلص منه قت ً‬

‫وأذن اهلل له بالهجرة‪.‬‬

‫فالليلة التي تآمروا فيها على قتل النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) وفق‬

‫ال شرس� ًا‬ ‫خطة أعدت س�لف ًا جمعوا فيها من كل بطن من بطون قريش مقات ً‬ ‫فتاك ًا يحمل سيف ًا حاد ًا بغية أن يقتلوا النبي بضربة واحدة بسيوفهم‪ ،‬فحسب‬

‫قولهم يتفرق دمه في القبائل فيعجز بنو هاش�م عن الثأر له‪ ،‬ففي تلك الليلة‬ ‫بع�د أن أع�دوا خطتهم ه�ذه وجه�زوا لتنفيذها وأرس�لوا أولئ�ك املقاتلين‬

‫للتنفيذ‪ .‬جبريل (عليه الس�ل�ام) بوحي من اهلل أخبر النبي (صلى اهلل عليه وعلى‬

‫آله وسلم) مسبقاً‪ ،‬وأعطاه اإلذن واألمر من اهلل بالهجرة ولكن لنجاح عملية‬

‫الهجرة والخروج من منزل النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) سيام واملكان‬

‫الذي كان يبيت فيه النبي كان مكان ًا مكشوف ًا يتضح ما إذا كان النبي موجود ًا‬ ‫أو غائب� ًا ـ كان الب�د م�ن عملية تمويه حت�ى يتوهم أولئ�ك أن النبي ال زال‬ ‫موجود ًا بينام يتمكن هو بالخروج والهجرة‪.‬‬

‫فالنبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) عندما أخبر اإلمام عليًا (عليه السالم)‬ ‫‪83‬‬

‫بذلك كان جاهزً ا الفتداء النبي وقال نعم الكرامة وفرح بذلك واستبشر جد ًا‬

‫أنه سيحظى بهذه املهمة الفدائية التي يبيت فيها في فراش النبي حتى يتوهم‬ ‫أولئ�ك األع�داء أن النبي ال يزال في فراش�ه‪ ،‬وأنه يبيت ف�ي منزله فينتظروا‬

‫حت�ى اللحظة التي حددوها لقتله فينقضوا علي�ه لقتله‪ ،‬وحينها يكون النبي‬

‫قد خرج‪ ،‬وبات علي (عليه الس�ل�ام) في فراش النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله‬ ‫وسلم)‪.‬‬

‫وعندم�ا هجم أولئك مع طل�وع الفجر تفاجأوا‪ ،‬وث�ار فيهم اإلمام علي‬

‫(علي���ه الس�ل�ام) تفاجأوا بأن املوجود ه�و علي بن ابي طالب أم�ا النبي (صلى‬ ‫اهلل علي���ه وعل���ى آله وس���لم) فلم يكن موج�وداً‪ ،‬وكان قد خرج‪ ،‬قصة ش�هيرة‬ ‫حديث‬ ‫ٌ‬ ‫ف�ي التاريخ وفي الس�ير والحديث عنها وما قبله�ا وأثناءها وبعدها‬

‫واسع‪.‬‬

‫ه�ذه الليلة ُس�جلت في التاريخ وورد عن النبي (صل���ى اهلل عليه وعلى آله‬

‫وس���لم) بش�أنها مواق�ف أن اهلل باهى بعلي بع�ض مالئكته‪ ،‬كي�ف بقي تلك‬ ‫موقف فدائيٍ يجهز نفسه للشهادة‪ ،‬ويعد روحه للشهادة‪ ،‬وحاضر‬ ‫ٍ‬ ‫الليلة في‬

‫للش�هادة في س�بيل اهلل‪ ،‬في تلك اللحظة وفي ذلك املوقف‪ ،‬ونزل قول اهلل‬

‫َ ْ َ رْ‬ ‫َْ َ ُ ْ َ َْ َ‬ ‫(س���بحانه وتعال���ى)‪َ } :‬وم َِن َّ‬ ‫ات‬ ‫انل ِ‬ ‫شي نفس��ه ابتِغاءَ مرض ِ‬ ‫اس من ي ِ‬ ‫اهللِ{(البق�رة‪ )207:‬ف�كان عل�ي أول املؤمنين‪ ،‬أول جن�ود النبي من طبّق ذلك‬ ‫فعليًا مع النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫علي (عليه ال�سالم) في بدر‬ ‫ٌ‬ ‫نأت�ي إل�ى مقامات أخ�رى كذل�ك باختصار ش�ديد‪ ،‬يوم ب�در عندما‬

‫ُ َ ذَّ‬ ‫َ َّ َ َ َ رْ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ِي‬ ‫ال‬ ‫ق�ال اهلل }هو‬ ‫ْص�ه ِ وبِالمؤ ِمنِني{ (األنف�ال‪ )62:‬وكان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫علي‬ ‫أعظ�م ه�ؤالء املؤمنين أثر ًا يوم ب�در وعطا ًء وجهد ًا كان ه�و اإلمام ٌ‬

‫(عليه الس�ل�ام) هو تميز بذلك وعرف يوم بدر ببطولته وثباته واستبس�اله‪،‬‬ ‫استبساله العجيب في سبيل اهلل‪ ،‬وجديته العالية في القتال وأدائه املتميز‪،‬‬

‫عرف بذلك كله‪ ،‬وكان علي (عليه الس�ل�ام) حام�ل الراية راية النبي (صلى‬

‫اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم)‪ ،‬راية اإلسلام ف�ي يوم بدر وفي مش�اهد النبي‬ ‫كله�ا الت�ي حضرها كان هو حام�ل الراي�ة وكان دائ ًام وفي الع�ادة يوكل‬

‫حمل الراية إلى من يعرف بثباته واستبس�اله وشجاعته وتامسكه وإقدامه‬

‫وصب�ره‪ ،‬فكان اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) هو حام�ل راية النبي (صلى اهلل‬

‫عليه وعلى آله وسلم)‪.‬‬

‫ف�ي يوم ب�در كان أول ما حدث في املعركة أن برز من جانب املش�ركين‬

‫ثالثة مقاتلين هم‪ :‬عتبة بن ربيعة وأخوه ش�يبة وولده الوليد‪ ،‬كبار املشركين‬

‫ومن أبطالهم‪ ،‬أبطال الشرك والكفر‪ ،‬وتقدموا للمبارزة فقال النبي (صلى اهلل‬ ‫عليه وعلى آله وسلم)‪ :‬قم يا علي‪ ،‬قم يا حمزة‪ ،‬وقم يا عبيدة بن الحارث‪ ،‬فقام‬ ‫الثالثة ودخلوا في أول مبارزة في املعركة ونتج عنها مقتل الذين خرجوا من‬

‫ْ َ َ‬ ‫املش�ركين‪ ،‬ونزل قول اهلل (س���بحانه وتعالى)‪َ } :‬ه َذان َخ ْص َ‬ ‫ان اختص ُموا‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫يِف َرب ِ ِه��م{ (الح�ج‪ )19:‬خصومة في ربهم على اإلسلام وعلى الحق وعلى‬ ‫‪85‬‬

‫الدين اإلسلامي‪ ...‬إلى آخر اآليات بام فيه�ا من ثناء على املؤمنين‪ ،‬بام فيها‬

‫أيضا من كالم ووعيد ألعداء اهلل الكافرين‪.‬‬ ‫ً‬

‫ف�ي يوم بدر من أَعج�ب ما نقله املؤرخون أن علي ًا (عليه الس�ل�ام) كان له‬

‫أكب�ر إس�هام مع أنها كان�ت أول مع�ارك يخوضها لكن كان له أكبر إس�هام‬ ‫ف�ي القت�ال لدرج�ة أن البعض من املؤرخي�ن وأصحاب الس�ير أحصوا في‬

‫إحصائية للقتلى من املشركين أن علي ًا قتل قُرابة النصف من قتلى املشركين‪،‬‬

‫أي‪ :‬نصف املعركة ُحسِ �بَ ْت عليه‪ ،‬قُرابة النصف من قتلى املش�ركين كان هو‬ ‫م�ن قتلهم‪ ،‬وكان معروفًا عنه أنه قت�ل صناديد األعداء وأبطالهم ومقاتليهم‬

‫األش�داء ب�ل إن بع�ض مقاتليه�م األش�داء‪ ،‬عندم�ا تق�دم كان البعض من‬ ‫املسلمين يتهرب من مواجهته فيكون علي من يتقدم ويواجه‪.‬‬

‫في �أُحُ د‪ :‬ال فتى �إال علي وال �سيف �إال ذو الفقار‬ ‫أم�ا في يوم أح�د وما أدراك ما ي�وم أحد عندما انهزم املس�لمون وهرب‬

‫ُ ْ َ ْ َ تْ َ ىَ جْ َ ْ َ‬ ‫ِين تَ َول َّ ْ‬ ‫الكثير منهم قال اهلل تعالى }إ َّن ذَّال َ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ِنك‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ان‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َ ْ زَ َ َّ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ض ما كس��بوا{ (آل عم�ران‪ )155:‬وكذلك‬ ‫إِنما اس�َت�لهم الشيطان بِبع ِ‬ ‫ْ ُ ْ ُ َ َ لاَ َ ْ ُ َ لَىَ َ َ َ َّ ُ ُ َ ْ ُ ُْ‬ ‫ق�ال {إِذ تص ِع��دون و تلوون ع أح ٍد والرس��ول يدعوكم يِف‬ ‫ُ ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫أخراكم{(آل عمران‪ .. )153:‬اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) كان له موقف متميز‬ ‫ج�دً ا بثبات�ه مع النبي (صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) يوم أح�د‪ ،‬وفي صبره‬

‫ومرابطت�ه واستبس�اله العجيب جد ًا ما َقبْ�ل الفرار و َقبْ�ل الهزيمة وهروب‬ ‫األكثر من املسلمين‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫أيض� ًا بع�د أن هربوا‪ ،‬قب�ل الفرار منهم وم�ا بعد الفرار‪ ،‬قب�ل الفرار كان‬

‫ه�و قاتل أصحاب الرايات من املش�ركين فقتل معظمه�م ومواقفه في ذلك‬ ‫مس�جلة‪ ،‬قت�ل فالنً�ا وفالنًا وفالنً�ا‪ .‬يذكرون باألسماء من األبط�ال الذين‬ ‫يعتمد عليهم األعداء في بطولتهم‪ ،‬في دورهم القتالي‪ ،‬في ش�جاعتهم‪ ،‬في‬ ‫إقدامهم‪ ..‬ثم ما بعد الفرار من جانب املسلمين كان صموده كذلك صمودًا‬

‫أسطوريًا وعجيبًا جدً ا‪ ،‬صمودًا ال نظير له‪.‬‬

‫ثبت مع النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‪ ،‬واستبس�ل هو‪ ،‬كسر جفن‬

‫س�يفه ألنه في البداية ش�اعت شائعة عن استشهاد النبي (صلى اهلل عليه وعلى‬

‫آله وس���لم) وهرب الكثير من املسلمين فكس�ر اإلمام علي جفن سيفه وكان‬

‫ه�ذا صني�ع من يريد أن يستش�هد وليس في أمل�ه أن يعيد س�يفه إلى جفنه‪،‬‬

‫يريد أن يقاتل حتى يستشهد وحمل حملة على األعداء حتى كشفهم فوجد‬ ‫ومغمى علي�ه فدافع عنه في‬ ‫ً‬ ‫جريح�ا‬ ‫ً‬ ‫النب�ي (صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‬ ‫استبس�ال حت�ى عاد النب�ي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وخ�رج من حالة‬

‫اإلغامء وأفاق‪.‬‬

‫واستبس�ل اإلم�ام عل�ي (عليه الس�ل�ام) مع قل�ة قليلة جدً ا م�ن الصابرين‬

‫اختالف في الروايات في ذلك ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫والثابتين يحصون بالعدد اليسير جدً ا على‬ ‫م�ن الثاب�ت واملجمع عليه ف�ي التاريخ ثبات اإلمام علي (عليه الس�ل�ام)‪،‬‬

‫ل�م ينه�زم فيمن انهزموا‪ ،‬واستبس�ل استبس�الاً عجيبًا جدً ا ومنح�ه اهلل عونًا‬

‫عجيبًا جدً ا‪ ،‬وهتفت له املالئكة وهو يستبسل ذلك االستبسال في ما أصبح‬ ‫معروفًا ومنقولاً لدى األمة (ال سيف إال ذو الفقار وال فتى إال علي)‪.‬‬ ‫‪87‬‬

‫فيما ي�روى من أحداث أحد م�ا يروى عن النبي (صل���ى اهلل عليه وعلى آله‬

‫وس���لم) أنه في أثناء املعرك�ة وهي محتدمةٌ جدً ا ما بعد هزيمة املس�لمين وما‬

‫بع�د بقاء النب�ي بقلة قليلة م�ن الثابتين وأبرز موقف كان ه�و موقف اإلمام‬ ‫علي (عليه الس�ل�ام) بعد استشهاد حمزة واستشهاد من استشهدوا من أبطال‬ ‫املسلمين قرابة السبعين شهيداً‪.‬‬

‫كهدف‬ ‫ٍ‬ ‫كان األع�داء يحرص�ون ‪ -‬في تلك اللحظات ‪ -‬عل�ى قتل النبي‬

‫رئيس�يٍ لهم‪ ،‬فكانت كل آونة تتقدم كتيبة لهذا الهدف‪ :‬لالقتحام والس�عي‬ ‫جريحا‬ ‫ً‬ ‫إل�ى قت�ل النب�ي مباش�رة (صلى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) كان النب�ي‬

‫ومثخنًا بجراحه وكان على جانبه جبريل (عليه السالم) والبعض من املالئكة‬

‫حاض�رون‪ ،‬ف�كان النبي يقول لإلمام علي (عليه الس�ل�ام) ي�ا علي ويأمره أن‬ ‫يتج�ه إلى تل�ك الكتيبة‪ ،‬ويوجهه أن يواجه تلك الكتيب�ة‪ ،،‬كلام أقبلت كتيبة‬

‫أمر عليًا بالتصدي لها‪.‬‬

‫علي (عليه الس�ل�ام) يتج�ه إلى كل كتيبة تس�عى لالقتحام على النبي‬ ‫كان ٌ‬

‫وقتل�ه فيقت�ل فارس�ها وقائده�ا وبطله�ا وأه�م الفرس�ان فيها فس�رعان ما‬ ‫تتراجع‪ ،‬تأتي كتيبة أخرى يقتل قائدها س�رعان م�ا تتراجع‪ ،‬تأتي كتيبة ثالثة‬ ‫وهك�ذا‪ ...‬ال ينف�ك يتصدى لهذه الكتيب�ة ثم يتحول إلى تل�ك الكتيبة في‬

‫قتال واستبس�ال بش�كل عجيب‪ .‬فقال جبريل (عليه الس�ل�ام)‪( :‬إن هذه لهي‬ ‫املواساة‪ ،‬فقال النبي‪( :‬إنه مني وأنا منه)‪ ،‬فقال جبريل‪ :‬وأنا منكام)‪.‬‬

‫هذا شرف ال يفوقه شرف أبدً ا‪ ،‬فضيلة هذه ومنقبة عظيمة جدً ا تدل على‬

‫عالقة اإلمام علي (عليه السالم) بالنبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم)‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫علي يوم الأحزاب‬ ‫ٌ‬ ‫في يوم األحزاب‪ ،‬هذا اليوم الذي صور اهلل (سبحانه وتعالى) حال املسلمين‬

‫ْ َ ُ ُ ّ َْ ُ ْ َ ْ َْ ََ‬ ‫ُ ْ ْ َ َ ْ‬ ‫فيه بقوله‪} :‬إِذ جاؤوكم مِن فوق ِكم ومِن أسفل مِنكم ِإَوذ زاغت‬ ‫لأْ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ُ ُ حْ َ َ َ َ َ ُ ُّ َ‬ ‫ُّ ُ َ ُ َ َ‬ ‫جر وتظنون بِاهللِ الظنونا هنال ِك‬ ‫ا بصار وبلغ ِ‬ ‫ت القلوب النا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ ُْ ْ ُ َ ُ‬ ‫ل المؤمِنون َوزل ِزلوا ِزل َزاال ش�� ِديدا{ (األح�زاب‪ )10 - 11‬خرج بطل‬ ‫ابت يِ‬ ‫قري�ش عمرو بن عبد ود العامري متحدي ًا للمس�لمين فل�م يبرز له أحد غير‬

‫اإلمام علي (عليه السالم) وفي ذلك اليوم قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى‬

‫آله وس���لم)‪( :‬ب���رز اإليمان كله للش���رك كله) برز اإلم�ام علي لرأس‬ ‫الش�رك هذا فقتل�ه فكانت بداية الهزيم�ة املدوية للمش�ركين الذين تحزبوا‬

‫وتحالفوا حتى مع اليهود للقضاء نهائي ًا على اإلسالم واملسلمين‪.‬‬

‫علي يوم خيبر‬ ‫وف�ي خيبر وبعد أن هُ زِم املس�لمون مرتين ف�ي مواجهة اليهود في غياب‬

‫عل�ي ال�ذي كان مصاب ًا بالرمد في عينيه فال يبصر موضع قدميه‪ ،‬وعند ذلك‬

‫ال‬ ‫ق�ال النبي (صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم)‪( :‬ألعطي���ن الراية غدًا رج ً‬ ‫يحب اهلل ورس���وله ويحبه اهلل ورس���وله‪  ،‬كرا ٍر غير فرار) كرار غير‬ ‫فرار أي‪ :‬ال يعرف الفرار كام غيره ممن س�بقوه‪ ،‬ثم دعا علي ًا وتفل في عينيه‬

‫فش�فيتا‪ ،‬وانطل�ق علي كالب�رق يتقدم املس�لمين فقتل قائده�م مرحب ًا وفتح‬

‫حصن خيبر قبل أن يتكامل الناس‪.‬‬

‫‪89‬‬

‫ً‬ ‫�شخ�صية متكاملة‬ ‫كان‬ ‫اإلم�ام عل�ي (عليه الس�ل�ام) بقدر ما كان ف�ي دوره الجهادي وإس�هاماته‬

‫الكبي�رة في إقامة اإلسلام‪ ،‬ومن واق�ع إيامنه العظيم ال�ذي يتحرك فيه كان‬

‫أيض ًا شخصية إيامنية متكاملة‪ :‬في جهاده‪ ،‬شجاعته‪ ،‬في بطوالته‪ ،‬في صبره‪،‬‬

‫في استبساله في سبيل اهلل‪ ،‬في روحه العالية‪.‬‬

‫�أعلم الأمة‬ ‫اإلمام علي (عليه الس�ل�ام) كان هو أعلم األمة بع�د نبيها‪ ،‬هو تلميذ النبي‬

‫الذي اس�تفاد منه ما لم يس�تفده غيره‪ ،‬ومثلام كان النبي (صلى اهلل عليه وعلى‬

‫علي على نح ٍو‬ ‫اختصاص كبي� ٍر في املجال التربوي اس�تفاد ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫آله وس���لم) على‬

‫ََ ََ ُُ ٌ َ ٌَ‬ ‫أكث�ر من غيره والنب�ي بعد أن نزل قول�ه تعال�ى‪} :‬وت ِعيها أذن واعِية{‬

‫(الحاق�ة‪ )12:‬ق�ال فيما روي عنه ورواه املس�لمون عنه‪“ :‬س�ألت اهلل أن يجعلها‬

‫أذنك يا علي” فكان اإلمام علي (عليه السالم) أول مصداق لهذه اآلية ‪ ،‬أول‬ ‫مص�داق وأرقى مصداق من املس�لمين‪ ،‬من أتباع النبي‪  ‬له�ذه اآلية ‪ ،‬األذن‬ ‫الواعية التي تس�توعب وتسمع‪ ،‬تتلقف الهدى وتستوعبه وال ينسى؛ لدعاء‬

‫النبي له‪ ،‬لم يكن ينسى ما حفظه وتعلمه من معارف وعلوم‪ ...‬وإلى آخره‪.‬‬ ‫عل�ي كان في مدى اهتاممه في أن يتعلم وأن يس�تفيد إلى درج ٍة‬ ‫واإلم�ام ٌ‬

‫عالية‪ ،‬من قال عن ذلك (عليه السالم)‪( :‬ما دخل نومٌ عيني على عهد رسول‬ ‫اهلل حتى علمت ذلك اليوم ما نزل به جبريل (عليه السالم) من حالل أو حرام‬

‫أو سنّة أو كتاب أو أمر أو نهي وفي من نزل)‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫الحِ ظوا هذه‪ ،‬اهتامم كبير جداً‪( ،‬أذن واعية) يس�توعب‪ ،‬يحفظ‪ ،‬ال ينسى‬

‫ما استوعبه‪ ،‬يمنحه اهلل الحفظ لذلك بدعاء النبي له‪ ،‬في نفس الوقت عناية‪،‬‬

‫اهتامم كبير جدً ا ‪ ،‬ال ينام إال وقد استوعب ما نزل في ذلك اليوم من جبريل‬ ‫كتاب أو أم� ٍر أو نهيٍ وفي من‬ ‫ٍ‬ ‫(عليه الس�ل�ام) م�ن حاللٍ أو حرام أو س� ّن ٍة أو‬

‫ن�زل‪ ،‬ارتق�اؤه العملي هو الذي أوصله إلى قول النب�ي‪( :‬أنا مدينة العلم‬ ‫ٌ‬ ‫وعلي بابها)‪.‬‬ ‫ُهل ليكون له الدور المس���تقبلي في األم���ة‪ ،‬ليكون ناقلاً‬ ‫ُه���ل ‪ ،‬أ ِّ‬ ‫ث���م هو أ ِّ‬ ‫له���ذا العل���م‪ ،‬ومؤتمنًا على معارف اإلس�ل�ام‪ ،‬يحتاج إلى م���ن يؤتمن عليها‪،‬‬ ‫دجالين‪،‬‬ ‫كم يدخل في من ينطق عن اإلسلام من محرفين من كذابين‪ ،‬من ّ‬ ‫من مفترين‪ ،‬من قائلين على اهلل ما لم يقل‪ ،‬ومن مفترين على اإلسالم ومن‬

‫مفترين على اإلسالم‪  ‬ما لم يقله‪.‬‬

‫الي�وم كم تعاني األمة من ش�خصيات كبيرة تقدم نفس�ها على أنها تنطق‬

‫علي املؤتمن بعد رسول‬ ‫باسم اإلسالم وليس هو مؤتمن ًا على اإلسالم فكان ٌ‬

‫اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله)‪ ،‬على هذا اإلسلام فيام يقدمه من معارف‪ ،‬عن‬

‫أيضا ‪ -‬يحمله من‬‫ً‬ ‫هذا اإلسلام وفيام يتخذه من مواقف وق�رارات‪ ،‬وفيام‬

‫أخالقيات‪ ،‬وفيام يحمله من روحية تعبر عنه وهي أثر هذا اإلسالم‪.‬‬

‫(((‬

‫((( من محاضرة للسيد القائد في ذكرى استشهاد اإلمام علي (عليه السالم) لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫الإ�سالم الأ�صيل منهج للخال�ص‬ ‫عموم�اً‪ ،‬نح�ن في هذه املرحل�ة التاريخية التي نعيش�ها كأمة إسلامية‬

‫تواجهن�ا الكثي�ر م�ن التحدي�ات‪ ،‬والكثير من األخط�ار‪ ،‬ما يح�دث اليوم‬ ‫عندنا في اليمن‪ ،‬ما يحدث في بقية املناطق في العالم اإلسلامي والس�احة‬ ‫اإلسلامية‪ ،‬بحاجة إلى أن نلتفت إلى أصالة اإلسالم في منهجه‪ ،‬في قيمه‪،‬‬ ‫ف�ي رم�وزه‪ ،‬فنرى فيه الن�ور الذي يخلّصنا م�ن كل الظلمات‪ ،‬والذي ينقذ‬

‫أمتن�ا من كل املحن‪ ،‬والذي يصحح لها واقعها في كل ما فيه من التباس�ات‬ ‫وأخطاء ومشاكل واضطرابات…الخ‪ .‬معنيون أن نتعاطى بمسؤولية فوق كل‬

‫جاهلي بقي في داخل‬ ‫ٌ‬ ‫ش�يء‪ ،‬أن نترف�ع عن كل العصبيات‪ ،‬العصبي�ات داءٌ‬ ‫األمة‪ ،‬وأثّر على األمة كثير ًا حتى في نظرتها إلى القرآن‪ ،‬إلى الرس�ول‪ ،‬إلى‬ ‫املفاهيم اإلسلامية‪ ،‬معنيون اليوم أن نس�عى إلى جمع كلمتنا على التقوى‪،‬‬

‫على القيم اإلسالمية األصيلة‪ ،‬إلى معالجة كل املشاكل واملحن التي نعاني‬ ‫منها في واقع أمتنا اإلسالمي‪.‬‬

‫الأنظمة العميلة والموقف المخزي!‬ ‫اليوم كلنا يرى‪ ،‬من يشاهد‪ ،‬من يتابع‪ ،‬من يحمل االهتامم ملعرفة واقع‬

‫األم�ة اإلسلامية‪ ،‬إلى جانب م�ا في داخل األمة وفي س�احتها الداخلية من‬ ‫ومآس‪ ،‬نرى ما يحصل بحق املسلمين في بورما من‬ ‫ٍ‬ ‫محن ونكبات وويالت‬ ‫مجازر اإلبادة الجامعية والشاملة‪ ،‬واالضطهاد الكبير‪ ،‬وما يمكن أن يحصل‬

‫في بلدان أخرى‪ ،‬وحصل في السابق في مناطق أخرى من العالم‪ ،‬املسلمون‬ ‫‪92‬‬

‫أمة مستهدفة‪ ،‬أمة مستهدفة بكل ما تعنيه الكلمة‪ ،‬وال يضمن لهم أن يكونوا‬

‫أقوياء في مواجهة كل التحديات واألخطار الرهيبة التي تس�تهدفهم؛ إال أن‬ ‫تجتم�ع كلمتهم على الحق‪ ،‬وأن يعودوا إلى أصالتهم‪ ،‬أمة تتوحد‪ ،‬وتعتصم‬ ‫بحبل اهلل جميعاً‪ ،‬ثم تتحرك في مواجهة تلك التحديات واألخطار‪.‬‬

‫الي�وم أين تلك األنظمة التي تقدّ م نفس�ها على أنه�ا هي املؤتمنة على‬ ‫األمة اإلسلامية‪ ،‬واملمثلة لإلسالم واملس�لمين؟ أين هو النظام السعودي‪،‬‬ ‫وأي�ن هو النظام اإلماراتي‪ ،‬مام يحدث على املس�لمين في بورما؟ أين هم؟‬ ‫أي�ن مواقفه�م؟ أين دورهم الذي يمن�ع هذا الظلم‪ ،‬تلك اإلب�ادات الرهيبة‬ ‫بح�ق املس�لمين هن�اك؟ إبادات ش�ملت عش�رات اآلالف من�ذ بدايتها إلى‬ ‫اليوم‪ ،‬عشرات اآلالف من املسلمين قتلوا هناك بالذبح وبالحرق‪ ،‬وبوسائل‬ ‫اإلب�ادة الجامعية‪ ،‬إب�ادات وجرائم تحدث هناك بحامية أمريكية‪ ،‬وتش�جيع‬ ‫أمريك�ي‪ ،‬األمريكي يعلن أنه يرفض حتى اللوم للس�لطة املجرمة هناك في‬ ‫بورما التي ترتكب بحق املس�لمين ما ترتكب من جرائم‪ ،‬يقول األمريكي‪:‬‬ ‫[أنا أرفض حتى أن يالم من يرتكبون هذه الجرائم]‪ ،‬إسرائيل تزود السلطة‬ ‫والبوذيين في بورما بالسلاح إلبادة املس�لمين‪ ،‬واآلخ�رون يأتون ليرتبطوا‬ ‫بأمري�كا كل االرتب�اط بعد أن ابتع�دوا عن الوالية في مفهومها اإلسلامي‬ ‫الصحي�ح‪ ،‬أتو ليرتبط�وا بالوالية لألمريك�ي؛ فيفتحوا له املج�ال للتدخل‬ ‫ف�ي كل ش�ؤون أمتنا بال اس�تثناء‪ ،‬الي�وم األمريكي يتدخل في كل ش�ؤوننا‬ ‫في الس�احة اإلسالمية‪ ،‬ش�ؤوننا السياسية‪ ،‬وش�ؤوننا االقتصادية‪ ،‬وشؤوننا‬ ‫الثقافية‪ ،‬ش�ؤوننا الفكرية‪ ،‬شؤوننا االجتامعية‪ ،‬في كل تفاصيل حياتنا‪ ،‬وفي‬ ‫كل ش�ؤون حياتنا‪ ،‬ويصيغ برنامج ًا يأخذ من اإلسلام ش�كليات معينة‪ ،‬ثم‬ ‫‪93‬‬

‫يك�ون في واقع الحال عل�ى النحو الذي تحقق من خالل�ه مصالح أمريكا‬ ‫فوق كل اعتبار‪ ،‬فوق كل ش�أن‪ ،‬فوق كل مس�ألة‪ .‬املس�ألة األولى والرئيسية‬ ‫ِ�ح املجال للجبارين‬ ‫تك�ون على هذا النح�و‪ ،‬هي هذه النتيجة في األول‪ُ :‬فت َ‬ ‫والجائري�ن والظاملي�ن‪ ،‬ثم والية األم�ر اليهودية والصهيوني�ة واألمريكية‪،‬‬ ‫(((‬ ‫لتكون هي من يحكم واقعنا‪.‬‬

‫الإيمان بمبد�أ الوالية‪ ..‬ما ذا يعني؟‬ ‫ثم يبقى لنا أن نؤكد على أن اإليامن بهذه الوالية ليس مجرد كال ٍم‬ ‫نقول�ه‪ ،‬ليس عبار ًة عن انتام ٍء مذهبي‪ ،‬كمذهب وانتهى األمر؛ إنام هو عالقة‬ ‫فيه�ا ارتب�اط مب�دأي‪ ،‬وأخالقي‪ ،‬وعمل�ي‪ ،‬نرتبط بهذا اإلسلام في منهجه‬ ‫العظيم‪ ،‬في مش�روعه العظي�م‪ ،‬فنجعل من عليٍ حلقة الوص�ل التي تربطنا‬ ‫برس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) تربطنا بهذا اإلسلام في مبادئه‪،‬‬ ‫بهذا اإلسالم في أخالقه‪ ،‬بهذا اإلسالم في مشروعه العملي‪ ،‬بهذا اإلسالم‬ ‫فيام يقدمه لنا من وعي‪ ،‬من بصائر‪ ،‬من حقائق‪ ،‬يكون مس�توى هذه العالقة‬ ‫م�ن خلال التفاع�ل‪ ،‬من خلال تفاعلك أن�ت به�ذه العالقة‪ ،‬إق�رارك بها‬ ‫يس�اعدك على أن تبني على هذا اإلقرار هذا التفاعل الالزم؛ لكي تس�تفيد‪،‬‬ ‫لك�ي تك�ون ملتزم ًا به�ذه الوالية في واقع�ك العملي وفي التلق�ي الثقافي‬ ‫والفكري الذي تعرف به اإلسلام كام هو؛ لتتحرك على أساس ذلك عملي ًا‬ ‫بااللتزام في مسيرة حياتك‪ ،‬هذه هي املسألة املهمة جدًّ ا‪.‬‬ ‫((( من محاضرة للسيد القائد بمناسبة الوالية لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫من النعمة أن يكون اإلنس�ان مؤمناً‪ ،‬متقبالً‪ ،‬منس�ج ًام مع رسول اهلل‬

‫(صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) فيام يقدمه‪ ،‬تمثل مسألة التجاهل لهذا اإلعالن‬

‫والبالغ العظيم‪ ،‬وتمثل مس�ألة الجحود ملدلوله الحقيقي ومعناه الصحيح‪،‬‬ ‫تمثل مش�كل ًة على البع�ض من أبناء األمة‪ ،‬تفصلهم ع�ن هذا االمتداد؛ فال‬ ‫موقف صعب‪ ،‬في بيئة يسهل اختراقها‬ ‫ٍ‬ ‫يس�تفيدون منه كام هو‪ ،‬فيكونون في‬ ‫وتأثي�ر األع�داء عليه�ا‪ ،‬ف�ي بيئة يكث�ر فيها التش�ويش واالختلال الثقافي‬

‫والفك�ري‪ ،‬ف�ي بيئة تصع�ب فيها عملية الوع�ي والفهم الصحي�ح والنظرة‬ ‫الصحيحة‪ ،‬في بيئة تعيش حالة االنفالت والفوضى على املس�توى الثقافي‬ ‫والفكري؛ فيسهل فيها االختراق ويسهل فيها التأثير‪.‬‬

‫ولكن من يعيشون حالة االنتامء لهذا املبدأ العظيم عليهم أن يكونوا‬

‫واعي�ن مل�ا يعنيه ه�ذا االنتامء ف�ي تفاعلهم؛ حتى يعيش�وا ثمرة ه�ذا االنتامء‬

‫وهذا اإليامن‪ ،‬ثمرته العظيمة التي وعد اهلل بها برعايته (س���بحانه وتعالى) حتى‬ ‫يحسوا بهذه العالقة مع اهلل‪ ،‬عالقة الوالية اإللهية في االرتباط باهلل (سبحانه‬

‫وتعالى) من خالل االرتباط الصحيح والواعي والفاهم والكامل بمش�روعه‬

‫العظيم‪ (((.‬نس�أل اهلل (سبحانه وتعالى) أن يوفقنا وإياكم لكي نكون ممن‬ ‫يؤم�ن بهذا املب�دأ العظيم‪ ،‬يتفاعل معه إيامنياً‪ ،‬فنكس�ب ه�ذه الثمرة‬

‫َ َ ْ َ َ َ َّ هَّ َ َ َ ُ هَ ُ َ ذَّ َ َ ُ َ َّ ْ َ هَّ‬ ‫حزب اللِ‬ ‫العظيمة‪} :‬ومن يتول الل ورس��ول والِين آمنوا فإِن ِ‬ ‫ُ ُ َْ ُ َ‬ ‫هم الغ بِ‬ ‫الون{‪.‬‬

‫•••‬

‫((( من محاضرة للسيد القائد بمناسبة الوالية لعام ‪1440‬هـ‪ .‬‬

‫‪95‬‬

‫الباب الرابع‬ ‫الوالية الطاغوتية قدمت كبديل للوالية الإلهية‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم في يوم الغدير حدد لنا‬ ‫م�صادر الهداية‬ ‫الرس�ول (صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وه�و عائدٌ من حج�ة الوداع‪،‬‬

‫والتي سميت بهذا االسم؛ ألن الرسول (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) عندما‬ ‫تحدث فيها أش�عر أمته اإلسالمية‪ ،‬ومن خالل تحدثه إلى املجاميع الكبيرة‬ ‫(عش�ـرات اآلالف من الحجاج) أنه على وش�ك الرحيل م�ن هذه الحياة‪،‬‬

‫وبالتالي كان هناك أهمية قصوى لكل ما يركِّ ز على تقدميه إلى أمته‪ ،‬وعلى‬ ‫تبليغ�ه للن�اس؛ ألنه وهو في املرحل�ة األخيرة من حيات�ه‪ ،‬وقبل رحيله من‬ ‫هذه الحياة‪ ،‬يركِّ ز على أهم املسائل‪ ،‬ويركِّ ز على استكامل ما تبقى مام ينبغي‬

‫التأكيد عليه‪ ،‬أو تقديمه إلى األمة مام له صلة أساسية بدينها‪.‬‬

‫الرس�ول (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وأثناء عودته من حجة الوداع‪،‬‬

‫وعندم�ا بلغ إلى وا ٍد يس�مى خمً ا‪ ،‬وهو ما بين مك�ة واملدينة‪ ،‬وهو إلى مكة‬

‫‪-‬كما يق�ال‪ -‬أقرب من�ه إلى املدين�ة‪ ،‬نزل علي�ه ق�ول اهلل (س���بحانه وتعالى)‪:‬‬

‫َّ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫َّ ّ َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ ُ ُ َ ّ ْ َ ُ َ يَ ْ َ‬ ‫ن��زل إِلك مِن ربِ��ك ِإَون لم تفعل‬ ‫}ي��ا أيها الرس‬ ‫��ول بلِغ ما أ ِ‬ ‫تَ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َهّ‬ ‫َ َ َ َّ ْ َ َ َ ُ َ ُهّ َ ْ ُ َ‬ ‫ِ��ن َّ‬ ‫كم َ‬ ‫اس إِن الل ال يه ِدي‬ ‫صم‬ ‫انل ِ‬ ‫فما بلغت ِرس��اله والل يع ِ‬ ‫الْ َق ْو َم الْ اَكف ِر َ‬ ‫ين{ [املائدة‪ :‬اآلية‪ ،]67‬كان ذلك في يوم الثامن عش�ر من ش�هر‬ ‫ِ‬ ‫‪96‬‬

‫ذي الحج�ة‪ ،‬ه�ذه اآلية العجيب�ة املضم�ون‪ ،‬واملهمة املضمون‪ ،‬والس�اخنة‬

‫املضمون‪ ،‬تأكيد على رس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) بأن يبلِّغ ما‬

‫أن�زل إلي�ه من ربه‪ ،‬موضوع معين له أهمية قصوى‪ ،‬بلغت أهميته لدرجة أن‬

‫َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ‬

‫َ تَ َ ُ‬

‫اهلل قال له في ذات اآلية‪ِ} :‬إَون لم تفعل فما بلغت ِرساله{‪.‬‬

‫بأدن�ى تأم�ل ‪-‬مع التج�رد من األه�واء والعصبيات‪ ،‬وم�ع التوجه‬

‫الصادق نحو اهلل (س���بحانه وتعالى) وطل�ب الهداية‪ -‬يتجلى لنا كم هي أهمية‬ ‫موض�و ٍع يخاط�ب اهلل نبي�ه بش�أنه به�ذا الخطاب! ويق�ول له به�ذا النص‪:‬‬

‫َّ ْ َ ْ َ ْ‬

‫َ َ َ َّ ْ َ‬

‫َ تَ َ ُ‬

‫}وإِن لم تفعل{‪ ،‬يعني‪ :‬لم تبلِّغ هذا املوضوع }فما بلغت ِرساله{‪،‬‬ ‫مطلوب منك وأنت مأمورٌ م�ن اهلل أن تبلِّغه‪ ،‬غيابه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫غي�اب هذا املبدأ ال�ذي‬ ‫أو كذلك تجاهله يمثِّل مش�كل ًة كبيرةً‪ ،‬وتمتد آثارها الس�لبية والس�يئة على‬

‫واقع الدين بكله‪ ،‬حتى يبقى ما بقي من الدين بكله في كل تش�ـريعاته‪ ،‬في‬ ‫كل توجيهات�ه‪ ،‬ف�ي كل قيمه‪ ،‬في بقي�ة محتواه وكأنه لم يُبلَّ�غ‪ ،‬يكون عديم‬ ‫الجدوى‪ ،‬يكون عديم التأثير‪ ،‬تتعطل آثاره وفوائده وثامره التي هي مفترضةٌ‬

‫م�ن دي�ن اهلل (س���بحانه وتعالى) حت�ى كأنه ال ش�يء منه في واق�ع الحياة‪ ،‬هذا‬

‫الن�ص القرآن�ي يدلل عل�ى أهمية هذا املب�دأ‪ ،‬هذا املوضوع ال�ذي له أهمية‬ ‫قص�وى ف�ي فاعلية الدين بكل�ه‪ ،‬في حيوية الدين بكله‪ ،‬ف�ي أن تتحقق آثار‬ ‫ه�ذا الدين في مجمل وتفاصيل تش�ريعاته وتوجيهاته وتعليامته‪ ،‬فام هو هذا‬

‫املوضوع؟‬

‫ه�ذا النص اإللهي‪ ،‬وه�ذا األمر اإللهي‪ ،‬وه�ذا التوجيه اإللهي أتى‬

‫إل�ى النبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) وأُن�زل عليه في آخر أيام حياته‪ ،‬ما‬ ‫‪97‬‬

‫قب�ل وفاته بأقل من ثالثة أش�هر‪ ،‬إذا جئنا للنظرة إل�ى الدين‪ ،‬وإلى تعليامت‬ ‫ه�ذا الدي�ن‪ ،‬وإلى مبادئ هذا الدين‪ ،‬وإلى أس�س هذا الدين‪ ،‬وإلى ش�رائع‬ ‫ه�ذا الدي�ن‪ ،‬وإل�ى أحكام ه�ذا الدي�ن؛ نجد أنها ف�ي هذا الزم�ن كانت قد‬

‫نزلت‪ ،‬أكثرها كان قد نزل‪ ،‬كل ما يتصل بمسألة التوحيد قد نزل‪ ،‬ومن أول‬

‫م�ا نزل‪ :‬مس�ألة التوحيد‪ ،‬ومحاربة الش�رك‪ ،‬وما يتصل بمعرفة اهلل (س���بحانه‬ ‫وتعال���ى) والجوان�ب اإليامني�ة ذات الصل�ة به�ذا املوض�وع‪ .‬أب�رز األحكام‬

‫الش�رعية واإلسلامية كانت قد نزلت‪ ،‬مثلاً ‪ :‬أركان اإلسالم الخمسة‪ ،‬كلها‬

‫ق�د قُدِّ مت إلى األمة‪ :‬مبدأ التوحيد‪ ،‬مس�ألة الصالة‪ ،‬مس�ألة الزكاة‪ ،‬مس�ألة‬

‫الصيام‪ ،‬مسألة الحج‪ ،‬كلها كانت قد نزلت‪.‬‬

‫املواق�ف ذات األهمي�ة الكبرى م�ن كل كيانات الطاغوت وقوى الش�ر‬

‫والباط�ل‪ ،‬املوق�ف املتعلق بالكافري�ن من اليهود والنص�ارى‪ ،‬وكل الفئات‬ ‫الحاض�رة في الس�احة املحلي�ة والعاملية ‪-‬آنذاك‪ -‬كانت قد نزلت وبش�كلٍ‬

‫حاس�م‪ ،‬بام في ذلك املواقف ذات الصل�ة باليهود أو بالنصارى‪ ،‬كلها كانت‬

‫قد نزلت‪ ،‬والنبي (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) قد قطع شوطً ا عظيمً ا ومهمً ا‬ ‫في هذا الجانب حتى على املس�توى العملي‪ ،‬مثًل�اً ‪ :‬فيام يتعلق بالصراع مع‬ ‫اليه�ود‪ ،‬تحدد املوق�ف منهم‪ ،‬واتُخِ ذ عمليًا املوقف اللازم منهم‪ ،‬وهُ زِمُ وا‪،‬‬

‫وطُ � ِر َد أكثرهم م�ن الجزيرة العربي�ة‪ ،‬البعض منهم ُقتِلوا ف�ي ظل الحروب‬ ‫معه�م‪ ،‬والبع�ض منه�م أرغم�وا عل�ى دف�ع الجزي�ة واستس�لموا للدول�ة‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬

‫تجاوز املشكلة معهم‪ ،‬يعني لم يبقَ هناك شيء إضافي يمكن أن يمثِّل‬ ‫‪98‬‬

‫حساس�ية كبيرة في تبليغه للناس‪ ،‬أو في تقديمه للناس‪ ،‬مام يتصل باملواقف‬ ‫من كل تلك الفئات التي هي خارج إطار اإلسالم واألمة اإلسالمية‪ ،‬والتي‬

‫لها مواقف‪ ،‬أو هناك صراعات معها في الساحة العاملية‪ .‬ال‪ ،‬الروم‪ ،‬غيرهم‪،‬‬ ‫املسألة هذه خالص استكملت من األساس‪.‬‬

‫في الس�احة العربي�ة محاربة الش�رك‪ ،‬محاربة الظواهر الس�يئة جدًّ ا‬

‫عل�ى املس�توى األخالقي‪ ،‬على املس�توى الحياتي‪ ،‬على مس�توى العادات‬ ‫والتقاليد‪ ،‬في الحالل والحرام والشرائع واألحكام قد نزلت‪ ،‬وقد قُدِّ مت‪،‬‬ ‫وقد س�ادت في الواقع العربي‪ ،‬وقد فرضت نفس�ها في واقع الحياة بس�عيٍ‬

‫حثيث من رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) وجه ٍد عظيم في التبليغ‬ ‫ٍ‬ ‫والسعي في التطبيق‪ ،‬وبتأيي ٍد من اهلل (سبحانه وتعالى)‪.‬‬

‫فام هي هذه املسألة بالغة األهمية‪ ،‬ما هو هذا املوضوع؟ الرسول (صلى‬

‫اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم) هو الذي يعلِّمنا‪ ،‬ومنه نع�رف ما هو هذا املوضوع‬ ‫امله�م‪ ،‬وما الذي فعله بعد نزول هذه اآلية املباركة في ذات اليوم نفس�ه‪ ،‬بل‬

‫في بعض اآلثار في تلك الساعة نفسها‪.‬‬

‫الترتيبات الكبيرة للبالغ ال�ساخن‬ ‫الرس�ول (صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) جمع الحجي�ج‪ ،‬أبلغ من قد‬

‫تق�دَّ م منهم أن يع�ود‪ ،‬قلة أو البعض منهم كانوا قد تجاوزوا قليلاً أو يس�يرً ا‬ ‫ممن كانوا قبله في القافلة‪ ،‬واملنطقة نفس�ها هي ال زالت منطقة يتواجد فيها‬

‫كل الحج�اج‪ ،‬قب�ل أن يتفرقوا إل�ى اآلفاق ويتجه�وا إلى بلدانه�م‪ ،‬وانتظر‬ ‫‪99‬‬

‫للمتأخرين حتى اجتمعوا‪ ،‬الكل ُجمِعوا في صعي ٍد واحد‪ ،‬في مكانٍ واحد‪،‬‬ ‫في ساح ٍة واحدة‪ ،‬وفي منتصف النهار‪ ،‬كل اإلجراءات التي عملها الرسول‬ ‫(صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) تتناس�ب تاممًا مع طبيع�ة النص القرآني‪ ،‬مع‬

‫َّ ْ‬ ‫سخونة هذا النص القرآني‪ ،‬مع قوة هذا النص وهذا التعبير القرآني‪} :‬بلِغ‬ ‫َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ تَ‬ ‫َّ ّ َ‬ ‫َ ُ َ يَ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نزل إِلك مِن ربِك ِإَون لم تفعل فما بلغت ِرس��اله{‪ ،‬اهتامم‬ ‫ما أ ِ‬ ‫كبي�ر‪ ،‬وتصـ�رف يعطي أهمي ًة كبرى ملا س�يقدم‪ ،‬ذلك االس�تدعاء‪ ،‬وعملية‬

‫التجميع في تلك الس�احة في تلك اللحظة بالتحديد‪ ،‬في وس�ط النهار‪ ،‬في‬ ‫وقت من الح�رارة والقيظ‪ ،‬الجميع جمع في ندا ٍء‬ ‫منتصف النهار‪ ،‬في أش�د ٍ‬

‫عاجل‪ ،‬وتجميع بطريقة تعطي أهمية ملوضوع بالغ األهمية سيقدم‪.‬‬

‫جمعوا كلهم‪ ،‬وجلسوا‪ ،‬اتجهت أنظارهم إلى الرسول (صلى اهلل عليه‬

‫وعل���ى آله وس���لم) وق�د أعد له مكان مرتف�ع ليكون قائمً ا مق�ام املنبر‪ ،‬وجمع‬

‫م�ن أقتاب اإلبل‪ ،‬ولكث�رة الناس وكثرة الحجاج أصب�ح ذلك املكان الذي‬ ‫رصت فيه أقتاب اإلبل أصبح مكانًا مرتفعً ا‪ ،‬صعد عليه ومعه شخص‪ ،‬ذلك‬ ‫َّ‬

‫وعلي ش�خصية معروفة ل�دى املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫علي ب�ن أبي طالب‪،‬‬ ‫الش�خص هو ّ‬

‫ش�خصا غريبًا عليهم‪ ،‬الرسول (صلى اهلل عليه وعلى‬ ‫ً‬ ‫اإلسلامي آنذاك‪ ،‬ليس‬

‫ووج�ه خطابه الهام ج�دًّ ا‪ ،‬في ذلك الجو ال�ذي كله يقدِّ م‬ ‫آله وس���لم) صعد َّ‬

‫صورة عن أهمية املوضوع إلى أقصى حد‪ ،‬اتجهت أنظار عش�رات اآلالف‬

‫من املسلمين إلى رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) بانتظار ما سيقدمه‬ ‫وما سيعلنه‪ ،‬فهناك بالغ تاريخي هام وفي مرحلة مهمة‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫الخطاب التاريخي العظيم وم�ضمونه المهم‬ ‫خطب رسول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) خطابًا تاريخيًا وعظيمً ا‬

‫ومهمً ا‪ ،‬وهيأ في مقدمة حديثه الذهنية العامة لذلك املوضوع الرئيسي‪ ،‬حتى‬

‫ولي‪،‬‬ ‫هلل َم اَ‬ ‫ِن ا َ‬ ‫وص�ل إلى صلب املوضوع ثم قال لهم‪( :‬يَ���ا أ َُّيهَا النَّاس‪ ،‬إ َّ‬ ‫وله‪،‬‬ ‫كنت َم اَ‬ ‫َمن ُ‬ ‫ُس���هِم‪ ،‬ف َ‬ ‫ِي���ن‪ ،‬أَولَى ِبهِم ِمن أَنف ِ‬ ‫ؤمن َ‬ ‫الم ِ‬ ‫َوأَنَ���ا َمولَى ُ‬ ‫علي (عليه‬ ‫وله)‪ ،‬وكان قد مس�ك بيد علي‪ ،‬ثم رفع ي�ده ويد ٍّ‬ ‫ِي َم اَ‬ ‫َ���ذا َعل ٌّ‬ ‫َفه َ‬ ‫الس�ل�ام) إل�ى األعلى‪ ،‬يق�ول الرواة‪[ :‬حت�ى رُ ؤي بياض إبطيهما]‪ ،‬الرتفاع‬

‫َعا ِد َم���ن َعادَاهُ‪،‬‬ ‫َالهُ‪ ،‬و َ‬ ‫ُ���م وَال َم���ن و اَ‬ ‫���ولهُ‪ ،‬الله َّ‬ ‫ِي َم اَ‬ ‫َ���ذا َعل ٌّ‬ ‫يديهما‪َ ( ،‬فه َ‬ ‫َانصر َمن ن َ‬ ‫و ُ‬ ‫َص َره‪ ،‬وَاخذُل َمن َخ َذلَه)‪ ،‬هذا البالغ الذي قدَّ مه الرس�ول‬ ‫(صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) اس�تجاب ًة ألمر اهلل (س���بحانه وتعالى) في قوله‪:‬‬

‫َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ تَ‬ ‫َّ ّ َ‬ ‫َ ّ ْ َ ُ َ يَ ْ َ‬ ‫��الَهُ‬ ‫نزل إِلك مِن ربِك ِإَون لم تفعل فما بلغت ِرس‬ ‫}بلِ��غ ما أ ِ‬ ‫َ ُهّ َ ْ ُ َ‬ ‫��ك م َِن َّ‬ ‫صم‬ ‫اس{ [املائدة اآلية ‪ ]76‬يحم�ل مضمونًا مهمً ا ومبدً أ‬ ‫انل ِ‬ ‫والل يع ِ‬ ‫عظيمً �ا‪ ،‬ولي�س من املنط�ق نهائيًا أن تأتي اآلي�ة املباركة به�ذه اللغة القوية‪،‬‬ ‫به�ذا املنطق القوي‪ ،‬بهذا التعبير ال�ذي له مضمون يدل على أهمية كبيرة ملا‬

‫سيؤمر‪ ،‬أو ملا أُمر بتبليغه‪ ،‬ويتخذ الرسول (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) تلك‬ ‫اإلجراءات التي هي إجراءات اس�تنفار‪ ،‬وإجراءات فعَّ الة‪ ،‬تقدم بذاتها عن‬ ‫موضوع في غاية األهمية‪ ،‬ثم يقول هذا الكالم‪ ،‬ويقدمه بهذا التسلسل‪ ،‬ثم‬

‫تك�ون املس�ألة‪ :‬ال‪ ،‬موضوع طبيعي جدًّ ا‪ ،‬وليس ل�ه أي مضمون أو مدلول‬ ‫مهم‪ ،‬هذا ليس منطقيًا أبدً ا‪.‬‬

‫‪101‬‬

‫كما قلنا ه�ذا املبدأ العظيم‪ ،‬وهذا املوضوع امله�م يحتاج إلى أن يتعامل‬

‫معه اإلنسان بإيامن وتقوى‪ ،‬وتجرد من األهواء والعصبيات‪ ،‬تجرد تام‪} ،‬قل‬ ‫َ َ ُ ُ للِهَّ َ ْنىَ َ ُ َ َ ُ َّ َ َ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫إنم��ا أعظكم بواحدة أن تقوموا ِ مث وفرادى ثم تتفكروا{‬ ‫[س�بأ‪ :‬من اآلية ‪ ،]46‬أن يتجرد اإلنس�ان من كل األهواء والعصبيات؛ ألن املس�ألة‬ ‫ومحس�وب أهميته�ا بالن�ص القرآن�ي نفس�ه‪ ،‬بالبلاغ النب�وي ذاته‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مهم�ة‪،‬‬ ‫بالطريقة التي قدَّ م فيها الرسول (صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم) ذلك البالغ‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬ندخل إلى‬ ‫نص قرآنيٍ آخر له عالقة مهمة ً‬ ‫أيضا إلى ٍ‬ ‫ثم نأتي ً‬

‫لحديث أوسع‪ ،‬ثم نعود من جديد ‪-‬إن شاء اهلل‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‬ ‫ذلك النص‪ ،‬ثم نأتي ً‬

‫في آخر الحديث إلى نفس البالغ النبوي‪.‬‬

‫يوم كمال الدين‬ ‫هن�اك نص قرآني آخر‪ ،‬من املأثور عن رس�ول اهلل (صلى اهلل عليه وعلى‬

‫أيضا نزل ف�ي نفس اليوم‪( ،‬ي�وم الوالية) وله عالقة مباش�رة‬ ‫آل���ه وس���لم) أنه ً‬

‫يْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫وصل�ة تامة بذلك البالغ‪ ،‬هو قول اهلل (س���بحانه وتعالى)‪} :‬الوم أكملت‬ ‫ُ َ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ ُ ْ َ ُ ْ ََْ َ ْ ُ َ َْ ُ ْ ْ‬ ‫المَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اإلس‬ ‫لكم دِينكم وأتممت عليكم ن ِعم يِت ور ِ‬ ‫ضيت لكم ِ‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫دِينا{ [املائدة‪ :‬من اآلية ‪ ،]3‬هذه الفقرة القرآنية‪ ،‬هذا النص القرآني العظيم ً‬ ‫يْالَ ْومَ‬ ‫{‪ ،‬هجي تحكي عن مرحلة معينة‪ ،‬عن مناسبة‬ ‫له داللة مهمة جدًّ ا‪} ،‬‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ْ َْ‬ ‫واضح�ة‪} ،‬أكمل��ت لكم دِينك��م وأتمم��ت عليكم ن ِعم يِت‬ ‫ً‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ك ُم ْ َ َ‬ ‫ضيت ل‬ ‫اإلسالم دِينا{‪.‬‬ ‫َو َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪102‬‬

‫ه�ذا النص القرآن�ي يدل بكل وض�وح على أن اهلل (س���بحانه وتعالى) في‬

‫ذلك اليوم‪ ،‬وبامذا؟ بمجرد يوم هكذا دخل‪ ،‬كان اإلسالم عبارة عن مرحلة‬

‫زمنية معينة يحتاج إلى يوم إضافي واكتمل؟‪ .‬ال‪ ،‬اكتامل هذا الدين بشمولية‬ ‫م�ا تناوله من ش�ؤون حياتنا كبش�ر‪ ،‬حياة اإلنس�ان كإنس�ان‪ ،‬حي�اة املجتمع‬ ‫كمجتمع‪ ،‬كامل هذا الدين أن يكتمل فيام يش�مله ويتناوله من كل ما له صلة‬

‫بحياة هذا اإلنس�ان‪ ،‬مام تتعلق به مس�ؤوليات هذا اإلنس�ان‪ ،‬مام يترتب عليه‬ ‫فالح هذا اإلنسان أو خسرانه‪ ،‬هذا هو كامل الدين‪ ،‬كامل يتصل بواقع حياته‪،‬‬

‫بشؤون حياته‪ ،‬بمسؤولياته‪ ،‬بمستقبله‪ ،‬وعندما نأتي إلى هذا يعني‪ :‬أن الدين‬ ‫لم يترك ش�يئًا ذا أهمية من ش�ؤون هذا اإلنس�ان إال وتناوله من كبير األمور‬

‫وصغيرها‪ ،‬كل ش�يء مهم من واقع هذا اإلنس�ان‪ ،‬يحتاج فيه هذا اإلنس�ان‬ ‫إل�ى هداي�ة‪ ،‬يحتاج إلى توجيهات‪ ،‬إلى تعليامت من اهلل (س���بحانه وتعالى) إال‬

‫وتناوله‪.‬‬

‫الربط بم�صادر الهداية �أعظم نعمة على الب�شرية‬ ‫ََْ َ ْ ُ َ َْ ُ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫}وأتمم��ت عليكم ن ِعمت{‪ ،‬وما أعظم نعمة اإلسلام‪ ،‬ما أعظم‬

‫نعمة اإلسلام؛ ألنه دين اهلل‪ ،‬توجيهات اهلل وتش�ريعاته وتعليامته‪ ،‬التي أتت‬

‫م�ن منطلق رحمته‪ ،‬وهو أرح�م الراحمين‪ ،‬من منطلق حكمته‪ ،‬وهو أحكم‬

‫الحاكمي�ن‪ ،‬من منطلق علمه‪ ،‬وهو املحيط بكل ش�يء علام‪ ،‬والعليم الخبير‬ ‫بمصلحة هذا اإلنسان‪ ،‬وما يسعد هذا اإلنسان‪ ،‬وما يصلح حياة هذا اإلنسان‪،‬‬ ‫وهو الذي يريد الخير والسعادة والفالح لهذا اإلنسان‪ ،‬هو ربنا الرحيم بنا‪،‬‬ ‫‪103‬‬

‫(جل ش���أنه) من ال يمكن ألي طرف‬ ‫الكري�م‪ ،‬العظي�م‪ ،‬العلي‪ ،‬الحكيم‪ ،‬هو َّ‬ ‫وال ألي جه�ة أن يق�دم لنا في واقع حياتنا ال تعليامت‪ ،‬وال تش�ريعات‪ ،‬وال‬

‫توجيه�ات أه�دى‪ ،‬أو أرحم‪ ،‬أو أحكم‪ ،‬أو أنس�ب‪ ،‬أو أفض�ل‪ ،‬أو أرقى مام‬ ‫يأتين�ا من اهلل (س���بحانه وتعالى) وهو ربن�ا الذي له حق الربوبي�ة علينا‪ ،‬وعلينا‬

‫ح�ق العبودية له‪ ،‬نحن عبي�ده‪ ،‬يجب أن نكون في حياتنا هذه متجهين على‬ ‫وحكمه‪ ،‬وهذا‬ ‫أس�اس‪ :‬توجيهاته‪ ،‬وتعليامته‪ ،‬وإرشاداته‪ ،‬وش�رعه‪ ،‬وأمره‪ُ ،‬‬ ‫هو أس�اس الدين أصًل�اً ‪ ،‬الدين يمثِّل نعم� ًة عظيم ًة من اهلل (س���بحانه وتعالى)‬

‫وهو ينقذ هذا اإلنسان من االرتباط باملصادر األخرى‪ ،‬التي هي الطاغوت‪،‬‬

‫الطاغوت الذي يس�تعبد هذا اإلنسان ويس�تغل هذا اإلنسان‪ ،‬واإلنسان في‬ ‫واقع هذه الحياة إما أن يكون له عالقة وارتباط تام وتوجه على أساس دين‬ ‫اهلل وتعليامت�ه وتوجيهاته‪ ،‬فيكون عبدً ا هلل‪ ،‬متجهً ا على أس�اس هديه ونوره‪،‬‬ ‫ومرتبطً �ا بمص�ادر الهداي�ة من اهلل (س���بحانه وتعالى) وإما أن يك�ون في حال ٍة‬ ‫توجهه‪ ،‬تتحكم به‪ ،‬تس�تغله‪،‬‬ ‫أخ�رى هي ارتباط بمصادر أخرى تؤثِّر عليه‪ِّ ،‬‬

‫تس�تعبده‪ ،‬ال فكاك لإلنس�ان بي�ن أن يكون في اتجا ٍه م�ن هذين االتجاهين‬ ‫أبدً ا أبدً ا‪.‬‬

‫وعندما نأتي إلى هذا اإلسلام العظيم بنبيه وقرآنه‪ ،‬فإن النعمة هي‬

‫ه�ذه النعم�ة‪ ،‬ارتباطنا بمصادر الهداي�ة اإللهية‪ :‬القرآن‪ ،‬كت�اب اهلل‪ ،‬وحيه‪،‬‬

‫كلامت�ه‪ ،‬ن�وره‪ ،‬تعليامت�ه‪ ،‬توجيهات�ه‪ ،‬كلامت�ه التام�ة بالعدل والح�ق والخير‬

‫والرحمة والحقائق‪ ،‬ونبيه‪ ،‬رسوله‪ ،‬خاتم أنبيائه‪ ،‬محمد (صلى اهلل عليه وعلى‬ ‫أيضا صلة بيننا وبي�ن اهلل‪ ،‬تلقى هذا الن�ور‪ ،‬وأتى بهذا‬ ‫آل���ه وس���لم) الذي ه�و ً‬ ‫‪104‬‬

‫الوحي‪ ،‬أتى بهذا الهدى‪ ،‬بلَّغ هذه الرسالة‪ ،‬ثم كان هو أول املسلمين‪ ،‬وأول‬ ‫املصدِّ قين بهذا الحق‪ ،‬وأول وأعظم املتمسكين بهذا الهدى‪ ،‬وأعظم الخلق‬

‫عبودي ًة هلل والتزامًا بنهج اهلل (س���بحانه وتعالى) والق�دوة والقائد الذي يتحرك‬ ‫بنا بنا ًء على أساس هذا الهدى‪ ،‬يربي على أساسه‪ ،‬يهدي على أساسه‪ ،‬يقيم‬ ‫واقع الحياة بنا ًء على أساس هذا النور وهذا الهدى‪.‬‬

‫مص�ادر الهداي�ة‪ :‬الرس�ل واألنبياء صل�ة تصلنا ب�اهلل (س���بحانه وتعالى)‬

‫صل�ة موثوق�ة‪ ،‬صلة س�ليمة‪ ،‬صلة صادق�ة‪ ،‬يصل من خاللها إلين�ا نور اهلل‪،‬‬

‫هدي�ه‪ ،‬تعليامته‪ ،‬ن�وره؛ فنزكوا به�ذا الهدى‪ ،‬ونعتز به�ذا الهدى‪ ،‬ونتخلص‬

‫بهذا الهدى من كل أش�كال االس�تعباد واالستغالل من كل قوى الطاغوت‬ ‫وأدواتها املضلة‪.‬‬

‫الجاهلية هي حالة انف�صال عن م�صادر الهداية وارتباط بالطاغوت‬ ‫ولذلك نحن نلحظ وضعية ما قبل اإلسالم كيف هي‪ ،‬ما قبل مجيء‬

‫رس�ول اهلل ومج�يء القرآن كيف ه�و الوضع‪ ،‬كيف هي الحالة الس�ائدة في‬

‫واقع البش�ر‪ ،‬الحال�ة الخطيرة جدً ا‪ ،‬الحالة الجاهلي�ة‪ :‬هي حالة انفصال عن‬ ‫مص�ادر الهداي�ة‪ ،‬هذه حالة الجاهلية‪ :‬حالة انفصال ع�ن مصادر الهداية‪ ،‬ثم‬

‫يخضع اإلنسان في ظل هذه الحالة من االنفصال عن مصادر الهداية يخضع‬ ‫ف�ي توجهاته ف�ي الحياة‪ ،‬وانطالقته في واقع الحياة‪ ،‬ملا يأتيه من قبل آخرين‪،‬‬ ‫غير مص�ادر الهداية‪ ،‬قوى الطاغوت‪ ،‬القرآن يس�مي الجهات األخرى التي‬

‫يرتبط بها اإلنسان كبدائل عن مصادر الهداية‪ ،‬يسميها القرآن بالطاغوت‪.‬‬ ‫‪105‬‬

‫ما ذا يعني الطاغوت؟ وما هو دوره الخطير؟‬ ‫الطاغوت‪ :‬كل تلك الكيانات‪ ،‬أو األشخاص‪ ،‬إما كيان‪ ،‬وإما شخص‪،‬‬

‫وإما منهج يرتبط به اإلنسان كبديل عن مصادر الهداية‪ ،‬ثم يتأثر به‪ ،‬يسير في‬ ‫هذه الحياة على ضوء وعلى أس�اس ما يقدم إليه منه‪ ،‬تلك البدائل التي هي‬

‫الطاغوت ارتبط بها البش�ـر‪ ،‬وارتبطت بها املجتمعات البشرية‪ ،‬تأثرت بها‪،‬‬

‫تلق�ت منها‪ :‬املفاهيم‪ ،‬التصورات‪ ،‬األف�كار‪ ،‬وبنت على ذلك حياتها‪ ،‬بنت‬ ‫على أس�اس ذلك‪ :‬الحياة‪ ،‬املواقف‪ ،‬الس�لوكيات‪ ،‬التصرفات‪ ،‬التوجهات‪،‬‬ ‫ومن خالل ذلك يستغل هذا اإلنسان ويستعبد هذا اإلنسان‪.‬‬

‫مع أن قوى الطاغوت وهي تس�عى إلى التأثير على هذا اإلنسان‪،‬‬

‫التأثي�ر عليه في تفكيره‪ ،‬في أفكاره‪ ،‬ف�ي تصوراته‪ ،‬في عقائده‪ ،‬في املفاهيم‬

‫التي ينطلق على أساسها في هذه الحياة‪ ،‬فيام يعمل‪ ،‬وفيام يترك‪ ،‬وفي مواقفه‪،‬‬ ‫وف�ي والءاته‪ ،‬وفي عداواته‪ ،‬وفي مختل�ف تصرفاته في هذه الحياة‪ ،‬أحيانًا‬

‫حت�ى ق�د تتخاطب مع هذا اإلنس�ان حتى باس�م الدين‪ ،‬وق�د تنطق عن اهلل‬ ‫افترا ًء على اهلل وزورً ا على اهلل‪ ،‬لكي تقنع هذا اإلنسان؛ ألن قوى الطاغوت‬

‫هي تدرك أن هذا اإلنس�ان مفطورٌ من األساس على التدين‪ ،‬على معرفة أو‬ ‫استشعار أن عليه أن يعبد اهلل‪ ،‬أن يطيع اهلل‪ ،‬أن يلتزم بأمر اهلل‪ ،‬على أن يعيش‬ ‫عب�دً ا هلل‪ ،‬فتأت�ي قوى الطاغ�وت حتى في كثيرٍ‪ ،‬بل في أكث�ر األحوال‪ ،‬وفي‬

‫أكث�ر املجتمعات‪ ،‬وف�ي أكثر مراحل التاريخ‪ ،‬لتخدع هذا اإلنس�ان‪ ،‬وتضل‬ ‫هذا اإلنس�ان‪ ،‬وتس�تغل هذا اإلنس�ان‪ ،‬وتقنع ه�ذا اإلنس�ان بعقائد وأفكار‬ ‫‪106‬‬

‫وتصورات معين�ة‪ ،‬ومفاهيم معينة يبني عليها أعامل�ه واتجاهاته في الحياة‪،‬‬ ‫وتحسبها على اهلل (سبحانه وتعالى) وتعترف باهلل‪.‬‬

‫املجتم�ع الجاهل�ي يتصور البع�ض أنه كان مجتمعً �ا ينكر وجود‬

‫اهلل‪ ،‬ه�ذه صورة منتش�رة في ذهنية الكثير من الناس‪ ،‬ويتوقع عندما يس�مع‬ ‫بالكافري�ن‪ ،‬عندم�ا يتح�دث الق�رآن الكري�م ع�ن الكافري�ن ف�ي املجتمع‬ ‫الجاهلي‪ ،‬عن املش�ـركين في املجتمع الجاهل�ي‪ ،‬أنه كان مجتمعً ا منكرً ا هلل‬

‫من األس�اس‪ ،‬يعني‪ :‬مجتمعً ا ال يعترف بوجود ش�يء اسمه اهلل‪ .‬ال‪ ،‬املسألة‬ ‫ليست كذلك‪ ،‬إذا جئنا إلى ما يحدثنا به القرآن عن املجتمع الجاهلي الكافر‬

‫واملش�رك‪ ،‬واملرتبط بالطاغوت‪ ،‬والجاحد للرس�الة اإللهية‪ ،‬واملنكر للنبوة‪،‬‬ ‫والراف�ض تاممًا للرس�ول والق�رآن‪ ،‬هذا املجتم�ع يقول اهلل عنه ف�ي القرآن‬

‫َ َ َ َ تْ َ ُ َّ ْ َ َ َ ُ ْ يَ َ ُ ُ َّ هَّ‬ ‫ُ‬ ‫الكريم‪} :‬ولئِن سألهم من خلقهم لقولن الل{ [الزخرف‪ :‬من اآلية ‪،]87‬‬ ‫َ َ َ َ تْ َ ُ‬ ‫فهم معترفون باهلل‪ ،‬ومعترفون بأنه الخالق‪ ،‬أكثر من ذلك }ولئِن سألهم‬ ‫َّ ْ َ َ َ َّ َ َ َ لأْ َ ْ َ‬ ‫ات وا رض{ [العنكبوت‪ :‬من اآلية ‪ ،]61‬هذا العالم بسامواته‬ ‫من خلق السماو ِ‬ ‫يَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫وأرض�ه م�ن هو الخال�ق ل�ه؟ }لَ ُقول َّن هَّ ُ‬ ‫الل{‪ ،‬أكثر من ذل�ك }قل من‬ ‫َ ْ ُ ُ ُ ّ َ َّ َ ِ َ َ ْ َ َّ َ ْ ُ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫يرزقكم مِن السماء واألر ِض أمن يملِك السمع واألبصار ومن‬ ‫َ َُّ َ‬ ‫خُ ْ ُ ْ يَ َّ َ ْ َ ّ َ ُ ْ ُ ْ َ َّ َ‬ ‫األ ْمرَ‬ ‫ت م َِن الْ يَّ‬ ‫ح َومن يدب ِ ُر‬ ‫ت ويخ ِرج المي‬ ‫ي ِرج الح مِن الميِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫حْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ ُهّ َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ُ ُهّ ُّ ُ‬ ‫��يقولون الل فقل أفال تتقون ‪ 31‬فذلِك ُم الل َربك ُم الَق‬ ‫فس‬ ‫َ‬ ‫حْ‬ ‫ىَّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َْ َ َ ّ‬ ‫ُصرْ‬ ‫��ق إِال الضالل فأن ت َ فون‪[ {32‬يون�س]‪ ،‬فهم كانوا‬ ‫فماذا بعد ال ِ‬ ‫يعترفون باهلل أنه موجود‪ ،‬أنه الخالق‪ ،‬أنه الرازق‪ ،‬أنه مدبر شؤون الساموات‬ ‫‪107‬‬

‫واألرض‪ ،‬أن�ه من يخ�رج الحي من امليت ويخرج املي�ت من الحي‪ ،‬أنه من‬

‫يملك السمع واألبصار‪ ...‬هم يقرُّ ون بهذا كله‪ ،‬ويعترفون بهذا كله‪.‬‬

‫قوى الطاغوت وخداعها للنا�س‬ ‫وف�ي نف�س الوق�ت يحاولون أن يحس�بوا بقي�ة العقائ�د التي هي‬

‫خ�روج عن هذا اإلق�رار‪ ،‬وتنكر لهذا اإلقرار‪ ،‬يحاولون أن يحس�بوها على‬

‫َ َ ُ ُ ذَّ َ َ رْ َ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫اهلل (س���بحانه وتعالى) يقول اهلل عنهم‪} :‬س��يقول الِين أشكوا لو ش��اء‬ ‫يَ‬ ‫ُهّ َ َ رْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫الل م��ا أشكنا وال آباؤنا وال حرمنا مِن ش ٍء{ [األنعام‪ :‬من اآلية‪،]148‬‬

‫يحاولون أن يحس�بوا حتى عقيدة الش�رك‪ ،‬وهي أسوء عقيدة وأفظع عقيدة‬

‫يتنكر اإلنس�ان فيه�ا ألعظم مبدأ‪ ،‬وهو مبدأ التوحي�د‪ ،‬حتى في هذه الحالة‬ ‫يحاولون أن يحس�بوا هذه العقيدة على دين اهلل‪ ،‬وأن يشرعنوها ويحسبوها‬

‫كعقي�دة مق�رة ومعتب�رة في الدي�ن اإلله�ي‪ ،‬يحاول�ون أن يخدع�وا الناس‬

‫به�ذا‪ ،‬وإال لو جئن�ا ‪-‬مثلاً ‪ -‬إلى حكاية من أعج�ب الحكايات‪ ،‬من أغرب‬

‫الحكاي�ات ف�ي الواقع البش�ري‪ ،‬وه�ي‪ :‬حكاية عب�ادة األصن�ام الحجرية‬ ‫والخش�بية‪ ،‬وأي أصن�ام مصنوعة م�ن أي مواد أخرى‪ ،‬تل�ك األصنام التي‬ ‫كان�ت تصن�ع م�ن مادة معين�ة‪ ،‬م�ن الحجار‪ ،‬نحت�ت من الصخ�ور‪ ،‬أو من‬ ‫األخش�اب‪ ،‬أو من مواد أخرى‪ ،‬ثم إما تش�ترى‪ ،‬وإما تق�دم هدية بعد إكامل‬ ‫عملي�ة الصناعة لها‪ ،‬ثم تقدَّ م على أنها آلهة‪ ،‬ويطلب من الناس أن يعبدوها‬

‫وأن يعتبروها آل ًة مع اهلل‪ ،‬وأن يجعلوها شريكً ا هلل في امللك‪ ،‬وشريكً ا هلل في‬ ‫األمر‪ ،‬ويطلبون منها‪ :‬النصر‪ ،‬والرزق‪ ،‬والخير‪ ،‬ووو‪...‬الخ‪ .‬ويتقربون إليها‬ ‫‪108‬‬

‫بالعب�ادة بش�كل صريح‪ ،‬ولي�س إلزاميًا‪ ،‬هل كانت تل�ك األصنام الحجرية‬ ‫في نفس�ها وفي ذاته�ا ذات جاذبية‪ ،‬ذات تأثير‪ ،‬تس�تطيع أن تصنع قناعة في‬

‫الذهنية البشرية‪ ،‬في فكر الناس‪ ،‬في قلوبهم‪ ،‬وأن تجعلهم يعتقدون عقيدة‬

‫أنه�ا آلهة م�ع اهلل؟ ال‪ ،‬كان هناك من يأتي من واقع البش�ـر من يصنع عقيدة‬

‫كه�ذه‪ ،‬هو الصنم الحقيق�ي الذي يصنع عقيدة كتل�ك العقيدة‪ ،‬من يتمكن‬ ‫من خداع البش�ر وتضليلهم‪ ،‬من يصل به الحد في س�عيه إلقناعهم أن يقدم‬ ‫عقيدة كهذه‪ ،‬على أنها عقيدة أتت بمشيئة اهلل وبإذنه‪ ،‬وأنها من اهلل‪ ،‬وأن اهلل‬

‫يري�د منكم هكذا‪ ،‬فينطق عن اهلل بالزور‪ ،‬واالفتراء على اهلل‪ ،‬والكذب على‬

‫ُهّ َ َ رْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫اهلل‪ ،‬ث�م تأتي تبريرات كهذه }ل ْو ش��اء الل ما أشكنا وال آباؤنا وال‬ ‫َ ىَّ َ ُ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ش ٍء َك َذل َِك َك َّذ َب ذَّال َ‬ ‫َح َّر ْم َنا مِن يَ ْ‬ ‫ِين مِن قبلِ ِهم حت ذاقوا بأسنا‬ ‫َ ُ ّ ْ ْ َ ُ ْ ُ ُ لنَ‬ ‫َ َّ ُ َ َّ َّ‬ ‫ُْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫وه َا إِن تتبِعون إِال الظ َّن ِإَون‬ ‫قل هل عِندكم مِن عِل ٍم فتخ ِرج‬ ‫َ ُ ْ َّ خَ ْ ُ ُ َ‬ ‫أنتم إ َال ترصون{ [األنعام‪ :‬من اآلية‪.]148‬‬ ‫أيضا إلى بقية‬ ‫ليس على املس�توى العقائدي فحس�ب‪ ،‬تأتي املس�ألة ً‬

‫التفاصي�ل‪ ،‬إل�ى الحلال والحرام‪ ،‬فتصنَّف أش�ياء معينة عل�ى أنها حالل‪،‬‬

‫وتصنَّف أشياء معينة على أنها حرام‪ ،‬هذا في املجتمع الجاهلي‪ ،‬في املجتمع‬ ‫الجاهلي نفس�ه‪ ،‬وأش�ياء مهمة هي من الحالل تحرم‪ ،‬وأشياء محرمة ‪-‬في‬ ‫واقع الحال‪ -‬في دين اهلل يقدِّ مونها في قائمة الحالل‪ ،‬كل هذا يحسب على‬

‫م�ن‪ ،‬وكيف يقدَّ م للناس؟ وكيف تتمكن قوى الطاغوت التي تضل الناس‪،‬‬ ‫وتؤث�ر عليهم‪ ،‬وتحوِّ ل م�ا تقدِّ مه له�م كالتزامات دينية يلتزم�ون بها تدينًا‪،‬‬ ‫وتصبح جزءًا أساس�يًا في التزامات الناس ومامرساتهم الحياتية‪ ،‬وقناعاتهم‬ ‫‪109‬‬

‫التي يتش�بثون به�ا‪ ،‬ويتعصبون لها‪ ،‬ويغضبون من أجله�ا‪ ،‬بل ويقاتلون في‬

‫َ َ َُ ُ ْ‬ ‫كثي ٍر من األحيان من أجلها‪ ،‬ولذلك يقول اهلل (سبحانه وتعالى)‪} :‬وال تقولوا‬ ‫َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ َ ٌ َ َ َ َ َ ٌ َ ْ رَ ُ ْ‬ ‫صف أل ِس��نتكم الك ِذب هـذا حالل وهـذا حرام ّتِلفتوا‬ ‫ل ِما ت ِ‬ ‫لَىَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ذَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫رَ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫هّ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫لَىَ هّ‬ ‫ون{‬ ‫تون ع اللِ الك ِذب ال يفلِح‬ ‫ع اللِ الك ِذ َب إِن الِين يف‬ ‫ِب)‪ :‬يكذب�ون على اهلل‪ ،‬فيحرمون‬ ‫[النح�ل‪ :‬اآلي�ة‪ِّ ( ،]116‬ل َت ْفتَرُ و ْا عَ لَ�ى ال ّل ِه الْكَ ذ َ‬ ‫شيئًا ما‪ ،‬وعلى أساس أن يحسب هذا التحريم باسم أنه تحريم من اهلل‪ ،‬وفي‬

‫ش�رع اهلل‪ ،‬وفي دين اهلل‪ ،‬وأش�ياء تقدَّ م على أنها حالل‪ ،‬ويحس�ب هذا على‬ ‫ماذا؟ على دين اهلل‪ ،‬وباس�م دين اهلل‪ ،‬وباس�م ش�رع اهلل‪ ،‬يقال‪[ :‬ذاك حالل‪،‬‬

‫ُ ْ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ ُهّ َ ُ‬ ‫وذاك حرام]‪ ،‬يقول اهلل (سبحانه وتعالى)‪} :‬قل أرأيتم ما أنزل الل لكم‬ ‫ّ ْ َ َ َ ْ ُ ّ ْ ُ َ َ ً َ َ َ ً ُ ْ ُهّ َ َ َ ُ ْ َ ْ لَىَ‬ ‫ّ‬ ‫مِ��ن ِرز ٍق فجعلتم مِنه حراما وحالال قل آلل أذِن لكم أم ع‬ ‫هّ َ ْ رَ ُ َ‬ ‫تون{ [يونس‪ :‬اآلية‪.]59‬‬ ‫اللِ تف‬

‫فق�وى الطاغ�وت كانت تتخاطب م�ع الناس حتى باس�م الدين‪،‬‬

‫وكان�ت تأت�ي إلى كثي�ر من العقائ�د واألف�كار والتصورات فترس�خها في‬

‫أذه�ان الناس‪ ،‬وتتحول إلى عقائد يعتقد بها الن�اس‪ ،‬ويتعصب لها الناس‪،‬‬ ‫وبن�ا ًء على أنها دين يمثِّل دين اهلل‪ ،‬محس�وبة على اهلل (س���بحانه وتعالى) وهي‬ ‫افتراء على اهلل (سبحانه وتعالى)‪.‬‬

‫ثم في الحالل والحرام كذلك‪ :‬أش�ياء معينة يس�تحلها الناس‪ ،‬بنا ًء على‬

‫أنها من حالل اهلل‪ ،‬وأشياء معينة يحرمها الناس‪ ،‬بنا ًء على أن اهلل حرمها‪ ،‬واملسألة‬ ‫هناك وهناك‪ ،‬في العقائد وفيام قدم بصفة الحالل وبصفة الحرام افتراءات على‬ ‫‪110‬‬

‫اهلل‪ ،‬وادعاء كذب وبهتان على اهلل (سبحانه وتعالى) يقدم من جهات محترمة في‬

‫أوس�اط الناس‪ :‬زعامات‪ ،‬ش�خصيات تُقدم على أنها‪ :‬أحبار‪ ،‬رهبان‪ ،‬كهنة‪...‬‬ ‫صفات معينة‪ ،‬وشخصيات وازنة في املجتمع‪ ،‬يتأثر بها الناس‪ ،‬ويتقبلون منها‪،‬‬

‫ويتأثرون بها‪ ،‬وبام تقدمه إليهم محسوبًا على اهلل (سبحانه وتعالى)‪.‬‬

‫فاملس�ألة مس�ألة خطيرة جدًّ ا‪ ،‬حتى ‪-‬مثلاً ‪ -‬في قصة املس�جد الحرام‬

‫وش�عائر الحج‪ ،‬ش�عائر الحج كانت قائمة حتى في زمن املجتمع الجاهلي‪،‬‬

‫ف�ي املجتمع الجاهلي ش�عائر الح�ج كانت قائم�ة‪ ،‬منذ العه�د اإلبراهيمي‬ ‫توارثت األجيال الحج من بعد نبي اهلل إبراهيم (عليه الس�ل�ام) ولكن اختلط‬

‫في مش�اعر الح�ج الكثير من الخراف�ات واملخالفات والعقائ�د‪ ،‬حتى أنهم‬

‫أتوا إلى مكة‪ ،‬وحتى على سطح الكعبة بأصنام نصبت هناك‪ ،‬وشابت حتى‬ ‫األعامل وش�عائر الحج شوائب كثيرة جدًّ ا فيام يقولون‪ ،‬وفيام يعبِّرون‪ ،‬وفيام‬

‫يتصـرفون‪ ،‬مخالفة لدين اهلل‪ ،‬وحسبت على دين اهلل‪.‬‬

‫كان املش�ركون بأنفس�هم هم املس�يطرون عل�ى مكة‪ ،‬بما هم عليه‬

‫م�ن ش�رك وكفر‪ ،‬ب�كل م�ا لديه�م م�ن‪ :‬خراف�ات‪ ،‬وعقائد‪ ،‬وتص�ورات‪،‬‬ ‫واختلاالت‪ ،‬وتج�اوزات‪ ،‬وش�وائب دخل�ت ف�ي عملي�ة الح�ج بكله�ا‪،‬‬

‫يس�يطرون ويقدمون ذلك كواحدة من الوس�ائل التي يخادعون بها الناس‪،‬‬ ‫ب�ل يقدمون أنفس�هم أنهم من يعبِّ�رون هم عن الدين اإلله�ي‪ ،‬فتتجه إليهم‬

‫أنظ�ار القبائل العربية على أنه�م هم يمثِّلون الرمزي�ة الحقيقية لهذا الدين‪،‬‬ ‫ويتأث�رون بهم‪ ،‬فيصدرون الكثير من العقائد الباطلة‪ ،‬والتصورات الخاطئة‬

‫املحسوبة على دين اهلل (سبحانه وتعالى)‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫في ظل ذلك الوضع السيئ جدً ا‪ ،‬واملستمر إلى مرحلة متأخرة‪ ،‬مثلاً ‪:‬‬

‫منذ بعث رس�ول اهلل محمد (صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم) بالرسالة اإللهية‬

‫وحتى وفاته‪ ،‬على مدى عش�رين عامًا من مبعثه بالرسالة وحركته بالرسالة‪،‬‬ ‫على مدى عش�رين عامًا كانت ال تزال مكة تحت سيطرة املشركين‪ ،‬وكانوا‬ ‫ه�م الذي�ن يديرون ش�عائر الح�ج‪ ،‬وكان�وا هم م�ن يس�عون لتوظيف هذه‬ ‫الس�يطرة توظيفًا في عملية التضليل‪ ،‬وصنع قناعات باطلة‪ ،‬وتصدير عقائد‬

‫محس�وبة على اهلل وعلى دينه‪ ،‬وكذلك أحكام ش�رعية في الحالل والحرام‬ ‫وغير ذلك‪ ،‬لخداع املجتمع‪.‬‬

‫النتائج ال�سيئة عن االنف�صال عن م�صادر الهداية‬ ‫وإذً ا نأتي إلى أن أكبر مشكلة كانت هي انفصال الناس عن مصادر‬

‫الهداية الحقيقية‪ ،‬ثم عندما نأتي لتأمل تلك الوضعية السائدة‪ ،‬وضعية‬

‫يسيطر فيها الطاغوت‪ ،‬ويتحكم فيها الطاغوت‪ ،‬ويوظف كل العناوين‬ ‫الدينية ملصلحته‪ ،‬ما كان منها باسم عقائد‪ ،‬وما كان منها باسم تفاصيل‬

‫عملية وحرام وحالل‪ ،‬وما كان منها باس�م ش�عائر ومقدسات‪ ،‬تتحول‬ ‫هي كلها تحت التوظيف واالستغالل‪ ،‬كل هذا سنعود منه لنعرف أهمية‬

‫َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ تَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قول اهلل تعالى‪ِ} :‬إَون لم تفعل فما بلغت ِرساله{‪ ،‬سندرك من‬

‫هنا‪ ،‬يمكن لكل العناوين أن تكون حاضرة‪ ،‬ما كان باسم عقائد دينية‪،‬‬

‫وما كان باسم تفاصيل دينية‪ ،‬ويمكن لها كلها أن تدخل ضمنها الكثير‬ ‫من الشوائب‪ ،‬وتدخل فيها عملية االستغالل‪ ،‬والتزييف‪ ،‬والتحريف‪،‬‬ ‫‪112‬‬

‫تبق مرتبطة بمصادر الهداية‪.‬‬ ‫والخداع‪ ،‬والتضليل‪ ...‬إن لم َ‬

‫إن املجتم�ع الجاهلي لم تغب عنه مس�ميات الدين‪ ،‬ولم تغب عنه‬

‫مسألة ما يوصف بعقائد أو تدين‪ ،‬وما يوصف بحالل‪ ،‬وما يوصف بحرام‪،‬‬ ‫عناوي�ن حاض�رة في حياة الن�اس‪ ،‬وقائمة في واقع الن�اس‪ ،‬ولكن بتضليل‬ ‫كبير‪ ،‬وبخداع كثير‪ ،‬وباستغالل‪ ،‬وأصبحت كلها وسائل للسيطرة على هذا‬ ‫اإلنسان‪ ،‬واالستغالل لهذا اإلنسان‪.‬‬

‫ولذلك وصلت حالة املجتمعات البشرية إلى حالة مأساوية وفظيعة‬

‫جدًّ ا‪ ،‬ظلامت رهيبة أصبح يعيش�ها املجتمع البش�ري‪ ،‬ال ي�رى الحق‪ ،‬يقدم‬ ‫ل�ه الباطل حقً �ا‪ ،‬يقدم له الحرام حاللاً ‪ ،‬تقدم له عقائ�د في غاية االنحراف‬

‫لتك�ون دينًا يتدين بها ويتقرب بها‪ ،‬وينتظر من ورائها كل الخير‪ ،‬وتحس�ب‬ ‫ف�ي كثي� ٍر منها عل�ى من؟ تحس�ب زورً ا وافت�را ًء عل�ى اهلل (س���بحانه وتعالى)‬

‫وامتأل الواقع البش�ري في ظ�ل تلك الوضعية بالظلم والظالم واالس�تعباد‬ ‫واالستغالل‪ ،‬وهذا ما تحدث عنه القرآن الكريم كثيرً ا وكثيرً ا‪.‬‬

‫(((‬

‫نسأل اهلل (سبحانه وتعالى) أن يرحم شهداءنا األبرار‪ ،‬وأن يشفي جرحانا‪،‬‬

‫وأن يفرِّ ج عن أس�رانا‪ ،‬وأن ينصرن�ا بنصره‪ ،‬وأن يفصلنا عن التولي ألعدائه‬

‫من اليهود والنصارى‪ ،‬من املستكبرين من كل كيانات الطاغوت وعمالئهم‬

‫وأدواتهم‪ ،‬إنه سميع الدعاء‪.‬‬

‫•••‬

‫((( من محاضرة للسيد القائد بمناسبة الوالية لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪113‬‬

‫المحتويات‬ ‫الباب الأول‬ ‫الوالية الإلهية ال�شاملة ‪4. ................................................‬‬ ‫ماذا تعني الوالية؟ ‪4..............................................................‬‬ ‫والية اهلل في مدلولها ال�شامل ‪7.......................................................‬‬ ‫والية اهلل‪ ..‬بين النظرة ال�صحيحة والقا�صرة والخاطئة ‪9....................................‬‬ ‫الر�ؤية الكهنوتية للوالية الإلهية‪11.....................................................‬‬ ‫النظرة القر�آنية للوالية الإلهية ‪14.....................................................‬‬ ‫ر�سل اهلل‪ ..‬حَ مَلة م�شاعل النور للب�شرية ‪16...............................................‬‬ ‫والية الر�سل امتداد لوالية اهلل ‪18.....................................................‬‬ ‫والية الإمام علي امتداد لوالية النبي الأكرم ‪22............................................‬‬ ‫الدور المهم والمحوري للإمام علي ‪23...................................................‬‬

‫الباب الثاني‬ ‫�سنة اهلل في الهداية (منهج وقيادة) ‪26........................................‬‬ ‫اهلل هو من ير�سم لعباده الطريق ال�صحيح‪26...............................................‬‬ ‫قوى الطاغوت وم�ساعيها ال�شيطانية ‪32...................................................‬‬ ‫مبد�أ الوالية ال�ستمرار االت�صال بم�صادر الهداية ‪37..........................................‬‬ ‫البالغ يوم الغدير كان تتويج ًا لن�صو�ص كثيرة ‪39...........................................‬‬ ‫الطغاة وا�ستغالل العناوين الدينية ‪42...................................................‬‬ ‫نحن معنيون �أن نفهم من هو علي! ‪44....................................................‬‬ ‫الإمام علي منهج عملي ولي�س عنوا ًنا مذهبيًا! ‪46............................................‬‬ ‫المطلوب من كل م�سلم هو الت�سليم ‪47....................................................‬‬

‫الباب الثالث‬ ‫الإمام علي �أُ ِع َّد في م�سيرة حياته لهذا الدور ‪54..................................‬‬

‫الإمام علي نف�سه كان مهي�أ لهذا الدور ‪55.................................................‬‬ ‫بع�ض ما ورد في �أمير الم�ؤمنين (عليه ال�سالم) ‪58...........................................‬‬

‫(�أنت مني بمنزلة هارون من مو�سى)‪59...............................................‬‬ ‫الإمام علي امتداد للإ�سالم الأ�صيل ‪64...................................................‬‬ ‫(ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ضك �إال منافق) ‪65..........................................‬‬

‫‪114‬‬

‫حب الإمام علي ال�ضمانة الأ�سا�سية لمواجهة الزيف ‪69........................................‬‬ ‫حالة الفرز �سنة �إلهية‪72.............................................................‬‬ ‫�أ�صالة الإمام علي تك�شف حركة النفاق ‪75.................................................‬‬ ‫(يحب اهلل ور�سوله ويحبه اهلل ور�سوله) ‪77...............................................‬‬ ‫جانب من حياته الإيمانية الجهادية ‪78...................................................‬‬ ‫فدائي في الإ�سالم ‪83.............................................‬‬ ‫علي (عليه ال�سالم) �أول‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫علي (عليه ال�سالم) في بدر ‪85........................................................‬‬ ‫ٌ‬ ‫في �أُحُ د‪ :‬ال فتى �إال علي وال �سيف �إال ذو الفقار ‪86...........................................‬‬ ‫علي يوم الأحزاب ‪89...............................................................‬‬ ‫ٌ‬ ‫علي يوم خيبر ‪89.................................................................‬‬ ‫ً‬ ‫�شخ�صية متكاملة ‪90.............................................................‬‬ ‫كان‬ ‫�أعلم الأمة ‪90....................................................................‬‬ ‫الإ�سالم الأ�صيل منهج للخال�ص ‪92......................................................‬‬ ‫الأنظمة العميلة والموقف المخزي! ‪92..................................................‬‬ ‫الإيمان بمبد�أ الوالية‪ ..‬ما ذا يعني؟‪94..................................................‬‬

‫الباب الرابع‬ ‫الوالية الطاغوتية قدمت كبديل للوالية الإلهية ‪96...............................‬‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم في يوم الغدير حدد لنا م�صادر الهداية ‪96.....................‬‬ ‫الترتيبات الكبيرة للبالغ ال�ساخن ‪99....................................................‬‬ ‫الخطاب التاريخي العظيم وم�ضمونه المهم ‪101. ...........................................‬‬ ‫يوم كمال الدين ‪102. .............................................................‬‬ ‫الربط بم�صادر الهداية �أعظم نعمة على الب�شرية ‪103. ......................................‬‬ ‫الجاهلية هي حالة انف�صال عن م�صادر الهداية وارتباط بالطاغوت ‪105. ..........................‬‬ ‫ما ذا يعني الطاغوت؟ وما هو دوره الخطير؟‪106. ..........................................‬‬ ‫قوى الطاغوت وخداعها للنا�س ‪108. ...................................................‬‬ ‫النتائج ال�سيئة عن االنف�صال عن م�صادر الهداية ‪112. ......................................‬‬

‫‪115‬‬