أم الرشراش إيلات. موت أو حياة إسرائيل

146 98 8MB

Arabic Pages [161] Year 2012

Report DMCA / Copyright

DOWNLOAD FILE

أم الرشراش إيلات. موت أو حياة إسرائيل

Citation preview

‫�أم الر�شرا�ش «�إيالت»‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫�سرايا القد�س ‪ -‬االعالم الحربي‬

‫ق�سم الدرا�سات والتثقيف‬

k

‫‪V‬‬ ‫وها َقا ِئ َم ًة َعلَى �أ ُُ�صو ِل َها َف ِب ِ إ�ذ ِْن‬ ‫‪‬ما َق َط ْع ُتم ِّمن لِّي َن ٍة �أ َْو َت َركْ ُت ُم َ‬ ‫َ‬ ‫الل َِّه َو ِلي ْخزِ َي ا ْل َف ِ‬ ‫ين‬ ‫ا�س ِق َ‬ ‫ُ‬

‫‪C‬‬ ‫‪sS‬‬ ‫‪U‬‬

‫إهداء‬

‫� إلى مقاومي الغزو‪...‬‬

‫� إلى راف�ضي الظلم‪...‬‬ ‫� إلى الذين يعرفون معنى الأ مكنة ليعملوا‪...‬‬ ‫� إلى الذين ال يعرفون معنى الأ مكنة ليعرفوا �أو يعملوا‪...‬‬ ‫تحية � إكبار‬ ‫ودعاء باالنت�صار‬

‫ميناء ايالت «موت او حياة ا�سرائيل»‬

‫بن جوريون‬

‫علي ال�شبيبي‪« ،‬ال�صهيونية والبحر الأ حمر و� إفريقيا»‬ ‫مجلة فكر‪ ،‬ال�سنة ‪ ،14‬العدد‪� »1978« -22-12‬ص ‪57‬‬

‫هذا الكتاب‪:‬‬

‫‪V‬‬

‫لأ ول وهلة يت�ساءل القارئ –وخا�صة الفل�سطيني الذي �ألفت �أذناه �أ�سماء‬ ‫ع�شرات المدن والقرى والأ مكنة الفل�سطينية المغت�صبة والمختطفة والمحتلة‬ ‫والتي على و�شك �أن تعي�ش كل ذلك من الحاالت – لعنوان هذا الكتاب‪ ،‬لماذا‬ ‫� إيالت بالذات وبهذه الأ همية الحا�سمة في تحديد موت �أو حياة � إ�سرائيل كما‬ ‫يقول العنوان‪ ،‬وهي كلمة بالمنا�سبة لباني � إ�سرائيل الفعلي بن جوريون؟!‬ ‫لقد ربط بن جوريون بين مكان �صغير و�شبه مهجور من �أر�ض‬ ‫فل�سطين في الم�ساحة والبعد عن العين �أي�ضاً‪ ،‬وبين موت � إ�سرائيل‪ ،‬هذا‬ ‫الكيان اال�ستيطاني الذي �أقيم بالعنف على �أر�ض غيره‪ ،‬كما ربط من جهة‬ ‫�أخرى بين ذات المكان � إيالت وبين حياة � إ�سرائيل �أي�ضاً‪ ،‬كيان الم�شروع‬ ‫ال�صهيوني المدفوع والمندفع من قلب الغرب بقوة في كل االتجاهات‪ ،‬و� إلى‬ ‫� إفريقيا و�آ�سيا خا�صة بعد ا�ستقرار رمحه الحاد في قلب المنطقة فل�سطين‬ ‫والمنطقة العربية‪.‬‬ ‫�أمر الفت‪ ،‬كالم بن جوريون‪ ،‬لم يكن يتكلم عن التوراة وال عن‬ ‫التلمود‪ ،‬كان يتكلم عن الموقع وعن الجغرافيا وعن الجغرافية الأ كثر‬ ‫ارتباط ًا والأ كثر ملمو�سية �أي�ضاً‪ ،‬عن الجغرافيا اال�ستراتيجية‪ ،‬فلديه م�شروع‬ ‫هيمنة على المنطقة ونقطة ارتكازه فل�سطين‪ .‬وكانت ذات الجغرافية �أي�ض ًا‬ ‫حا�ضرة بذات القوة عند اختيارهم الأ ول لفل�سطين لتكون نقطة ارتكاز‬ ‫هذا الم�شروع‪ ،‬ولم تكن �أي�ض ًا حا�ضرة ال التوراة وال التلمود بل الجغرافية‪،‬‬

‫‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫جغرافية التو�سع والهيمنة فقط‪.‬‬ ‫يقول ناحوم جولدمان‪ ،‬رئي�س المنظمة ال�صهيونية العالمية‪« :‬وكان‬ ‫ممكن ًا لليهود �أن يح�صلوا على �أوغندا �أو مدغ�شقر �أو غيرهما‪ ،‬ولكن اليهود‬ ‫ال يريدون على الإطالق �سوى فل�سطين‪ ،‬وال لأ ن مياه البحر الميت ت�ستطيع‬ ‫�أن تعطي عن طريق التبخير ما قيمته خم�سة �آالف مليار دوالر من المعادن‬ ‫والأ مالح‪ ،‬وال لأ ن تربة فل�سطين الجوفية تحتوي على كميات من البترول تزيد‬ ‫على احتياطيه في الأ مريكيتين فح�سب‪ ،‬بل لأ ن فل�سطين هي ملتقى الطرق بين‬ ‫�أوروبا و�آ�سيا و� إفريقيا‪ ،‬ولأ نها المركز الحقيقي للقوة ال�سيا�سية العالمية»‪.‬‬ ‫لم ينظر اليهود القادمون � إلى فل�سطين عبر التاريخ فقط‪ ،‬فيمكن �أن‬ ‫ي�أتوا ويزوروا الأ ماكن التي يريدون ويرجعوا � إلى الأ ماكن ذاتها التي قدموا‬ ‫منها من وراء البحار‪ ،‬كما جرى عبر القرون‪ ،‬بل �أرادوا الجغرافية بالتحديد‪،‬‬ ‫�أرادوا الجغرافية اال�ستراتيجية بتحديد �أوفى‪� ،‬أرادوا المكان الذي ترتبط به‬ ‫وتت�سع منه وتتمدد دوائر النفوذ العالمي‪� ،‬أرادوا فل�سطين‪ .‬ولقد كانت «� إيلة» �أم‬ ‫الر�شرا�ش‪ ،‬التي لم يتجاوز موقعها في عرف المنطقة خالل الفترات ال�سابقة‬ ‫� إال محطة للحج‪ ،‬من م�صر خا�صة‪ � ،‬إلى مكة‪.‬‬ ‫� إيالت هذه البقة ال�صغيرة على خليج العقبة تغدو بعد احتاللها‬ ‫المريب المنفذ الوحيد للكيان الإ�سرائيلي الوليد‪ ،‬لتندفع منه �أذرع الإخطبوط‬ ‫الإ�سرائيلي � إلى �شواطئ ومدن وعوا�صم � إفريقيا و�آ�سيا‪ ،‬ولتت�سلل بدهاء في‬ ‫ن�سيج حياتها‪ ،‬ف�أوروا �سيا�سة واقت�صاد ًا ونفايات ال ت�أخذ �شيئ ًا من الكيان‬ ‫الإ�سرائيلي‪ ،‬بل تعطيه‪ ،‬فهي التي ولدته‪ .‬و�أوروا تحتاج � إلى الدور الوظيفي‬ ‫() خيري حماد‪« ،‬الطليعة» القاهرية‪ ،‬العدد (‪� ،1966 ،)5‬ص‪28‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪10‬‬

‫لهذا الكيان على �أرا�ضيها بل تريده خارجها في �آ�سيا و� إفريقيا‪ ،‬تنقل �أمرا�ضها‬ ‫وب�ضائعها ومخططاتها ونفوذها‪ ،‬وتتحمل �آثامها وتتخفى وراءها‪ ،‬فهي مهمة‬ ‫الكيان المر�سومة و�سبب قيامه‪ .‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬ف�إن كون هذا الكيان الوليد‬ ‫ال يعي�ش في جغرافية �أوروبا بل في جغرافية بالد ال�شام‪ ،‬جغرافية فل�سطين‬ ‫وم�صيره بال�ضرورة مرتبط بهذه الجغرافية‪ .‬وم�صير هذا الكيان موت ًا �أو حياة‬ ‫مرتبط بالبقة ال�صغيرة الم�سماة � إيالت‪.‬‬ ‫هذا ما يقوله بناة هذا الكيان وا�ستراتيجييه‪ ،‬وال يخفون ذلك ويجهرون‬ ‫به كتابة و�شفاهة‪ � .‬إال �أننا نحن الفل�سطينيون العاملون في ال�سيا�سة وغير‬ ‫العاملين‪ ،‬ع�سكريين ومدنيين ومثقفين وغير ذلك‪ ،‬وببالغ الأ �سف‪ ،‬والذي‬ ‫كلفنا هذا الأ �سف جهود ًا كثيرة وحياة الكثير من منا�ضلي ال�شعب الفل�سطيني‪،‬‬ ‫لم نقر أ� فل�سطين بالجغرافيا وبالذات الجغرافية اال�ستراتيجية‪ ،‬قر�أنا فل�سطين‬ ‫بالتاريخ فقط‪ ،‬ويا ليت قراءتنا لها كانت �أي�ض ًا م�ستوفية حتى في هذا الحقل‪.‬‬ ‫لم نر � إيالت كما هي‪ ،‬في واقعها وحقيقتها‪ ،‬في كتبنا الجغرافية وال‬ ‫�أدبياتنا الثورية‪ ،‬لم نرها في خرائطنا المدنية وال الع�سكرية‪ ،‬لم تذكر في‬ ‫�أهم الكتب التي �ألفت عن «جغرافية فل�سطين الع�سكرية» ب�أنها من المدن‬ ‫الفل�سطينية المهمة �أو الجديرة ب�أن يفرد لها و�ضع خا�ص‪.‬‬ ‫لم يوعز لمقاتلينا بالتوجه تجاه هذا الهدف � إال نادراً‪ ،‬ولم يكن هذا‬ ‫النادر مبني ًا على معرفة م�سبقة متينة بالموقع الح�سا�س لهذا الهدف‪ ،‬بل‬ ‫كان جر�أة وبطولة‪ ،‬فلم نبلور نظريتنا القتالية الخا�صة و� إال كنا قد اكت�شفنا‬ ‫الموقع الخا�ص والفريد لميناء � إيالت في العقل اال�ستراتيجي ال�صهيوني‪ .‬في‬ ‫الم�شروع ال�صهيوني كله‪ .‬و� إال كنا قد بنينا بال�ضرورة ا�ستراتيجيتنا للمواجهة‪،‬‬

‫‪11‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫�آخذين باالعتبار هذا الفهم‪ ،‬و�سيكون لهذا ت�أثير حا�سم على مجمل م�شروع‬ ‫كاف كيف تم اال�ستيالء على � إيالت‪،‬‬ ‫الغزو ال�صهيوني‪ .‬كما لم نتفح�ص بتركيز ٍ‬ ‫وتوقيت هذا اال�ستيالء‪ ،‬وكيف اقترف العدو ال�صهيوني مجزرة اغتيال المئات‬ ‫من الجنود العرب الم�صريين في تلك البقة من الأ ر�ض المباركة‪ ،‬غير مبالين‬ ‫بالتزام ه�ؤالء الجنود اتفاقية الهدنة �آنذاك‪.‬‬ ‫لقد كانت هناك نية وقرار بال�سيطرة على هذا الميناء‪ ،‬وهما كان الثمن‪،‬‬ ‫وفي مواجهة الجميع‪ ،‬العالم كله‪ ،‬فهم على وعي تام ب�أهمية موقعها الحا�سم في‬ ‫ا�ستراتيجيات الم�شروع ال�صهيوني‪ .‬ولم نتفح�ص �صلة الحروب المتكررة التي‬ ‫�شنها هذا العدو على م�صر ب�أن لها �صلة عميقة ب�إيالت‪ ،‬وب�أن ي�أخذ هذا المكان‬ ‫ال�ضيق والمعزول موقعه الحيوي في موقع «الرئة الوحيدة» في اال�ستراتيجية‬ ‫الإ�سرائيلية‪ ،‬باالندفاع � إلى البحر الميت‪ ،‬وتحويله � إلى بحيرة يهودية‪ ،‬ال كما هو‬ ‫في واقع �أمره بحيرة عربية‪ ،‬والخروج من باب المندب � إلى بحر العرب‪ � ،‬إلى‬ ‫المحيط الهادي ال�شا�سع‪ ،‬و� إلى � إفريقيا و�آ�سيا‪ ،‬وتلتف حول العالم الف�سيح‪.‬‬ ‫حق ًا لم نقم نحن �أهل فل�سطين وقوانا المقاومة خا�صة منذ انطالق‬ ‫الثورة الفل�سطينية المعا�صرة كما تقول �أدبياتنا وحتى الآن بالتعرف بدقة على‬ ‫� إيالت خارج عرفنا ال�سابق‪ .‬مجرد ا�ستراحة قوافل الحجيج‪.‬‬ ‫لم نقر أ� � إح�صاءات التجارة الخارجية للكيان الإ�سرائيلي تجاه � إفريقيا‬ ‫و�آ�سيا وال خطها البياني المت�صاعد وال تحركات �سفنها‪ .‬لم ندرك موقع هذا‬ ‫الميناء الحا�سم في م�ستقبل هذا الكيان‪ ،‬وال موقعه في نفاذ دور هذا الكيان‪،‬‬ ‫لم ندرك موقعها الحا�سم في �شبكة عالقات هذا العدو من االقت�صاد � إلى‬ ‫ال�سيا�سة وما بينهما مع هذه القارات ال�ضخمة والواعدة‪.‬‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪12‬‬

‫ولم ندرك �أخير ًا �أن كيان العدو يقوم على رجل واحدة هي � إيالت ال‬ ‫�أربعة‪ ،‬و�أن الكيان ال�صهيوني وهو يعلم �سقف � إدراكنا هذا‪ ،‬وما يمتلكه من قوة‬ ‫ردع يت�صوره كابح ًا لنا‪ ،‬لم يكن ينتابه القلق على الجوهرة الثمينة التي بين‬ ‫يديه‪ ،‬و� إن �أخذ القلق يت�سرب � إلى نف�سه �أخير ًا ب�أن الفل�سطيني الذي يتطلع حوله‬ ‫وفي ذاته بال ي�أ�س بحث ًا عن الجدوى والفاعلية‪� ،‬سيدرك و�سيعمل بالت�أكيد ولن‬ ‫تعجزه قوة الردع‪ ،‬بل �سيعمل جهده على �سلوك الطرق واتخاذ الو�سائل لتحييد‬ ‫هذا الردع و� إف�شاله‪.‬‬ ‫ف�إ�سرائيل‪ ،‬هذا الكيان الطفيلي الم�شوه‪ ،‬ثمرة الغزو الفظ‪ ،‬لي�س بالقوة‬ ‫التي يدعيها ويوهم بها‪ ،‬فهو الكيان الأ كثر اكتظاظ ًا بالتناق�ضات في العالم‬ ‫بتعدد مكوناته والمجلوبين � إليه من كل �أقطار العالم‪ ،‬وهو الكيان الأ كثر قابلية‬ ‫لالنجراح واال�ضمحالل‪ ،‬وفي � إيالت مدخ ًال م�ؤكد ًا لمفاقمة تناق�ضاته و�صو ًال‬ ‫� إلى تال�شيه‪ .‬ف� إيالت عقب «�أخيل» «� إ�سرائيل» وفي � إيالت فع ًال مقتله‪ .‬وهو‬ ‫�أمر ينبغي �أن تدركه و�أن تتحمل المقاومة العربية عامة والمقاومة الفل�سطينية‬ ‫خا�صة‪ ،‬مهمة التعاطي معه‪ ،‬وهي مهمة لي�ست بالم�ستحيلة بل ممكنة التحقق‪،‬‬ ‫فالمهم �أو ًال �ضرب نظام ال�سيطرة على الميناء ومنطقتها‪ ،‬وتحطيم ن�سق‬ ‫وروتين الحياة اليومية و� إ�شعار الم�ستوطنين الغزاة بفقدان الأ من ال�شخ�صي‪.‬‬ ‫لذا كان هذا الكتاب‪.‬‬ ‫ق�سم الدرا�سات والتثقيف‬ ‫() عقب �أخيل‪ :‬ورد الحديث الأ �سطوري في ملحمة الإلياذة لهوميرو�س عن �أن �أخيل ال يُقتل‬ ‫� إال في كعبه‪ ،‬لذلك تقول الأ �سطورة الإغريقية � إنه قتل ب�سهم �أ�صابه في كعب رجله‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪14‬‬

‫‪A‬‬ ‫تعطي الجغرافيا ال�سيا�سية �أرجحية للقوى البحرية �أو ذات الإطالالت‬ ‫البحرية على الدول القارية في ال�صراعات الدائرة على ال�صعيد الإقليمي‬ ‫�أو الدولي‪ ،‬وحتى لقابلية الدولة على اال�ستمرار والنمو والتقدم‪ ،‬وذلك وفق ًا‬ ‫لنظرية المفكر اال�ستراتيجي الأ ميركي �ألفردماهان (‪،)1914-1840‬‬ ‫الذي خ�ص الموقع الجغرافي للدولة ب�أهمية ق�صوى‪ ،‬كما يبدو من خالل‬ ‫الأ �سئلة المالزمة‪ :‬هل الدولة تطل على �أكثر من بحر؟ هل يوجد ات�صال‬ ‫�سهل بين هذه البحار؟‬ ‫هل للدولة حدود برية عر�ضة للخطر؟ هل ت�ستطيع الدولة �أن تتحكم‬ ‫في طرق تجارية هامة؟ هل ت�ستطيع الدولة �أن تتحكم في قواعد ا�ستراتيجية‪،‬‬ ‫ويمكن �أن تهدد النظام الإقليمي للعدو المنتظر؟‪ .‬كما تذهب المدر�سة‬ ‫الواقعية في ال�سيا�سة � إلى حد الت�أكيد على �أن الموقع الجغرافي هو المحدد‬ ‫لل�سيا�سة الخارجية للدولة �أية دولة‪ .‬تالقت هذه النظريات مع � إدراك‬ ‫القادة ال�سيا�سيين والع�سكريين ال�صهاينة لحراجة الموقع الجغرافي للكيان‬ ‫ال�صهيوني على �أر�ض فل�سطين كج�سم غريب‪ ،‬معزول ومحا�صر ومحاط‬ ‫ببيئة ترف�ض التعامل والتعاي�ش معه‪ ،‬الأ مر الذي جعل الهدف الأ �سا�سي‬ ‫للحركة ال�صهيونية‪ ،‬بعد � إقامة الكيان ال�صهيوني‪ ،‬الفكاك من الح�صار‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬محمد محمود � إبراهيم الذيب‪ ،‬الجغرافيا ال�سيا�سية‪ ،‬منظور معا�صر‪ ،‬مكتبة االنجلو‬ ‫م�صرية‪ ،‬ط‪� 2002 :5‬ص‪.798‬‬ ‫() د‪ .‬محمد زاهي المغيربي‪� ،‬صراع اال�ستراتيجيات في البحر الأ حمر‪ ،‬و�أثره على الأ من‬ ‫القومي العربي‪ ،‬مجلة �ش�ؤون عربية‪ ،‬العدد ‪ ،61‬حزيران ‪.1991‬‬

‫‪15‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫العربي ومحاولة التغلب عليه وتجاوزه‪ ،‬وذلك بال�سيطرة التامة والناجزة‬ ‫على الإطالالت البحرية لفل�سطين‪ .‬وقد ربطت بين هذه ال�سيطرة وبين‬ ‫قدرة الكيان ال�صهيوني على اال�ستمرار في الحياة‪ ،‬وكذلك نجاعة ت�أدية‬ ‫دوره الوظيفي العدواني في �سياق اال�ستراتيجيات اال�ستعمارية الكبرى �ضد‬ ‫الأ مة العربية ـ الإ�سالمية‪ .‬وهكذا �شيدت ال�صهيونية م�ستوطناتها الأ ولى في‬ ‫�صورة قالع وح�صون ذات اكتفاء ذاتي دفاعي � إلى حد ما‪ ،‬تكون بمثابة ر�أ�س‬ ‫ج�سر عميق داخل ج�سم البالد العربية‪ ،‬تحمي م�ؤخرتها المدن والقالع‬ ‫ال�ساحلية‪ ،‬التي يتدفق � إليها �أنواع المهاجرين والأ �سلحة الالزمة ال�ستكمال‬ ‫بناء مقومات الكيان وم�ساعدته في ت�أدية وظيفته العدوانية‪ .‬الالفت لالنتباه‬ ‫�أنه بعد �أن ا�ستتب ذلك لل�صهيونية‪ ،‬بادرت � إلى ال�سيطرة على الإطاللة‬ ‫البحرية الثانية لفل�سطين‪ ،‬على الرغم من محدودية هذه الإطاللة على مياه‬ ‫الخليج‪ � ،‬إذ ال ت�ساوي �سوى (‪ )9.5‬كم فقط من مجموع (‪ )27‬كم هي طول‬ ‫�ساحل العقبة‪ ،‬وهي قرية �أم الر�شرا�ش العربية (� إيالت)‪ .‬ويدل على هذه‬ ‫الحقيقة منطوق الأ مر الذي �أ�صدره قائد المنطقة الجنوبية في حرب العام‬ ‫‪ � 1948‬إيغال �آلون لال�ستيالء على بلدة �أم الر�شرا�ش‪« :‬الب ّد من ال�سيطرة‬ ‫على منطقة النقب ب�أكملها وخا�صة منطقة ر�أ�س النقب والو�صول � إلى �ساحل‬ ‫البحر الأ حمر وال�سيطرة على �أم الر�شرا�ش لن�صل � إلى منفذ بحري على‬ ‫البحر الأ حمر‪ ،‬ليكون لنا الرئة الثانية التي نتنف�س منها‪ ،‬ونطل بها على‬ ‫العالم ال�شرقي‪ ،‬ون�سي ّر من خالله �أ�ساطيلنا التجارية»‪ .‬ومنذ �أن ا�ستولى‬ ‫ال�صهاينة على �أم الر�شرا�ش (� إيالت) �أ�صبح البحر الأ حمر تدريجي ًا جزء ًا‬ ‫(‪ )3‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪16‬‬

‫من المجال الجغرافي ـ اال�ستراتيجي لل�صراع العربي ـ ال�صهيوني‪ .‬وفي‬ ‫ذلك يقول مو�شي دايان‪ �« :‬إنّ واحد ًا من �أهم ق�ضايا ال�صراع بين � إ�سرائيل‬ ‫وم�صر هي حرية المالحة الإ�سرائيلية في البحر الأ حمر»‪ .‬ق�صارى‬ ‫القول �أن احتالل �أم الر�شرا�ش في العا�شر من �آذار العام ‪� ،1949‬شكل ر�أ�س‬ ‫الج�سر المطلوب للوثوب � إلى عمق البحر الأ حمر‪ ،‬ومنه � إلى عمق القارة‬ ‫الإفريقية وال�شرق الأ ق�صى‪.‬‬ ‫ف�إذا كانت الواجهة البحرية على المتو�سط هي ن�سغ الحياة للكيان‬ ‫ال�صهيوني و�أ�سا�س وجوده‪ ،‬ف�إن الواجهة البحرية على البحر الأ حمر‪،‬‬ ‫� إيالت هي �أ�سا�س م�ستقبله‪ .‬ولي�س في ذلك �أدنى غرابة بالنظر � إلى قول بن‬ ‫غوريون �أن «م�ستقبل � إ�سرائيل منوط بعالقاتها االقت�صادية مع بالد افريقيا‬ ‫و�آ�سيا»‪.‬‬

‫(‪ )4‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪18‬‬

‫�أم الر�شرا�ش (�إيالت)‪:‬‬ ‫الموقع‪ ،‬التاريخ‪� ،‬إ�شكالية الملكية‬

‫‪19‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫‪20‬‬

‫موقع � إيالت‪ :‬نافذة «� إ�سرائيل» الوحيدة على البحر الأ حمر ذو الأ همية البالغة‬ ‫في � إطار ما يقال عنه ال�شرق الأ و�سط الكبير وال�شرق الأ و�سط المركزي‬

‫�أم الر�شرا�ش (�إيالت)‪:‬‬ ‫الموقع‪ ،‬التاريخ‪� ،‬إ�شكالية الملكية‬

‫(‪ )1‬الموقع‬ ‫هي منطقة �صحراوية قاحلة جد ًا تقع بين البحر الميت والبحر‬ ‫الأ حمر‪ ،‬وتتميز بقلة الأ مطار �شتاءً‪ ،‬و�شدة الحرارة �صيفاً‪ .‬وقد �أن�شئت في‬ ‫المناطق الم�سطحة فيها قرى جديدة ت�ستخدم �أحدث التكنولوجيا‪ ،‬الزراعية‬ ‫ال�شتوية التي ي�صدر مح�صولها ب�صورة مكثفة � إلى الأ �سواق الأ وربية‪ .‬وت�شكل‬ ‫جبال (� إيالت) الإ�صبع الجنوبي لمثلث النقب‪ ،‬وقمم هذه الجبال من مادة‬ ‫الغرانيت الحمراء والرمادية اللون‪ .‬وميناء � إيالت والمدينة يقطنهما‬ ‫حالياً(‪� )20‬ألف م�ستوطن �صهيوني‪ .‬يتميز الميناء بعمق مياهه‪ ،‬وي�ستخدم‬ ‫لل�شحن البحري الذي يربط الكيان ال�صهيوني بقارتي � إفريقيا و�آ�سيا‪ ،‬وهو‬ ‫الممر للج�سر البري‪ ،‬وخط النفط � إلى �أوروبا والبحر الأ بي�ض المتو�سط‪.‬‬ ‫وقد جعل طق�س � إيالت الدافئ �شتا ًء وتكاثر الأ �سماك فيها‪ ،‬وروعة‬ ‫�صخور المرجان التي تكثر في مياه � إيالت الدافئة‪ ،‬جعلت منها م�ستجم ًا‬ ‫رئي�سي ًا ومركز ًا لريا�ضة الغو�ص‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن مياهها تتمتع ب�شفافية كبيرة‬ ‫تعزى � إلى عدة عوامل قد يكون �أهمها قلة المواد العالقة في الماء و�ضعف‬ ‫التكوين الغذائي و�صفاء ال�سماء‪ ،‬وقلة الأ مطار‪ ،‬الأ مر الذي يقلل من جرف‬ ‫التربة ال�ساحلية � إلى البحر وي�ساهم في عدم تعكير المياه‪ .‬ويبدو �أن ذلك‬

‫‪21‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫من �أهم الأ �سباب الم�ؤدية لنمو الطبقات المرجانية ب�صورة مثلى في خليج‬ ‫العقبة‪ ،‬الذي يخترق ال�ضوء مياهه حتى عمق (‪70‬م)‪ ،‬وتقل �شدة الإ�ضاءة‬ ‫مع تزايد العمق وت�صل � إلى ‪ %1‬من قيمتها على ال�سطح عند عمق ‪100‬م‪،‬‬ ‫و‪ %0.02‬عند عمق ‪200‬م‪ .‬وقد ظل خليج العقبة تحت ال�سيادة العربية‬ ‫الكاملة � إلى �أن قام الكيان ال�صهيوني باحتالل �أم الر�شرا�ش وت�أ�سي�س ميناء‬ ‫� إيالت في العام ‪ .1951‬كما ظلت القوات الم�سلحة الم�صرية المتمركزة في‬ ‫�شرم ال�شيخ تحا�صرة حتى العام ‪ ،1956‬عندما �شنت دول العدوان الثالثي‬ ‫هجوم ًا على م�صر‪ ،‬ونتج عن ذلك العدوان تمركز قوات الطوارئ الدولية‬ ‫في �شرم ال�شيخ‪ ،‬وال�سماح لل�سفن ال�صهيونية و�سفن الدول الأ خرى بالمرور‬ ‫في خليج العقبة‪ ،‬حيث �أخذ ميناء � إيالت منذئذ يزدهر تدريجياً‪ ،‬وتجلى‬ ‫ازدهاره في تطور ونمو مدينة � إيالت �سكان ًا وعمراناً‪ ،‬وبد أ� ميناء � إيالت‬ ‫يقوم بدوري حيوي في تجارة الكيان ال�صهيوني الخارجية منذ العام ‪،1965‬‬ ‫وبخا�صة مع دول �شرقي افريقيا و�شرق �آ�سيا وا�ستراليا‪ .‬وتم ربط � إيالت‬ ‫بمدينة بئر ال�سبع ومينائي �أ�سدود وع�سقالن على البحر الأ بي�ض المتو�سط‬ ‫بطريق رئي�سية معبدة تخترق منطقة النقب‪ .‬وتنتقل الب�ضائع على هذا‬ ‫الطريق بال�شاحنات ال�ضخمة‪ ،‬كما تمّ ربط � إيالت بمن�ش�آت البوتا�س في‬ ‫�أ�سدود وبمركز المفاعل النووي في ديمونا بطريق رئي�سية معبدة �أخرى‬ ‫تخترق وادي عربة‪ .‬كذلك ترتبط بمناجم الفو�سفات في النقب بطريق‬ ‫متفرعة من طريق � إيالت ـ بئر ال�سبع‪ .‬وهناك خطان من �أنابيب النفط‬ ‫ي�صالن بين � إيالت وكل من حيفا وع�سقالن‪� .‬أما �أهم �صادرات الكيان‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪(5) www.hqozeej:dvd4arab.com‬‬

‫‪22‬‬

‫ال�صهيوني عبر � إيالت فهي‪ :‬البوتا�س والفو�سفات والإ�سمنت والنحا�س‪،‬‬ ‫والمن�سوجات والمبيدات والحم�ضيات‪ .‬تقدر م�ساهمة ميناء � إيالت بـ ‪%7‬‬ ‫من مجموع النقل البحري للكيان ال�صهيوني‪ ،‬ح�سب تقديرات العام ‪.1981‬‬ ‫وفي � إيالت مطار هو الثاني بعد مطار اللد‪ .‬تجدر الإ�شارة �أن لإيالت‬ ‫مرف�أين واحد مدني و�آخر ع�سكري‪ � ،‬إ�ضافة � إلى عدد من الم�صانع كم�صنع‬ ‫قطع الأ حجار و�صقلها‪ ،‬وم�صنع �صقل الما�س‪ ،‬وم�صنع الج�ص‪ ،‬وم�صانع‬ ‫لتعليب الأ �سماك‪ ،‬وم�صنع للنحا�س‪ ،‬ومعمل الحياكة الملبو�سات‪ ،‬ومعمل‬ ‫لتعقيم الحليب‪ ،‬كما يوجد م�صفاة للنفط‪ ،‬ومحطة لتقطير المياه تنتج �أكثر‬ ‫من مليون غالون ماء يومي ًا ل�سد حاجة المدينة من المياه‪ ،‬ومحطة للقوة‬ ‫الكهربائية � إ�ضافة � إلى مركز تجاري وترفيهي و�سياحي‪.‬‬ ‫يعود غالبية ال�صهاينة الم�ستوطنين في � إيالت في �أ�صولهم � إلى‬ ‫�شمال افريقيا والمجر وبولندة ورومانيا وهولندةومع مطلع القرن‬ ‫الحادي والع�شرين فقدت � إيالت جاذبيتها ال�سياحية‪ ،‬تحت وط�أة مناف�سة‬ ‫�شرم ال�شيخ‪.‬‬

‫(‪� )6‬شبكة فل�سطين للحوار‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪24‬‬

‫(‪ )2‬التاريخ‬ ‫� إيالت هو ا�سم المدينة الإيدومية القديمة التي كانت تقع على الخليج‬ ‫قرب مدينة العقبة الحالية‪ .‬وقد ذكرتها التوراة في �سياق حديثها عن تيه‬ ‫بني � إ�سرائيل‪ ،‬فقالت � إنهم مروا بها عند خروجهم من م�صر (القرن الرابع‬ ‫ع�شر �أو الثالث ع�شر قبل الميالد)‪ .‬في ذلك الوقت كان الإيدوميون الذين‬ ‫تعود �أ�صولهم � إلى �شبه الجزيرة العربية‪� ،‬أ�صحاب ال�سيادة على هذه المنطقة‬ ‫الممتدة من البحر الميت � إلى خليج العقبة وقد ا�شتهرت بالد الإيدوميين‬ ‫هذه بثروتها المعدنية وبموقعها التجاري‪ ،‬مما جعلها ملتقى طرق التجارة‬ ‫بين الجزيرة العربية وم�صر وال�شام والبحر الأ بي�ض المتو�سط‪.‬‬ ‫كما دلّت النقو�ش على �أن الم�صريين القدماء قاموا با�ستغالل‬ ‫مناجم النحا�س والحديد‪ ،‬والمنغنيز التي كانت تمتد من �شمال وادي عربة‬ ‫� إلى خليج العقبة في �أوائل الأ لف الثاني قبل الميالد‪.‬‬ ‫وب�سبب ثروة � إيدوم وازدهارها وفق الرواية التوراتية‪ ،‬ف� إن الملك‬ ‫داوود �شن حرب ًا عليها‪� ،‬أدت � إلى انت�صاره وتحكمه في ر�ؤو�س الخليج‪ ،‬وفي‬ ‫�أوا�سط القرن العا�شر قبل الميالد �أن� أش� ابنه الملك �سليمان مدينة (ع�صيون‬ ‫جابر) وا�ستخدمها ميناء له على البحر الأ حمر للإ تجار مع جنوب الجزيرة‬ ‫العربية و�شرق �أفريقيا‪ .‬وقد دلّت الحفريات التي قام االركولوجيان نل�سون‬ ‫غلوك وفريتز فرانك في تل الخليفة الذي يقع على م�سافة ثالثة �أميال � إلى‬ ‫ال�شمال الغربي من مدينة العقبة الحالية‪ ،‬على �أن التل هو موقع (عت�صيون‬ ‫جابر) و� إيالت القديمة‪ ،‬و�أن الموقع كانت ت�شغله م�ستوطنة ح�صينة تحيط‬

‫‪25‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫بها �أ�سوار قوية بين القرن العا�شر والقرن الرابع ع�شر قبل الميالد‪ ،‬لكن‬ ‫بع�ض العلماء يعتقدون �أن (ع�صيون جابر) و� إيالت لم ت�شغال الموقع نف�سه‪،‬‬ ‫و� إنما كانتا مدينتين متجاورتين‪ ،‬كما دلّت الحفريات كذلك على �أنه كانت‬ ‫(لع�صيون جابر) تجارة ن�شيطة مع المعينيين في جنوب جزيرة العرب‪.‬‬ ‫جاء في العهد القديم‪� ،‬سفر الملوك الأ ول‪ ،‬الإ�صحاح ‪« 26‬وعمل الملك‬ ‫�سليمان �سفن ًا في ع�صيون جابر التي بجانب �أيلة على �شاطئ بحر �سوف‬ ‫في �أر�ض �أدوم» و�أيلة تلفظ في العبرية الحديثة «� إيالت»‪ .‬ويبدو �أن حروب‬ ‫اليهود مع الإيدوميين قد ا�ستمرت ع�شرات ال�سنين‪ � ،‬إال �أنهم ا�ضطروا‬ ‫(اليهود) في النهاية � إلى االن�سحاب نهائي ًا من (ع�صيون جابر) ومنطقة‬ ‫خليج العقبة كلها في عهد الملك �آحاز (‪715-735‬ق‪.‬م)‪ .‬ظل الإيدوميون‬ ‫في � إيالت بعد ذلك قرابة ثالثة قرون � إال �أن احتلها الأ نباط‪ ،‬ربما في القرن‬ ‫الرابع قبل الميالد‪ ،‬و�أ�صبحت (�أيلة) ميناء الأ نباط على البحر الأ حمر‪،‬‬ ‫والأ نباط هم �أول من ا�ستعمل ا�سم «�أيلة» الم�شتق من ا�سم «� إيالت» اال�سم‬ ‫الإيدومي القديم‪ .‬وقد نقل الأ نباط �أيلة من موقعها القديم قرابة ثالثة‬ ‫�أميال باتجاه الجنوب ال�شرقي � إلى حيث تقع مدينة العقبة الحالية الآن‪.‬‬ ‫وازدهرت �أيلة ازدهار ًا كبير ًا مع ازدهار دولة الأ نباط االقت�صادي‪ ،‬لأ نها‬ ‫كانت هي والبتراء عا�صمتهم تقعان على خطين هامين من خطوط التجارة‬ ‫العالمية �آنذاك بين ال�شام وجنوب الجزيرة العربية و�آ�سيا من جهة‪ ،‬وبين‬ ‫ال�شام وم�صر من جهة �أخرى‪ .‬وكانت هناك طرق تجارية هامة ت�صل بين‬ ‫�أيلة وغزة‪ .‬وفي �أثناء حكم البطالمة �أ�صبح ا�سمها «بيرينكة»‪ ،‬لكنها ظلت‬ ‫تتمتع بمركز تجاري هام مع �شرق افريقيا وجنوب جزيرة العرب‪ .‬وفي �سنة‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪26‬‬

‫(‪ )106‬ق‪.‬م تمكن االمبراطور الروماني تراجان من قهر الأ نباط‪ ،‬واحتل‬ ‫البتراء و�أيلة‪ ،‬وبنى طريق ًا تبد أ� من �أيلة وتنتهي بدم�شق‪ ،‬وبذلك �أ�صبحت‬ ‫بالد الأ نباط والية رومانية �أطلق عليها ا�سم بروفن�سيا �أرابيا (الوالية‬ ‫العربية)‪ ،‬و�أ�صبحت �أيلة مقر ًا للفرقة الرومانية العا�شرة‪ ،‬حيث غدت‬ ‫ح�صن ًا ع�سكري ًا جنوب فل�سطين‪.‬‬ ‫وفي عهد البيزنطيين احتفظت �أيلة بمكانتها التجارية‪ ،‬فكان ينقل‬ ‫عبرها الحرير والتوابل � إما � إلى بالد اليونان عن طريق غزة و� إما من و� إلى‬ ‫مدن ال�شمال في �سورية‪ .‬وفي �سنة ‪325‬م‪� ،‬أ�صبحت �أيلة مركز ًا لأ �سقفية‬ ‫كان بع�ض �أ�ساقفتها من العرب‪ .‬وفي الفترة التي �سبقت ظهور الإ�سالم‬ ‫حكمها ملوك الغ�سا�سنة با�سم الدولة البيزنطية‪ .‬وخالل التاريخ الإ�سالمي‬ ‫ظهر ا�سم �أيلة لأ ول مرة في العام الهجري التا�سع الموافق لعام ‪630‬م‪.‬‬ ‫فعندما و�صل الر�سول الأ كرم (�ص) � إلى تبوك في تلك ال�سنة قدم يوحنا‬ ‫بن ر�ؤبة مطران �أيلة على النبي (�ص) ف�صالحه الر�سول على الجزية‪،‬‬ ‫وا�شترط عليهم � إكرام من م ّر بهم من الم�سلمين‪ ،‬وكتب لهم كتاب ًا �أن‬ ‫يحفظوا ويمنعوا‪�« :‬أن ال يحل �أن يمنعوا ماء يردونه وال طريق ًا يريدونه من‬ ‫بر �أو بحر»‪ ،‬و�أهدى يوحنا � إلى النبي (�ص) بغلة بي�ضاء‪ ،‬و�أهدى النبي � إليه‬ ‫بردة من بروده‪ .‬وعندما زار الخليفة عمر بن الخطاب ال�شام بعد طاعون‬ ‫عموا�س خرج للقائه ب�أيلة جمهور كبير من النا�س‪ .‬وق�ضى ليلة في �ضيافة‬ ‫مطران البلدة‪ .‬ومنذ بداية العهد الإ�سالمي �أ�صبحت �أيلة ملتقى الحجيج‬ ‫الم�صري وال�شامي وانتع�شت التجارة فيها‪ .‬وكان بها في العهد الإ�سالمي‬ ‫وبعده قوم يذكرون �أنهم من موالي الخليفة عثمان بن عفان‪ ،‬وكانوا �سقاة‬

‫‪27‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الحجج‪ .‬وفي عام ‪ 191‬هجرية في خالفة هارون الر�شيد امتنع �أهل �أيلة‬ ‫بقيادة �أبي النداء عن دفع ال�ضرائب‪ ،‬وتمردوا على الحكومة العبا�سية‬ ‫فبعث � إليهم الر�شيد بجنوده فظفروا به و�أر�سل �أبو النداء � إلى بغداد حيث‬ ‫قتل‪ .‬وفي القرن الثالث الهجري �أ�صبحت �أيلة تحت حكم الطولونيين‪ .‬وذكر‬ ‫�أن خماروية (توفي ‪ 282‬هجري‪896/‬م) عبّد طريقها ورمم الجبل العالي‬ ‫«ذا العقبة» الواقع � إزاءها لي�سهل و�صول القادمين � إلى المدينة‪ .‬وفي القرن‬ ‫الخام�س الهجري �أ�صيبت �أيلة بنكبتين‪ .‬ففي �سنة (‪ )415‬هجري ـ ‪1025‬م‪،‬‬ ‫نهبها عبد اهلل بن � إدري�س الجعفري مع جماعة من بني الجرّاح‪ .‬وفي �سنة‬ ‫‪ 465‬هجري ‪ 1073-1072/‬حدثت في البالد زلزلة هائلة �أهلكت �أيلة ومن‬ ‫فيها‪ .‬وقد جلبت فترة حكم الفرنجة � إلى �أيلة الكثير من الم�صائب التي �أدت‬ ‫� إلى تدمير ق�سم كبير من المدينة‪ .‬ففي �سنة ‪ 509‬هجري‪ 1116/‬ميالدي‬ ‫احتل بلدوين الأ ول ملك القد�س مدينة �أيلة و�ضمها � إلى بارونية الكرك‬ ‫التابعة لمملكة القد�س‪ .‬وحاول الفرنجة ا�ستغالل موقعها الع�سكري ليمنعوا‬ ‫االت�صال بين ال�شام وم�صر والحجار و�أن�ش�أوا لهذه الغاية ح�صن ًا على‬ ‫جزيرة فرعون المجاورة لل�شاطئ‪ ،‬وبنوا �أ�سطو ًال في العقبة �أبحر عام ‪555‬‬ ‫هجري‪ 1160 /‬ميالدي‪ .‬وفي �سنة ‪ 566‬هجري‪ 117/‬ميالدي تمكن �صالح‬ ‫الدين الأ يوبي من ا�سترداد �أيلة بعد معركة برية وبحرية‪ ،‬لكن رينيه دي‬ ‫�شاتون �أمير الكرك �أعاد الحق ًا احتاللها‪ ،‬و� إن لفترة ق�صيرة‪ ،‬عام ‪578‬هـ ـ‬ ‫‪579‬هـ‪1183/1182/‬م‪ ،‬وذلك في �سياق حملته �ضد الأ ماكن المقد�سة في‬ ‫الحجاز‪ .‬وكان قد بنى ال�سفن في ع�سقالن ونقلها � إلى �أيلة و�شرع يهاجم‬ ‫�سفن الم�سلمين في البحر الأ حمر‪ .‬بيد �أن ح�سام ل�ؤل�ؤ‪� ،‬أحد قادة �صالح‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪28‬‬

‫الدين دم ّر �أ�سطول رينو �سنة ‪579‬هـ‪1183/‬م‪ ،‬وعادت �أيلة � إلى �أ�صحابها‪.‬‬ ‫لكن الفرنجة عادوا � إلى �أيلة مرة �أخرى وا�سترجعها منهم نهائي ًا ال�سلطان‬ ‫الظاهر بيبر�س على ‪665‬هـ‪1267/‬م‪ ،‬غير �أن المدينة كانت خراباً‪ .‬وبزوال‬ ‫خطر الإفرنج عادت �أيلة ملتقى للحجاج القادمين من م�صر وال�شام‪.‬‬ ‫في �أوائل القرن العا�شر الهجري‪/‬ال�ساد�س ع�شر الميالدي بنى ال�سلطان‬ ‫قان�صو الغوري ‪922-96‬هـ‪1522-1501/‬م قلعة على �شاطئ �أيلة رممها‬ ‫فيما بعد ال�سلطان العثماني مراد الثالث �سنة ‪966‬هـ‪1596/‬م‪ .‬وكان هناك‬ ‫قبل هذه القلعة قلعة �أخرى بناها الفرنجة على الأ رجح �سنة ‪� 578‬أو �سنة‬ ‫‪579‬هـ‪1183-1182/‬م‪ ،‬ولم يعد لها من �أثر اليوم‪.‬‬ ‫�أ�صبحت �أيلة ابتدا ًء من القرن ال�ساد�س ع�شر الميالدي تدعى‬ ‫با�سمها الجديد (العقبة) وهذا اال�سم �أي عقبة �أيلة قد �أطلق على المدينة‬ ‫من القرن الرابع ع�شر الميالدي حتى القرن ال�ساد�س ع�شر‪ ،‬حيث �أ�سقطت‬ ‫كلمة �أيلة واقت�صر اال�سم على العقبة‪ .‬ومع هزيمة الدولة العثمانية‬ ‫وتفككها في �أعقاب الحرب العالمية الأ ولى‪ ،‬وقعت �أم الر�شرا�ش‪� ،‬ش�أنها‬ ‫�ش�أن بقية �أر�ض فل�سطين‪ ،‬تحت وط�أة االنتداب البريطاني‪ ،‬حيث �أقام فيها‬ ‫البريطانيون مركز ًا لل�شرطة‪ ،‬ومع �صدور قرار التق�سيم‪ ،‬وفي نهاية حرب‬ ‫‪ 1948‬تقدمت � إليها قوات من الجي�ش الأ ردني مالبثت �أن ان�سحبت من‬ ‫�أمام الجي�ش ال�صهيوني المتقدم � إلى � إيالت من غير قتال‪ ،‬وذلك بناء على‬ ‫تعليمات الجنرال غلوب با�شا قائد الجي�ش الأ ردني‪.‬‬ ‫‪(7) www.eqyptianoasis.net/forums/..d.php27-p=123537‬‬

‫‪29‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪30‬‬

‫(‪� )3‬إ�شكالية الملكية‬ ‫ال�س�ؤال حول ملكية �أم الر�شرا�ش (� إيالت) هل هي م�صرية �أم‬ ‫فل�سطينية؟ بات عنوان ًا لتجاذب �سيا�سي حاد بين الحكومة الم�صرية‬ ‫التي ترى �أن � إيالت لي�ست م�صرية‪ ،‬وبين المجتمع الأ هلي الم�صري الذي‬ ‫ي�ؤكد على م�صرية � إيالت‪ .‬وقد �أ�س�ست لغاية ا�ستعادتها‪ ،‬منذ خم�س ع�شرة‬ ‫عاماً‪ ،‬منظمة ت�ضم مثقفين وم�س�ؤولين �سابقين كبار ًا ور�ؤ�ساء �أحزاب‪،‬‬ ‫من �أبرزهم الفريق �سعد الدين ال�شاذلي قائد القوات الم�صرية في حرب‬ ‫ت�شرين العام ‪ ،1973‬تدعى الجبهة ال�شعبية ال�ستعادة �أم الر�شرا�ش‪ .‬تقول‬ ‫الجبهة �أن لديها وثائق تاريخية تدعم الحق الم�صري في �أم الر�شرا�ش‪،‬‬ ‫كما �أ�صدرت �صحيفة خا�صة تحمل ا�سم «�أم الر�شرا�ش»‪ ،‬وعقدت م�ؤتمرات‬ ‫وندوات �أي�ض ًا لذات الغاية‪ ،‬من بينها الم�ؤتمر القومي الأ ول في ‪،1999/9/9‬‬ ‫الذي �ضم خبراء ا�ستراتيجيين‪ ،‬مثل اللواء �صالح الدين �سليم واللواء‬ ‫طلعت م�سلم و�شخ�صيات برلمانية و�سيا�سية‪� ،‬أقرت جميع ًا حق م�صر في‬ ‫� إيالت‪ .‬م�ؤ�س�س الجبهة ال�سيد محمد الدريني‪� ،‬أو�ضح �أنهم (في الجبهة)‬ ‫عثروا على وثائق تدل على قيود وممتلكات و�أرا�ضي خا�صة بالم�صريين في‬ ‫� إيالت‪ ،‬وكذلك على خرائط تاريخية‪ ،‬و�أنّ لديهم نحو (‪ )7500‬وثيقة من‬ ‫كافة القوى ال�سيا�سية والأ منية تدعم دعوة ا�ستعادة هذا الجزء الم�صري‪.‬‬ ‫اللواء �صالح الدين �سليم قال في � إحدى ندواته «�أن هناك �أر�ض ًا م�صرية‬ ‫مازالت محتلة‪ ،‬وهي منطقة �أو قرية ت�سمى �أم الر�شرا�ش»‪ ،‬وذكر اللواء‬ ‫عدد ًا من الأ دلة التاريخية التي ت�ؤكد على م�صرية � إيالت منها على �سبيل‬

‫‪31‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫المثال وجود ا�ستراحة للملك فاروق هناك‪� .‬أما الم�ست�شار ح�سن �أحمد عمر‬ ‫فقال‪ � :‬إن الت�ضليل «الإ�سرائيلي» بغر�ض � إثبات حقوق لـ «� إ�سرائيل» بمثلث‬ ‫�أم الر�شرا�ش تبدده ن�صو�ص الحكم الدولي الذي �صدر ل�صالح م�صر في‬ ‫مثلث طابا‪ ،‬حيث �أهدرت تلك الن�صو�ص الدفع «الإ�سرائيلي» الزاعم ب�أن‬ ‫بريطانيا العظمى باعتبارها الدولة المنتدبة على فل�سطين وم�صر قد‬ ‫اعترفتا ب�صراحة في العام ‪ 1926‬ب�أن الخط المحدَّد في اتفاق ‪ 1906‬هو‬ ‫خط الحدود‪ ،‬و�أن بريطانيا قد �أكدت لم�صر �أن حدودها لن تت�أثر بتحديد‬ ‫حدود فل�سطين‪ ...‬ونظر ًا ل�سابقة الرجوع � إلى اتفاق ‪ 1906‬من جانب م�صر‬ ‫وبريطانيا لعام ‪ ،1926‬وفي غيبة �أي اتفاق �صريح بين م�صر وبريطانيا‬ ‫على تعيين حدود م�صر وفل�سطين‪ ،‬ف�إن المحكمة في �أثناء التحكيم في‬ ‫م�س�ألة طابا‪� ،‬أهدرت هذا الدفع كلية‪ ،‬و�أكدت �أن المحددات في اتفاق ‪1906‬‬ ‫الم�ستخدمة في الت�صريحات الم�صرية ـ البريطانية وقتها ال تحمل معنى‬ ‫فني ًا خال�صاً‪ ،‬و� إنما ت�شير فقط � إلى و�صف خط الحدود دون الإ�شارة � إلى‬ ‫تعليم الحدود المن�صو�ص عليها �أي�ض ًا �صراحة في اتفاق ‪ 1906‬وهي ال�سند‬ ‫الذي كان الكيان ال�صهيوني يرتكز عليه‪ ،‬وهي التي و�ضعت �أم الر�شرا�ش‬ ‫�ضمن �أر�ض فل�سطين‪ .‬ومن الأ �سانيد الم�ستخدمة �أي�ض ًا في ت�أكيد م�صرية‬ ‫«� إيالت» ما يذكر عن �أن دور الواليات المتحدة الم�شبوه لعقد اتفاقية �صلح‬ ‫بين العرب والكيان ال�صهيوني قد انطلق من ثقتها ب�أن منطقة �أم الر�شرا�ش‬ ‫ذات الموقع اال�ستراتيجي هي منطقة م�صرية‪ � .‬إذ اقترحت (�أميركا)‬ ‫في ال�ستينات � إقامة كوبري (ج�سر) يمر فوق �أم الر�شرا�ش ويربط بين‬ ‫الم�شرق والمغرب العربي مقابل � إ�سقاط م�صر المطالبة بحقها بهذا‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪32‬‬

‫المثلث اال�ستراتيجي ليبقى في قب�ضة االغت�صاب ال�صهيوني‪ ...‬وقد رف�ض‬ ‫الرئي�س الراحل جمال عبد النا�صر هذا العر�ض‪ .‬وقال عبد النا�صر «كيف‬ ‫ن�ستبدل �أر�ضنا بكوبري يمكن �أن تن�سفه � إ�سرائيل في �أي وقت ولأ ي �سبب؟»‪.‬‬ ‫اللواء نبيل �صادق ـ �أحد الم�شاركين في لجنة التحكيم ب�ش�أن طابا‪ ،‬ي�ؤكد �أن‬ ‫الحقائق التاريخية والع�سكرية واال�ستراتيجية ت�ؤكد �أنّ �أم الر�شرا�ش وطابا‬ ‫هما امتداد واحد‪ ،‬و�أن �أم الر�شرا�ش � إحدى المناطق اال�ستراتيجية التابعة‬ ‫لم�صر والتي مازالت «� إ�سرائيل» تحتلها بدون �أن يكون لديها �أي م�ستندات‬ ‫تخ�ص تلك المنطقة‪ ،‬ولكن «� إ�سرائيل» تعتمد على قدراتها في تزييف‬ ‫الحقائق وتزوير التاريخ‪ ،‬و�أنه من ال�صواب حالي ًا �أن تطالب الحكومة‬ ‫الم�صرية بخط الحدود المتفق عليه في عام ‪ ،1947‬وح�سب قرار التق�سيم‬ ‫ال�صادر من الأ مم المتحدة‪ ،‬وبالتالي �سيكون من حقنا المطالبة بالعديد‬ ‫من النقاط المحتلة من جانب «� إ�سرائيل» حتى الآن ومنها �أم الر�شرا�ش‪.‬‬ ‫� إ�ضافة � إلى ذلك هناك الكثير من المواقف والت�صريحات الر�سمية التي‬ ‫ت�ؤكد م�صرية �أم الر�شرا�ش‪ ،‬منها مطالبة الرئي�س الم�صري محمد ح�سني‬ ‫مبارك «الإ�سرائيليين» عام ‪ 1985‬بالتفاو�ض حول �أم الر�شرا�ش‪ ،‬التي �أكدت‬ ‫م�سبق ًا جامعة الدول العربية بالوثائق �أنها �أر�ض م�صرية‪ .‬كما �أعلن الرئي�س‬ ‫مبارك عام ‪� ،1996‬أن �أم الر�شرا�ش م�صرية‪ .‬وفي مفاو�ضات ا�ستعادة طابا‬ ‫�صرخ �أ�سامة الباز في وجه عزراوايزمان قائالً‪ �« :‬إذا كنت تجادل في تحرير‬ ‫طابا ف�أعطنا �أم الر�شرا�ش»‪ .‬كما ن�سبت للباز ت�صريحات �أعلن فيها �أن بالده‬ ‫«�سوف تلج أ� � إلى ا�ستخدام ذات الأ �ساليب التي حررت بها طابا ال�ستعادة �أم‬

‫‪33‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الر�شرا�ش‪ ،‬لأ نها من بين الق�ضايا المعلقة بين م�صر و� إ�سرائيل»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ح�سم الموقف الر�سمي الم�صري الأ مر‪،‬‬ ‫و�أعلن على ل�سان وزير الخارجية �أحمد �أبو الغيظ �أنّ �أم الر�شرا�ش ال تدخل‬ ‫�ضمن الأ را�ضي الم�صرية وفق اتفاقي ‪ 1906‬و‪ ،1922‬و�أن المو�ضوع محكوم‬ ‫بعدد من النقاط‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ �أنه كانت هناك دولة م�سيطرة على م�صر هي بريطانيا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ كما كانت هناك دولة عثمانية م�سيطرة على � إقليم فل�سطين‪.‬‬ ‫قامتا بالتوقيع عام ‪ 1906‬على اتفاق خططتا بمقت�ضاه الحدود بين‬ ‫الدولة العثمانية وبين م�صر الخا�ضعة لل�سيطرة البريطانية‪.‬‬ ‫وقال �أبو الغيظ في رده على �أ�سئلة الم�شاركين في الندوة التي‬ ‫نظمتها الجمعية الم�صرية للقانون الدولي‪� :‬أنه عندما ا�ستقلت م�صر تمّ‬ ‫توقيع اتفاقية بين حكومة م�صر البازغة الجديدة وبريطانيا التي �أوكل‬ ‫لها االنتداب على � إقليم فل�سطين بعد �سقوط االمبراطورية العثمانية عام‬ ‫‪.1922‬‬ ‫وا�ستطرد قائالً‪� :‬أنه في ‪ 1947/11/29‬اتخذت الأ مم المتحدة‬ ‫قرار ًا برقم ‪ 181‬يتم بمقت�ضاه � إن�شاء دولتين الأ ولى ا�سمها الدولة اليهودية‬ ‫وتمّ تحديد � إقليمها بخريطة‪ ،‬والثانية ا�سمها الدولة العربية وحددوا لها‬ ‫خريطة‪ .‬و�أنّ �أم الر�شرا�ش كانت �ضمن الأ را�ضي المعطاة للدولة الفل�سطينية‬ ‫وفق ًا لهذا القرار‪.‬‬ ‫(‪ )8‬العربية نت‪ ،‬فراج ا�سماعيل‪� ،‬صحيفة الأ خبار اللبنانية ‪ ،2006/12/22‬ملتقى بوا�شق‬ ‫الح�سين(ع)‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪34‬‬

‫وخل�ص � إلى القول‪� :‬أن من يثير مطالب بهذا ال�ش�أن � إنما ي�سعى‬ ‫ال�ستثارة م�شكلة ال يجب �أن تكون!! لكن وعلى الرغم من ذلك ف� إن التاريخ‬ ‫يزكي الر�أي ال�شعبي الم�صري‪ ،‬حيث تقول الحقائق التاريخية �أنه حين �أجبر‬ ‫محمد علي با�شا على التراجع � إلى حدود م�صر العام ‪ ،1841‬قام ال�سلطان‬ ‫العثماني محمود الثاني بتثبيته على والية م�صر بالحدود المر�سومة على‬ ‫الخريطة‪ ،‬لكن المعروف �أن �شبه جزيرة �سيناء كانت كلها ملحقة ب� إدارة‬ ‫م�صر من نقطة تبد أ� �شرقي العري�ش‪ ،‬وتمتد على �شكل خط م�ستقيم نحو‬ ‫الجنوب ال�شرقي لت�ضم بع�ض النقاط المح�صنة في بالد الحجاز على‬ ‫ال�ساحل ال�شرقي من البحر الأ حمر كقلعة العقبة و�ضية والمويلح والوجه‪،‬‬ ‫باعتبارها كانت تتولى � إدارتها كلها وتحميها بع�ساكرها قبل الفرمان‬ ‫ال�سلطاني المذكور‪ ،‬وذلك بغر�ض ت�أمين طريق الحج الم�صري‪.(1‬‬ ‫وب�صرف النظر عن توافر الحجج والبراهين‪ ،‬ف�إن الحكومة والر�أي‬ ‫العام الم�صري يعك�سان موقفان مت�ضادان من ق�ضية ال�صراع مع العدو‬ ‫ال�صهيوني‪ ،‬ففي حين تنكفئ الحكومة � إلى داخل �أ�سوار الحدود الم�صرية‬ ‫القطرية‪ ،‬ي�صر الر�أي العام الم�صري على �ضرورة ا�ستمرار انخراط م�صر‬ ‫في ال�صراع مع العدو‪ ،‬عبر � إحياء ق�ضية �أم الر�شرا�ش‪ .‬تجدر الإ�شارة هنا‬ ‫� إلى �أن م�ساحة مثلث �أم الر�شرا�ش يقدر بـ (‪ )1500‬كم‪� ،2‬أي ما ي�ساوي مرة‬ ‫ون�صف م�ساحة الجوالن ال�سوري المحتل!!‪.‬‬ ‫(‪ )9‬موقع الهيئة لال�ستعالمات‪ ،‬م�صر‪2006/12/24 ،‬‬

‫‪C statein formation seyvice 2005.‬‬

‫(‪ )10‬د‪ .‬طيرية قا�سمية‪ ،‬ق�ضية الحدود بين م�صر وفل�سطين قبل الحرب العالمية الأ ولى‪،‬‬ ‫مجلة �ش�ؤون فل�سطينية‪ ،‬ت‪.1981/2‬‬

‫‪35‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪36‬‬

‫احتالل �أم الر�شرا�ش (�إيالت)‬

‫‪37‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫«� إيالت» منفذ «� إ�سرائيل» الوحيد على البحر الأ حمر‪ ،‬على بحر العرب‪،‬‬ ‫على جنوبي �شرقي �آ�سيا و�شرقي � إفريقيا‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪38‬‬

‫(‪ )1‬احتالل �أم الر�شرا�ش‬

‫(�إيالت)‬

‫ترتبط فكرة احتالل �أم الر�شرا�ش (� إيالت) بالإرها�صات الأ ولية‬ ‫للم�شروع ال�صهيوني ال�سابقة على تبلوره في �صيغة ال�صهيونية ال�سيا�سية‬ ‫الهرتزلية‪ ،‬وبالتحديد � إلى العام ‪1850‬م‪ ،‬حين طرح البريطانيون قناة‬ ‫البحرين كم�شروع مناف�س لم�شروع قناة ال�سوي�س الذي طرحه الفرن�سيون‬ ‫�أثناء حملتهم على م�صر العام ‪1798‬م‪ ،‬وقد نقل هذه الفكرة الحق ًا � إلى‬ ‫الزعيم ال�صهيوني ثيودور هرتزل �ضابط مهند�س في الجي�ش البريطاني‪،‬‬ ‫الذي تلقفها بدوره وطرحها‪ ،‬و� إن ب�شكل مختلف‪ ،‬في كتابه المو�سوم بـ «الأ ر�ض‬ ‫الموعودة» المن�شور في العام ‪ ،1902‬حيث تحدث فيه عن قناة لو�صل البحر‬ ‫الأ بي�ض المتو�سط (من هادير) بالبحر الميت‪ � .‬إذ جاء في متن الكتاب‬ ‫«فع ًال �سيكون هذا م�شهد ًا رائع ًا للغاية مع ان�سياب المياه بوفرة � إلى �أ�سفل‬ ‫الترو�س البرونزية العمالقة للتوربينات التي تتحرك ب�سرعة فائقة و�صاخبة‬ ‫ومنها تخرج قوة الطبيعة الهمجية التي تمّ تروي�ضها وال�سيطرة عليها لتنتقل‬ ‫� إلى مولدات التيار الكهربائي‪ ،‬ومن ثم ب�سرعة � إلى الأ �سالك الممدودة في‬ ‫كل �أنحاء البالد ـ البالد الجديدة ـ العتيقة التي �أحيتها هذه القوة وغمرتها‬ ‫حتى �أ�ضحت حديقة كبيرة‪ ،‬ووطن ًا له�ؤالء النا�س الذين كانوا من قبل فقراء‬ ‫و�ضعفاء وبائ�سين ومنبوذين»‪(1‬ومنذ ذاك‪ ،‬وبين الحين والآخر ال تزال‬ ‫هذه الفكرة تطفو على ال�سطح‪ ،‬وتعود � إلى دائرة التداول‪.‬‬ ‫وثمة م�شروع ا�ستيطاني فردي با�سم بول فريدمان �سبق �أطروحة‬ ‫(‪� )11‬أرئيل �شينال‪ ،‬معاريف ‪.2004/5/31‬‬

‫‪39‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫هرتزل ولقي عطف ال�سلطات البريطانية في م�صر‪ ،‬عرفته جريدة الم�ؤيد‬ ‫الم�صرية ال�صادرة في ‪ � :1892/2/9‬إنه يهودي �ألماني عقد العزيمة على‬ ‫ت�شييد مملكة � إ�سرائيلية في الأ را�ضي المقد�سة‪..‬ووجد في ثروته وثروة كثير‬ ‫من �أفراد بني � إ�سرائيل في �أوروبا ع�ضدا قوى فيه الأ مل‪ ...‬وخا�صة بعد ما‬ ‫حل بقومه وبني مذهبه في رو�سيا»‪ .‬وكان بول فريدان قد و�صل م�صر العام‬ ‫‪ ،1890‬وقابل بع�ض الم�س�ؤولين‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم اللورد كرومر‪ ،‬وفاتحهم في‬ ‫مو�ضوع اال�ستيطان اليهودي في بقعة على ال�سواحل ال�شرقية لخليج العقبة‬ ‫(المعروفة ب�أر�ض مدين)‪ .‬وحاولت جريدة الحقيقة (الناطقة بل�سان يهود‬ ‫اال�سكندرية) ال�صادرة في ‪� ،1892/2/5‬أن تنفي عن فريدمان �صلته‬ ‫ب�أطماع التو�سع اليهودي‪ ،‬و�أن ت�ؤكد على �أنه مندوب من �ألمانيا يحاول � إيجاد‬ ‫م�ستعمرة على �سواحل البحر الأ حمر لي�سهل لها طريق الفتوحات اقتداء‬ ‫بالرحالة الذين مهدوا الطريق في � إفريقيا‪ .‬وردت جريدة الم�ؤيد على ذلك‬ ‫بالقول‪ � :‬إن فريدمان هو � إ�سرائيلي �ألماني ال يريد اال�ستعمار فقط بتلك‬ ‫الجهة‪ ،‬بل يريد ت�أ�سي�س مملكة � إ�سرائيل في �أرا�ضي بني � إ�سرائيل الأ ولى‪،‬‬ ‫لكن هذا الم�شروع لم ي�ستمر �أكثر من �شهرين لخ�شية ال�سلطات الم�صرية‬ ‫من � إثارة الم�شاكل مع الأ تراك الذين ع�سكر جندهم في مكان قريب‪.(1‬‬ ‫كما تكمن فكرة احتالل �أم الر�شرا�ش �أي�ض ًا في الحدود التي طلبتها الحركة‬ ‫ال�صهيونية في مذكرتها المقدمة في �شباط العام ‪ � 1919‬إلى المجل�س‬ ‫الأ على لم�ؤتمر ال�صلح في باري�س بعد انتهاء الحرب العالمية الأ ولى‪ ،‬وهي‬ ‫الخريطة التي �أطلق عليها الزعيم ال�صهيوني المعروف و�أول رئي�س للكيان‬ ‫(‪ )12‬خيرية قا�سمية م�صدر �سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪40‬‬

‫ال�صهيوني حاييم وايزمان «فل�سطين التاريخية» وقالت المذكرة‪� ،‬أنها تعتبر‬ ‫الحدود الواردة فيها «�أمر ًا جوهري ًا للأ �سا�س االقت�صادي الالزم للبالد»‪،‬‬ ‫وذهبت � إلى �أنّ من المرغوب فيه �أن ت�شتمل الحدود الجغرافية لفل�سطين‬ ‫على �أكبر قدر من االت�ساع كي «ت�ضم �شعب ًا نامياً» كبيراً‪� .‬أما حدود وخطوط‬ ‫هذه الخريطة فهي كما يلي‪« :‬تبد أ� من ال�شمال عند نقطة على البحر‬ ‫المتو�سط بالقرب من �صيدا‪ ،‬وتتبع خطوط تق�سيم المياه عند �سفوح تالل‬ ‫لبنان‪ ،‬وذلك من ج�سر الكروان � إلى البئر الموازية لخط التق�سيم بين حو�ض‬ ‫وادي القرنة ووادي التيم‪ ،‬ومن هناك ت�أخذ اتجاه ًا جنوبي ًا متبعة التق�سيم‬ ‫بين المنحدر ال�شرقي والغربي لجبل ال�شيخ (حرمون)‪ ،‬ثم � إلى الغرب من‬ ‫بيت جن تقريب ًا وتتجه �شرق ًا بعد ذلك متبعة خط تق�سيم مياه نهر الغنية‬ ‫غربي �سكة حديد الحجاز وينتهي عند خليج العقبة‪ ،‬ويتفق على الحدود في‬ ‫الجنوب مع الحكومة الم�صرية‪ ،‬وفي الغرب يوجد البحر المتو�سط»‪.(1‬‬ ‫� إ�ضافة � إلى ذلك ن�شير � إلى ما ورد في مذكرات حاييم وايزمان‬ ‫المو�سومة بـ «التجربة والخط�أ» في خ�صو�ص �أم الر�شرا�ش (� إيالت) وذلك‬ ‫خالل حديثه مع الرئي�س الأ ميركي هاري ترومان‪ ،‬حيث يعتبر وايزمان �أن‬ ‫ترومان كان يعطف على �آمال ال�صهيونية‪ ،‬و�أنه حينما ت�أزم الموقف قبل‬ ‫الت�صويت على قرار التق�سيم كان ترومان ال�صديق الوحيد الذي لم يتزعزع‪،‬‬ ‫بل ا�ستمر في ت�أييد التق�سيم‪ ،‬و�أنه �أمر وفده في الأ مم المتحدة �أن يكون النقب‬ ‫في الدولة اليهودية المقترحة‪ .‬وقد كتب وايزمان في مذكراته حول هذا‬ ‫الأ مر مايلي‪« :‬في يوم الأ ربعاء ‪ 19‬نوفمبر ‪ 1947‬ا�ستقبلني الرئي�س ترومان‬ ‫(‪ )13‬عبد العال الباقوري‪ ،‬الحرية ‪.2008/5/24-18‬‬

‫‪41‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫بعطف ولطف �شديدين‪ .‬وتحدثت � إليه �أو ًال عن النقب كمجموعة‪ ،‬وب�إمكانية‬ ‫الح�صول على المياه لري �أر�ضه‪ � ،‬إما عن طريق المياه الجوفية التي تكثر‬ ‫فيه‪� ،‬أو عن طريق نقل المياه من ال�شمال وفق ًا لم�شروع (الودرملك)‪ .‬ثم‬ ‫تحدثت مع الرئي�س عن العقبة‪ ،‬وقلت له‪ � :‬إنه � إذا كان الب ّد من تق�سيم النقب‪،‬‬ ‫فيجب �أن يق�سم عمودي ًا ال �أفقياً‪ ،‬وبذلك ينال كل فريق جزء ًا من الأ را�ضي‬ ‫الخ�صبة وجزء ًا من ال�صحراء‪ ،‬ولكن يجب �أن تكون العقبة من ن�صيب‬ ‫الدولة اليهودية‪ ،‬ويتابع وايزمن «وابتهجت جد ًا حينما ر�أيت الرئي�س يرجع‬ ‫� إلى الخارطة‪ ،‬ويدر�سها بدقة واهتمام‪ ،‬ثم وعدني �أن يت�صل بالوفد الأ مريكي‬ ‫في ليك �ساك�س بهذا ال�صدد»‪ ،‬ويختم قائ ًال «لقد كان ترومان �صادق ًا في‬ ‫قوله لأ نه بعد �ساعات قليلة من اجتماعي به �أ�صدر التعليمات الالزمة‬ ‫للوفد الأ مريكي لإبقاء النقب والعقبة من ن�صيب اليهود»‪ .(1‬وجاء قرار‬ ‫التق�سيم كما يرغب ال�صهاينة‪ � ،‬إذ منحهم بغير وجه حق المنطقة ال�شمالية‬ ‫من فل�سطين وهي القريبة من م�صادر المياه وكذلك المنطقة ال�ساحلية‬ ‫الخ�صبة و�سهل بي�سان‪ ،‬و�أعطاهم حلمهم بالنقب‪ ،‬ويبدو �أن الخبراء الذين‬ ‫و�ضعوا م�شروع التق�سيم كانوا من اليهود �أنف�سهم‪ ،‬لأ ن الحكومة الأ ميركية‬ ‫كانت ت�ضع كامل ثقلها مع الجانب اليهودي لإقرار م�شروع التق�سيم‪ .‬وحين‬ ‫�أو�صى الكونت برنادوت في م�شروعه ب� إخراج العقبة من «الدولة اليهودية»‪،‬‬ ‫وكذلك النقب قاموا باغتياله في �أيلول العام ‪.1948‬‬ ‫(‪ )14‬مايكل ت�شو�سودف�سكي‪ ،‬ا�ستراتيجية البحر الأ حمر‪ ،‬والحرب على لبنان والمعركة من‬ ‫�أجل النفط‪ ،‬ت‪� :‬أحمد ب�شير باكير‪ .2006/9/12 ،‬الن�ص من�شور على موقع ‪/‬جلوبال‬ ‫ري�سير�ش)‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪42‬‬

‫كانت �أم الر�شرا�ش (� إيالت) �آخر المناطق التي ت�سقط في قب�ضة‬ ‫ال�صهاينة‪ ،‬وقد تمّ ذلك بعد عقد اتفاقية الهدنة مع كل من م�صر‬ ‫والأ ردن‪ ،‬وذلك بالعملية الم�سماة «عوفدا»‪ .‬وفي تفا�صيل عملية احتالل �أم‬ ‫الر�شرا�ش ح�سب الرواية ال�صهيونية‪� :‬أنه في �شهر �آذار العام ‪1949‬ا�ستعد‬ ‫لواء «هنيكف» ولواء جوالني الحتالل � إيالت‪ ،‬و�أ�صبحت عملية «عوفدا»‬ ‫م�شهورة على م ّر الأ يام لأ نها كانت «خاتمة حرب اال�ستقالل»‪ ،‬وكذلك‬ ‫ب�سبب علم الحبر الم�شهور‪ .‬فمنذ ال�ساعة الثامنة من �صباح يوم الثامن‬ ‫من �آذار تحوّلت عملية «عوفدا» � إلى ما ي�شبه ال�سباق الودي بين القوتين‬ ‫المتقدمتين‪ :‬من �سيفور في الو�صول �أو ًال � إلى � إيالت‪ .‬الرتل الغربي (من‬ ‫لواء هنكيف) الذي �أ�صبح ر�أ�سه على م�سافة (‪ )50‬كم � إلى ال�شمال من‬ ‫� إيالت واجه عقبات خطيرة و�صعبة لإيجاد ال�سبيل لمرور �سيارات الجيب‬ ‫�أو الم�شاة بين ال�صخور الغرانيتية �أما لواء جوالني الذي كان ر�أ�سه في عين‬ ‫ياهف على م�سافة (‪ )120‬كم من � إيالت‪ ،‬فكانت طريق التقدم �سهلة جد ًا‬ ‫في عرفا‪ ،‬ولكن في هذه المنطقة كانت تتجمع قوات من الجي�ش الأ ردني‬ ‫المختلط ح�سب المعلومات المتوفرة‪ .‬وفي العا�شر من �آذار عام ‪1949‬‬ ‫وردت معلومات تقول ب�أن الجي�ش الأ ردني المختلط ان�سحب من ر�أ�س النقب‬ ‫و�أم ر�شرا�ش (� إيالت) ونقل قواته � إلى العقبة‪ .‬واكت�شفت عملية ا�ستطالع‬ ‫جوي �أن المواقع ال�صخرية في �أم الر�شرا�ش �أ�صبحت فارغة‪ .‬وفور ذلك‬ ‫انطلقت �سرية خا�صة من لواء «هنيكف» �سير ًا على الأ قدام الحتالل �صخور‬ ‫ر�أ�س النقب‪ ..‬وتحرك رجال ال�سرية بن�شاط وعزيمة وفي الظهيرة و�صلوا‬ ‫� إلى الجرف الذي �أطلوا منه للمرة الأ ولى على خليج العقبة‪ .‬وتابع ق�سم‬

‫‪43‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫من رجال ال�سرية طريقهم نحو الخليج‪ .‬وفي ال�ساعة الرابعة بعد الظهيرة‬ ‫و�صلت ال�سرية � إلى ثالث براكات جميلة كتبت كلمة �شرطة بقربها بثالث‬ ‫لغات هي‪ :‬العبرية والعربية والإنكليزية‪ .‬وال وجود لأ ي علم هناك‪ ،‬وهكذا‬ ‫�أخذ �أحد الجنود ب�ساط ًا �أبي�ض ور�سم عليه نجمة داوود وخطين وت�سلق قائد‬ ‫ال�سرية � إبراهام دان (برن) على �سارية مرتجلة ورفع العلم المرتجل‪ .‬وبعد‬ ‫�ساعتين من ذلك الوقت و�صل ر�أ�س لواء «جوالني» ـ المكون من محاربي‬ ‫الكتيبة الآلية ومحاربي كتيبة «جدعون» ـ � إلى � إيالت بعد �أن احتل خالل‬ ‫النهار عين رديان التي �أطلق عليها مع الأ يام ا�سم يطفتا‪ .‬و�أر�سلت برقية‬ ‫� إلى قيادة الجبهة جاء فيها‪« :‬انقلوا � إلى حكومة � إ�سرائيل � إلى يوم الهاغانا‬ ‫في الحادي ع�شر من �آذار العبري �أن لواء البلماخ هنكيف ولواء جوالني‬ ‫يهديان خليج � إيالت � إلى دولة � إ�سرائيل»‪ .(1‬تجدر الإ�شارة � إلى �أن الجي�ش‬ ‫الأ ردني الذي ان�سحب من �أم الر�شرا�ش كان عديده (‪ )1800‬رجل مجهزين‬ ‫بالدبابات والمدفعية الثقيلة‪ .‬وكان يقوده �ضابط عربي‪ ،‬لكن القائد العام‬ ‫غلوب با�شا قام في ذلك الوقت الحا�سم با�ستبداله ب�ضابط بريطاني هو‬ ‫النقيب برومي‪ .‬ويقول المراقبون �أن الجي�ش الأ ردني لو لم ين�سحب بناء‬ ‫على تعليمات غلوب با�شا لتمكن من محو القوة ال�صهيونية التي لم يتجاوز‬ ‫عديدها الـ ‪ 200‬جندي‪ .‬وقد �أثار ال�سلوك الأ ردني ا�ستغراب نائب الو�سيط‬ ‫الدولي‪ ،‬الذي احتجت الحكومة الأ ردنية لديه بقوله‪« :‬لماذا لم يوقفهم الجي�ش‬ ‫الأ ردني‪� ،‬أو يقاتلهم على الأ قل؟»‪ .‬بالطبع جواب الدكتور بان�ش للحكومة‬ ‫الأ ردنية لم يكن نهاية المطاف‪ � .‬إذ �أر�سلت (الحكومة الأ ردنية) ـ ل�ستر ماء‬ ‫(‪ )15‬المو�سوعة الع�سكرية الإ�سرائيلية‪ ،‬الكتاب الأ ول‪ ،‬بدون رقم الطبعة‪� ،‬ص‪.98-97‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪44‬‬

‫وجهها ـ احتجاج ًا �آخر � إلى لجنة التوفيق الفل�سطينية‪ ،‬غير �أنّ هذه تجاهلته‬ ‫�أي�ضاً‪� .‬أما في الكيان ال�صهيوني‪ ،‬فقد �ضحكوا من االحتجاج‪ .‬لكن بالرغم‬ ‫من ذلك �أر�سل بان�ش مراقبيه‪ ،‬فيما بعد‪ � ،‬إلى العقبة‪ ،‬للتحري عن حدوث‬ ‫قتال في النقب‪ ،‬فرفع المراقبون تقرير ًا �أ�شاروا فيه � إلى �أنهم لم يجدوا‬ ‫�أي �أثر للقتال �أو ما يدل على �أن معركة ن�شبت بين العرب واليهود‪ .‬و�س ّر‬ ‫بان�ش للنتيجة ف�أقفل الق�ضية‪� .‬أما ال�صهاينة فقد �أعلنوا فيما بعد‪ ،‬باعتزاز‬ ‫كاذب‪� ،‬أن احتالل العقبة كان ن�صر ًا ع�سكري ًا ولي�س نزهة!! وفي يوم �سقوط‬ ‫�أم الر�شرا�ش كتب الملك الأ ردني عبد اهلل ر�سالة �صداقة � إلى �صديقه � إلياهو‬ ‫�سا�سون ي�شكو له فيها احتالل القوات ال�صهيونية‪ ،‬خالل مفاو�ضات رود�س‪،‬‬ ‫للنقب حتى العقبة‪ ،‬وكذلك كتب � إلى �شرتوك وزير خارجية الكيان‪ ،‬معتر�ض ًا‬ ‫على احتالل العقبة‪ ،‬ف�أجابه �شرتوك قائالً‪:‬‬ ‫‪� )1‬أنه م�سرور بر�سالة الملك عبد اهلل‪.‬‬ ‫‪ )2‬النقب لي�ست �أر�ض ًا �أردنية ولليهود الحق باحتالل �أية �أر�ض من‬ ‫فل�سطين‪.‬‬ ‫‪ )3‬احتل النقب دون قتال‪« :‬لقد �سلم � إلينا»‪.‬‬ ‫‪ )4‬لي�س للأ ردن الحق في �أن يناق�شنا بمو�ضوع النقب لأن النقب لي�س �أر�ض ًا �أردنية‪.‬‬ ‫‪ � )5‬إذا لم تقفل الق�ضية ف� إنها �سوف ترفع � إلى مجل�س الأ من‪.‬‬ ‫لم تكن ر�سالة �شرتوك الوقحة �سلبية فح�سب‪ ،‬بل كانت ر�سالة‬ ‫تهديد‪.(1‬‬ ‫(‪ )16‬د‪ .‬عزت طنو�س‪ ،‬الفل�سطينيون ما�ض مجيد وم�ستقبل باهر‪ ،‬ج‪ ،1‬مركز الأ بحاث‬ ‫م‪.‬ت‪.‬ف �ص‪.554 ،553-552‬‬

‫‪45‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫وللوقوف على تف�سير واقعي ومنطقي الن�سحاب القوات الأ ردنية من‬ ‫غير قتال من �أم الر�شرا�ش‪ ،‬البد من العودة � إلى مذكرات وزير الخارجية‬ ‫الم�صرية الراحل محمود ريا�ض المو�سومة بـ «الت�شتت والمواجهة» حيث‬ ‫جاء فيها «�ساعدت الواليات المتحدة � إ�سرائيل في الو�صول � إلى خليج العقبة‬ ‫واال�ستيالء على �أم الر�شرا�ش (� إيالت) بعد توقيع اتفاقية الهدنة بين م�صر‬ ‫و� إ�سرائيل»‪ ،‬وذلك �ضد رغبة بريطانيا التي كانت تود المحافظة على ات�صال‬ ‫بري بين قواعدها في قناة ال�سوي�س وقواعدها في الأ ردن‪ � ،‬إال �أن الحكومة‬ ‫البريطانية ر�ضخت لل�ضغوط الأ ميركية‪ ،‬وبذلك �أتاحت «لإ�سرائيل» منفذ ًا‬ ‫بحري ًا عن طريق البحر الأ حمر لإفريقيا و�آ�سيا وتهديد الدول العربية‬ ‫الواقعة على البحر الأ حمر‪ .‬وينقل الراحل محمود الريا�ض رواية على ل�سان‬ ‫رئي�س الوزراء الأ ردني توفيق با�شا �أبو الهدى‪� ،‬أقربها في م�ؤتمر ر�ؤ�ساء‬ ‫الحكومات العربية الذي عقد في يناير‪/‬كانون الثاني ‪ ،1955‬عندما قال‪:‬‬ ‫� إنه عندما بد�أت القوات اليهودية في تقدمها جنوب ًا باتجاه خليج العقبة‬ ‫في مار�س ‪ 1949‬الحتالل �أم الر�شرا�ش جاءه الوزير المفو�ض البريطاني‬ ‫في عمان ليقول له �أن حكومته ترى �ضرورة ا�ستمرار الموا�صالت البرية‬ ‫بين م�صر وباقي الدول العربية‪ .‬وتقترح لذلك � إر�سال كتيبة بريطانية � إلى‬ ‫مدينة العقبة لمنع اليهود من الو�صول � إلى الخليج‪ ،‬حيث كانت الحكومة‬ ‫البريطانية ترغب في االحتفاظ بخطوط موا�صالتها بين قواتها في قناة‬ ‫ال�سوي�س وقواعدها في الأ ردن والعراق والخليج‪.‬‬ ‫وقال �أبو الهدى �أن الكتيبة و�صلت فع ًال � إلى ميناء العقبة الأ ردني‬ ‫على �أن تتحرك في الوقت المنا�سب لوقف التقدم اليهودي‪ � ،‬إال �أنها ظلت‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪46‬‬

‫في ميناء العقبة دون �أن تتحرك لتنفيذ المهمة المكلفة بها‪ ،‬بينما ا�ستمرت‬ ‫القوات اليهودية في تقدمها الحتالل �أم الر�شرا�ش‪ ,‬و�أو�ضح رئي�س الوزراء‬ ‫الأ ردني �أنه طلب من القائد الإنكليزي تف�سير ًا لعدم تعر�ضه للقوات‬ ‫اليهودية ف�أجابه ب�أنه مكلف ب�أن ال ي�شتبك مع القوات اليهودية � إال � إذا‬ ‫اعتدت على الحدود الأ ردنية‪ ،‬ليكت�شف بعد ذلك �أن �أميركا �ضغطت على‬ ‫الحكومة البريطانية لتغيير �سيا�ستها في الحرب ال�صهيونية وال�سماح للجي�ش‬ ‫ال�صهيوني باحتالل �أم الر�شرا�ش‪.‬‬ ‫غير �أن ذروة الحدث في احتالل �أم الر�شرا�ش‪ ،‬هي في المجزرة التي‬ ‫ارتكبتها القوات ال�صهيونية المهاجمة �ضد �أفراد و�ضباط ال�شرطة الم�صرية‬ ‫في المنطقة البالغ عددهم (‪ ،)350‬بالرغم من �أن القوة ال�صهيونية‬ ‫المهاجمة بقيادة ا�سحق رابين قد دخلت المنطقة دون طلقة واحدة اللتزام‬ ‫ال�شرطة الم�صرية ب�أوامر القيادة بوقف � إطالق النار‪ .‬وقد عادت �أخبار‬ ‫هذه المذبحة لتطفو على ال�سطح وت�صبح ق�ضية ر�أي عام عربي‪ ،‬وذلك‬ ‫في �أعقاب � إعالن م�ؤ�س�سة الأ ق�صى لإعمار المقد�سات الإ�سالمية العثور‬ ‫على مقبرة جماعية لم�سلمين قتلوا �شنق ًا �أورمي ًا بالر�صا�ص‪ ،‬وت�ضم بقايا‬ ‫م�صاحف و�أ�سلحة بي�ضاء في مدينة «� إيالت»‪ .‬ففي حين تقدم النائب طلعت‬ ‫ال�سادات بطلب � إحاطة � إلى رئي�س مجل�س ال�شعب الم�صري د‪ .‬فتحي �سرور‬ ‫خالل لقائه به يوم ‪ 2008/1/6‬موجه ًا � إلى لجنة الدفاع والأ من القومي‪،‬‬ ‫لمناق�شته‪� ،‬أعلنت الجبهة ال�شعبية ال�ستعادة �أم الر�شرا�ش احتفاظها بوثائق‬ ‫هامة ت�ؤكد �أن هذه المقبرة دفن فيها (‪ )350‬فرد ًا من قوة حر�س الحدود‬ ‫الم�صرية‪ ،‬بعد �أن قتلتهم جماعي ًا قوات كان يقودها ا�سحق رابين‪ .‬حافظ‬

‫‪47‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫�أبو �سعدة الأ مين العام للمنظمة الم�صرية لحقوق الإن�سان قال‪ � :‬إن المنظمة‬ ‫�أر�سلت للجهات الفل�سطينية وم�ؤ�س�سة الأ ق�صى تطلب ما توفر لديها من‬ ‫معلومات حول الرفات التي عثروا عليها‪ ،‬وما تجمع لديهم من دالئل‪ ،‬بناء‬ ‫عليه‪� ،‬ستتحرك لإثارة هذا المو�ضوع على الم�ستوى الدولي � إذا تبين لنا‬ ‫�أنها لع�سكر �أو مدنيين م�صريين‪ .‬كما بعثت الجبهة ال�شعبية ال�ستعادة �أم‬ ‫الر�شرا�ش بر�سالة � إلى ال�شيخ علي �أبو �شيخة رئي�س م�ؤ�س�سة الأ ق�صى لإعمار‬ ‫المقد�سات الإ�سالمية جاء فيها «ننقل � إلى مقامكم ومقام كل ال�شرفاء في‬ ‫م�ؤ�س�ستكم �شكر وتقدير �شعبكم في م�صر للموقف الم�س�ؤول الذي تبنته‬ ‫م�ؤ�س�ستكم الموقرة تجاه المقبرة الجماعية التي وجدت في �أم الر�شرا�ش‬ ‫الم�صرية المحتلة (� إيالت) و�سعيكم للح�ؤول دون العبث بالمقبرة التي‬ ‫�ضمت رفات ع�سكريين �أعدموا ب�شكل جماعي في عملية «عوفدا»‪ ..‬وطلبت‬ ‫الجبهة مدها بمعلومات � إ�ضافية ت�ساعدها في التحرك �أمام الجهات‬ ‫القانونية المحلية والدولية وتوجيه ر�سالة � إلى الجانب الر�سمي في م�صر‬ ‫لإر�سال فريق متخ�ص�ص لفح�ص الحالة»‪.(1‬‬

‫(‪ )17‬فراج ا�سماعيل‪ ،‬العربية نت‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪48‬‬

‫(‪ )2‬احتالل �أم الر�شرا�ش‬ ‫الغايات والمقا�صد‬ ‫تتعدد الغايات والمقا�صد والأ هداف الكامنة‪ ،‬كما الظاهرة‪ ،‬وراء‬ ‫احتالل �أم الر�شرا�ش‪ ،‬بين ما هو جيو�سيا�سي وع�سكري واقت�صادي‪ ،‬يمكن‬ ‫� إدراجها في �سياق �سعي الكيان ال�صهيوني � إلى تر�سيم ذاته كـ «دولة عظمى‬ ‫م�صغرة» �أو «دولة عظمى � إقليمية»‪ .‬وهناك وثيقتان �صدرتا في مطلع العقد‬ ‫الثامن من القرن المن�صرم‪ ،‬تعك�سان هذا التوجه ال�صهيوني هما‪:(1‬‬ ‫(‪ :)1‬الوثيقة التي �أعلنها �أرئيل �شارون في �أواخر العام ‪،1981‬‬ ‫حينما كان وزير ًا للدفاع‪ ،‬و�سميت «خطة �شارون»‪ .‬وقد و�صفتها � إحدى‬ ‫ال�صحف ال�صهيونية بقولها «� إن �شارون يقيم‪ ،‬ا�ستعداد ًا للثمانينات‪،‬‬ ‫االمبراطورية الإ�سرائيلية التي يحدّها‪ :‬في ال�شرق ال�صين‪ ،‬وفي ال�شمال‬ ‫االتحاد ال�سوفياتي‪ ،‬وفي الغرب الجزائر والمغرب‪ ،‬وفي الجنوب ـ كما يبدو‬ ‫ـ كينيا �أو افريقيا الجنوبية»‪.‬‬ ‫جعل �شارون المواجهة العربية �أخطر م�صادر تهديد الأ من‬ ‫ال�صهيوني‪ .‬وللت�صدي لهذا الخطر‪ ،‬والتغلب عليه‪ ،‬يرى «�أن م�صالح � إ�سرائيل‬ ‫تت�أثر بتطورات و�أحداث تتجاوز منطقة المواجهة المبا�شرة‪ ،‬التي ركزت‬ ‫� إ�سرائيل انتباهها عليها في الما�ضي‪ .‬ففيما وراء الدائرة الأ ولى التقليدية‬ ‫لدول المواجهة المحيطة ب�إ�سرائيل‪ ،‬ينبغي �أن تت�سع اهتمامات � إ�سرائيل‬ ‫اال�ستراتيجية لت�شمل مجالين جغرافيين �آخرين لهما �أهمية �أمنية‪ .‬وتتعلق‬ ‫(‪ )18‬هيثم كيالني‪ ،‬اال�ستراتيجية الإ�سرائيلية في الجزيرة العربية‪ ،‬مجلة الوحدة العدد ‪.56‬‬

‫‪49‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الدائرة الثانية بالدول العربية الخارجية التي ت�ضيف مقدراتها الع�سكرية‬ ‫المتزايدة بعد ًا �أكثر خطورة � إلى الخطر المبا�شر الماثل �أمام � إ�سرائيل‪،‬‬ ‫�سواء بوا�سطة � إر�سال قوات مقاتلة � إلى منطقة المجابهة‪� ،‬أو بوا�سطة‬ ‫عمليات جوية وبحرية مبا�شرة ت�ستطيع تنفيذها �ضد خطوط الموا�صالت‬ ‫الجوية والبحرية الإ�سرائيلية»‪.‬‬ ‫«وي�شمل المجال الجغرافي الثالث للم�صلحة اال�ستراتيجية‬ ‫الإ�سرائيلية الدول الخارجية‪ ،‬التي قد ت�ؤثر مكانتها وتوجهاتها ال�سيا�سية ـ‬ ‫اال�ستراتيجية بمقدار خطر على �أمن � إ�سرائيل القومي وبكلمات �أخرى ينبغي‬ ‫�أن نو�سع مجال االهتمام اال�ستراتيجي والأ مني لإ�سرائيل � إلى ما وراء الدول‬ ‫العربية في ال�شرق الأ و�سط وعلى �سواحل البحر المتو�سط والبحر الأ حمر‪،‬‬ ‫بحيث ي�شمل‪ ،‬في الثمانينات‪ ،‬دو ًال مثل تركيا‪ ،‬و� إيران‪ ،‬وباك�ستان‪ ،‬ومناطق‬ ‫مثل الخليج العربي و� إفريقيا‪ ،‬وال�سيما دول � إفريقيا ال�شمالية والو�سطى»‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الوثيقة الثانية‪ ،‬تكمل خريطة «االمبراطورية الإ�سرائيلية» التي‬ ‫ال ت�شبه االمبراطوريات اال�ستعمارية المنقر�ضة‪ ،‬و� إنما هي امبراطورية‬ ‫من نوع جديد جوهرها الهيمنة ال�سيا�سية وال�سيطرة االقت�صادية‪ .‬عنوان‬ ‫الوثيقة‪« :‬خطة � إ�سرائيل في الثمانينات»‪ .‬وقد كتبها المفكر ال�صهيوني‪،‬‬ ‫عوديد بنيون ون�شرها في �شباط ‪ ،1982‬وترجمها � إلى الإنكليزية � إ�سرائيل‬ ‫�شاحاك‪ .‬تقوم الوثيقة على عدة مقوالت‪� ،‬أهمها وفي طليعتها مقولة «واقع‬ ‫الوطن العربي» وعلى هذا الواقع ا�ستندت الوثيقة في دعوة الكيان ال�صهيوني‬ ‫� إلى ا�ستخدام جميع طاقاته الع�سكرية وال�سيا�سية من �أجل «� إنهاء الدول‬ ‫العربية وتجزئتها � إلى دويالت طائفية» ال حول لها وال قوة‪ ،‬وتدور في فلك‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪50‬‬

‫«االمبراطورية الإ�سرائيلية»‪ .‬وال يفوت الوثيقة �أن تذكر بم�صير ال�صليبيين‪.‬‬ ‫ولذا ف�إنها تدعو الكيان ال�صهيوني � إلى اال�ستفادة من هذا «الدر�س البليغ»‬ ‫الذي يتلخ�ص ـ ح�سب ر�ؤية الوثيقة» ـ في �ضرورة ال�سيطرة على المقدرات‬ ‫االقت�صادية في المنطقة‪ ،‬وبخا�صة النفط‪ ،‬حتى يتمكن الكيان ال�صهيوني‬ ‫من البقاء ال�سيما «�أنه ال توجد في المنطقة قوة م�ؤهلة للدفاع عنها»‪.‬‬ ‫الالفت في الأ مر �أن طرح هذه الوثائق جاء بعد �سل�سلة من الإنجازات‬ ‫المتعددة الغايات‪ :‬الجيو�سيا�سية والع�سكرية واالقت�صادية التي حققها‬ ‫الكيان ال�صهيوني نتيجة احتالل �أم الر�شرا�ش‪� :‬أبرزها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ا�ستكمال قطع التوا�صل البري بين الدول العربية في ال�شطر الآ�سيوي‬ ‫عن نظيرتها في ال�شطر الإفريقي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الق�ضاء على فر�ضية �أن البحر الأ حمر «بحيرة عربية»‪ ،‬بكل ما لهذا‬ ‫من تداعيات على اال�ستراتيجيات الع�سكرية لحماية الحدود البحرية‬ ‫�شديدة االمتداد لم�صر وال�سعودية وال�سودان واليمن‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ � إمكانية طرح بديل لقناة ال�سوي�س بم�شروع قناة �أم الر�شرا�ش (� إيالت)‬ ‫� إلى البحر الميت �أو نظائرها من الم�شاريع الم�شتقة من هذه الفكرة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ابتداع حق للكيان ال�صهيوني في مياه خليج العقبة الذي كان خليج ًا‬ ‫م�صري ًا ـ �سعوديا ـ �أردني ًا خال�صاً‪ ،‬الأ مر الذي يعطي الفر�صة للكيان‬ ‫ال�صهيوني لخلق الأ زمات مع �أي من الدول المطلة على الخليج في‬ ‫�أي وقت يريد‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أنه بات بم�ستطاع قواته البحرية بما فيها‬ ‫غوا�صاته النووية الو�صول � إلى العمق الجغرافي لهذه البالد العربية‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ التمتع بمنفذ على البحر الأ حمر لخدمة الأ هداف اال�ستراتيجية للكيان‬

‫‪51‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫ال�صهيوني في �شرق وو�سط القارة الإفريقية‪.(1‬‬ ‫‪ 6‬ـ � إن�شاء الم�ستودعات ال�ضخمة لتخزين النفط العربي في النقب وخا�صة‬ ‫على خليج العقبة‪ ،‬ثم � إ�سالة النفط في �أنابيب � إلى حيفا وتل �أبيب على‬ ‫البحر الأ بي�ض المتو�سط‪ ،‬كخطوة �أولى في عملية الق�ضاء على �أهمية‬ ‫قناة ال�سوي�س‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ م�ضاعفة الن�شاط ال�صهيوني في � إفريقية وتوفير عوامل النجاح لخطط‬ ‫الت�سلل ال�صهيوني للقارة‪ ،‬وذلك عن طريق زيادة � إمكانات خليج العقبة‬ ‫من جميع النواحي الع�سكرية واالقت�صادية والعمرانية وال يتم ذلك � إال‬ ‫بتعمير النقب الذي ينتهي طرفه الجنوبي على خليج العقبة حيث ميناء‬ ‫«� إيالت» قاعدتهم الكبرى ونقطة � إنطالقهم � إلى � إفريقية‪.(2‬‬ ‫‪ 8‬ـ حب�س م�صر وراء حدودها‪ ،‬وبالتالي منعها من � إقامة �أي تحالفات مع‬ ‫بقية العالم العربي‪ ،‬قفز ًا فوق الكيان ال�صهيوني خ�صو�ص ًا مع �سوريا‬ ‫بالذات ثم مع ال�سعودية والعراق‪ ،‬وذلك عبر تو�سيع العازل ال�صحراوي‪،‬‬ ‫الذي الب ّد له �أن ي�شمل �سيناء الم�صرية‪ ،‬و�أي�ض ًا منطقة النقب‪ � .‬إذ حين‬ ‫تقبع م�صر وراء حدودها وتترك الكيان ال�صهيوني و�ش�أنه ف�إنه يتمكن‬ ‫من �أن يعطي لنف�سه كل المزايا المتوفرة ا�ستراتيجي ًا لم�صر «تلك التي‬ ‫دفعت نابليون بونابرت لو�صف م�صر ب�أنها �أهم بلد في الدنيا»‪� ،‬أي‬ ‫تعطيل عبقرية المكان الم�صري ح�سب و�صف الراحل جمال حمدان‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫(‪ )19‬خالد يو�سف‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪ )20‬مايكل ت�شو�سودوف�سكي‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪52‬‬

‫أ� ـ الموقع المتو�سط بين القارات الثالثة (�أوروبا وافريقيا و�آ�سيا)‪.‬‬ ‫ب ـ البرزخ الوا�صل من البحر الأ بي�ض المتو�سط � إلى البحر الأ حمر‪،‬‬ ‫بحيث يمكن �أن تُحفر فيه قناة ت�ضاهي قناة ال�سوي�س‪� ،‬أو تمتد عليه خطوط‬ ‫�سكك حديدية �أو خطوط �أنابيب لنقل البترول (وكان تحقيق ذلك الهدف هو‬ ‫الدافع الأ ول وراء م�سارعة القوات الإ�سرائيلية حتى بعد عقد اتفاقية الهدنة‬ ‫� إلى احتالل منطقة «�أم الر�شرا�ش»‪ ،‬وهي مو�ضع ميناء � إيالت اليوم»‪.(2‬‬

‫(‪ )21‬محمد ح�سنين هيكل‪ ،‬كالم في ال�سيا�سة‪ :‬عام من الأ زمات! ‪ ،2001-2000‬الم�صرية‬ ‫للن�شر العربي والدولي ط‪� =3‬سبتمبر ‪� ،2001‬ص‪.256-255‬‬

‫‪53‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪54‬‬

‫البحر الأ حمر في اال�ستراتيجية ال�صهيونية‬

‫‪55‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫«� إيالت» الإختراق «الإ�سرائيلي» لمنظومة �أمن البحر الأ حمر‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪56‬‬

‫(‪ )1‬البحر الأ حمر‬ ‫في اال�ستراتيجية ال�صهيونية‬ ‫م�س�ألة الو�صول � إلى موقع على البحر الأ حمر‪ ،‬وت�أمين منفذ بحري‬ ‫�آخر‪ ،‬طرحت نف�سها بقوة منذ العقد الثالث من القرن الفائت‪ .‬وكان ال�س�ؤال‬ ‫المطروح �أمام قيادة اال�ستيطان ال�صهيوني‪ :‬هو كيف يمكن تحقيق الهدف‬ ‫ال�صهيوني المتمثل في ال�سيطرة على منفذ بحري �آخر هام يمكن �أن‬ ‫يحقق مزايا �سيا�سية وا�ستراتيجية‪� ،‬أي مرا�سي للقوافل التجارية التي تنقل‬ ‫الب�ضائع � إلى «� إ�سرائيل» بعد والدتها ومنها‪ ،‬وتكون قواعد ع�سكرية بحرية‬ ‫ت�ستخدم كنقطة انطالق ع�سكري � إلى الدول المعادية‪ ،(2‬ومن المعروف‬ ‫�أن الدول الم�شاطئة للبحر الأ حمر هي ثمان عربية‪ ،‬ثم اثيوبيا بعد احتالل‬ ‫ال�صومال وكذلك الكيان ال�صهيوني‪ ،‬وت�شكل ال�سواحل العربية فيه ما ينوف‬ ‫على ‪ %90.2‬من مجموع �سواحله‪ ،‬وهو ذو موقع ا�ستراتيجي هام‪ ،‬وال�صراع‬ ‫فيه متعدد الأ بعاد‪ ،‬ي�شمل قوى ودو ًال من الجزيرة العربية والم�شرق العربي‬ ‫وافريقيا ودو ًال عظمى‪ .‬والبحر الأ حمر هو �أي�ض ًا ممر النفط من الخليج � إلى‬ ‫�أوروبا عبر باب المندب وقناة ال�سوي�س‪ ،‬وهو الذي ي�صل البحر المتو�سط‬ ‫والمحيط الهندي‪ .‬وتنبع �أهميته اال�ستراتيجية �أي�ض ًا من قربه من حقول‬ ‫النفط في الخليج العربي‪ ،‬ومن كونه ممر ًا لها‪ ،‬ومن موقعه الجغرا�سيا�سي‪،‬‬ ‫(‪ � )22‬إ�سرائيل من دان � إلى � إيالت (النقب) درا�سة جغرافية وتاريخية � إ�صدار رئا�سة‬ ‫الأ ركان العامة و�شعبة الثقافة‪ ،‬جي�ش الدفاع الإ�سرائيلي‪ ،‬ج‪� 1‬ص‪.1964 ،69-68‬‬

‫‪57‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫وقربه من م�صادر المواد الأ ولية في افريقيا‪.‬‬ ‫هذه المميزات الجيو�سيا�سية واال�ستراتيجية‪ ،‬كما االقت�صادية‬ ‫�أثارت �شهية التو�سعية ال�صهيونية المرتبطة بالعقيدة ال�صهيونية‪ ،‬وفيها‬ ‫مقوالت تاريخية ودينية تر�سم حدود ًا لـ «� إ�سرائيل الكبرى» تمتد من النيل‬ ‫� إلى الفرات‪ ،‬وت�ضم � إ�ضافة � إلى فل�سطين‪� ،‬سورية ولبنان والعراق والأ ردن‬ ‫وجزء ًا من م�صر‪ ،‬وجزء ًا من العربية ال�سعودية‪ ،‬عر�ضه عر�ض الحدود‬ ‫الأ ردنية ـ ال�سعودية‪ ،‬وطوله يمتد � إلى جنوبي المدينة المنورة‪ ،‬ومعه ذلك‬ ‫الجزء ال�شمالي من البحر الأ حمر‪ ،‬وفيه قناة ال�سوي�س وخليج العقبة‪.(2‬‬ ‫�أي �أن البحر الأ حمر ي�شكل ب�ؤرة �أ�سا�سية ومرتكز ًا هام ًا في ا�ستراتيجية‬ ‫الكيان ال�صهيوني الجزيرية‪ ،‬القائمة على تجاوز دول الطوق الأ ول‪ ،‬ونقل‬ ‫الأ ف�ضلية الأ ولى من مفهوم الدفاع � إلى مفهوم الذرائع‪ ،‬ذلك لأ نه نظام‬ ‫وقائي‪ ،‬ا�ستباقي الأ �سلوب‪ .‬وال يعني هذا �أن نظام الذرائع ال ينطبق على دول‬ ‫الطوق‪ ،‬و� إنما يعني �أن اال�ستراتيجية الدفاعية ونظام الذرائع فاعالن في‬ ‫نطاق الطوق الأ ول‪ ،‬في حين �أن نظام الذرائع وحده فاعل فيما وراء ذلك‪.‬‬ ‫وبناء على هذه اال�ستراتيجية ف�إن الكيان ال�صهيوني يرى في �أي حدث هام‬ ‫ي�سبب تغييراً‪� ،‬أو ين�شئ عوامل ت�ؤثر في اال�ستراتيجية ال�صهيونية‪ ،‬ي�شكل‬ ‫�سبب ًا مبرر ًا �أو ذريعة للتدخل‪ .‬ولم يخف الم�س�ؤولون ال�صهاينة مطامعهم‬ ‫في الجزيرة العربية‪ ،‬من خالل معالجتهم مو�ضوعات محددة‪ .‬فعن ثورة‬ ‫اليمن العام ‪ 1962‬قال الجنرال ا�سحق رابين في مذكراته‪ �« :‬إن � إ�سرائيل‬ ‫باتت تخ�شى من �سيطرة م�صر على الجزيرة‪ ،‬ومن � إحكام قب�ضتها لي�س‬ ‫(‪ )23‬هيثم كيالني‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪58‬‬

‫على النفط فح�سب‪ ،‬و� إنما على المالحة في البحر الأ حمر كله»‪ .‬و�أ�ضاف‬ ‫«لقد كان على � إ�سرائيل �أن تتحرك حتى ال تقع الجزيرة في قب�ضة م�صر»‬ ‫لكن العثور على الإرها�صات المبكرة ال�ستراتيجية الجزيرة في الفكرة‬ ‫التي �صاغها ثيودور هرتزل م�ؤ�س�س المنظمة ال�صهيونية العالمية ‪1904‬‬ ‫بقوله «� إن مايلزمنا لي�س الجزيرة العربية الموحدة‪ ،‬و� إنما الجزيرة العربية‬ ‫ال�ضعيفة الم�شتتة المق�سمة � إلى كثير من الإمارات ال�صغيرة الواقعة تحت‬ ‫�سيادتنا والمحرومة من � إمكان االتحاد �ضدنا»‪.(2‬‬ ‫ولتبرير مطامعه في ال�سيطرة على البحر الأ حمر‪ ،‬ارتكز الكيان‬ ‫ال�صهيوني على مجموعة من الدعاوي والذرائع‪ ،‬يمكن ت�صنيفها وفق‬ ‫الآتي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ الدعاوي التاريخية‬ ‫هذه الدعاوي بد�أت ترددها �أو�ساط معينة في الحركة ال�صهيونية‬ ‫ومنها �أحزاب دينية وزعامة الخط الت�صحيحي �أ�سا�س ًا بزعامة فالديمير‬ ‫جابوتن�سكي‪ .‬وتنطلق من دعوى �أن «البحر الأ حمر كان في الما�ضي بحيرة‬ ‫يهودية تمخر عبابها �أ�ساطيل داوود �سليمان قا�صدة (�أوفير) ال�ساحل‬ ‫ال�شرقي لإفريقيا‪ ،‬و�أن �سليمان كان �أول من �أقام ميناء ع�صيون جابر الذي‬ ‫عرف الحق ًا با�سم � إيالت»‪.(2‬‬ ‫وال تزل هذه الدعاوي تتردد من فوق �أكثر من منبر �صهيوني على‬ ‫(‪ )24‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪ � )25‬إ�سرائيل من دان � إلى � إيالت‪ ،‬م�صدر �سابق �ص‪.45-40‬‬

‫‪59‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫�شكل خطب وندوات �سيا�سية ودرا�سات ا�ستراتيجية ت�صدر عن باحثين‬ ‫�صهاينة‪ ،‬وقد بلغ الأ مر بالم�ؤرخ والفيل�سوف ي�سرائيل يلداد حد اال�ست�شهاد‬ ‫بالكثير من ن�صو�ص العهد القديم لكي يثبت وبلغة تجافي العلم والمنطق‬ ‫�أن البحر الأ حمر كان بحر ًا يهودي ًا في الما�ضي و�سيبقى كذلك في الوقت‬ ‫الحا�ضر‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الدعاوي اال�ستراتيجية‬ ‫عمدت �أو�ساط وا�سعة وم�ؤثرة داخل الحركة ال�صهيونية و�أجهزتها‬ ‫التنفيذية � إلى � إبراز المزايا اال�ستراتيجية للبحر الأ حمر‪ ،‬والتي تتج�سد في‬ ‫الإفالت من الح�صار واالنتقال من مواقع الدفاع � إلى مواقع الهجوم‪ .‬ومن‬ ‫هنا كانت المكانة الهامة التي علقتها هذه الأ و�ساط على البحر الأ حمر منذ‬ ‫المراحل المبكرة للتخطيط ال�صهيوني لإقامة الكيان ال�صهيوني على �أر�ض‬ ‫فل�سطين الأ مر الذي �أدى بين غوريون � إلى القول «لو تمكنا من ال�سيطرة‬ ‫على مواقع هامة في البحر الأ حمر ف� إننا �سنتمكن من مواجهة �سور‬ ‫الح�صار العربي بل واالنتقال � إلى محاولة االنق�ضا�ض عليه»‪ .(2‬وقد نوه بن‬ ‫غوريون الذي كان يتولى �ش�ؤون الدفاع في الوكالة اليهودية ب�أهمية المزايا‬ ‫اال�ستراتيجية للبحر الأ حمر بالن�سبة � إلى الدولة اليهودية م�ستقبالً‪ ،‬وانتهى‬ ‫في تقييمه لتلك المزايا � إلى القول «� إن �سيطرة � إ�سرائيل على نقاط في البحر‬ ‫(‪ )26‬مجلة هعوالم هزه‪ ،‬عدد ‪ ،1954/10/7‬عدد ‪ ،1044‬نق ًال عن حلمي عبد الكريم‬ ‫الزعبي‪ ،‬اال�ستراتيجية ال�صهيونية لل�سيطرة على البحر الأ حمر في الما�ضي والحا�ضر‬ ‫والم�ستقبل‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪60‬‬

‫الأ حمر �ستكون ذات �أهمية ق�صوى‪ ،‬لأ ن هذه النقط �ست�ساعد � إ�سرائيل على‬ ‫الفكاك من �أية محاولة لمحا�صرتها وتطويقها كما �ست�شكل في ذات الوقت‬ ‫قاعدة انطالق ع�سكري لمهاجمة �أعدائنا في عقر دارهم قبل �أن يبادروا‬ ‫� إلى مهاجمتنا»‪ .(2‬وي�شير المالحظون ب�صدد الأ همية الإ�ستراتيجية للبحر‬ ‫الأ حمر‪ ،‬كما فهمها و�أدركها �أتباع الدعاوى الإ�ستراتيجية ال�صهيونية‪،‬‬ ‫الدوافع التي حدت به�ؤالء‪ ،‬وخا�صة بن غوريون � إلى اتخاذ قراره ب� إن�شاء‬ ‫مجموعة من الم�ستعمرات في منطقة النقب‪ ،‬وعلى الأ خ�ص في المقاطعة‬ ‫القريبة من البحر‪ ،‬ومعروف �أن هذه الم�ستعمرات �أقيمت خالل المرحلة‬ ‫اال�ستيطانية الثالثة (‪1939‬ـ ‪ ،)1942‬وفي المرحلة اال�ستيطانية الرابعة‬ ‫(‪1943‬ـ ‪� )1947‬أقيمت �سبع م�ستعمرات‪ (2‬خالل ليلة واحدة في النقب‬ ‫كخطوة عملية على طريق الو�صول � إلى البحر الأ حمر‪.(2‬‬

‫‪ 3‬ـ الدعاوى الجيوبولتيكية واالقت�صادية‬ ‫وهي بال �شك متداخلة مع الدعاوى الإ�ستراتيجية‪ ،‬فالأ و�ساط‬ ‫ال�صهيونية ركزت‪ ،‬حتى من قبل قيام الكيان ال�صهيوني‪ ،‬على المزايا‬ ‫الممكن تحقيقها في حالة ال�سيطرة على البحر الأ حمر‪ � .‬إذ عبره يمكن‬ ‫الو�صول � إلى �آ�سيا و�أفريقيا‪ ،‬واحتالل موقع عليه ي�سهم في خلق حاجز ب�شري‬ ‫(‪ )27‬بن غوريون �أعوام التحدي‪� ،1957،‬ص‪116‬ـ‪121‬ـ نق ًال عن حلمي عبد الكريم‬ ‫الزعبي‪.‬‬ ‫(‪ )28‬ـ � إ�سرائيل من دات � إلى � إيالت‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪28‬ـ ‪.32‬‬ ‫(‪ : )29‬يهو�شاع ين �أريه‪ ،‬اال�ستيطان العبري ومراحله الهامة �ص‪92‬ـ‪ ،96‬نق ًال عن حلمي‬ ‫عبد الكريم الزعبي‪.‬‬

‫‪61‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫وا�ستيطاني وجغرافي يعزل الم�شرق العربي عن مغربه مع ما يترتب على‬ ‫ذلك من �آثار � إ�ستراتيجية واقت�صادية و�سيا�سية‪ .‬ومنه تنطلق تجارة الدولة‬ ‫� إلى �أ�سواق �أفريقيا و�آ�سيا لت�صريف منتجاتها وا�ستيراد المواد الأ ولية التي‬ ‫تحتاج � إليها‪.‬‬ ‫الأ و�ساط ال�صهيونية التي رددت مثل هذه الدعاوى كانت تدرك ما‬ ‫تحويه منطقة النقب المجاورة لخليج العقبة من مناجم ومعادن وثروات‬ ‫و� إمكانيات‪ .‬ولم ين� أش� هذا الإدراك من فراغ و� إنما ا�ستند � إلى درا�سات‬ ‫ميدانية �أعدت في الثالثينات من قبل خبراء وعلماء ومراكز بحوث علمية‬ ‫�صهيونية‪ .‬فوجود مثل هذه الثروات والمعادن وا�ستغاللها يحتاجان � إلى ميناء‬ ‫على البحر الأ حمر من �أجل ت�صديرها � إلى �أ�سواق في � إفريقيا و�آ�سيا‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪62‬‬

‫(‪ )2‬الكيان ال�صهيوني يمرحل‬ ‫�إ�ستراتيجية ال�سيطرة على البحر الأ حمر‬ ‫اجتازت تلك الإ�ستراتيجية مراحل عدة ما�ضية وحا�ضرة وم�ستقبلية‬ ‫تت�ضمن تق�سيم ًا للمهام والخطط المر�سومة من غير �أن تم�س بالموقف‬ ‫اال�ستراتيجي‪ ،‬وهذه المراحل هي‪:‬‬ ‫المراحل هي‪:‬‬

‫المرحلة الأ ولى‪ :‬ت�أمين ر�أ�س الج�سر‬ ‫وتتمثل في ت�أمين ر�أ�س ج�سر في جزء من خليج العقبة على �ساحل‬ ‫البحر الأ حمر طوله (‪)9.5‬كم‪ .‬فبعد ال�سيطرة على �أم الر�شرا�ش‪ ،‬بد أ�‬ ‫يتردد على �أل�سنة الم�س�ؤولين ال�صهاينة �سيل من الت�صريحات تنم عن‬ ‫تحرك �صهيوني ا�ستراتيجي في البحر يعد له لينفذ على مراحل‪ .‬وقد‬ ‫عبر بن غوريون عن ذلك في ت�صريح له �أواخر العام ‪� 1949‬أمام عدد من‬ ‫�ضباط الجي�ش ال�صهيوني «� إننا نحلم بيوم نرى فيه � إيالت وقد �أ�صبحت‬ ‫مينا ًء رئي�سي ًا تنطلق منه �أ�ساطيل داود لتمخر عباب البحر الأ حمر لت�صل‬ ‫� إلى �شرق � إفريقيا و� إلى ال�شرق الأ ق�صى و� إلى �أي مكان في �آ�سيا و� إفريقيا‪،‬‬ ‫حاملة تجارتها � إليها وعائدة �ألينا محملة بما نحتاج � إليه من مواد �أولية»‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف‪ �« :‬إننا محا�صرون من البر‪ ،‬والبحر هو طريق المرور الوحيد � إلى‬ ‫العالم واالت�صال بالقارات‪ ،‬و� إن تطوير � إيالت هدف ًا رئي�سي ًا توجه � إليه‬

‫‪63‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫خطواتنا»‪ .(3‬وعم ًال بالإ�ستراتيجية ال�صهيونية‪ ،‬عمد الكيان ال�صهيوني‬ ‫� إلى � إقامة مدينة � إيالت و� إن�شاء ميناء في هذه المدينة وقد عولت الأ و�ساط‬ ‫ال�صهيونية على ميناء � إيالت كثيراً‪ ،‬حيث حر�صت على تطويره لي�صبح �أحد‬ ‫الموانئ الرئي�سية بعد ميناء حيفا على البحر المتو�سط‪ .‬ويرجع ذلك � إلى‬ ‫ت�صور �صهيوني م�ؤاده» � إن هذا الميناء يجب �أن يكون في م�ستوى الطموحات‬ ‫الإ�سرائيلية ب�ش�أن التعامل مع �آ�سيا و�أفريقيا»‪.(3‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬تعزيز ر�أ�س الج�سر‬ ‫�شهدت هذه المرحلة تطورات كثيرة على �صعيد ال�صراع العربي‬ ‫ـ ال�صهيوني وخا�صة في �ساحة البحر الأ حمر‪ .‬فبعد ا�ستيالء القوات‬ ‫ال�صهيونية على بلدة �أم الر�شرا�ش‪� ،‬شعرت عدة دول عربية وخا�صة م�صر‬ ‫وال�سعودية والأ ردن �أنها في مواجهة خطر �صهيوني م�ستفحل‪ ،‬الأ مر الذي‬ ‫دفع بال�سلطات الم�صرية � إلى االت�صال بالحكومة ال�سعودية من �أجل منحها‬ ‫جزيرتين على جانب كبير من الأ همية تتحكم في مداخل خليج العقبة‬ ‫وهما جزيرتي تيران و�صنافير‪ .‬وعلى �أثر التو�صل � إلى اتفاق بين الجانبين‬ ‫وو�ضع ال�سعودية هاتين الجزيرتين تحت ت�صرف م�صر‪ ،‬لج�أت ال�سلطات‬ ‫الم�صرية � إلى تح�صينهما‪ ،‬حيث رابطت قوات م�صرية مزودة ب�أ�سلحة‬ ‫م�ضادة للطائرات في �شرم ال�شيخ والجزيرتين المذكورتين‪ ،‬كما تمَّ � إ�سناد‬ ‫وتعزيز هذه الإجراءات الع�سكرية ب� إجراءات �أخرى �أهمها‪:‬‬ ‫(‪ ،)30‬عبد الباري عبد الرزاق النجم‪ ،‬خليج العقبة وم�ضائق تيران ‪� 1968‬ص‪76‬ـ‪.77‬‬ ‫(‪ )31‬ـ الم�صدر ال�سابق‪�،‬ص‪.79‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪64‬‬

‫‪ � )1‬إ�صدار مر�سوم في ‪ 1951/1/15‬ين�ص على تحديد المياه‬ ‫الإقليمية الم�صرية ب�ستة �أميال بحرية في اتجاه البحر وحدد المر�سوم‬ ‫الميل البحري ب‍ ‪ 1850‬متر‪.‬‬ ‫‪ � )2‬إعالن م�صلحة الموانئ الم�صرية‪ ،‬ويعد موافقة وزارتي‬ ‫الخارجية والحربية‪ � ،‬إنًّ منطقة المياه ال�ساحلية الواقعة غرب الخط‬ ‫المو�صل ما بين (ر�أ�س محمد) و(ر�أ�س ن�صراني)‪ ،‬منطقة محظورة ال‬ ‫يجوز المالحة فيها‪ .,‬كما �صدر من�شور رقم (‪ )39‬ل�سنة ‪ 1950‬موجه‬ ‫� إلى ال�شركات المالحية يو�ضح الإجراءات التي طبقت في �ش�أن المالحة‬ ‫والمرور في مدخل خليج العقبة‪ (3.‬وقد �أدت هذه الإجراءات � إلى � إحباط‬ ‫المحاوالت ال�صهيونية ال�ستخدام ر�أ�س الج�سر الذي احتله ال�صهاينة على‬ ‫�ساحل البحر الأ حمر على كافة الأ �صعدة‪ .‬لكن وعلى الرغم من ذلك‪،‬‬ ‫وا�صل الكيان ال�صهيوني عملية تطوير � إيالت المدينة والميناء والقاعدة‪.‬‬ ‫وفي ذات الوقت كانت اال�ستعدادات تجري على قدم و�ساق من �أجل فر�ض‬ ‫�أمر واقع على العرب يقر «لإ�سرائيل» حق ا�ستخدام البحر الأ حمر كممر‬ ‫دولي‪ .‬وتك�شف بع�ض الم�صادر ال�صهيونية � إن الكيان ال�صهيوني بد أ� منذ‬ ‫العام ‪ 1953‬ب� إر�سال دوريات ا�ستطالع � إلى منطقة �شرم ال�شيخ من �أجل‬ ‫الإعداد لعملية � إجتياح لجزيرتي تيران و�صنافير‪ ،‬ومحاولة ال�سيطرة‬ ‫عليهما لت�أمين المالحة‪ .‬وفي هذا المعنى �أ�شار د‪ .‬ميخائيل بارزوهار‬ ‫� إلى حقيقة خطيرة وهي «� إن بن غوريون �أمر باال�ستعداد لمهاجمة منطقة‬ ‫(‪ )32‬د‪ .‬حامد �سلطان‪ ،‬م�شكلة خليج العقبة‪ ،‬معهد البحوث والدرا�سات العربية‪،‬‬ ‫‪1966‬ـ‪� )1967‬ص ‪20‬ـ‪.24‬‬

‫‪65‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫�شرم ال�شيخ وم�ضيق تيران ‪ »1954‬و�أ�ضاف «� إن هذا الهجوم الذي كان‬ ‫متوقع ًا �أن ي�شن في عام ‪� ،1954‬أرجئ � إلى عام ‪ .(3»1955‬وقد اتت الكيان‬ ‫ال�صهيوني الفر�صة الذهبية عام ‪ 1956‬عندما اتفق مع فرن�سا وبريطانيا‬ ‫على �شن حرب �ضد م�صر في نطاق العدوان الثالثي‪ .‬وكان ا�شتراك الكيان‬ ‫ال�صهيوني في هذه العملية يهدف من بين ما يهدف � إليه‪ � ،‬إلى ت�أمين ر�أ�س‬ ‫الج�سر الذي �أقامه في خليج العقبة وتطويره عن طريق ا�ستخدامه كممر‬ ‫مائي دولي‪.‬‬ ‫وقد عمد الكيان ال�صهيوني بعد �سيطرته على �شرم ال�شيخ � إلى‬ ‫� إطالق � إ�سم خليج �سليمان «مفرات�س �شلومو» على خليج تيران‪ ،‬وكذلك‬ ‫على منطقة �شرم ال�شيخ التي �سميت ب‍ «� إقليم �سليمان» و«مرحاف �شلومو»‪.‬‬ ‫وقد �أراد الكيان ال�صهيوني من هذه الت�سمية ت�أكيد ما يزعمه من دعاوى‬ ‫تاريخية»‪ ،‬وما هو �أبعد من ذلك �أي�ضاً‪ ،‬وهو فر�ض �أمر واقع على م�صر �أو ًال‬ ‫ثم على بقية الدول العربية الم�شاطئة للبحر الأ حمر‪ .‬وبالفعل فقد ا�ستطاع‬ ‫الكيان ال�صهيوني من خالل �سيطرته على �شرم ال�شيخ وخليج تيران ت�أمين‬ ‫منفذ له في البحر الأ حمر‪ .‬وحتى بعد االن�سحاب من �شرم ال�شيخ وتيران‬ ‫و�سيناء‪ ،‬ظل هذا المنفذ مفتوح ًا بعد رفع الح�صار‪ ،‬عندما رابطت القوات‬ ‫الدولية في منطقة �شرم ال�شيخ لت�أمين �سالمة وحرية المالحة في م�ضائق‬ ‫تيران وخليج العقبة‪.‬‬ ‫تجدر الإ�شارة � إلى �أن ان�سحاب الكيان ال�صهيوني من �سيناء � إثر‬ ‫احتاللها العام ‪ ،1956‬كان لقاء منحه ثالثة ترتيبات هي‪:‬‬ ‫(‪ )33‬ـ مجلة هعوالم هازيه ‪ ،1957/10/28‬نق ًال عن حلمي عبد الكريم الزعبي‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪66‬‬

‫أ� ـ وعد م�صر باالمتناع عن القيام ب�أي عمل «عدائي» �ضد «� إ�سرائيل» ولم‬ ‫ي�ستثن الت�سلل‪.‬‬ ‫ب ـ موافقة م�صر على وجود وحدات �صغيرة من قوات الطوارئ الدولية‬ ‫في نقاط ا�ستراتيجية على طول حدودها مع فل�سطين المحتلة بما في‬ ‫ذلك �شرم ال�شيخ عند مدخل خليج العقبة‪.‬‬ ‫جـ ـ وعد من الدول البحرية ب�ضمان حرية المالحة لجميع ال�سفن‪ ،‬دون‬ ‫النظر � إلى جن�سيتها‪� ،‬أو �شحنتها في م�ضائق تيران‪.‬‬ ‫ولم تقدم �أي �ضمانات �صريحة وفعالة من جانب الأ مم المتحدة‬ ‫�أو الدول الكبرى‪ ،‬ب�أن تراعي م�صر هذه الترتيبات ب�صورة دائمة‪ ،‬وكان‬ ‫ال�ضمان الوحيد ـ � إذا �صح ذلك ـ هو الإعالن الذي �أ�صدرته حكومة الكيان‬ ‫ال�صهيوني من جانب واحد‪ ،‬ب�أنها �سوف تعتبر � إغالق م�ضائق تيران (�سبب ًا‬ ‫للحرب)‪ ،‬و�أنه في حالة الإغالق‪ ،‬ف�إنها �ستعتبر نف�سها حرة في الرد‪....‬‬ ‫بالقوة الم�سلحة � إذا لزم الأ مر‪ .‬وبعد ذلك بقليل �أو�ضحت م�صر �أنها ت�صر‬ ‫على الإبقاء على حالة الحرب‪ ،‬ولكنها �أعلنت ـ ب�صراحة محمودة ـ �أنها‬ ‫�ستمتنع عن مهاجمة «� إ�سرائيل» ما لم تت�أكد من الن�صر‪ ،‬ولي�س قبل ذلك‪.‬‬ ‫وقد ظلت المالحة متاحة في الم�ضائق(‪ )11‬عام ًا تقريباً‪ ،‬ولم تقع �أي �أعمال‬ ‫تخل بذلك‪ ،‬حتى عندما كانت الحدود الأ خرى تتعر�ض للهجمات‪.(3‬‬ ‫وبفعل هذه النتائج بد أ� ميناء � إيالت ي�شهد حركة ن�شاط غير عادية‬ ‫وبد�أت ال�سفن تروج � إليه وتغذو حاملة الب�ضائع ال�صهيونية � إلى الدول‬ ‫الإفريقية والآ�سيوية‪ .‬وقد ا�ستطاعت الإ�ستراتيجية ال�صهيونية في هذه‬ ‫‪ http// databank. Madarceter.org 232008/12/.‬ـ )‪(34‬‬

‫‪67‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫المرحلة �أن تحقق النتائج التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تطوير وتو�سيع ر�أ�س الج�سر ليتحول � إلى ممر مائي ال في خليج‬ ‫العقبة فح�سب بل على امتداد البحر الأ حمر‪ .‬وقد ا�ستغل الكيان ال�صهيوني‬ ‫هذا الوجود كمبرر للإ دعاء بحقه في المالحة عبر الم�ضائق والممرات‬ ‫العربية الأ خرى كم�ضيق باب المندب‪ .‬هذا بالطبع � إلى جانب الإدعاء بوجود‬ ‫م�صالح له في هذه المنطقة يحق له الدفاع عنها والتدخل بدعوى حماية‬ ‫هذه الم�صالح في حالة تعر�ضها للخطر‪ ،‬والقت هذه الإدعاءات ال�صهيونية‬ ‫دعم ًا وم�ساندة وا�سعين من قبل الدول الغربية‪ ،‬حيث �أدعت هذه الدول �أن‬ ‫خليج العقبة يعتبر ممر ًا دولي ًا ينبغي �ضمان حرية المالحة فيه ‪ .(3‬وعلى‬ ‫�أثر ذلك دار جدل وا�سع بين م�صر والدول الغربية التي تقف خلف الكيان‬ ‫ال�صهيوني‪ ،‬حيث حر�صت م�صر على ت�أكيد حقها في ممار�سة �سيادتها على‬ ‫مياهها و�أرا�ضيها‪ .‬وهكذا ا�ستثمر الكيان ترتيبات ما بعد ان�سحابه من �سيناء‬ ‫وتيران من �أجل ت�سيير خطوط بحرية لأ ول مرة مع الدول الإفريقية‪ .‬وكانت‬ ‫�أول باخرة �صهيونية قد �أبحرت من ميناء � إيالت في ‪ 1957/3/8‬بعد مرابطة‬ ‫قوات الطوارئ الدولية في م�ضيق تيران‪� .(3.‬شهدت � إيالت منذ ذلك الوقت‬ ‫حركة ن�شاط وا�سعة‪ ،‬ال�سيما بعد �أن �أخذت الدول الإفريقية تنال ا�ستقاللها‪.‬‬ ‫وق�صارى القول � إن ما �أنجز خالل هذه المرحلة من الإ�ستراتيجية‬ ‫ال�صهيونية في البحر الأ حمر ا�ستهدف تعزيز ر�أ�س الج�سر ودعمه ليتحول � إلى‬ ‫منفذ بحري يك�سبه حق المالحة في خليج العقبة وفي عر�ض البحر الأ حمر‪.‬‬ ‫(‪ )35‬ـ حامد �سلطان مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.24‬‬ ‫(‪ )36‬ـ عبد الباري عبد الرزاق‪،‬مرجع �سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪68‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬في الربط بين الأ فق القومي ال�صهيوني‬ ‫والبحر الأ حمر‬ ‫بد�أت هذه المرحلة قبل عدوان حزيران ‪ 1967‬وامتدت حتى حرب‬ ‫ت�شرين ‪ 1973‬في هذه المرحلة ا�ستكمل الكيان ال�صهيوني ا�ستعداداته من‬ ‫�أجل مد �سيطرته على �أجزاء �أخرى من البحر الأ حمر‪ .‬وقد بد�أت هذه‬ ‫اال�ستعدادات عام ‪ 1965‬عندما ح�شد الكيان معظم جي�شه في النقب و� إيالت‪،‬‬ ‫و�أجرى �أكبر مناورة ع�سكرية �أ�شرف عليها ا�سحق رابين رئي�س الأ ركان في‬ ‫ذلك الحين‪ ،‬وقد بيّن الهدف منها بقوله «نحن مقدمون على جولة تعد من‬ ‫�أخطر و�أهم الجوالت التي خ�ضناها والتي قد ت�ؤدي نتائجها وب�شكل حا�سم‬ ‫� إلى تحول � إ�سرائيل � إلى قوة � إمبراطورية»‪ (3.‬يت�ضح من ذلك �أن التخطيط‬ ‫لل�سيطرة على منطقة �شرم ال�شيخ وم�ضائق تيران و�أهداف �أخرى قد �سبق‬ ‫� إعالن الرئي�س الراحل جمال عبد النا�صر في ‪1967/5/22‬م � إغالق خليج‬ ‫العقبة في وجه المالحة ال�صهيونية‪ ،‬وحظر مرور الب�ضائع الإ�ستراتيجية‬ ‫فيه المتجهة � إلى الكيان ال�صهيوني‪ ،‬ولو كانت على �سفن غير �صهيونية‪.‬‬ ‫انطالق ًا من ذلك �شن العدو ال�صهيوني عدوانه في ‪� 1967/6/5‬ضد‬ ‫ثالث دول عربية‪ ،‬وتمكن العدو خالله من ال�سيطرة على ال�ساحل ال�شرقي‬ ‫ل�سيناء والجزر الواقعة في المدخل ال�شمالي‪ ،‬تيران و�صنافير‪ ،‬وجزء من‬ ‫خليج ال�سوي�س‪ ،‬كما ا�ستطاع ال�سيطرة على ر�ؤو�س ج�سور جديدة في البحر‬ ‫الأ حمر لم يبلغها على ‪� 1948‬أو في عام ‪ .1956‬وبذلك �أخذ يهدد ال�شواطئ‬ ‫الم�صرية المطلة على البحر الأ حمر � إلى الجنوب من ال�سوي�س وخا�صة‬ ‫(‪� : )37‬صحيفة �أخبار فل�سطين‪ ،1965/6/14 ،‬نق ًال عن عبد الكريم حلمي الزعبي‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫ميناء الأ ديبة والغردقة ور�أ�س زعفرانه و�أبو درج ور�أ�س غارب‪.‬‬ ‫ولتثبيت وجوده في �ساحة البحر الأ حمر لج أ� العدو ال�صهيوني � إلى‬ ‫�سل�سلة من الخطوات الع�سكرية والدبلوما�سية يمكن ح�صرها كالتالي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ � إقدام العدو على تعزيز قواته البحرية عند المدخل ال�شمالي للبحر الأ حمر‬ ‫وفي خليج ال�سوي�س عبر � إن�شاء القواعد البحرية في هذه المناطق � إلى‬ ‫جانب القواعد الجوية و� إقامة محطات للمراقبة والإنذار المبكر‪.‬‬ ‫‪2‬ـ تعزيز العالقات مع �أثيوبيا وح�صوله على مواقع عند المدخل الجنوبي‬ ‫للبحر الأ حمر في ثالث جزر (�أثيوبية) قبالة باب المندب‪ ،‬لقاء � إمداد‬ ‫�أثيوبيا بالأ �سلحة وتدريب قواتها الم�سلحة‪.‬‬ ‫وقد ات�سمت هذه المرحلة بانتقال الإ�ستراتيجية ال�صهيونية � إلى‬ ‫� إ�ستراتيجية مهددة في �ساحة البحر الأ حمر يمكن � إجمالها بما يلي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تحويل البحر الأ حمر � إلى �ساحة �صراع رئي�سية ا�ستراتيجي ًا ودبلوما�سي ًا‬ ‫بين العرب والعدو ال�صهيوني‪� ،‬شملت كل �أجزائه بد ًء بمداخله ال�شمالية‬ ‫(خليج العقبة) مرور ًا بم�ضائق تيران وانتهاء بالمداخل الجنوبية‬ ‫(باب المندب)‪ .‬وقد �أدى ذلك � إلى �أن �ساحة ال�صراع الع�سكري لم‬ ‫تعد مق�صورة على دول الطوق و� إنما ات�سعت وامتدت لت�شمل دو ًال �أخرى‬ ‫مثل ال�سعودية واليمن وحتى ال�سودان‪.‬‬ ‫‪2‬ـ بد أ� العدو ال�صهيوني يطرح لأ ول مرة مطالب ودعاوى تتجاوز حدود‬ ‫المطالبة ب�ضمان حرية المالحة في خليج العقبة �أو ًال ثم في طول البحر‬ ‫الأ حمر وعر�ضه‪ � .‬إذ بد أ� يربط بين ما ي�سمى بالأ من القومي ال�صهيوني‬ ‫والبحر الأ حمر ووجود القوات البحرية في المناطق القريبة والبعيدة‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪70‬‬

‫من البحر الأ حمر‪ ،‬والعمل على خلق نوع جديد من التوازن �أو التفوق‬ ‫الع�سكري في المجال البحري»‪.(3‬‬ ‫‪3‬ـ طرح الكيان ال�صهيوني نف�سه على �أنه � إحدى دول البحر الأ حمر وذو حق‬ ‫مبا�شر في ا�ستخدام هذا البحر واالنتفاع به‪ ،‬والوجود فيه ع�سكري ًا‬ ‫واقت�صادي ًا ودبلوما�سياً‪ ،‬وعلى قدم الم�ساواة مع الدول الأ خرى‪ ،‬وهذا‬ ‫ما �أعلنه قائد �سالح البحرية ال�صهيونية �آنذاك البرديغادير بنيامين‬ ‫تيلم‪�« :‬سن�ضطر من الآن ف�صاعد ًا � إلى تعزيز وجودنا البحري في البحر‬ ‫الأ حمر من �أجل �ضمان م�صالحنا ومنع تكرار ما حدث � إبان حرب يوم‬ ‫الغفران من فر�ض ح�صار بحري في باب المندب‪ � ..‬إننا �سنتدخل في‬ ‫الم�ستقبل لمنع وقوع �أية مفاج�أة �أخرى على هذا ال�صعيد‪ ،‬و� إن درو�س ًا‬ ‫مهمة قد ا�ستنبطت‪ ،‬و� إنها �ستجد طريقها � إلى التطبيق والتنفيذ»‪.(3‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة المكا�سب‬ ‫�شهدت هذه المرحلة تطورات �سيا�سية �أدت من بين ما �أدت � إليه‪،‬‬ ‫� إلى تمكين العدو من تحقيق مكا�سب �سيا�سية خطيرة وعلى الأ خ�ص بعد‬ ‫� إخراج م�صر من �ساحة ال�صراع‪ ،‬وبخا�صة من �ساحة البحر الأ حمر‪ .‬وقد‬ ‫امتدت هذه المرحلة من عام ‪1974‬ـ ‪� .1980‬سعى الكيان ال�صهيوني خاللها‬ ‫� إلى انتزاع مكا�سب في البحر الأ حمر بو�سائل ع�سكرية و�أخرى دبلوما�سية‪.‬‬ ‫(‪ )38‬د‪ .‬عبد اهلل عبد المح�سن ال�سلطان‪ ،‬البحر الأ حمر وال�صراع العربي الإ�سرائيلي‪،‬‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية ‪ /‬ط‪� ،1984 = 1‬ص‪.95‬‬ ‫(‪ )39‬ـ مجلة �ضباط الجي�ش الإ�سرائيلي‪ ،‬عدد ت�شرين الأ ول ‪ ،1974‬نق ًال عن عبد الكريم‬ ‫حلمي الزعبي‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪1‬ـ على ال�صعيد الع�سكري‪ :‬تمثل ذلك في تعزيز الوجود الع�سكري‬ ‫والبحري ب�صفة خا�صة على �شكل ح�شد قطع بحرية من مختلف الأ نواع‪،‬‬ ‫� إ�ضافة � إلى غوا�صتين‪ .‬وقد تعاظم هذا الح�شد بعد عام ‪ ،1984‬و�أ�صبح ذا‬ ‫قدرة هجومية عدوانية‪� ،‬أ�سفر ذلك عن خلق نوع من الهيمنة وال�سيطرة على‬ ‫البحر الأ حمر كما يبدو ومن المهام التي حددتها قيادة القوات البحرية‪:‬‬ ‫أ� ـ �ضمان �أق�صى درجة من ال�سيطرة على خطوط المالحة الدولية‬ ‫ال�صهيونية التي تبحر في خليج العقبة وخليج ال�سوي�س والبحر‬ ‫الأ حمر و�ضمان حركة المرور لل�سفن التجارية التي تحمل الإمدادات‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫ب ـ مهاجمة �أية قطعة بحرية تابعة لأ ية دولة عربية تقع على البحر الأ حمر‬ ‫في حالة تعر�ضها للمالحة ال�صهيونية ومحاولة تدميرها داخل المياه‬ ‫الإقليمية لتلك الدول �أبان الحرب‪ � ،‬إذا ثبت ا�شتراكها في عمليات‬ ‫ع�سكرية �ضد الكيان ال�صهيوني‪.‬‬ ‫‍ج ـ �ضرب المن�ش�آت الع�سكرية االقت�صادية الحيوية في الدول الواقعة على‬ ‫�ساحل البحر الأ حمر بما فيها �آبار البترول في الدول التي ت�شترك في‬ ‫دعم و� إ�سناد المجهود الحربي لدول المواجهة‪.‬‬ ‫د ـ � إنزال القوات بما فيها وحدات الدروع والكوماندوز البحري على �سواحل‬ ‫الدول العربية المطلة على البحر الأ حمر في حالة م�شاركتها الفعلية‬ ‫في الحرب‪.‬‬ ‫هـ ـ ردع �أ�ساطيل الدول العربية التي بد�أت تتعزز وتتعاظم بفعل ح�صولها‬ ‫على القطع البحرية الحديثة‪.‬‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪72‬‬

‫و ـ تعزيز ن�شاط اال�ستطالع الجوي في البحر الأ حمر ور�صد ال�شواطئ‬ ‫العربية عليه وا�ستخدام و�سائل ا�ستطالع مختلفة من �ضمنها الطائرات‬ ‫بدون طيار‪.‬‬ ‫ز ـ ت�سيير دوريات بحرية لت�صل � إلى �أبعد نقطة في البحر الأ حمر بما‬ ‫يتجاوز مدخله الجنوبي لحماية م�صالح الكيان ال�صهيوني فيه‪.(4‬‬ ‫‪ 2‬ـ على ال�صعيد الدبلوما�سي‪ :‬ويتمثل في ال�سعي ال�صهيوني � إلى‬ ‫تدويل �أو تحييد م�ضيق باب المندب ومجموعة من الجزر العربية التي‬ ‫تتحكم في ذلك الم�ضيق منها جزيرة بريم‪ ،‬وجزر حني�ش وقمران وجزيرة‬ ‫ذكور و�أبو عين‪ .‬وقد بد أ� هذا الطرح يتخذ �أبعاد ًا دولية عندما �أخذت الدوائر‬ ‫ال�صهيونية تتلم�س الت�أييد الدولي لمطالبها‪ .‬مثل هذه المطالبة �سبق �أن‬ ‫�أثيرت عام ‪ ،1971‬عندما هوجمت في ‪ 1971/6/11‬حاملة البترول (كورال‬ ‫�سي) عندما كانت تعبر باب المندب في طريقها � إلى � إيالت‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من تجني العدو ال�صهيوني على الحقائق‪ � ،‬إال �أنه ا�ستطاع �أن يلقى هذه‬ ‫المرة الت�أييد من قبل العديد من الدول خا�صة الواليات المتحدة‪ .‬فهذه‬ ‫الدول حاولت �أن ت�سند الإدعاءات ال�صهيونية بالإ�شارة � إلى �أحكام القانون‬ ‫الدولي وحق الكيان ال�صهيوني بمقت�ضى ذلك‪� ،‬أي ا�ستخدام الم�ضيق كبقية‬ ‫الدول الأ خرى واالنتفاع به لكونه ي�شكل ممر ًا دولي ًا على حد زعمها‪ .‬وذهب‬ ‫الموقف الأ مريكي � إلى �أبعد من ذلك حين �أبلغ وزير الخارجية الأ مريكي‬ ‫(‪ )40‬احتماالت ال�صراع على البحر الأ حمر بين � إ�سرائيل والدول العربية‪ ،‬درا�سة د ت�سفي‬ ‫لينر‪ ،‬معد الدرا�سات الإ�ستراتيجية‪ ،‬جامعة تل �أبيب‪ ،‬وزارة الدفاع الإ�سرائيلية ‪،1948‬‬ ‫�ص ‪41‬ـ‪ 44‬نق ًال عن عبد الكريم الزعبي‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الأ �سبق الك�سندر هيغ وزير الحرب ال�صهيوني �آرئيل �شارون العام ‪� 1982‬أن‬ ‫الواليات المتحدة عززت وجودها البحري في البحر الأ حمر لحماية حرية‬ ‫المالحة ومن �ضمنها المالحة الإ�سرائيلية‪ ،(4‬وكانت �أو�ساط �صهيونية قد‬ ‫�أعلنت قبل ذلك وبالتحديد عام ‪� 1980‬أن الواليات المتحدة تتفهم مطالب‬ ‫«� إ�سرائيل» في البحر الأ حمر و�أنها تمنحها حق اللجوء � إلى �أي �أجراء‬ ‫ل�ضمان م�صالحها � إذا كانت مبادئ و�أحكام القانون الدولي عاجزة عن‬ ‫كفالة وت�أمين تلك الم�صالح‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ معاهدة كامب ديفيد‪ :‬وهي من �أخطر المكا�سب الدبلوما�سية‬ ‫التي ا�ستطاع الكيان ال�صهيوني تحقيقها‪ � .‬إذا �سمحت له با�ستخدام م�ضائق‬ ‫تيران وخليج ال�سوي�س وقناة ال�سوي�س والبحر الأ حمر‪ ،‬كما �سمحت له بالتحليق‬ ‫في �أجوائها وت�سيير الدوريات البحرية والجوية‪ ،(4‬كما منحت م�صر طبق ًا‬ ‫للملحق الع�سكري الكيان ال�صهيوني حق ا�ستخدام جزر وم�ضائق تيران‪،‬‬ ‫وهي �صنافير وتيران مخالفة بذلك االتفاق المعقود مع ال�سعودية ب�ش�أن‬ ‫ت�سليم هذه الجزر � إعارة و�أمانة � إلى م�صر منذ مطلع الخم�سينات‪ .‬وهذه‬ ‫الجزر مملوكة في الأ �صل لل�سعودية وتخ�ضع لل�سيادة ال�سعودية‪.‬‬ ‫وقد تمخ�ضت عن تلك المعاهدة عدة نتائج يمكن �أن نلخ�صها على‬ ‫النحو التالي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ � إن جميع المواقع المهمة في البحر الأ حمر وال�ساحل ال�شرقي‬ ‫(‪ ،)41‬ت�سيفي لينبر احتماالت ال�صراع على البحر الأ حمر‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص‪47‬ـ ‪.50‬‬ ‫(‪ )42‬ـ مجلة �ضابط الجي�ش الإ�سرائيلي‪ ،‬عدد ت�شرين الثاني ‪ ،1985‬نق ًال عن عبد الكريم‬ ‫الزعبي‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪74‬‬

‫ل�سيناء قد و�ضعت تحت � إ�شراف القوات المتعددة الجن�سيات التي تهيمن‬ ‫عليها الواليات المتحدة‪ ،‬وقد �أ�صبحت هذه المواقع في ظل الهيمنة‬ ‫الأ مريكية والقوى المتحالفة معها توفر كل متطلبات «الأ من» ال�صهيوني في‬ ‫البحر الأ حمر وت�سهر على ت�أمين مالحته في هذا البحر‪ .‬ويزيد في ت�أكيد‬ ‫هذه الحقيقة خلو هذه المواقع من �أي وجود للقوات الم�صرية حتى لو كانت‬ ‫على �شكل قوة من ال�شرطة �أو رجال الأ من‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ � إن الوجود البحري ال�صهيوني ال يزال في حالة من الكثافة‬ ‫والتعاظم‪ ،‬فالقوة البحرية ال�صهيونية تجوب البحر الأ حمر وت�صل � إلى‬ ‫خليج ال�سوي�س دون �أي عائق‪� .‬أكثر من ذلك‪ ،‬ف� إن قطع ًا بحرية �صهيونية‬ ‫كانت ترابط في البحر المتو�سط انتقلت � إلى البحر الأ حمر عبر قناة‬ ‫ال�سوي�س‪ ,‬وتعامل القطع البحرية ال�صهيونية عند عبورها قناة ال�سوي�س‬ ‫معاملة الدول ال�صديقة‪.‬‬

‫‪(4‬‬

‫‪ 3‬ـ �أتاحت اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة ال�صلح الم�صريةـ‬ ‫ال�صهيونية‪ ،‬الفر�صة لأ ول مرة �أمام الواليات المتحدة لتعزيز وجودها‬ ‫البحري في منطقة البحر الأ حمر تحت دعاوى وحجج‪ ،‬منها مراقبة التزام‬ ‫الطرفين االتفاقات الموقعة‪ .‬وقد �ساعد ذلك على قيام تن�سيق �أمريكي ـ‬ ‫�صهيوني في �ساحة البحر الأ حمر يهدف � إلى � إخ�ضاع هذا الممر لل�سيطرة‬ ‫الأ مريكية ـ ال�صهيونية وتحويله � إلى بحيرة �أميركية ـ �صهيونية‪ ،‬وتجريده‬ ‫من �صفته العربية‪ .‬ولي�س �أدل على ذلك من الت�سهيالت التي منحها العدو‬ ‫(‪ )43‬ـ مجلة معروخت يام ـ�سالح البحرية الإ�سرائيلية‪� ،‬شباط ‪ ،1982‬نق ًال عن عبد الكريم‬ ‫الزعبي‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫للواليات المتحدة لت�أكيد هذا الوجود‪ ،‬ومنها ت�سهيالت بحرية في قاعدة‬ ‫� إيالت بما فيها نزول قوات التدخل ال�سريع لالنطالق منها في �أية عملية‬ ‫قد تقوم بها �أمريكا في منطقة البحر الأ حمر �أو الخليج العربي‪ .(4‬وفي‬ ‫نطاق � إجراءات تعزيز هذه ال�سيطرة ح�صلت الواليات المتحدة على قواعد‬ ‫وت�سهيالت في م�صر (ر�أ�س بنان)‪ .‬وقد �أدى ذلك � إلى تحييد معظم ال�ساحل‬ ‫الغربي من البحر الأ حمر‪ .‬وبذلك ا�ستطاعت الواليات المتحدة �أن ت�ؤمن‬ ‫حركة المرور البحري للكيان ال�صهيوني لي�ست فقط عند المدخل ال�شمالي‬ ‫للبحر الأ حمر‪ ،‬و� إنما �أي�ض ًا في قناة ال�سوي�س وخليج ال�سوي�س والبحر الأ حمر‪،‬‬ ‫وهكذا ا�ستطاع الكيان ال�صهيوني خالل هذه المرحلة‪ ،‬وعبر �سل�سلة من‬ ‫الإجراءات الع�سكرية والديبلوما�سية المن�سقة مع الواليات المتحدة‪� ،‬أن‬ ‫يحرز المزيد من النتائج التي �سعت � إليها اال�ستراتيجية ال�صهيونية في‬ ‫البحر الأ حمر‪ ،‬و�أهمها ت�أمين حركة المرور ال لأ �سطوله التجاري فح�سب‬ ‫و� إنما �أي�ض ًا لو�سائله الع�سكرية‪ :‬البحرية والجوية وتحييد طرف �أ�سا�سي في‬ ‫�ساحة ال�صراع‪ ،‬وخا�صة في البحر الأ حمر هو م�صر‪ ،‬ودعم �أطراف دولية‬ ‫لمطالبه في البحر الأ حمر‪.‬‬

‫المرحلة الخام�سة‪ :‬تعزيز المكا�سب الإ �ستراتيجية‬ ‫وهي المرحلة الممتدة من عام ‪ � 1980‬إلى الآن‪ .‬وقد �شهدت هذه‬ ‫المرحلة جهود ًا � إ�سرائيلية مثابرة لتعزيز ما تحقق على �صعيد الإ�ستراتيجية‬ ‫ال�صهيونية لل�سيطرة على البحر‪ ،‬وتمثلت تلك الجهود في عدد من‬ ‫(‪ )44‬ـ مجلة هعوالم هزيه‪10/28 ،‬م‪ ،1984‬نق ًال عن الم�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪76‬‬

‫الإجراءات والو�سائل منها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ اال�ستمرار في تعزيز الوجود الع�سكري عن طريق الح�شد البحري‬ ‫المكثف في خليج العقبة والبحر الأ حمر‪ ،‬و� إر�سال طائرات اال�ستطالع‬ ‫لتطير فوق اليمن وال�سودان‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ بناء �شبكة من القواعد الع�سكرية والجوية والبحرية في منطقة � إيالت‬ ‫و�شبكات الطرق والم�ستودعات من �أجل ا�ستخدامها كقواعد انطالق‬ ‫في مهمات ع�سكرية في منطقة البحر الأ حمر‪ .‬كما �شكل العدو قوات‬ ‫مهمات خا�صة �أو ما يعرف بقوات االنت�شار ال�سريع للتدخل في منطقة‬ ‫البحر الأ حمر تتكون من وحدات من المظليين والكوماندز البحري‬ ‫والقوات المحمولة جو ًا والحوامات والقطع البحرية والدروع‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ تزايد االهتمام اال�ستراتيجي بمنطقة باب المندب التي تنطوي على‬ ‫�أهمية كبيرة بالن�سبة � إلى االت�صال ال�صهيوني بجنوب �شرق �آ�سيا‬ ‫و�أفريقيا‪ ،‬هذا االهتمام الذي امتد �أي�ض ًا � إلى المحيط الهندي لما له‬ ‫من عالقة بالمرور البحري ال�صهيوني‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ العمل على تر�سيخ وت�أكيد وتج�سيد الترتيبات التي تمَّ التو�صل � إليها‬ ‫مع م�صر في نطاق اتفاقيات كامب ديفيد ب�ش�أن حق المرور والوجود‬ ‫خارج نطاق ال�شريط ال�ساحلي الذي ي�سيطر عليه الكيان منذ عام‬ ‫‪ .1949‬ويدخل هذا الجهد �ضمن المحاوالت المبذولة لإ�ضفاء �صفة‬ ‫ال�شرعية على المطالب والأ طماع ال�صهيونية في البحر الأ حمر‪ ،‬ومن‬ ‫�أجل ابتزاز بقية الدول العربية التي ال تعترف بهذه المطالب‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ محاولة خلق �أمر واقع �صهيوني في البحر الأ حمر‪ ،‬من خالل تعظيم‬

‫‪77‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الوجود الع�سكري في البحر الأ حمر وانت�شاره لي�شمل طول هذا البحر‬ ‫وعر�ضه‪ ،‬وابتزاز الت�أييد الدولي في �ضوء � إقرار معاهدة كامب ديفيد‬ ‫للمطالب ال�صهيونية‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تحَّ ول البحر الأ حمر � إلى منفذ للغوا�صات النووية ال�صهيونية من نوع‬ ‫دولفين الموجودة في قاعدة � إيالت البحرية‪ ،‬في حركتها نحو المحيط‬ ‫الهندي والخليج العربي‪ ،‬ما ي�سمح لها بالم�شاركة في مهام قتالية في‬ ‫� إطار � إ�ستراتيجية الجزيرة‪ ،‬وهو ما يمثل الخطر الأ كبر على م�صالح‬ ‫الأ مة العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫مع تحقق هذا القدر من ال�سيطرة‪ ،‬لم يعد الكيان ال�صهيوني يتحدث‬ ‫عن �ضمان حرية المالحة وت�أمين الم�صالح االقت�صادية في النطاقات‬ ‫القريبة والبعيدة و� إنما �أخذ يتحدث عن م�صالح � إ�ستراتيجية مرتبطة‬ ‫باعتبارات تتعلق بالأ من القومي واعتبارات جيوبوليتكية بعد �أن فقدت‬ ‫الدعاوى التاريخية بريقها‪.‬‬ ‫ومع هذه االنجازات ما زالت الإ�ستراتيجية ال�صهيونية تواجه حيال‬ ‫البحر الأ حمر م�شكالت �صعبة‪� .‬أولها �أن وجودها في هذا البحر ذو �شكل‬ ‫طوالني جد �ضيق‪ ،‬فاقد الدعم الجبهي‪ ،‬والهام�ش العر�ضي‪ .‬وتتمثل الم�شكلة‬ ‫الثانية بكثرة المتغيرات في هذه المنطقة‪ ،‬وبخا�صة في الجانب الإفريقي‬ ‫من البحر‪ .‬ومن طبيعة هذا الو�ضع �إنّه ال يوفر للإ �ستراتيجية ال�صهيونية‬ ‫البيئة التي ت�ستطيع فيها �أن تحقق �أهدافها‪ .‬ولذلك تبقى الإ�ستراتيجية‬ ‫ال�صهيونية في البحر الأ حمر‪ ،‬بالرغم من طموحها‪ ،‬ومن �أهمية هذا البحر‬ ‫بالن�سبة � إليها‪ ،‬محدودة الوجود‪� ،‬ضعيفة النفوذ ذات و�سائل غير مبا�شرة‪،‬‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪78‬‬

‫وذلك في المدى المنظور حتى تظهر متغيرات جديدة تزيدها قوة ونفوذاً‪،‬‬ ‫�أو �ضعف ًا و�ضموراً‪ .‬وفي جميع الأ حوال ف�إن البحر الأ حمر في الإ�ستراتيجية‬ ‫ال�صهيونية‪ ،‬وبخا�صة في منفذه � إيالت‪ ،‬ب�شكل ذريعة من ذرائع الحرب في‬ ‫تلك الإ�ستراتيجية‪.(4‬‬

‫(‪ )45‬ـ هيثم كيالني ـ م�صدر �سابق‪.‬‬

‫‪79‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪80‬‬

‫الإ �ستراتيجية ال�صهيونية في �شرق �إفريقيا‬

‫‪81‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫«� إيالت» قاعدة انطالق عدوان القوات «الإ�سرائيلية» على م�صر عام ‪1956‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪82‬‬

‫الإ�ستراتيجية ال�صهيونية في �شرق �إفريقيا‬ ‫(‪ )1‬نظرة عامة‬ ‫تعود الأ طماع ال�صهيونية في القارة الإفريقية � إلى انعقاد الم�ؤتمر‬ ‫ال�صهيوني الأ ول في بازل ب�سوي�سرا عام ‪ ،1897‬حيث تداول الم�س�ؤولون‬ ‫ال�صهاينة فكرة � إن�شاء كيانهم في �أوغندا التي عر�ضها عليهم وزير‬ ‫م�ستعمرات البريطانية ت�شمبرلين‪ ،‬غير �أنَّ الأ غلبية ال�صهيونية ركزت على‬ ‫فل�سطين‪( ،‬م�شروع �أوغندا طرح عام ‪ )1901‬ولم ي�سقط م�شروع �أوغندا‬ ‫عند الأ جندة ال�صهيونية ر�سمي ًا � إال بعد موت هيرتزل عام ‪1904‬م ومما‬ ‫قاله يثودور هرتزل في هذا المجال «�أجل � إن قاعدتنا يجب �أن تكون في‬ ‫فل�سطين‪� ،‬أو بالقرب منها‪ ،‬وبعد ذلك �سيكون ب� إمكاننا �أن نقيم جاليات في‬ ‫�أوغندا‪ ،‬وذلك لأ ن جماهيرنا م�ستعدة للهجرة‪ ،‬ولكن يجب علينا �أن نبني‬ ‫على �أ�س�س قومية‪ ،‬وقد كان الجانب ال�سيا�سي هو الذي �شدنا � إلى م�شروع‬ ‫العري�ش»‪� (4.‬أما ديفيد بن غوريون فكان يردد القول «� إن الطريق � إلى‬ ‫ال�سالم في المنطقة �سوف يتم عن طريق غير مبا�شرة بتقوية عالقاتنا‬ ‫مع �شعوب �أفريقيا و�آ�سيا‪...‬‬

‫‪(4‬‬

‫ولقد ت�أكدت �أهمية القارة الإفريقية‬

‫بالن�سبة للكيان ال�صهيوني على ل�سان الكاتب ال�صهيوني «مردخاي كوينين»‬ ‫(‪ )46‬عبد الوهاب الكيالي المطامع ال�صهيونية التو�سعية‪ ،‬م‪.‬ت‪ .‬ث مركز الأ بحاث‪،1966 ،‬‬ ‫�ص‪.44‬‬ ‫(‪ )47‬ـ عواطف عبد الرحمن‪ � ،‬إ�سرائيل و�أفريقيا م‪.‬ت‪.‬ث‪ ،‬مركز الأ بحاث ‪� ،1974‬ص‪.26‬‬

‫‪83‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫في كتابه المو�سوم ب‍ «� إ�سرائيل و� إفريقية» حيث يقول فيه «ثمة مميزات‬ ‫وا�ضحة ل�سعي � إ�سرائيل من �أجل ك�سب �أ�صدقاء لها في كتلة الدول الأ فرو‬ ‫ـ �آ�سيوية المتزايدة الأ همية‪ ،‬وب�سعيها ذلك تك�سر طوق العزلة االقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سية التي تعاني منها في ال�شرق الأ و�سط‪ .(4،‬وفي ال�سياق ذاته‬ ‫�أو�ضح � إيغال �آلون خ�صو�صية مفهوم الأ من القومي ال�صهيوني بقوله‪ �« :‬إنه‬ ‫مح�صلة االت�صاالت لدولة ما مع بيئتها القريبة والبعيدة التي تعك�س قوتها‬ ‫وا�ستعدادها وو�سيلتها وقدرتها التنفيذية على الدفاع عن م�صالحها الحيوية‬ ‫وتحقيق غاياتها و�أهدافها القومية»‪ .(4‬ومن �أجل ذلك عملت الحكومات‬ ‫ال�صهيونية المتعاقبة ب�صورة حثيثة من �أجل تلم�س الت�أييد الدولي خارج‬ ‫الدائرتين الأ مريكية والأ وربية اللتين �ضمنتا للكيان ال�صهيوني الرعاية‬ ‫الم�ستمرة والدعم المادي وال�سيا�سي والمعنوي والإ�سناد الع�سكري‪ ،‬ولهذا‬ ‫ف�إن ال�صهاينة يمموا وجوههم �شطر � إقامة عالقات متنوعة مع دول في‬ ‫قارات �أخرى وخ�صو�ص ًا في �آ�سيا‪ ،‬و�أفريقيا و�أميركا الالتينية‪.‬‬

‫(‪ )48‬ـ ريا�ض القنطار التغلغل الإ�سرائيلي في �أفريقية وطرق مجابهته‪ ،‬مركز الأ بحاث‪،‬‬ ‫‪� ،1968‬ص‪.10‬‬ ‫(‪ )49‬ـ � إح�سان مرت�ضى ـ الأ من العربي و� إ�شكاليات التغلغل الإ�سرائيلي في � إفريقية‪ ،‬مجلة‬ ‫الدفاع الوطني‪ ،‬العدد ‪.38‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪84‬‬

‫(‪� )2‬أهداف ال�صهيونية‬ ‫� إذا �أخذنا في االعتبار الحقائق الجيو�سيا�سية والإ�ستراتيجية‬ ‫واالقت�صادية المميزة للقارة الأ فريقية‪ ،‬ال�ستطعنا تحديد خم�سة �أهداف‬ ‫�أ�سا�سية للوجود ال�صهيوني في �أفريقيا‪ ،‬وذلك على النحو التالي‬

‫‪(5‬‬

‫‪ 1‬ـ ك�سر حدة العزلة الدولية التي فر�ضتها عليه الدول العربية‪،‬‬ ‫وم�ؤيدوها‪ ،‬بالإ�ضافة � إلى محاولة ك�سب قواعد للت�أييد والم�ساندة‪ ،‬و� إ�ضفاء‬ ‫نوع من ال�شرعية ال�سيا�سية عليه في المحافل الدولية‪ .‬وفي هذا ال�صدد‬ ‫يقول ديفيد بن غوريون «الدول الأ فريقية لي�ست غنية‪ ،‬ولكن �أ�صواتها في‬ ‫المحافل والم�ؤ�س�سات الدولية تعادل في القيمة تلك الخا�صة ب�أمم �أكثر‬ ‫قوة»‪ .‬وعليه فقد كان الإدراك ال�صهيوني منذ البداية‪ ،‬يتمثل في �أنَّ �أي‬ ‫مك�سب دبلوما�سي للكيان ال�صهيوني في �أفريقيا يعني في المقابل الق�ضاء‬ ‫على (الأ قل تحييد) م�صدر محتمل لت�أييد الدول العربية‪ .‬يعني ذلك �أن‬ ‫الكيان ال�صهيوني ينظر � إلى �أفريقيا باعتبارها �ساحة للنزال بينه وبين‬ ‫العرب وفق ًا لقواعد النظرية ال�صفرية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ العمل على تحقيق �أهداف � إيديولوجية توراتية خا�صة بتقديم‬ ‫الكيان ال�صهيوني على �أنه «دولة نموذج» ‍ل «�شعب اهلل المختار» ال �سيما‬ ‫�أن الإدراك الإفريقي للكيان ال�صهيوني يقوم على اعتباره «دولة» �صغيرة‬ ‫محدودة الموارد محاطة ب�أعداء من كل جانب ومع ذلك ا�ستطاع بناء‬ ‫(‪ )50‬د‪ .‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬العالقات اال�سرائيلية ـ الإفريقية في عامل متغير‪ ،‬مجلة‬ ‫�ش�ؤون عربية �أيلول ‪ 2001‬العدد ‪.107‬‬

‫‪85‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫نموذج تنموي يمكن �أن يحتذى‪� .‬صحيح � إن هذه النظرة تغيرت بعد عدوان‬ ‫‪ ،1967‬بيد �أن �أنها تغيرت مرة �أخرى مع بدء م�سيرة الت�سوية‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫بالطبع ل�صالح الكيان ال�صهيوني‪ ،‬ولعل هذا ما يف�سر لماذا اعتمد الكيان‬ ‫ال�صهيوني‪ ،‬دائم ًا على تقديم الم�ساعدات التقنية للدول الإفريقية حتى في‬ ‫حالة عدم وجود عالقات دبلوما�سية معها‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ال�سعي لتحقيق متطلبات الأ من ال�صهيوني‪ ،‬من حيث ت�أمين «الكيان»‬ ‫ب�ضمان هجرة اليهود الأ فارقة � إلى الكيان ال�صهيوني‪ ،‬وفق ًا لقانون العودة‪� ،‬أو‬ ‫الح�صول على دعمهم‪ .‬وال يخفى على �أحد حقيقة �أن نحو ‪ 20‬بالمئة من‬ ‫�أجمالي المهاجرين اليهود � إلى الكيان ال�صهيوني (‪1948‬ـ ‪ )1955‬هم من‬ ‫�أفريقيا‪ .‬كما يعتبر يهود جنوب �أفريقيا من �أغنى يهود العالم‪ .‬وطبق ًا لأ حد‬ ‫التقديرات ف� إن م�ساهمة يهود جنوب � إفريقيا في خزانة الكيان ال�صهيوني‬ ‫ي�أتي في المرتبة الثانية بعد م�ساهمة يهود الواليات المتحدة الأ مريكية‪ ،‬بيد‬ ‫�أنه � إذا �أخذنا بعين االعتبار حجم كل من الجاليتين‪ ،‬نالحظ �أن تبرعات‬ ‫يهود جنوب � إفريقيا ن�سبة � إلى كل �شخ�ص تفوق في بع�ض ال�سنوات تبرعات‬ ‫اليهود الأ مريكيين‪ .‬لكن الق�ضية المثيرة لالهتمام عند درا�سة �أو�ضاع‬ ‫الجالية اليهودية ال�سوداء في الكيان تت�صل بمفهوم الهوية اليهودية ال�سوداء‪،‬‬ ‫ونظرتهم � إلى الكيان ال�صهيوني باعتباره جزء ًا من التراب الإفريقي‪ � ،‬إذ كان‬ ‫يقطنه في الأ �صل �شعوب افريقية داكنة الب�شرة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ بناء قاعدة ا�ستراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل ما يمكن ت�سميته مبد أ� �شد الأ طراف‪ ،‬حيث يعتمد الكيان ال�صهيوني‬ ‫على النيل من �أطراف نظام الأ من القومي العربي باعتباره الم�ستهدف في‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪86‬‬

‫اال�ستراتيجية ال�صهيونية‪ .‬لقد دار في ذهن الم�س�ؤولين ال�صهاينة �أن � إقامة‬ ‫عالقات وطيدة مع الأ قطار الإفريقية المتاخمة للدول العربية في ال�شطر‬ ‫الإفريقي وخ�صو�ص ًا م�صر وال�سودان وليبيا والجزائر والمغرب‪ ،‬يمكن‬ ‫�أن تخولهم ا�ستخدام وا�ستغالل هذه الدول من �أجل االلتفاف على الدول‬ ‫العربية في الح�سابات اال�ستراتيجية‪ .‬وفي هذا المجال يو�ضح الجنرال‬ ‫حاييم ال�سكوف رئي�س الأ ركان العامة الأ �سبق للجي�ش ال�صهيوني �أن «نجاح‬ ‫� إ�سرائيل في تطوير عالقاتها مع الدول الإفريقية في غرب افريقيا وخا�صة‬ ‫تلك التي تقع جنوب ال�صحراء والمتاخمة للدول العربية �سيحقق لإ�سرائيل‬ ‫مكا�سب �ست�ساعدها على تالفي نقاط ال�ضعف اال�ستراتيجي المتمثلة في‬ ‫� إحاطتها بطوق عربي‪ ،‬والو�صول � إلى الظهر العربي المك�شوف من ميدان ال‬ ‫يتوقعه العرب»‪ .‬وقد �أكد بن غوريون على ما �أ�سماه الم�ستلزمات والم�صالح‬ ‫الأ منية ال�صهيونية في العالقة مع دول افريقية محددة مثل اثيوبيا التي اعتبر‬ ‫�أنه يوجد معها منذ �أواخر الخم�سينات حلف غير مكتوب عرف بحلف ن�صف‬ ‫المحيط‪ .‬وكان ي�ضم �أي�ض ًا كل من � إيران (ال�شاه) وتركيا‪ .‬وك�شف العديد‬ ‫من الم�س�ؤولين ال�صهاينة عن �أن اثيوبيا و�ضعت تحت ت�صرف الكيان قواعد‬ ‫بحرية بدعوى حماية المالحة في البحر الأ حمر‪ ،‬وكذلك فعلت جيبوتي‬ ‫واريتريا‪ ،‬و�أوغندا وت�شاد وكينيا‪ .‬وكان وا�ضح ًا �أن ما يتوخاه ال�صهاينة‬ ‫من وراء هذه التحالفات هو � إقامة �أ�سوار عداء للعالم العربي تحيط به‬ ‫من كل جانب‪ .‬ولقد �أدى نجاح الكيان ال�صهيوني في التغلغل االقت�صادي‬ ‫وال�سيا�سي في افريقيا � إلى نجاح �آخر بالتبعية هو النجاح الع�سكري‪ ،‬حيث‬ ‫تمكن ال�صهاينة من اختراق جيو�ش العديد من الدول االفريقية عن طريق‬

‫‪87‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫بعثات الم�ست�شارين والخبراء والمرتزقة للإ �شراف على تدريب هذه الجيو�ش‬ ‫وعن طريق � إمدادها بالأ �سلحة والعتاد ب�أ�سعار ت�شجيعه‪ ،‬وتطبيق التجارب‬ ‫والخبرات ال�صهيونية في مجال ت�شكيل التنظيمات �شبه الع�سكرية‪ ،‬الأ مر‬ ‫الذي �أدى بالتالي � إلى ك�سب مودة وت�أييد العديد من القادة وال�ضباط داخل‬ ‫هذه الجيو�ش و�شجع لديهم نزعة المغامرة‪ ،‬مما �أدى في النهاية � إلى ح�صول‬ ‫اغتياالت وانقالبات ل�صالح ال�صهاينة �أنف�سهم‪.(5‬‬ ‫‪ 5‬ـ الحد من تزايد انت�شار الإ�سالم في افريقيا‪ ،‬لما يلحقه من �أذى‬ ‫كبير بالم�صالح ال�صهيونية‪ ،‬وفي هذا ال�صدد ن�شير � إلى قول ت�سفي مزال نائب‬ ‫المدير العام ل�ش�ؤون � إفريقيا في وزارة الخارجية ال�صهيونية‪ �« :‬إن العالم �صغير‬ ‫ومغلق‪ ،‬و� إنّ ما يحدث في �أي مكان ي�ؤثر على المكان الآخر وخا�صة بالن�سبة‬ ‫لما يحدث في افريقيا التي تعتبر جارة لإ�سرائيل من الناحية الجغرافية‪،‬‬ ‫و� إذا ما تف�شى الإ�سالم هناك ف�إن � إ�سرائيل �ستت�ضرر‪ ،‬كثيراً»‪.(5‬‬ ‫وفي هذا مظهر ًا �آخر من مظاهر التماهي بين اال�ستراتيجية‬ ‫ال�صهيونية والأ ميركية ويعود ذلك � إلى قدرة الإ�سالم ذي الن�ش�أة التاريخية‬ ‫في جزيرة العرب على خطاب � إفريقيا‪ ،‬ويكت�سب هذا الأ مر معنى فائق‬ ‫الأ همية لدى معرفة قوة الت�أثيرات الح�ضارية والثقافية العربية ـ الإ�سالمية‬ ‫في القارة الإفريقية � إذ تعتبر � إفريقيا وبحق �أكبر قارة للإ �سالم والعروبة‪،‬‬ ‫ف� إذا كانت ن�سبة الم�سلمين في �آ�سيا هي ما بين ‪ ،%20-15‬و�أوروبا ‪،%5‬‬ ‫و�أميركا ال�شمالية ‪ %2.5‬وا�ستراليا �أقل من ذلك‪ ،‬ف� إن ن�سبتهم في � إفريقيا‬ ‫(‪ � )51‬إح�سان مرت�ضى‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪ )52‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪88‬‬

‫ت�ساوي ‪ %60‬لذلك و�أمام هذه الحقائق الثقافية ـ الح�ضارية‪ ،‬ونتيجة للعقل‬ ‫اال�ستعماري ال�صهيوني الإق�صائي والتدميري‪ ،‬المتمثل لطبيعة الغرب‬ ‫اال�ستعماري القائم على المركزية الأ وروبية‪� ،‬أو المركزية الغربية � إ�ضافة‬ ‫� إلى دوره الوظيفي‪ ،‬فمن الطبيعي �أن ي�سعى � إلى تقوي�ض ثقافة الأ مة عبر‬ ‫تعطيل �آليات عملها وانت�شارها‪ ،‬ومواجهتها في القارة الإفريقية‪ ،‬وهو يتكيء‬ ‫على �أغرب ما ابتدعته المخيلة اال�ستعمارية من نظريات‪ ،‬ونعني نظرية‬ ‫«�صدام الح�ضارات» الأ يديولوجية‪ ،‬التي �أطلقها �أحد كبار فال�سفة ال�سيا�سة‬ ‫الخارجية الأ ميركية �صموئيل هنتغتون‪ ،‬وت�شكل مقالة الم�ست�شرق ال�صهيوني‬ ‫برنارد لوي�س «قراءة جديدة لل�شرق الأ و�سط» خير ترجمة لنظرية هنتغتون‪،‬‬ ‫� إذ جاء في مقالة لوي�س‪ �« :‬إن �صدام الإ�سالم والغرب حالة مطلقة كامنة في‬ ‫البنى الثقافية والمعرفية للإ �سالم والم�سلمين‪ ،‬و�أنّ الحرب بينهما‪ ،‬التي‬ ‫بد�أت منذ الأ زل‪� ،‬ست�ستمر مادام هناك � إ�سالم وغرب‪ ،‬لأ ن دوافع الحرب‪،‬‬ ‫هي التنافر الح�ضاري»‪ ،‬وي�ضيف لوي�س «� إنّ رد فعل هذا الخ�صم القديم‬ ‫(الإ�سالم) �ضد � إرثنا اليهودي ـ الم�سيحي‪ ،‬و�ضد حا�ضرنا العلماني‪ ،‬و�ضد‬ ‫انت�شارهما على �صعيد العالم‪ ،‬هو رد فعل ال عقالني‪ ،‬ولكنه رد فعل تاريخي‬ ‫بدون �أدنى �شك»‪ ،‬ويطالب لوي�س على �ضوء ذلك بو�ضع العالم الإ�سالمي كله‬ ‫تحت المراقبة بحجة مكافحة ما ي�سميه «المد الإ�سالمي الأ �صولي»‪ ،‬ويقترح‬ ‫في مقالته �أن تترك الأ نظمة ذات التوجه الإ�سالمي مثل ال�سودان و� إيران‬ ‫لعناية �أميركا وحلفائها‪ ،‬ويب�شر في نهاية مقالته ال�شعوب العربية ـ الإ�سالمية‬ ‫� إذا ما اختارت التوجه الإ�سالمي �أو � إذا ت�صاعد فيها المد الإ�سالمي‬

‫‪89‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫بالتق�سيم واللبننة‪ .(5‬وعلى الرغم من حديث البع�ض عن تراجع هنتغتون‬ ‫عن نظرية «�صدام الح�ضارة» �أ�سوة بتراجع زميله فوكوياما عن �أطروحته‬ ‫«نهاية التاريخ» � إال �أن الحقائق تقول � إن نظرية «�صدام الح�ضارات»‪ ،‬مازالت‬ ‫المرجع الذي على �أ�سا�سه ت�صوغ الواليات المتحدة ا�ستراتيجيتها‪ ،‬ون�شير في‬ ‫هذا ال�صدد � إلى ما قالته كارين دي يانغ‪ ،‬المحررة في �صحيفة الـ «وا�شنطن‬ ‫بو�ست»‪ ،‬في تقريرها عن تراجع وزارة الدفاع الأ ميركية (البنتاغون) عن‬ ‫� إقامة مقر للقيادة الع�سكرية في دول � إفريقية‪�« :‬أن ال �أحد ي�شكك في حقيقة‬ ‫�أن الهدف من � إقامة هذه القيادة وقواعدها الع�سكرية في � إفريقيا هو �أن‬ ‫تكون (عين ًا على الإ�سالم)» وتتابع «يوجد من الم�ؤ�شرات الكثير الذي يدعم‬ ‫هذا الر�أي‪ ،‬فالواليات المتحدة تركز الآن على �أن تتمركز قواتها الم�سلحة‬ ‫في قواعد ع�سكرية ب�أقاليم «ا�ستراتيجية � إ�سالمياً»‪ ،‬وتختم بالقول «ال ي�صح‬ ‫و�ضع � إفريقيا مع هذه الأ قاليم‪ � ،‬إال في � إطار م�ستقبلي يخ�ضع العتبارات‬ ‫ا�ست�شرافية‪ ،‬تعتقد �أن المد الإ�سالمي �سيوا�صل زحفه في � إفريقيا»‬

‫‪(5‬‬

‫وال�سودان هو جغرافية هذا ال�صراع �أو ال�صدام الح�ضاري‪ ،‬كونه يمثل‬ ‫� إطاللة العرب والإ�سالم على عمق القارة الإفريقية‪ ،‬وي�شكل منطقة التفاعل‬ ‫الأ �سا�سية بين العرب والأ فارقة‪ ،‬و�أي مت�أمل لخارطته يجده بمثابة نخلة‬ ‫ت�ضرب جذورها في المناطق اال�ستوائية‪ ،‬يتغذى منها ويجود عليها باللغة‬ ‫العربية والثقافة الإ�سالمية‪ ،‬الأ مر الذي يجعل جغرافية ال�سودان تتمرد على‬ ‫(‪� )53‬صحيفة الديار ‪ ،1997/1/17‬ربيع �سعادة‪.‬‬ ‫(‪ )54‬جميل مطر‪ � ،‬إفريقيا رف�ضت قيادة مركزية �أميركية على �أرا�ضيها‪ ،‬الحياة‬ ‫‪.2008/6/16‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪90‬‬

‫�ضيق الحدود ال�سيا�سية وزيف الكينونة القطرية‪ ،‬ويمتلك ال�سودان في هذا‬ ‫المجال تجربة عريقة تعود � إلى مملكة �سنّار �أو ما يعرف في التاريخ ب�سلطنة‬ ‫التونج‪ ،‬في القرن ال�ساد�س ع�شر‪ ،‬والتي لعبت نقطة التقاء � إفريقيا العربية‬ ‫و� إفريقيا ال�سوداء ب�صحرائها الكبرى وخط اال�ستواء‪ ،‬ورمزية �سنار تتمثل في‬ ‫امتزاج العروبة بالإفريقية‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ خدمة الم�صالح الأ ميركية في القارة الإفريقية‪ ،‬من خالل‬ ‫التحالف والتعاون مع قوى الثورة الم�ضادة في مواجهة حركات التحرر‬ ‫الوطني الإفريقية‪ ،‬وكذلك مواجهة النفوذ ال�سوفياتي‪ ،‬وبعد انهيار االتحاد‬ ‫ال�سوفياتي‪� ،‬أ�صبحت المهمة هي مواجهة النفوذ ال�صيني المتعاظم في‬ ‫القارة الإفريقية‪ ،‬حيث بلغت اال�ستثمارات ال�صينية فيها �أكثر من (‪)55‬‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬يوظف معظمها في حقلي النفط والزراعة‪ ،‬ويوجد اليوم �أكثر‬ ‫من (‪ )9000‬خبير �صيني في عموم القارة‪ ،‬ناهيك عن الجالية ال�صينية‪،‬‬ ‫� إ�ضافة ـ بالطبع ـ � إلى م�شاركة ال�صين في قوة ال�سالم الدولية في � إقليم‬ ‫دارفور ال�سوداني‪ ،‬كما طر�أت مهمة جديدة على الدور ال�صهيوني في القارة‬ ‫الإفريقية‪ ،‬وهو مواجهة النفوذ الرو�سي الذي بد أ� في العودة � إلى القارة‪،‬‬ ‫و�أخذ ي�شهد انتعا�ش ًا في �أعقاب جولة الرئي�س الرو�سي ال�سابق فالديمير‬ ‫بوتين في ني�سان العام ‪ ،2008‬في العديد من دول القارة المركزية مثل‬ ‫الجزائر والمغرب وجنوب � إفريقيا‪ .‬ويكت�سب الدور ال�صهيوني �أهمية‬ ‫ق�صوى بالن�سبة � إلى اال�ستراتيجية الأ ميركية اليوم �أكثر من �أي وقت م�ضى‪،‬‬ ‫في �أعقاب رف�ض كل الدول الإفريقية ال�سماح لأ ميركا ب� إقامة مقر قيادة‬ ‫القوة الع�سكرية الجديدة «� إفريقيا كوم»‪ ،‬و�أي�ض ًا في �ضوء النظرة العالمية‬

‫‪91‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الجديدة لإفريقيا ك�سوق تجارية كبيرة ومجا ًال ف�سيح ًا لال�ستثمار وم�صدر ًا‬ ‫مهم ًا للخامات والمعادن والمواد الأ ولية‪ ،‬ال�سيما النفط‪ ،‬حيث ك�شف معهد‬ ‫وا�شنطن للدرا�سات اال�ستراتيجية النقاب �أن منطقة البحيرات العظمى‬ ‫ومنطقة جنوب ال�سودان تعتبر من �أكثر مناطق العالم غنى بالبترول‪ ،‬الذي‬ ‫يمكن البدء با�ستغالله مطلع القرن الحادي والع�شرين‪.‬‬ ‫يمكن القول �أن عالقة الكيان ال�صهيوني ب� إفريقيا يكت�سب �أهمية‬ ‫كبرى من هذه الزاوية لأ نها تج�سد التطور في الو�سائل والأ �ساليب التي‬ ‫تعتمدها االمبريالية الأ مريكية‪ � ،‬إال �أنه على ال�صعيد الكمي مازال ال�شريك‬ ‫ال�صغير لأ ميركا في القارة الإفريقية وال غرو في ذلك مادام ر�أ�سمال‬ ‫الأ مريكي يهيمن على �شركات �صهيونية عديدة تعمل في الدول الإفريقية‪،‬‬ ‫حيث الر�ساميل الأ مريكية تدعم تغلغل ال�شركات ال�صهيونية «هي �صهيونية‬ ‫بالإ�سم» من �أجل ت�سللها � إلى القارة ال�سمراء‪ .‬ون�شير في هذا ال�صدد � إلى‬ ‫ما جاء على ل�سان �صموئيل ديكالو من �أن «االحتكارات الأ ميركية وغيرها‬ ‫دعمت المن�ش�آت االقت�صادية الم�شتركة التي ي�سهم فيها الر�أ�سمال‬ ‫الإ�سرائيلي في دول العالم الثالث»‪ ،‬وي�ست�شهد ببع�ض الأ مثلة في هذا المجال‪،‬‬ ‫«فمثالً‪ � ...‬إن�شاء (فندق العاج) في ابيدجان كان وراء � إ�سرائيل فيه م�ؤ�س�سة‬ ‫االنتركونتينتال وهي � إحدى فروع �شركة بان �أميركان»‪ .‬وبالإ�ضافة � إلى ذلك‪،‬‬ ‫ف�إن �شركة «موتوروال» ال�صهيونية (نفذت عدة م�شاريع في العديد من الدول‬ ‫الإفريقية)‪ ،‬وهي في الحقيقة �شركة ت�سيطر عليها ال�شركة الأ م وهي �شركة‬ ‫�أميركية‪ .‬وي�ساهم في «موتوروال» ال�صهيونية ال�شركات التالية‪ :‬موتوروال‬ ‫�أوف �شيكاغو بن�سبة ‪ %60‬من ر�أ�س المال‪ ،‬با�سن ولدنغراوف ازرائيل بن�سبة‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪92‬‬

‫‪ ،%27‬لفي كاتز باهولدنغر بن�سبة ‪ .%13‬من جهة �أخرى‪ ،‬تتغلغل الم�ؤ�س�سة‬ ‫الأ ميركية للتلفون وااللكترونيك العالمي في الدول الإفريقية بوا�سطة فرعها‬ ‫في الكيان ال�صهيوني‪ .‬وقد نفذ الفرع ال�صهيوني عدة م�شاريع في القارة‬ ‫الإفريقية وخا�صة في نيجيريا حيث �أن� أش� محطة �أر�ضية بم�ساعدة ال�شركة‬ ‫الأ م وم�شاريع �أخرى في الكاميرون واثيوبيا وغيرها من الدول‪.‬‬ ‫وتت�سلل الواليات المتحدة � إلى القارة الإفريقية �أي�ض ًا بوا�سطة �شركة‬ ‫«زيم» �أي ال�شركة ال�صهيونية للمالحة البحرية‪ ،‬وبوا�سطة ال�شركات التابعة‬ ‫لله�ستدروت‪ .‬ي�ساهم في �شركة «زيم» بالت�ساوي‪� :‬أو ًال «� إ�سرائيل كوربورا�سيون» وهي‬ ‫�شركة تتلقى الر�ساميل من �أميركا وانكلترا ال�ستثمارها في م�شاريع اقت�صادية‬ ‫�صهيونية‪ ،‬وثاني ًا ت�ساهم في �شركة «زيم» الحكومة ال�صهيونية والوكالة اليهودية‬ ‫واله�ستدروت بن�سبة ‪ .%50‬هذا وقد �ساهمت «زيم» في عدة م�شاريع في � إفريقيا‬ ‫وال�سيما في �شركة النقل البحرية الغانية ـ بالل �ستار‪� .‬أما فيما يتعلق بال�شركات‬ ‫التابعة لله�ستدروت التي تعمل في القارة الإفريقية‪ .‬كـ «ال�سوليل بونيه» و«كور»‬ ‫و«مكوروت»‪ ...‬ف�إن هذه ال�شركات ممولة من قبل م�ؤ�س�سة «امبال»‪ ،‬وهي م�ؤ�س�سة‬ ‫�أميركية لال�ستثمارات‪ ،‬حتى �أن معهد الدرا�سات الآفرو ـ �آ�سيوي الذي �أن�ش�أه‬ ‫اله�ستدروت عام ‪ 1960‬في � إطار برنامج التعاون «الإ�سرائيلي» ـ الإفريقي‪ .‬بد أ�‬ ‫بم�ساعدة من اتحاد النقابات الأ ميركية ‪ CIO‬ـ ‪ ،AFL‬قيمتها ‪� 60‬ألف دوالر‪ ،‬كما‬ ‫منحته �أي�ض ًا ‪� 300‬ألف دوالر بين عام ‪ 1960‬و‪ ،1962‬والمعروف �أن هذا االتحاد‬ ‫على عالقة وثيقة مع وكالة اال�ستخبارات الأ ميركية المركزية الـ ‪ C.I.A‬ـ‪.(5‬‬ ‫(‪ )55‬انطوان من�صور‪ :‬العالقات االقت�صادية بين � إ�سرائيل و� إفريقيا‪� ،‬ش�ؤون فل�سطينية‬ ‫العدد (‪ ،)29‬ك‪.1974 ،2‬‬

‫‪93‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪ 7‬ـ تحقيق الم�صالح االقت�صادية ال�صهيونية‪ ،‬وت�شمل مجموعة‬ ‫الق�ضايا المتعلقة بفتح الأ �سواق الإفريقية �أمام المنتجات واال�ستثمارات‬ ‫ال�صهيونية من ناحية‪ ،‬والح�صول على المواد الأ ولية وعنا�صر الطاقة من‬ ‫تلك القارة من ناحية �أخرى‪ ،‬وبالتالي تحقيق ربط اقت�صاديات بع�ض الدول‬ ‫االفريقية برباط من التبعية لالقت�صاد ال�صهيوني‪ .‬وفي هذا المجال يمكن‬ ‫مالحظة الأ هداف ال�صهيونية التالية‪:‬‬ ‫أ� ـ زيادة ال�صادرات ال�صهيونية � إلى الخارج وبالتالي زيادة الدخل من‬ ‫العمالت ال�صعبة وتقليل حجم العجز في الميزان التجاري‪.‬‬ ‫ب ـ فتح الأ �سواق الأ فريقية �أمام التكنولوجية ال�صهيونية‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫منتجات �صناعة الأ �سلحة ال�صهيونية‪ ،‬مما يتيح توفير � إمكانيات �أف�ضل‬ ‫ال�ستمرار تلك ال�صناعات وتطويرها وخف�ض كلفة � إنتاجها‪ ،‬مع تزايد‬ ‫النفوذ ال�صهيوني المنوط بالإتجار بها‪.‬‬ ‫جـ ـ الح�صول على ما تحتاجه ال�صناعة ال�صهيونية من المواد الخام‬ ‫من افريقيا وال�سيما المعادن النفي�سة والمعادن اال�ستراتيجية مثل‬ ‫اليورانيوم وخامات الذهب والنحا�س بالإ�ضافة � إلى النفط والما�س‪.‬‬ ‫د ـ ا�ستغالل الفر�ص اال�ستثمارية وال�سيما في مجال التعدين وال�صناعة‪.‬‬ ‫هـ ـ ك�شف مدى العجز العربي عن تقديم المعونات الفنية و� إمداد القارة‬ ‫الإفريقية باحتياجاتها من الب�ضائع اال�ستهالكية و�سواها‪.(5‬‬ ‫الالفت في ال�سيا�سة ال�صهيونية تجاه القارة الإفريقية �سعي الكيان‬ ‫ال�صهيوني � إلى �أداء دور الطرف «�صاحب النوايا الح�سنة» في افريقيا‪،‬‬ ‫(‪ )56‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪94‬‬

‫ولهذه الغاية �أن�ش�أت وزارة الخارجية في داخلها «الم�ؤ�س�سة الدولية للتعاون‬ ‫والتنمية التي تقوم بمهام الربط ما بين م�ؤ�س�سات «الدولة» و�شركات القطاع‬ ‫الخا�ص‪ .‬ومن �أهم ال�شركات ال�صهيونية التي تجتاح افريقيا حالي ًا‪:(5‬‬ ‫‪ 1‬ـ مجموعة «�سوليل بونيه» وهي ال�شركة ال�صهيونية الأ ولى التي‬ ‫تتعاطى �أعمال البناء‪ ،‬وقد تمكنت من � إنجاز م�شاريع � إنمائية عديدة في‬ ‫نيجيريا و�ساحل العاج والكاميرون وكينيا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ في مجال الدرا�سات‪ ،‬طورت �شركة «تلمال» لال�ست�شارات الهند�سية‬ ‫ن�شاطاتها في افريقية حيث تملك مكاتب تمثيل في نيجيريا وغانا وليبيريا‬ ‫والكاميرون‪ .‬وهي تعمل في م�شاريع الري وبناء الطرق والمرافئ النهرية‬ ‫و� إ�صالح المدن‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ يقوم قطاع النقل البحري واتحاد النقابات اله�ستدروت واالتحاد‬ ‫البحري ال�صهيوني الذي يملك نطاق ًا لل�شركات المختلفة بدور بارز‬ ‫في تعزيز وا�ستمرار عملية االختراق‪ ،‬وعلى هذا ال�صعيد �أن� أش� الكيان‬ ‫ال�صهيوني �شعبة تعتني بم�سائل التعاون الدولي �أطلق عليها ا�سم «ما�شافا»‬ ‫مهمتها و�ضع الأ فكار والخطط وتنفيذ مهمات التعاون المدني‪ .‬وقد ن�ش�أت‬ ‫عن هذه ال�شعبة م�ؤ�س�سات مختلفة كمركز ت�أهيل الأ جانب والمركز الدولي‬ ‫للتدريب من �أجل التنمية والمعهد الأ فرو �آ�سيوي لدرا�سات التنمية والتعاون‬ ‫والعمل ومركز ا�ست�صالح الأ را�ضي وم�ست�شفى هدا�سا التابع للجامعة‬ ‫العبرية‪ ،‬ومركز درا�سة المياه الجوفية ومركز فولكاني لتعلم �أ�س�س الري‬ ‫الحديث‪ .‬كما تغلغل النفوذ ال�صهيوني �أي�ض ًا في حقل الخدمات ومقاوالت‬ ‫(‪� )57‬صحيفة االتحاد الظبيانية ‪.1992/11/2‬‬

‫‪95‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫البناء والفنادق وفي حقل المال والبنوك‪.‬‬ ‫وقد تلقت الأ مانة العامة للجامعة العربية منذ العام ‪ 1992‬تقرير ًا‬ ‫�سري ًا يفيد ب�أن التغلغل ال�صهيوني في افريقيا يتم عبر ثالثة طرق‪:‬‬ ‫أ� ـ الم�ؤ�س�سة التي تجند الفنيين والتقنيين و� إر�سالهم � إلى الدول‬ ‫الإفريقية‪.‬‬ ‫ب ـ الم�ؤ�س�سة التي تزود ال�شركات ال�صهيونية في الكيان ال�صهيوني‬ ‫بكافة المعلومات عن الدول الإفريقية‪.‬‬ ‫جـ ـ الم�ؤ�س�سة التي تعمل على تعزيز وتقوية العالقات والروابط بين‬ ‫الكيان ال�صهيوني والدول الإفريقية في المجاالت ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫والثقافية‪ ،‬لي�س فقط مع حكومات الدول بل ومع المنظمات ال�شعبية‬ ‫والأ حزاب ال�سيا�سية‪ (5‬وتفيد تقارير ديبلوما�سية غربية � إن �أكثر من �ألفي‬ ‫خبير �أمني �صهيوني ين�شطون الآن ب�شكل ر�سمي في (‪ )12‬دولة افريقية‬ ‫ب�صفة م�ست�شارين لر�ؤ�ساء هذه الدول لل�ش�ؤون الأ منية‪.(5‬‬

‫(‪ )58‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪� )59‬صحيفة الديار اللبنانية ‪.1997/11/12‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪96‬‬

‫(‪ )3‬مراحل تطور العالقات ال�صهيونية الإفريقية‬

‫‪(6‬‬

‫مرّت ا�ستراتيجية التغلغل ال�صهيوني في افريقيا‪ ،‬بمراحل عدة‪،‬‬ ‫يمكن التمييز بين خم�س مراحل �أ�سا�سية هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ المرحلة الأ ولى ‪:1957-1948‬‬

‫البحث عن �شرعية الوجود وت�أمين الكيان‬ ‫في �سياق بحثه عن �شرعية الوجود على ال�ساحة الدولية وت�أمين‬ ‫وجوده الع�ضوي‪ ،‬لم ينظر الكيان ال�صهيوني � إلى الم�ستعمرات الإفريقية‪،‬‬ ‫بل ان�صب جل اهتمامه على القوى اال�ستعمارية الأ وروبية (ومع ذلك‬ ‫ف�إن هذه القوى �أف�سحت الطريق وا�سع ًا �أمام التغلغل ال�صهيوني في‬ ‫الم�ستعمرات الإفريقية)‪ .‬ومن �أبرز الم�ؤ�شرات التي ت�ؤكد هذا المنحى‬ ‫�أن الكيان ال�صهيوني لم يكن لديه بنهاية العام ‪� 1957‬سوى �سبع �سفارات‬ ‫فقط في العالم ب�أ�سره‪� ،‬ست منها بالقارة الأ وربية و�أميركا ال�شمالية‪.‬‬ ‫أرا�ض‬ ‫ومن الجلي �أن القارة الإفريقية جنوب ال�صحراء كانت بمثابة � ٍ‬ ‫مجهولة بالن�سبة للعاملين في وزارة الخارجية ال�صهيونية‪ ،‬حيث كانت‬ ‫هذه الدولة خا�ضعة لال�ستعمار الأ وروبي‪ ،‬عدا �أثيوبيا وليبريا‪ ،‬وكلتاهما‬ ‫معزول تمام ًا عن الكيان ال�صهيوني‪ .‬وعلى الرغم من � إبداء االمبراطور‬ ‫هيال�سيال�سي والرئي�س الليبري وليم تويمان تعاطف ًا مع الكيان‬ ‫ال�صهيوني خالل مناق�شات قرار تق�سيم فل�سطين‪ � ،‬إال �أنهما لم يرغبا‬ ‫(‪ )60‬د‪ .‬حمدي عبد الرحمن ح�سن‪ ،‬م�صر �سابق‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫في � إقامة عالقات مع «دولة» تمتلك العديد من الأ عداء‪ .‬غير �أن نقطة‬ ‫التحوّل الأ �سا�سي التي دفعت � إلى حدوث تحوّل كبير في الديبلوما�سية‬ ‫ال�صهيونية تجاه � إفريقيا تمثل في عقد م�ؤتمر باندونج عام ‪ � ،1955‬إذ لم‬ ‫توجه الدعوة للكيان لح�ضور هذا الحدث التاريخي الهام‪ ،‬ولي�ست ذلك‬ ‫فح�سب‪ � ،‬إذ �أدان الم�ؤتمر في بيانه الختامي احتالل الكيان ال�صهيوني‬ ‫للأ را�ضي العربية‪ .‬ويو�ضح �أحد الديبلوما�سيين ال�صهاينة «�صدمة»‬ ‫باندونغ على الكيان بقوله «لقد مثل باندونغ �أكبر انتكا�سة دبلوما�سية‬ ‫لنا‪ � ،‬إنه �أق�سى م�أ�ساة عانيناها‪ ،‬حيث تجمع �أكثر من مليار ون�صف �شخ�ص‬ ‫في مواجهة نحو (‪ )1.8‬مليون في � إ�سرائيل‪ .‬وهذا بحد ذاته تحطيم‬ ‫معنوي لنا في وزارة الخارجية»‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ المرحلة الثانية‪ 1957 :‬ـ ‪1973‬‬

‫�سيا�سات التغلغل‬ ‫يمكن الت�أريخ لبداية الإنطالقة ال�صهيونية في افريقيا بعام ‪،1957‬‬ ‫حيث كان الكيان ال�صهيوني �أول دولة �أجنبية تفتح �سفارة لها في �أكرا بعد‬ ‫�أقل من �شهر واحد من ح�صول غانا على ا�ستقاللها‪ .‬وقد لعبت ال�سفارة‬ ‫ال�صهيونية في �أكرا دور ًا كبير ًا في تدعيم العالقات بين البلدين‪ ،‬وهو ما‬ ‫دفع � إال افتتاح �سفارتين �آخريين في كل من منروفيا‪ ،‬وكونا كري وذلك‬ ‫تحت ت�أثير � إمكانية الح�صول على م�ساعدات تنموية وتقنية من الكيان‪.‬‬ ‫ومن جهة �أخرى تج�سدت الرغبة ال�صهيونية في ت�أ�سي�س عالقات قوية مع‬ ‫افريقية مع قيام غولدامائير ـ وزيرة الخارجية �آنذاك ـ عام ‪ 1958‬بزيارة‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪98‬‬

‫افريقيا لأ ول مرة حيث اجتمعت بقادة كل من ليبيريا وغانا وال�سنغال‬ ‫ونيجيريا و�ساحل العاج‪ .‬وبحلول عام ‪ ،1966‬كان الكيان يحظى بتمثيل‬ ‫دبلوما�سي في كافة الدول الإفريقية جنوب ال�صحراء با�ستثناء كل من‬ ‫ال�صومال وموريتانيا‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ المرحلة الثالثة‪1982-1973 :‬‬

‫�أعوام المقاطعة‬ ‫قبل حرب ت�شرين ‪ 1973‬كان الكيان ال�صهيوني يقيم عالقات‬ ‫دبلوما�سية مع خم�س وع�شرين دولة افريقية‪ ،‬بيد �أنه في الأ ول من كانون‬ ‫الثاني عام ‪ 1974‬تقل�ص هذا العدد لي�صل � إلى خم�س دول فقط هي‪ :‬جنوب‬ ‫بخاف �أن الدول‬ ‫افريقيا ولي�سوتو وماالوي و�سوازيالن وموري�شيو�س‪ .‬ولي�س ٍ‬ ‫الإفريقية التي قامت بقطع العالقات مع الكيان قد فعلت ذلك ت�أييد ًا‬ ‫للموقف الم�صري بح�سبان م�صر دولة افريقية ت�سعى � إلى ا�ستعادة �أرا�ضيها‬ ‫من االحتالل ال�صهيوني‪.‬‬ ‫بيد �أن بع�ض الباحثين يحاول تف�سير الموقف الإفريقي على �أنه كان‬ ‫يرمي � إلى الح�صول على الم�ساعدات العربية‪ ،‬وال�سيما من الدول النفطية‬ ‫وعلى الرغم من الأ همية الثانوية لهذا العامل‪ � ،‬إال �أن الباحثين ال�صهاينة‬ ‫جعلوه في �صدارة العوامل المف�سرة للمقاطعة الإفريقية للكيان ال�صهيوني‪،‬‬ ‫وال�شك �أن ذلك ينطوي على � إهانة بالغة لل�شعوب الإفريقية بت�صويرها‬ ‫�شعوب تعي�ش على الت�سول‪ ،‬و� إن مواقفها مدفوعة الثمن‪ ،‬وكذلك على � إ�ساءة‬ ‫للعرب‪ ،‬من خالل ت�صويرهم كحملة حقائب مالية ل�شراء مواقف وذمم‬

‫‪99‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الدول‪ ،‬وفي ذلك افتئات على الحقيقة‪ ،‬ال�سيما موقف الدول الإفريقية من‬ ‫العن�صرية ال�صهيونية التي �شكلت الحليف الأ وثق لنظام التمييز العن�صري‬ ‫في جنوب � إفريقيا‪ ،‬حيث ال�صفات الم�شتركة بين الكيان ال�صهيوني ونظام‬ ‫التمييز العن�صري في جنوب � إفريقيا‪� ،‬ساعدت على بناء وتوطيد تلك‬ ‫ال�صداقة الحميمة بينهما‪ ،‬دعمتها �أي�ض ًا عقيدة واحدة بالن�سبة للنظرة‬ ‫العن�صرية والعرقية للإ ن�سان‪ ،‬وكذلك للعالقة الوثيقة بين المار�شال جان‬ ‫كر�سيتان �سمت�س �أحد كبار زعماء دولة جنوب � إفريقيا العن�صرية‪ ،‬وحاييم‬ ‫وايزمن‪ ،‬رئي�س الوكالة اليهودية و�أول رئي�س للكيان ال�صهيوني‪ .(6‬وثمة‬ ‫مجموعة �أخرى من العوامل �أ�سهمت في دعم الموقف العربي في مواجهة‬ ‫الكيان ال�صهيوني خالل عقد ال�سبعينات‪ ،‬فقد �شهد هذا العقد ظهور‬ ‫تجمعات لدول العالم الثالث تعبر عن م�ستوى �أو �آخر من الت�ضامن‪ ،‬مثل‬ ‫منظمة الدول الم�صدرة للبترول (�أوبك)‪ ،‬ومجموعة الـ ‪ .77‬كما �أن الكيان‬ ‫ال�صهيوني جوبه ب�سالح البترول العربي ودعم كثير من دول العالم الثالث‬ ‫للموقف العربي‪ .‬ففي عام ‪� 1973‬أ�صبح الرئي�س الجزائري الراحل هواري‬ ‫يومدين رئي�س ًا لحركة عدم االنحياز‪ ،‬و�أثناء م�ؤتمر الحركة في الجزائر في‬ ‫العام نف�سه‪ ،‬اتخذ الم�ؤتمرون قرارات ت�ؤيد ك ًال من م�صر و�سوريا والأ ردن‬ ‫في ا�ستعادة �أرا�ضيها المحتلة‪ ،‬كما تدعو � إلى قطع العالقات الدبلوما�سية‬ ‫مع الكيان ال�صهيوني‪.‬‬ ‫وكانت كل من كوبا وزائير وتوجو من �أوائل الدول التي ا�ستجابت‬ ‫(‪ )61‬ريت�شاردي �ستيفن�س‪ ،‬ترجمة‪ :‬رفيق � إبراهيم جبور‪ ،‬وايزمن و�سموت�س‪ ،‬من�شورات‬ ‫الطالئع‪ ،‬بال رقم وتاريخ الطبعة‪� ،‬ص‪.9‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪100‬‬

‫لدعوة المقاطعة تلك‪ .‬وفي عام ‪ 1974‬ر�شح وزير الخارجية الجزائري عبد‬ ‫العزيز بوتفليقة رئي�س ًا للجمعية العامة للأ مم المتحدة‪ .‬وقد ا�ستطاع العرب‬ ‫وبم�ساعدة قوتهم النفطية � إ�ضفاء مزيد من ال�شرعية الدولية على منظمة‬ ‫التحرير الفل�سطينية‪ .‬لذلك دعي المرحوم يا�سر عرفات في ‪ 13‬ت�شرين‬ ‫الثاني ‪ � 1974‬إلى � إلقاء خطاب �أمام الجمعية العامة‪ ،‬و�أن يعامل معاملة‬ ‫ر�ؤ�ساء الدول‪ ،‬وذلك ب�شكل غير م�سبوق في تاريخ المنظمة الدولية‪ � .‬إ�ضافة‬ ‫لما �سبق‪ ،‬نجحت الحملة العربية الرامية � إلى عزل الكيان ال�صهيوني‬ ‫وو�صفه بالعن�صرية‪ ،‬حيث تمت م�ساواته بالنظام العن�صري في جنوب‬ ‫افريقيا وا�ستفادت الحملة العربية من المواقف وال�سيا�سات ال�صهيونية في‬ ‫افريقيا مثل‪:‬‬ ‫(�أ) الدعم ال�صهيوني للحركات االنف�صالية االفريقية على �شاكلة بيافرا‬ ‫في نيجيريا وجنوب ال�سودان‪.‬‬ ‫(ب) دعم وت�أييد نظام التفرقة العن�صرية في جنوب افريقيا‪.‬‬ ‫لكن الموقف الإفريقي‪ ،‬و� إن كانت له دالالت �سيا�سية ودبلوما�سية‬ ‫وا�ضحة من زاوية ال�صراع العربي ـ ال�صهيوني‪ � ،‬إال �أن الكيان ظل على‬ ‫عالقة وثيقة ـ ولو ب�شكل غير ر�سمي‪ ،‬مع معظم الدول الإفريقية التي قامت‬ ‫بقطع العالقات معه‪ .‬ولي�س �أدل على ذلك من �أن التجارة ال�صهيونية مع‬ ‫افريقيا خالل الفترة (‪ )1978-1973‬قد ت�ضاعفت من (‪ )54.8‬مليون‬ ‫دوالر � إلى ‪ 104.3‬مليون دوالر‪ .‬وتركزت هذه التجارة بالأ �سا�س في الزراعة‬ ‫والتكنولوجية‪.‬‬ ‫وبنهاية عقد ال�سبعينات و�أوائل الثمانينات كثف الكيان ال�صهيوني‬

‫‪101‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫جهوده من �أجل � إعادة عالقاته الدبلوما�سية ب�إفريقية‪ ،‬حيث قام وزير‬ ‫خارجيته ب�إجراء اجتماعات مبا�شرة مع الزعماء الأ فارقة �سواء في الأ مم‬ ‫المتحدة �أو في العوا�صم الإفريقية‪ .‬ومع ذلك فقد باءت هذه الحملة‬ ‫ال�صهيونية بالف�شل‪ ،‬الأ مر الذي دفع ب�إحدى ال�صحف ال�صهيونية � إلى عدم‬ ‫توقع قيام �أي دولة � إفريقية كبرى ب�إعادة عالقاتها مع الكيان في الم�ستقبل‬ ‫المنظور‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ المرحلة الرابعة‪1991-1982 :‬‬

‫العودة الثانية‬ ‫عام ‪� 1982‬أعلنت دولة افريقية واحدة هي زائير (الكونغو‬ ‫الديمقراطية حالياً) عن عودة عالقاتها الديبلوما�سية مع الكيان‬ ‫ال�صهيوني‪ .‬وفي التقدير �أن ثمة ثالثة دوافع �أ�سا�سية وراء ذلك‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ان�سحاب الكيان ال�صهيوني من �سيناء‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ توقع الكونغو �أن ا�ستئناف العالقات �سوف ي�ؤدي � إلى مزيد من الم�ساعدات‬ ‫االقت�صادية والتنموية ال�صهيونية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ اال�ستفادة من النفوذ ال�صهيوني في الواليات المتحدة لم�صلحة ا�ستمرار‬ ‫الدعم الأ مريكي لنظام موبوتو‪.‬‬ ‫�أما لماذا الدول الإفريقية الأ خرى التي حافظت على عالقات وثيقة‬ ‫غير ر�سمية لم تنهج نف�س الم�سلك الزائيري؟ فيعود � إلى‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ � إن قرار زائير كان منفرد ًا ولم يكن بالتن�سيق مع الدول الأ خرى‪ .‬وقد‬ ‫حاجج البع�ض ب�أن قرار قطع العالقات مع الكيان ال�صهيوني كان‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪102‬‬

‫برعاية منظمة الوحدة الإفريقية في �أواخر ال�ستينات‪ ،‬ومن ثم ينبغي‬ ‫�أن يكون ا�ستئناف هذه العالقات بقرار من المنظمة ذاتها‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ �أنّ الدول العربية كثفت من حملتها الدبلوما�سية الم�ضادة حيث‬ ‫ا�ستخدمت �سالح الم�ساعدات االقت�صادية والتقنية ك�أداة للترغيب‬ ‫والترهيب في �آن واحد‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ قيام الكيان ال�صهيوني في حزيران ‪ 1982‬بغزو لبنان‪ ،‬ما ي�ؤكد نزعته‬ ‫التو�سعية والعدوانية‪.‬‬ ‫وكان وزير الحرب ال�صهيوني �آنذاك �أرئيل �شارون قد وقع مع الرئي�س‬ ‫موبوتو في ت�شرين الأ ول ‪ 1981‬على برتوكول للتعاون الع�سكري ن�ص على‬ ‫«ت�أ�سي�س نظام �أو�سع للتعاون يقوم على مبد أ� المنفعة المتبادلة وال�سيما في‬ ‫ميدان الأ من القومي‪ ،‬بما يمكن البلدين من مواجهة �أي خطر مهما كان‬ ‫حجمه �أو نوعه‪ .‬وتطرح متطلبات الأ من القومي لكل من زائير و� إ�سرائيل‬ ‫� إمكانيات وا�سعة النطاق لتعاون ثنائي ومتبادل مثمر‪ ،‬تف�ضي � إلى زيادة‬ ‫المقدرة الدفاعية على الم�ستوى الع�سكري لكل من البلدين‪ ،‬بالإ�ضافة � إلى‬ ‫تلبية متطلبات �أمن كل منهما ب�شكل كامل»‪.‬‬ ‫�صفوة القول‪� :‬أن ال�صراع العربي ـ ال�صهيوني‪� ،‬أ�ضحى محدود الت�أثير‬ ‫في مجمل العالقات ال�صهيونية ـ الإفريقية‪ ،‬بل � إنّ ثالث دول � إفريقية‪:‬‬ ‫� إفريقيا الو�سطى وكينيا و� إثيوبيا �أعلنت عن عودة عالقاتها مع الكيان‬ ‫ال�صهيوني‪� ،‬ساعة و�صول االنتفا�ضة الفل�سطينية الكبرى � إلى ذروتها‪ .‬وقد‬ ‫حاججت بع�ض هذه الدول بذريعة �أنها �أعادت العالقات الدبلوما�سية مع‬ ‫الكيان ال�صهيوني بغية الم�ساهمة في عملية «ال�سالم» ال�شرق �أو�سطية!!‪.‬‬

‫‪103‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪ 5‬ـ المرحلة الخام�سة‪1991 :‬‬

‫�سيا�سات التطبيع‬ ‫�شهدت هذه المرحلة ال�سيما خالل عامي ‪ � 1992-1991‬إعادة ت�أ�سي�س‬ ‫العالقات بين الكيان ال�صهيوني و� إفريقية‪ ،‬ويعزى ذلك � إلى‪:‬‬ ‫ـ التغيرات في النظام الدولي وانعكا�ساته الإقليمية‪.‬‬ ‫ـ �سقوط النظم ال�شعبوية والمارك�سية في � إفريقيا‪.‬‬ ‫ـ الدخول في العملية التفاو�ضية بين العرب وال�صهاينة منذ م�ؤتمر‬ ‫مدريد‪.‬‬ ‫وقد ت�سارعت عودة العالقات ال�صهيونية ـ الإفريقية‪ ،‬حتى � إنه في‬ ‫عام ‪ ،1992‬وحده قامت ثماني دول � إفريقية ب�إعادة تطبيع عالقاتها مع‬ ‫الكيان ال�صهيوني‪ ،‬وطبق ًا للبيانات ال�صهيونية ف� إن عدد الدول الإفريقية‬ ‫التي �أعادت عالقاتها الديبلوما�سية �أو �أ�س�ستها مع الكيان ال�صهيوني منذ‬ ‫م�ؤتمر مدريد ت�شرين الأ ول ‪ ،1991‬بلغ ثالثين دولة‪.‬‬ ‫و� إذا كانت م�صر هي الدولة العربية الإفريقية التي تمتلك عالقات‬ ‫دبلوما�سية كاملة مع الكيان‪ ،‬ف� إن هناك �أربع دول عربية � إفريقية‪ :‬تون�س‪،‬‬ ‫المغرب وموريتانيا وجزر القمر تجمعها بالكيان روابط دبلوما�سية على‬ ‫م�ستوى مكاتب االت�صال‪ .‬وفي عام ‪ 1997‬بلغ عدد الدول الإفريقية التي‬ ‫تحتفظ بعالقات دبلوما�سية مع الكيان (‪ )48‬دولة‪ .‬وفي توثيق العالقات‬ ‫يعتمد الكيان دعامتين �أ�سا�سيتين‪:‬‬ ‫(‪ )1‬التعويل على خلق م�صالح اقت�صادية متبادلة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬االهتمام بالدول ذات الأ غلبية الإ�سالمية‪� ،‬أو تلك التي ت�شهد‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪104‬‬

‫وجود �أقليات � إ�سالمية وجاليات عربية كبيرة حيث � إنها تقليدي ًا معادية‬ ‫للكيان ال�صهيوني‪ ،‬لذلك يعمد الكيان من خالل برامجه التدريبية‬ ‫وم�ساعداته التقنية � إلى «تحييد» هذه الجماعات‪ ،‬ولي�س �أدل على ذلك من‬ ‫�أن معظم المتدربين في البرنامج الدولي ال�صهيوني الذي عقد في مدينة‬ ‫مومبا�سا الكينية هم من الم�سلمين‪.‬‬ ‫عام ‪ ،1997‬بلغ عدد الأ فارقة الذين تلقوا تدريب ًا في الكيان ال�صهيوني‬ ‫(‪ )742‬متدرباً‪ � ،‬إ�ضافة � إلى نحو (‪ � )2436‬إفريقي ًا تلقوا تدريبهم من قبل‬ ‫مراكز التدريب ال�صهيونية خالل الأ ربعين �سنة‪ ،‬وقد قام الكيان ب� إعادة‬ ‫تقويم �أداء المراكز التدريبية الخا�صة ب� إفريقيا وهي‪:‬‬ ‫ـ مركز جبل كارمل بمدينة حيفا‪ ،‬الذي ينظم حلقات درا�سية للمر�أة‬ ‫الإفريقية في ميدان التنمية‪.‬‬ ‫ـ مركز درا�سة اال�ستيطان‪ ،‬الذي يعر�ض تدريبات في البحوث‬ ‫الزراعية والتخطيط الإقليمي‪.‬‬ ‫ـ المركز الزراعي الذي يوفر الخبراء والم�ساعدة الفنية لتعظيم‬ ‫ا�ستخدام الموارد المتاحة‪.‬‬ ‫ـ ق�سم التدريب الأ جنبي والذي يهتم بق�ضايا التنمية الريفية‪.‬‬ ‫ـ المعهد الأ فرو �آ�سيوي لله�ستدروت‪ ،‬الذي يهتم ب�أن�شطة االتحادات‬ ‫العمالية‪.‬‬

‫‪105‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪106‬‬

‫(‪ )4‬مطاردة العرب في �إفريقيا‬ ‫لعل �أهم معطيات الواقع الإفريقي التي تم ا�ستثمارها �صهيونياً‪ ،‬هي‬ ‫المعطيات المرتبطة ب�صورة العربي في العيون الإفريقية على م�ستوى النخب‬ ‫الحاكمة وعلى م�ستوى الر�أي العام الإفريقي في الوقت عينه‪ .‬فرغم تراجع‬ ‫�صورة العربي تاجر الرقيق والعاج في �أذهان الإفريقيين نتيجة للن�شاط‬ ‫الديبلوما�سي الذي بذلته م�صر جمال عبد النا�صر بعد ثورة ‪ 23‬تموز على‬ ‫�صعيد القارة الإفريقية‪ � ،‬إال �أن الإعالم ال�صهيوني �سعى دائم ًا لتجديد ال�صورة‬ ‫ال�سلبية للعرب لدى عموم الأ فارقة عن طريق تعميم ال�صورة ال�سلبية لبع�ض‬ ‫قطاعات الجاليات العربية وخا�صة اللبنانية وال�سورية الناتجة عن ارتباط‬ ‫بع�ض هذه القطاعات بالنخب الحاكمة الإفريقية من جهة‪ ،‬وممار�سات‬ ‫ل�سلوكيات اقت�صادية انتهازية من جهة ثانية جعلتها مكروهة لدى الر�أي‬ ‫العام الإفريقي‪ .‬ودعمت و�سائل الإعالم ال�صهيونية هذه ال�صورة ال�سلبية‬ ‫للعرب ب�صورة �سلبية �أخرى هي �صورة العربي مالك النفط والعوائد النفطية‬ ‫الكبيرة والخيالية التي ال يتم ا�ستثمارها لدعم الأ فارقة‪ ،‬و� إن ا�ستثمر بع�ضها‬ ‫في القارة الإفريقية فهو ا�ستثمار �سلبي ي�ستند � إلى �سلوك بطيء ومتردد‬ ‫و�سيلته القرو�ض العربية المرتبطة بفوائد مرهقة ن�سبي ًا‪.(6‬‬ ‫المعلومات المتوافرة ت�شير � إلى وجود نحو ربع مليون لبناني في دول‬ ‫القارة الإفريقية‪� ،‬أبرزها ال�سنغال و�أبيدجان و�سيراليون وغينيا‪ .‬وكان ه�ؤالء‬ ‫قد هاجروا منذ ع�شرات ال�سنين حيث كانت � إفريقيا ماتزال �أر�ض الأ دغال‬ ‫(‪ � )62‬إح�سان مرت�ضى‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫‪107‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫والمخاطر‪ .‬وفي الوقت الحا�ضر ي�شعر الكثير من ه�ؤالء �أن وجودهم هناك‬ ‫بات مهدد ًا خا�صة في ليبيريا والغابون و�سيراليون و�ساحل العاج‪� .‬أما الم�أ�ساة‬ ‫الم�ؤلمة فكانت في الكونغو حيث اغتيل(‪� )11‬شاب ًا لبناني ًا في ظروف غام�ضة‬ ‫ال تبتعد عنها الأ �صابع ال�صهيونية كثيراً‪ .‬وفي هذا المجال يقول رئي�س الجالية‬ ‫اللبنانية �أن «الإ�سرائيليين» ي�ضخمون با�ستمرار الأ خطاء � إذا ح�صلت‪ .‬ف�إذا‬ ‫ارتكب �أحد اللبنانيين المراهقين‪ ،‬الذين يمكن �أن يكون قد ولد في الكونغو‬ ‫و�شب فيها‪ ،‬خط أ� ما‪ ،‬لكونه عاط ًال عن العمل‪ ،‬ف�إن الجالية اليهودية هناك‬ ‫ت�ضخم الأ مر محاولة � إظهار الجالية اللبنانية ب�أكملها في موقع الخط�أ‪ .‬فالكيان‬ ‫ال�صهيوني كعادته ال يحارب مبا�شرة بل عن طريق الت�ضييق على اللبنانيين‬ ‫عبر مناف�ستهم في لقمة عي�شهم والتحكم بالمال واالقت�صاد‪ .‬فقبل م�صرع‬ ‫الرئي�س الكونغولي كابيال ح�صلت �شركة «‪ »IDI‬ال�صهيونية التابعة لحزب‬ ‫�شا�س اليهودي المتطرف على حق ا�ستخراج الما�س وبيعه دون �أي �شركة‬ ‫�أخرى بما فيها ال�شركات اللبنانية مقابل (‪ )18‬مليون دوالر �شهرياً‪ ،‬وهذا‬ ‫المبلغ ال يكفي ال�ستخراج ثالثة �أو �أربعة �أحجار من الما�س‪ .‬وبذلك ق�ضت‬ ‫على الدور المميز الذي كان يقوم به اللبنانيون منذ عام ‪ 1960‬ال�ستخراج‬ ‫الما�س‪ ،‬مما �ألحق �أ�ضرار ًا فادحة بالكونغو وباللبنانيين على حد �سواء‪ .‬ومع‬ ‫كابيال االبن تمت � إعادة فتح ال�سوق لكل ال�شركات مع � إعادة تنظيمها‪ ،‬ورغم‬ ‫ذلك بقي اليهود ي�ضايقون اللبنانيين بل ويعملون على ا�ستدراج بع�ضهم من‬ ‫العاطلين عن العمل لم�ؤ�س�ساتهم لتوريطهم في م�شاكل عمالت مزورة وما‬ ‫�شابه‪ ،‬ثم ي�شون بهم � إلى ال�سلطات الكونغولية‪.(6‬‬ ‫(‪ )63‬ال�سيا�سة الدولية العدد ‪� ،144‬ص‪.196‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪108‬‬

‫بالإ�ضافة � إلى الكونغو‪ ،‬ي�صل القلق لدى اللبنانيين في �ساحل العاج‬ ‫ذروته‪ ،‬حيث يتم تحطيم محالتهم التجارية �أو نهبها‪ ،‬الأ مر الذي �أرغم‬ ‫العديدين منهم على العودة � إلى الوطن خوف ًا على �أرواحهم‪ .‬وقد روى �أحد‬ ‫�أ�صحاب الر�ساميل الكبيرة من اللبنانيين في �أبيد جان �أن وراء القالقل‬ ‫والمخاطر التي يتعر�ضون لها هناك جهاز المو�ساد ال�صهيوني الذي ي�ضم‬ ‫نحو �ستين عن�صر ًا يتوزعون على مجموعة �شركات ي�سيطر عليها اليهود‬ ‫وتملك ر�ساميل �ضخمة تحاول تطويق القدرات اللبنانية و� إجبارها على‬ ‫الإفال�س والرحيل‪ .‬وقد وجد جهاز المو�ساد من يتكئ عليه من ال�شباب‬ ‫والمراهقين ال�سود الذين �شحنت نفو�سهم بالكراهية �ضد اللبنانيين خا�صة‬ ‫والعرب عامة‪ ،‬ممن يتهمون بالر�شوة والتهريب‪ .‬وقد اعتبر مدير ال�ش�ؤون‬ ‫ال�سيا�سية ال�سابق في وزارة الخارجية اللبنانية ال�سفير محمد �ستيتية �أن‬ ‫�صورة اللبناني‪ ،‬قد ت�شوهت في الداخل والخارج نتيجة للحروب التي دارت‬ ‫في لبنان منذ العام ‪ ...1975‬والخطير في الأ مر �أن بع�ض الدول الإفريقية‬ ‫التي تعاني من �أزمات اقت�صادية و�صراعات داخلية تبحث عن متنف�س لهذه‬ ‫الأ و�ضاع فتعمل على تحويل اللبناني � إلى كب�ش محرقة‪.‬‬ ‫والأ خطر هو �أن النفوذ ال�صهيوني العائد � إلى � إفريقيا يعمل على‬ ‫االنتقام من العرب واللبنانيين ث�أر ًا لنجاح اللبناني في افريقيا وهو الوجود‬ ‫العربي الأ كثر انت�شاراً‪.‬‬ ‫وهذا المخطط يرمي � إلى �أخذ ال�صهاينة مكان اللبنانيين‪ ،‬ال�سيما‬ ‫على الم�ستويين االقت�صادي وال�سيا�سي‪.(6‬‬ ‫(‪� )64‬صحيفة االتحاد الظبيانية ‪.1995/3/11‬‬

‫‪109‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪110‬‬

‫نماذج تطبيقية للإ �ستراتيجية ال�صهيونية‬ ‫في �شرق �إفريقيا‬

‫‪111‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫«� إيالت» قاعدة انطالق عدوان القوات «الإ�سرائيلية» على م�صر ‪1967‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪112‬‬

‫(‪ )1‬نظرة عامة على الدور ال�صهيوني‬ ‫في حروب القارة الإفريقية‬ ‫�شهدت القارة الإفريقية خالل العقود الأ ربعة الما�ضية �أكثر من‬ ‫(‪ )35‬نزاع ًا م�سلح ًا ذهب �ضحيتها ما يزيد على ع�شرة ماليين �ضحية‪،‬‬ ‫ونتيجة اندالع ال�صراعات فيما يعرف بمنطقة البحيرات العظمى ف� إن كان‬ ‫الدالئل ت�شير � إلى وجود �أ�صابع �أجنبية وراء ا�شتعال هذه الحروب والعمل‬ ‫على ا�ستمرارها وتقديم كل ما ت�ستلزمه من �أ�سلحة وعتاد من �أجل الإفادة‬ ‫منها ومن بين هذه الأ �صابع تبرز الأ �صابع ال�صهيونية التي تتدخل في‬ ‫محورين‪:‬‬ ‫ـ محور منابع النيل حيث يحاول الكيان ال�صهيوني الإم�ساك بخناق‬ ‫م�صر التي قال عنها هيردوت �أبو التاريخ �أنها «هبة النيل»‪ ،‬ومن �أجل ذلك‬ ‫ي�ساعد في � إقامة �سدود �ضخمة على النهر وخ�صو�ص ًا في اثيوبيا بهدف‬ ‫التحكم بم�صير ومقدرات كل من م�صر وال�سودان‪ � .‬إذ ال يخفى على �أحد‬ ‫�أن ورقة النيل كثير ًا ما تمّ التلويح بها في وجه م�صر من قبل � إثيوبيا وفي‬ ‫�أكثر من منا�سبة وقد �أخذت تكت�سب �أبعاد ًا خطيرة منذ �أن بد أ� العمل على‬ ‫ترجمتها على الأ ر�ض ب�صورة م�شاريع و�سدود بالخبرة ال�صهيونية وبتمويل‬ ‫من الم�ؤ�س�سات المالية الدولية‪ ،‬رغم �أن القانون الدولي يمنع �أي تمويل‬ ‫مالي لأ ي م�شروع مائي مالم توافق عليه الدول المعنية‪ .‬فبعد �أن �أقدمت‬ ‫�أثيوبيا عام ‪ 1993‬على طرد مجموعة من الم�صريين من �أرا�ضيها كانوا‬

‫‪113‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫يعملون في م�شاريع ا�ستثمارية نتيجة �ضغوط �صهيونية‪ ،‬تحت زعم �أنّ له�ؤالء‬ ‫�أغرا�ض ًا ا�ستخبارية تتمثل في مراقية مياه النيل في �أثيوبيا‪ ،‬وت�صريح‬ ‫�شركة «المقاولون العرب»‪� ،‬أنّ لإ�سرائيل م�صالح حيوية على النيل الأ زرق‪،‬‬ ‫وتتمثل في � إقامة بع�ض ال�سدود‪� ،‬أعلنت � إثيوبيا العام ‪ 1996‬عزمها على‬ ‫� إن�شاء �سدين الأ ول على النيل الأ زرق‪ ،‬والثاني على نهر دابو�س‪ ،‬وقالت �أنها‬ ‫ح�صلت على موافقة الجهات الممولة التي كانت تقابل الفكرة في ال�سابق‬ ‫بالرف�ض‪ ،‬و�أعلنت �أنها غير ملزمة بالح�صول على موافقة �أية جهة؟؟ وقد‬ ‫ترافق ذلك مع � إحكام الكيان ال�صهيوني عبر قبائل التوت�سي �سيطرته على‬ ‫منطقة البحيرات العظمى التي تغذي نهر النيل‪.‬‬ ‫وفي هذا المجال �أي�ض ًا نتذكر تهديدات الوزير ال�صهيوني الم�ستقيل‬ ‫افيغدور ليبرمان بق�صف �أ�سوان وتدمير ال�سد العالي‪.‬‬ ‫ـ محور البحر الأ حمر المنفذ الحيوي � إلى المحيط الهندي والبحر‬ ‫المتو�سط والمحيط الأ طل�سي‪ .‬وقد حدد ديفيد بن غوريون غاية الكيان‬ ‫ال�صهيوني من التحكم بمنافذ البحر الأ حمر بثالثة �أهداف‪:(6‬‬ ‫(‪ )1‬جعل البحر الأ حمر منفذ ًا �صهيوني ًا � إلى القارة الإفريقية وال�شرق‬ ‫�آ�سيوية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ا�ستخدامه ك�شريان «� إ�سرائيلي» والإفادة منه عو�ض ًا عن قناة‬ ‫ال�سوي�س‪.‬‬ ‫(‪ )3‬تفكيك الروابط القومية للعالم العربي‪.‬‬ ‫ولهذا �سعى الكيان ال�صهيوني � إلى � إ�شعال نيران الحروب في � إفريقيا‬ ‫(‪� )65‬صحيفة االتحاد الظبيانية ‪.1990/7/2‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪114‬‬

‫ال�ستغاللها في زيادة نفوذه وح�ضوره هناك كما ح�صل في الحروب بين‬ ‫قبائل التوت�سي والهوتو في رواندا وبوروندي‪.‬‬ ‫على هذا ال�صعيد تجدر الإ�شارة � إلى تهريب ال�سالح ال�صهيوني لقبائل‬ ‫الهوتو على الرغم من الحظر الدولي عام ‪ ،1994‬وذلك لدعمها في حربها‬ ‫�ضد قبائل التوت�سي التي يقول الكيان ال�صهيوني �أن م�صر كانت تدعمها في‬ ‫زائير‪ .‬كما تدخل الكيان ال�صهيوني لدعم المعار�ضة في الكونغو برازافيل‬ ‫و�ساند نظام �ألبا جندا في �أوغندا ونظام الأ مهرة في اثيوبيا‪ ،‬وتدخل في‬ ‫منطقة باب المندب بتغلغله في �أريتريا حيث يوجد ما بين (‪)800-600‬‬ ‫م�ست�شار �صهيوني مهمتهم تدريب الجي�ش الإريتري‪ ،‬ومن ناحية ثانية ا�ستغل‬ ‫ه�ؤالء العالقات القوية التي تربطهم بالرئي�س �أ�سيا�س �أفورقي الذي زار‬ ‫الكيان عدة مرات وا�شترى منه طائرات كفير ودبابات ميركافا ور�شا�شات‬ ‫عوزي لجي�شه‪ .(6‬وقد و�صل الأ مر � إلى حد قيام جماعات تب�شيرية يهودية‬ ‫من بينها �شهود يهوه التي ا�ستطاعت �أن ت�ؤثر في فئات م�سيحية وم�سلمة‬ ‫العتناق ما تدعو � إليه عن طريق الإغراءات وتقديم الم�ساعدات‪ ،‬وتمكن‬ ‫الكيان ال�صهيوني من تحري�ض اريتريا �ضد الدول العربية المجاورة التي‬ ‫كانت �ساعدت �أفورقي في ثورته التحريرية �ضد � إثيوبيا‪ ،‬خ�صو�ص ًا ال�سودان‬ ‫واليمن‪.‬‬ ‫كما نجح الكيان ال�صهيوني في عقد اتفاقات تعاون مع اريتريا عام‬ ‫‪ 1992‬في المجال الع�سكري �شملت م�ساعدة القوات الإريترية على احتاللها‬ ‫جزيرتي حني�ش الكبرى وال�صغرى (�أعيدتا الحق ًا � إلى اليمن بتحكيم دولي)‬ ‫(‪ )66‬مجلة الكفاح العربي ‪.2000/3/31‬‬

‫‪115‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫و� إلى تدعيم قواتها لأ همية‪ ،‬هذه الجزر في توفير الهيمنة ال�صهيونية على‬ ‫المالحة عبر م�ضيق باب المندب اال�ستراتيجي‪ ،‬كما �ساهم الكيان في‬ ‫تقديم ت�سهيالت بحرية وجوية الريتريا‪ .‬هذا � إلى جانب تدريب حوالي‬ ‫(‪ )40‬جندي ًا اريتريا في بعثة تدريبية لدى القوات البحرية ال�صهيونية‪،‬‬ ‫وم�شاركة (‪� )350‬صهيوني ًا من يهود الفال�شا في �صيانة وت�أمين المن�ش�آت‬ ‫الع�سكرية في اريتريا‪ .‬وبناء على طلب اريتريا قام الكيان ال�صهيوني‬ ‫ب� إيفاد مجموعة من (‪ )200‬ع�سكري كم�ست�شارين ع�سكريين من �سالحي‬ ‫الجو والبحر وعنا�صر المخابرات لحماية الوجود الع�سكري الإريتري في‬ ‫ميناء م�صوع على البحر الأ حمر‪ .‬وامتد النفوذ ال�صهيوني � إلى كل من‬ ‫اثيوبيا وكينيا و�أوغندا وتنزانيا‪ .‬كما منح الكيان ال�صهيوني ت�شاد هبة‬ ‫من الأ �سلحة عن طريق زائير عام ‪ ،1983‬وتو�سعت العالقات حتى �أ�صبح‬ ‫هناك خبراء �صهاينة مع عنا�صر زائيرية في ت�شاد تقوم بتدريب الجي�ش‬ ‫الت�شادي‪ ،‬ويتحمل الكيان ال�صهيوني التكاليف‪ .(6‬وبالن�سبة لنيجيريا فقد‬ ‫برز التعاون الع�سكري ال�صهيوني ب�إن�شاء ثالث قواعد جوية‪.‬‬ ‫وال يخفى في هذا المجال وجود الم�صالح المتكاملة ما بين الكيان‬ ‫ال�صهيوني والواليات المتحدة‪ ،‬يقول كري�ستيئان تورديني‪ � :‬إن الخطط‬ ‫«الإ�سرائيلية» المتعلقة بالبحيرات العظمى ومنابع النيل‪ ،‬ال يقت�صر الهدف‬ ‫من ورائها على فتح ثغرة في خطوط الأ من القومي والمائي العربيين‬ ‫بوا�سطة اثيوبيا واريتريا‪ ،‬بل يتجاوز ذلك � إلى جعل �أبواب المنطقة م�شرعة‬ ‫(‪ )67‬الكفاح العربي ‪ .1997/4/9‬لتغلغل اليهود في افريقيا‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪116‬‬

‫�أمام الم�صالح الأ ميركية‪ .(6‬وهذا ما ي�ؤكده �أي�ض ًا اللواء عثمان كامل الرئي�س‬ ‫ال�سابق لهيئة البحوث الع�سكرية الم�صرية‪ � ،‬إذ يقول «�أن الوجود الإ�سرائيلي‬ ‫في � إفريقيا لي�س هدف ًا � إ�سرائيلي ًا فقط بل هو تعبير عن م�صالح �أميركية‬ ‫وغربية حار�سها الأ مين � إ�سرائيل وقد �أح�سن الحار�س اختيار البوابة‪ ،‬فكان‬ ‫الدخول من طريق التعاون الع�سكري الوطيد»‪.(6‬‬ ‫يبدو مما تقدم �أنّ الح�سابات الع�سكرية لدى ال�صهاينة تت�صدر‬ ‫�سلم الأ ولويات في العالقات الأ فرو �صهيونية‪ ،‬بحيث يعد التعاون الع�سكري‬ ‫وعمليات الت�سليح التي يقوم بها الكيان للدول الإفريقية بمثابة حجر الزاوية‬ ‫في بنيان العالقات الم�شتركة‪ ،‬ويتحرك الكيان في هذا المجال � إ�ضافة‬ ‫� إلى ال�شكل الر�سمي‪ .‬ب�شكل غير ر�سمي وذلك عن طريق �شركة خدمات‬ ‫�أمنية هي «ليف ـ دان» التابعة للمو�ساد والمتخ�ص�صة في مجاالت التدريب‬ ‫والحماية الأ منية‪ ،‬الأ مر الذي ي�ستدعي الت�سليح وال�صيانة الحربية وخدمات‬ ‫الم�ساندة‪ ،‬فالر�شا�ش «عوزي» ال�صهيوني �صار ال�سالح المف�ضل لدى رجال‬ ‫الأ من الأ فارقة‪ ،‬ونظم االت�صال والمراقبة الأ منية في المطارات والمباني‬ ‫الحكومية باتت �صهيونية �أي�ضاً‪ .‬ويقدر حجم مبيعات الأ �سلحة ال�صهيونية‬ ‫� إلى � إفريقيا بمليار دوالر في ال�سنة على الأ قل‪.(7‬‬

‫(‪ )68‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪� )69‬صحيفة الديار ‪.1997/11/12‬‬ ‫(‪ )70‬مجلة المجلة ‪.1994/5/30‬‬

‫‪117‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪118‬‬

‫(‪ )2‬ال�سودان في العين ال�صهيونية‬ ‫ا�ست�أثر ال�سودان مبكر ًا باهتمامات الحركة ال�صهيونية‪ ،‬عبر خطتين‬ ‫لتوطين اليهود فيه في الأ عوام ‪ 1900‬و‪ 1907‬الخطة الأ ولى قدمها اليهودي‬ ‫رابوروت � إلى اللورد كرومر في القاهرة‪ ،‬ورابوروت هذا هو مواطن بريطاني‬ ‫وخبير في �ش�ؤون الفال�شا قام برحلة � إلى اثيوبيا في �أواخر القرن التا�سع ع�شر‬ ‫لدرا�سة �أحوال الفال�شا فيها‪ ،‬وخالل رحلته تلك تو�صل � إلى نتيجة مفادها �أنّ‬ ‫ال�سودان هو �أن�سب الأ را�ضي لتوطين اليهود ن�سبة لخ�صوبة �أرا�ضيه وقلة عدد‬ ‫�سكانه في ذلك الوقت‪ ،‬كما �أنه �شعر �أن اليهود �ستعجبهم الهجرة الحرة � إلى‬ ‫بلد يرزح تحت نير اال�ستعمار الإنجليزي‪ .‬وفي ر�سالة له � إلى اللورد كرومر‪،‬‬ ‫ذكر رابوروت «�أنه لي�س هناك مكان منا�سب لتوطين اليهود �سوى الأ ر�ض‬ ‫الواقعة على �ضفتي النيل» وكان يعني ال�سودان‪ ،‬م�شير ًا � إلى �أنه في حالة قبول‬ ‫اقتراحه هذا ف�إنه �سيقترح على جمعية اال�ستعمار اليهودي �أن تبد أ� بتوطين‬ ‫يهود الجوندا ويهود اليمن في ال�سودان على �أن يعقبهم يهود رو�سيا‪.(7‬‬ ‫�أما المخطط الثاني فقد �أعده �أبراهام جالنت وقدمه � إلى رئي�س‬ ‫المنظمة الإقليمية اليهودية في عام ‪ .1907‬قدم جالنت م�شروع ًا مف�ص ًال‬ ‫لتوطين �أعداد هائلة من اليهود في ال�سودان‪ ،‬غير �أن تلك المخططات‬ ‫قد �صرف النظر عنها في وقتها لينظر فيها الحقاً‪ .‬لكن ذلك لم ي�صرف‬ ‫الأ نظار ال�صهيونية عن ال�سودان‪ � ،‬إذ بقي محط �أنظار الكيان ال�صهيوني‬ ‫(‪� )71‬سلمان قادم �آدم‪ .‬التورط الإ�سرائيلي في جنوب ال�سودان‪ :‬المخاطر والأ بعاد‪ ،‬مجلة‬ ‫�ش�ؤون عربية (العدد ‪� ،1999‬أيار‪ ،‬حزيران)‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫منذ قيامه العام ‪ ،1948‬لذا حاول التغلغل فيه وتوطيد عالقاته معه � إثر‬ ‫التجاوب الذي وجده من بع�ض الأ حزاب ال�سودانية‪( ،‬ال�سيما حزب الأ مة‪،‬‬ ‫وذلك في الخم�سينات من القرن الع�شرين) وقد وردت تفا�صيل بين حزب‬ ‫الأ مة ال�سوداني والم�س�ؤولين ال�صهاينة في الوثيقة ال�سرية البريطانية‬ ‫ـ المفرج عنها ـ رقم ‪ 332‬والم�ؤرخة في ‪� 1954/2/1‬أولى االجتماعات‬ ‫عقدت في الخرطوم وح�ضرها من الجانب ال�سوداني ال�سيد ال�صديق‬ ‫المهدي‪ ،‬ثم انتقلت االجتماعات � إلى تركيا لت�صبح تحت � إ�شراف وزير‬ ‫الخارجية ال�صهيوني �آنذاك مو�شي �شاريت‪ ،‬لكن مالب�سات عديدة �أدت‬ ‫الحق ًا � إلى توقف تلك المفاو�ضات‪ ،‬ويعود ذلك � إلى كون ال�سودان من‬ ‫الناحيتين الأ منية واال�ستراتيجية في محور الأ من ال�صهيوني‪ .‬فال�سودان‬ ‫يتميز ب�سواحله الطويلة على البحر الأ حمر‪ � ،‬إذ تبلغ م�سافتها (‪� )309‬أميال‬ ‫(ما يعادل ‪ %9.8‬من جملة طول �سواحل البحر الأ حمر)‪ ،‬وهو بالتالي‬ ‫يقع في المرتبة الثالثة من حيث الدول التي لها �سواحل طويلة مع البحر‬ ‫الأ حمر‪ ،‬بعد ال�سعودية وم�صر‪ (7‬ي�ضاف � إلى ذلك وجود مياه النيل التي‬ ‫�أ�صبحت محط �أنظار ال�صهاينة الذين يخططون لجرها � إلى الأ را�ضي‬ ‫المغت�صبة في النقب‪ ،‬ومن المعروف �أن ديفيد بن غوريون هو من �أر�سى‬ ‫�أ�س�س ا�ستراتيجية العدو ال�صهيوني تجاه القرن الإفريقي وال�سودان‪ ،‬وذلك‬ ‫في مطلع الخم�سينات من القرن الع�شرين‪ ،‬تحت ا�سم «ا�ستراتيجية النقب‪،‬‬ ‫التوجه نحو الجنوب»‪ ،‬اعتبر فيها �أن � إيالت المطلة على البحر الأ حمر‬ ‫�أهم بالن�سبة لم�ستقبل الكيان ال�صهيوني من القد�س لذلك ما �أن اندلع‬ ‫(‪ )72‬عبد اهلل عبد المح�سن ال�سلطان‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص‪.36‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪120‬‬

‫التمرد الأ ول في جنوب ال�سودان عام ‪ ،1955‬حتى عاد الكيان ال�صهيوني‬ ‫� إلى ال�ساحة ال�سودانية‪ � ،‬إذ قام ب� إر�سال رودلف �شتاينر‪ ،‬وهو �ألماني الأ �صل‪،‬‬ ‫خبير بحروب الع�صابات � إلى جنوب ال�سودان‪ ،‬ثم عاد وكثف ن�شاطه في‬ ‫الجنوب مرة �أخرى‪ ،‬لكن‪ ،‬ب�صورة �أكبر‪ ،‬وذلك عقب تمرد جون قرنق على‬ ‫‪ .1983‬وال ريب في حقيقة �أن التدخل ال�صهيوني في جنوب ال�سودان يندرج‬ ‫في �سياق محاربة العروبة وكبح جماح المد الإ�سالمي الآخذ في االنت�شار‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن �أن جنوب ال�سودان قريب جد ًا من منابع النيل الأ بي�ض‪ � ،‬إلى جانب‬ ‫وجود النفط الذي يطمح الكيان في الح�صول على امتياز ا�ستخراجه من‬ ‫دولة الجنوب التي ي�سعى لإقامتها‪ ،‬بعد ف�صل الجنوب‪ ،‬الذي رغم ات�ساعه‪،‬‬ ‫ال يزيد عدد �سكانه على خم�سة ماليين ن�سمة‪ ،‬ت�سعة �أع�شارهم من الأ ميين‬ ‫والوثنيين والبقية م�سلمون وم�سيحيون‪ .‬وبعد ف�صل جنوب ال�سودان و� إعالنه‬ ‫دولة م�ستقلة‪� ،‬سيكون للمثقفين من �أبناء جنوب ال�سودان مظهر ال�سلطة‪،‬‬ ‫�أما الإدارة الفعلية للأ مور ف�ستتوالها الأ يدي الخفية التي لها م�صلحة في‬ ‫� إقامة «� إ�سرائيل الكبرى»‪ ،‬و�ستغدق هذه الفئة على مثقفتي الجنوب من‬ ‫الأ موال ما ي�شغلهم ب�أنف�سهم عما يدور حولهم‪ ،‬و�ستدفعهم تلك الأ يدي‬ ‫الخفية � إلى المطالبة ب�شمال ال�سودان على �أ�سا�س �أنّ العرب الذين طردوا‬ ‫من الأ ندل�س بعد ثمانية قرون ال ي�صعب‪ ،‬كما قال جون قرنق � إخراجهم من‬ ‫�شمال ال�سودان بعد �أربعة قرون فقط‪ � .(7‬إذن ف�إن ف�صل جنوب ال�سودان‬ ‫هو المرحلة الأ ولى من المخطط ال�صهيوني‪.‬‬ ‫المرحلة الثانية من المخطط ال�صهيوني هي تحويل المعركة �شماالً‪،‬‬ ‫(‪� )73‬سلمان قادم �آدم‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫ب�إثارة الت�سا�ؤالت عما � إذا كان �شمال ال�سودان هو ملك للعرب �أم للأ فارقة‪،‬‬ ‫� إذ ينوي الكيان ال�صهيوني نقل الكثير من من�ش�آته � إلى جنوب ال�سودان‪،‬‬ ‫وعندما يرى النور‪ ،‬والنوبة في غرب ال�سودان‪ ،‬واالنق�سنا والبجا في �شرق‬ ‫ال�سودان ما جاد به الكيان ال�صهيوني على جنوب ال�سودان‪ ،‬ف� إنهم بدورهم‬ ‫�سوف يطالبون باالنف�صال �أي�ض ًا (وهو ما يح�صل حالي ًا ب�صورة �سافرة في‬ ‫دارفور)‪ ،‬عندها يبقى في ال�سودان فقط الجزء الواقع على النيل‪ ،‬وهو‬ ‫الجزء الذي �سوف يدخل في معركة مع اال�ستعمار بعد �أن �أ�صبحت كل‬ ‫روافد النيل تحت �سيطرة الكيان ال�صهيوني وحلفائه‪ .‬ومن الم�ؤكد �أن تلك‬ ‫المعركة لن تكون متكافئة بحيث يتم طرد �سكان تلك المنطقة � إلى �صعيد‬ ‫م�صر حيث تن� أش� دولة النوبة الممتدة من بحيرة نا�صر � إلى نجع حمادي‪.‬‬ ‫ثم تبد أ� بعد ذلك الدولة القبطية التي وعد ال�صهاينة الأ قباط‬ ‫ب�إقامتها �أ�سوة بما �ستفعل مع الحركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان‪ ،‬و�سوف‬ ‫تكون الحدود ال�شمالية للدولة القبطية منطقة مغاغة‪ ،‬وما تبقى بعد ذلك‬ ‫فهو م�صر الم�ستقبل‪ ،‬ثم يطالب الكيان ال�صهيوني بالجزء ال�شمالي من‬ ‫ال�سعودية باعتباره واقع ًا داخل حدود «� إ�سرائيل الكبرى»‪ .‬وي�شمل المخطط‬ ‫�أي�ض ًا الأ ردن ولبنان و�سوريا‪ .(7‬ومما ي�ؤكد وجود هذا المخطط‪ ،‬تقرير «لجنة‬ ‫ا�ستقرار م�ستقبل الوطن العربي في الع�شر �سنوات المقبلة» ال�صادر ‪،1988‬‬ ‫� إذ �أ�شار التقرير � إلى حتمية ن�شوء ثالث دويالت حديثة‪ ،‬هي دولة الأ ماتونج‬ ‫في جنوب ال�سودان‪ ،‬والدولة الكردية في �شمال العراق والدولة الغزانية في‬ ‫ليبيا‪ ،‬وذلك بناء على التطورات التي �شهدتها وت�شهدها المنطقة العربية‪.‬‬ ‫(‪ )74‬الم�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪122‬‬

‫(‪ )3‬الم�ساعدات ال�صهيونية‬ ‫لحركات التمرد ال�سودانية‬

‫وفي �سبيل تنفيذ هذا المخطط‪ ،‬زاد للكيان ال�صهيوني من دعمه‬ ‫للجي�ش ال�شعبي لتحرير ال�سودان من خالل � إر�سال الخبراء والم�ست�شارين‬ ‫الع�سكريين ال�صهاينة للعمل في �صفوف الحركة‪ ،‬كما زار جون قرنق تل‬ ‫�أبيب ثالث مرات منذ العام ‪ ،1990‬وخالل تلك الزيارات التقى قرنق‬ ‫بعدد من الم�س�ؤولين ال�صهاينة من بينهم وزيرا الدفاع والخارجية‪.‬‬ ‫ي�ضاف � إلى ذلك تدريب الكيان ال�صهيوني نحو ع�شرين �ألف ًا من متمردي‬ ‫جنوب ال�سودان بالكيان ال�صهيوني‪ .‬ولم يغير اتفاق نيفا�شا عام ‪2005‬‬ ‫بين الحكومة ال�سودانية والحركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان من حدة هذه‬ ‫التوجهات االنف�صالية‪ ،‬وال رحيل جون قرنق وتولي خلفه �سيلفا كير زعامة‬ ‫الحركة ال�شعبية رغم تقا�سم ال�سلطة مع حزب الم�ؤتمر الوطني‪ .‬ويبدو‬ ‫ال�سلوك االنف�صالي وا�ضح ًا �أو ًال في التعبئة التي تقوم بها الحركة ب�أو�ساط‬ ‫الجنوبيين للت�صويت ل�صالح االنف�صال عن ال�سودان حين يحل موعده في‬ ‫العام ‪ 2011‬كما ين�ص اتفاق نيفا�شا‪ ،‬ثاني ًا في ال�سعي � إلى تر�سيم الحدود‬ ‫بين ال�شمال ال�سوداني وجنوبه‪ ،‬وكذلك � إقامة (‪� )18‬سفارة ر�سمية للحركة‬ ‫ال�شعبية في الخارج‪ ،‬وفي العمل على ت�أ�سي�س بنك مركزي خا�ص‪ ،‬و�أي�ض ًا‬ ‫في عملية ا�ستئناف ال�صراع الم�سلح �أو الحرب الأ هلية ب�صيغة �أخرى غير‬ ‫القديمة‪ ،‬مثل اال�شتباك بين الحركة ال�شعبية وقبائل الم�سيرية‪ ،‬وفي ال�صراع‬

‫‪123‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫حول مدينة � إيبي‪ � ،‬إلخ‪ .‬وال يقت�صر الدور ال�صهيوني �ضد ال�سودان على دعم‬ ‫الحركة ال�شعبية‪ ،‬بل امتد �أي�ض ًا � إلى � إقليم دارفور‪ ،‬حيث لعبت المنظمات‬ ‫التب�شيرية واللوبي الم�سيحي المحافظ الأ مريكي �أدوار ًا مهمة في ت�أجيج‬ ‫الحرب والتدخل في دارفور‪ .‬الوزير المفو�ض وال�سفير ال�سوداني المناوب‬ ‫في القاهرة � إدري�س �سليمان يقول‪ � :‬إن المنظمات ال�صهيونية تدخلت في‬ ‫�أزمة دارفور منذ اليوم الأ ول لبروزها‪ .‬وحر�صت على توظيفها � إعالمي ًا عبر‬ ‫�شبكاتها التنظيمية لت�سويق فكرة التدخل الدولي في دارفور ال�سودان‪.‬‬ ‫وتقوم الخطة ال�صهيونية على ثالثة محاور للتحرك‪ � :‬إعالمي‬ ‫(بن�شر معلومات م�ضخة كاذبة عن الم�أ�ساة) وع�سكري (ب� إغراق‬ ‫المتمردين ودارفور بال�سالح) و�سيا�سي (ب�إخراج مظاهرات متعددة في‬ ‫عدة عوا�صم عالمية‪ ،‬وتحريك برلمانيين �أمريكان و�أوروبيين‪ ،‬والدعوة‬ ‫� إلى القرارات �ضد الخرطوم حتى �أنه �صدر في عامين ‪ 20‬قرار ًا في الأ مم‬ ‫المتحدة)! وقد ك�شف ال�سفير � إدري�س �سليمان عن �أن حكومة الخرطوم‬ ‫�ضبطت �أ�سلحة �صهيونية في دارفور ب�أيدي حركات التمرد‪ ،‬ما ي�ؤكد التورط‬ ‫ال�صهيوني هناك‪ ،‬وقال �أن المخابرات الأ ردنية ك�شفت عن �شبكة لتهريب‬ ‫الأ �سلحة ال�صهيونية لدارفور متورط فيها ابن داني ياتوم م�ست�شار الحكومة‬ ‫ال�صهيوني في عهد ايهود باراك‪ ،‬و�أن ال�صهاينة �أكدوا �أن هدفهم هو � إغراق‬ ‫دارفور بال�سالح كي تظل منطقة توتر وقالقل م�ستمرة‪ .‬الحكومة الأ ردنية‬ ‫�أعلنت ر�سمي ًا عن ذلك‪ ،‬وقالت المتحدثة ال�سابقة با�سمها ال�سيدة �أ�سمى‬ ‫خ�ضر �أن بالدها �ألقت القب�ض على م�ستوطنين �صهيونيين اتخذا من‬ ‫الأ را�ضي الأ ردنية ممر ًا لتهريب الأ �سلحة � إلى المتمردين في دارفور‪ .‬وتبين‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪124‬‬

‫من التحقيقات مع المتورطين تورط �شيمون ناور ـ �صاحب �شركة ا�ستيراد‬ ‫وت�صدير �صهيونية في تهريب �أ�سلحة بالفعل لإقليم دارفور بغرب ال�سودان‪،‬‬ ‫�أما �صاحب الأ �سلحة فهو «�أمو�س جوالن» الذي يدير م�صنع ًا للأ �سلحة‬ ‫في تل �أبيب‪ ،‬وله مكتب ا�ست�شاري لت�سليح الحركات الم�سلحة في الدول‬ ‫العربية والمنظمات الخا�صة و�شركات الأ من‪ .‬وقد اعترفت �صحيفة ه�آرت�س‬ ‫(‪ )2007/2/16‬ب�أن من �ضمن ال�صفقات العديدة التي �أبرمتها تل �أبيب‬ ‫واحدة مع «بلد مجاور لل�سودان يعتبر �ساحة لحركات التمرد في دارفور»‬ ‫�أي (ت�شاد)‪ .‬كما �أن معهد �أبحاث ق�ضايا الدفاع والأ من في بروك�سل ذكر‬ ‫في درا�سة عن تهريب ال�سالح لإفريقيا �أن دارفور �أ�صبحت مورد ًا لتجارة‬ ‫ال�سالح ال�صهيونية و�أن «� إ�سرائيل تغرق دارفور بال�سالح»‪ .‬وقد ابتدر اللوبي‬ ‫ال�صهيوني الحملة �ضد الخرطوم بزعم � إبادة �سكان دارفور الأ فارقة بعدة‬ ‫خطوات‪ ،‬كان �أبرزها � إ�صدار � إعالن تحذيري بمزاعم وقوع «� إبادة» في‬ ‫دارفور‪ ،‬وما تبعها عام ‪ 2004‬من � إطالق لجنة لت�أ�سي�س حملة �ضد هذه‬ ‫الإبادة المزعومة في دارفور عبر ما ي�سمى «تحالف � إنقاذ دارفور» ليقوم كـ‬ ‫«مظلة تن�سيقية» لح�شد الجهود وزيادة �أوار الحملة‪.‬‬ ‫و�ضم هذا التحالف (‪ )180‬منظمة تعمل تحت رايته للترويج للإ بادة‬ ‫في دارفور والو�صول لم�ستويات غير م�سبوقة‪ ،‬ولأ همية الدور الذي يلعبه بلغ‬ ‫راتب رئي�سه ن�صف مليون دوالر �ضعفين ون�صف راتب الرئي�س الأ ميركي بو�ش‬ ‫(‪� )200‬ألف دوالر‪.‬‬ ‫�صحيفة «وا�شنطن بو�ست» في الأ ول من حزيران ‪ ،2007‬ك�شفت‬ ‫وثائق �أميركية عن هذا اللوبي وكيف تمكن من � إقناع الرئي�س بو�ش بفر�ض‬

‫‪125‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫عقوبات على ال�سودان ب�سبب دارفور‪ ،‬و�أن يجعل دارفور على ر�أ�س قائمة‬ ‫االهتمامات الأ ميركية‪ .‬كما �أكدت هذه الوثائق �أن اليهود هم من يقود‬ ‫منظمة �أو تحالف «� إنقاذ دارفور» الم�شبوه‪ .‬وكي ندرك حجم الدور الإعالمي‬ ‫ال�صهيوني الخبيث ن�شير � إلى �أنه يوجد في المكتب الرئي�سي لهذا التحالف‬ ‫لأ جل دارفور في وا�شنطن ‪ 30‬خبير ًا في ال�سيا�سة والعالقات العامة‪.‬‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان � إ�سماعيل م�ست�شار الرئي�س ال�سوداني‬ ‫عمر الب�شير‪ ،‬قال في درا�سة �أعدها عن ق�ضية دارفور‪� ،‬أن الحملة العدائية‬ ‫ال�شر�سة في ق�ضية دارفور تلفت النظر لأ مرين‪:‬‬ ‫(‪� )1‬أن ذات الدوائر التي كانت تتولى �أكبر حملة في حرب الجنوب‬ ‫ال�سوداني واتهامات الرق والعبودية والتطهير العرقي هي ذاتها من تتولى‬ ‫الترويج لق�ضية دارفور‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تدخل المجموعات اليهودية التي �أ�ضافت عن�صر ًا جديد ًا‬ ‫وب� إمكانيات �ضخمة في ت�صعيد الحملة العدائية �ضد ال�سودان‪ .‬ويرجع د‪.‬‬ ‫م�صطفى ذلك التدخل ال�صهيوني � إلى �أن «المجموعات اليهودية» تريد �أن‬ ‫تنع�ش ذاكرة التاريخ بالإبادة الجماعية والمحارق �ضد اليهود في �ألمانيا‬ ‫مما يجدد التعاطف الإن�ساني مع ق�ضيتهم ويمنحهم ال�شرعية لقيادة‬ ‫الجهود العالمية لمنع حدوثها مرة �أخرى‪ ،‬مما يمكنهم من اال�ستمرار في‬ ‫ابتزاز الدول وال�شعوب الغربية خا�صة‪ ،‬وكذلك ل�صرف الأ نظار والإعالم عن‬ ‫م�آ�سي العراق والفظائع التي يرتكبها الكيان ال�صهيوني �ضد الفل�سطينيين‬ ‫في الأ را�ضي المحتلة و�صنع ب�ؤرة �أحداث جديدة تجذب االهتمام العالمي‪.‬‬ ‫ويقول‪ � :‬إن الكيان ال�صهيوني ي�سعى �أي�ض ًا لإحداث �شرخ في العالقات العربية‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪126‬‬

‫ـ الإفريقية‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن � إفريقيا لعبت دور ًا منا�صر ًا للق�ضايا العربية وق�ضية‬ ‫فل�سطين خا�صة‪ ،‬و�أنها وجدت في ق�ضية دارفور فر�صة �سانحة لدق ا�سفين‬ ‫في هذه العالقة من خالل � إبراز الق�ضية باعتبارها ق�ضية اثنية يعمل فيها‬ ‫العن�صر العربي على � إبادة و� إزالة العن�صر الإفريقي في دارفور وفق الزعم‬ ‫ال�صهيوني وكذلك من خالل الربط بين �صورة العربي الذي يفجر نف�سه‬ ‫دفاع ًا عن حقه في فل�سطين وتلك في دارفور التي تظهر «�صورة العربي‬ ‫المغت�صب» و«القاتل المعتدي» فتبرر بذلك ما تقوم به �ضد الفل�سطينيين‬ ‫من تقتيل وتدمير وبناء جدار الف�صل العن�صري‪ .‬ويورد د‪.‬عثمان �أمثلة على‬ ‫هذا التغلغل ال�صهيوني في الأ زمة وت�أجيجها منها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تحدث حاييم كو�شي رئي�س جماعة اليهود الزنوج � إلى التلفزيون‬ ‫«الإ�سرائيلي» في �أعقاب الزيارة التي قام يو�آف بيران المدير العام‬ ‫لوزارة الخارجية «الإ�سرائيلية» � إلى ت�شاد � إبان نزوح �أعداد من دارفور‬ ‫� إلى المع�سكرات بت�شاد وقال «نحمد اهلل على حر�ص دولتنا � إ�سرائيل على‬ ‫التوا�صل مع الأ خوة الأ فارقة‪ ،‬ون�أمل �أن ي�أتي اليوم الذي ترفرف فيه نجمة‬ ‫داوود المقد�سة على هذه القارة التي نرتبط معها بكثير من ال�سمات‬ ‫الم�شتركة على الم�ستوى الفكري �أو العقائدي اليهودي»‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ن�شرت يوم ‪� 3‬أغ�سط�س (�آب) ‪ 2004‬على موقع «�أبناء �أفريقيا‬ ‫اليهودي» الذي �أن�ش�أته طائفة اليهود الزنوج التي ير�أ�سها حاييم كو�شي‬ ‫مقالة كتبها � إيثمار � إخمان من جامعة بن غوريون جاء فيها �أن «ت�شاد تحولت‬ ‫منذ ا�شتعال الأ زمة في دارفور � إلى مركز � إ�سرائيلي كبير تحر�ص � إ�سرائيل‬ ‫على التواجد فيه»‪.‬‬

‫‪127‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪3‬ـ � إن �أ�صل الحملة ال�شر�سة في ق�ضية دارفور بد�أت في متحف‬ ‫(الهولوكو�ست) المحرقة اليهودية‪ ،‬ممث ًال في لجنة ال�ضمير العالمي برئا�سة‬ ‫اليهودي المعروف بعدائه لل�سودان جيري فاورد عام ‪ 2003‬عندما �أ�صدر‬ ‫بيان ًا حول الإبادة العرقية في ال�سودان‪ ،‬و�أعقب ذلك الإعالن عن تد�شين‬ ‫منا�شط وندوات دعائية للترويج للحملة‪ ،‬ومن ثم �أعلن متحف الهولوك�ست‬ ‫�أن ما يحدث في دارفور هو � إبادة جماعية‪ ،‬ثم انطلقت الحملة بعد ذلك في‬ ‫المدار�س والكليات والجامعات‪.‬‬ ‫‪4‬ـ �أول ندوة حا�شدة نظمها متحف الهولوك�ست بوا�شنطن ظهر يوم‬ ‫‪ 2004/2/20‬كانت تحت عنوان «حريق غرب ال�سودان‪ :‬تقرير عن حالة‬ ‫الطوارئ في دارفور‪ ،‬و�أو�صت بدعم م�شروع المقاومة للحركات المتمردة‬ ‫التي تحظى بدعم عنا�صر من الحكومة الت�شادية‪.‬‬ ‫‪5‬ـ ا�ضطلعت المنظمات اليهودية بدور مبا�شر ومحوري في حملة‬ ‫دارفور مخالفة تكتيكاتها ال�سابقة التي كانت تحر�ص على الت�ستر خلف‬ ‫الفتة التحالفات التن�سيقية الف�ضفا�ضة‪ .‬و�أقام في هذا ال�صدد معهد جاكوب‬ ‫بلو�شتين ندوة في منت�صف عام ‪ 2005‬تحت عنوان (الب ّد من وقف الإبادة‬ ‫الجماعية في دارفور)‪ ،‬حيث �شن مقدم الورقة �ألي�سون كوهين هجوم ًا عنيف ًا‬ ‫على الحكومة ال�سودانية ودعا للتدخل بالقوة‪ ،‬ونادت الورقة في تو�صياتها‬ ‫ب�ضرورة تفعيل وتن�شيط المحكمة الجنائية الدولية لتقديم الم�س�ؤولين‬ ‫ال�سودانيين للمحكمة‪ ،‬وكذلك ا�ستخدام القوة الع�سكرية الأ مريكية لإجبار‬ ‫الحكومة على «� إيقاف الإبادة» و� إنفاذ قرارات الأ مم المتحدة حول العقوبات‬ ‫الموقعة وحظر الطيران‪.‬‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪128‬‬

‫‪6‬ـ ا�ستثمرت المجموعات اليهودية زخم فيلم «فندق رواندا» والت�أثير‬ ‫الذي �أحدثه في التذكير بم�أ�ساة المذابح والإبادة الجماعية في رواندا‬ ‫و�صمت العالم � إزاءها‪ ،‬وتم ا�ستقطاب الممثل جون �شارل ـ بطل الفيلم ـ‬ ‫الأ �سود بعد �أن تمّ تر�شيحه للأ و�سكار كي يقود حملة جديدة لوقف ما �أ�سموه‬ ‫الإبادة الجماعية في دارفور‪ ،‬وقد تمّ ترتيب لقاءات ومحا�ضرات جماهيرية‬ ‫لبطل الفيلم لت�سليط ال�ضوء على ما يجري في دارفور‪ ،‬ولم يكتفوا بهذا و� إنما‬ ‫�سعوا لت�صوير فيلم وثائقي يطلق عليه «فندق دارفور»‪ ،‬ورتبوا جولة لممثل‬ ‫الفيلم لزيارة مع�سكرات الالجئين في �شرق ت�شاد في مطلع ‪ ،2005‬وفي‬ ‫�أغ�سط�س (�آب) ‪ 2005‬نظمت اللجنة الأ ميركية اليهودية بوا�شنطن بالتعاون‬ ‫مع «اتحاد ترقية الملونين» ح�شد ًا �ضخم ًا بنادي ال�صحافة الوطنية وتمت‬ ‫الدعوة على �أن بطل «فندق رواندا» �سيخاطب المجتمع اليهودي والأ فرو‬ ‫�أمريكي بوا�شنطن تحت عنوان «خذوا خطوات في دارفور»‪.‬‬ ‫‪7‬ـ �أعلنت المنظمات اليهودية في �سبتمبر (�أيلول) ‪� 2005‬أنها و�صلت‬ ‫الآن � إلى دارفور وتعمل و�سط النازحين والالجئين والتم�ست من جميع الح�ضور‬ ‫التبرع ل�صالح برنامج «وا�شنطن دي �سي تحب دارفور»‪ ،‬و�سير التحالف اليهودي‬ ‫مظاهرة � إلى البيت الأ بي�ض خاطبها الرئي�س بو�ش يوم ‪� 28‬أبريل (ني�سان)‬ ‫‪ .2006‬وبلغت الحملة ذروتها في الثالثين من ال�شهر عينه‪ ،‬عندما نظم‬ ‫تحالف «� إنقاذ دارفور» �أ�ضخم م�سيرة �شملت بالإ�ضافة � إلى العا�صمة وا�شنطن‬ ‫‪ 17‬مدينة �أخرى‪ ،‬وخاطب الم�سيرة عدد من الن�شطاء المعادين �أبرزهم‬ ‫جون بريندار غا�ست وجورج كلوني وال�سناتور براك �أوباما مر�شح الحرب‬ ‫الديمقراطي للرئا�سة‪ � .‬إ�ضافة � إلى م�ساعدة وزيرة الخارجية الأ مريكية لل�ش�ؤون‬

‫‪129‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الأ فريقية جنداي فريزر وطالبوا الرئي�س بو�ش بتطبيق مزيد من العقوبات على‬ ‫ال�سودان وال�ضغط لن�شر قوات متعددة الجن�سيات لحفظ ال�سالم في دارفور‬ ‫واتهموه بالف�شل في قيادة المجتمع الدولي لفر�ض عقوبات على ال�سودان‪.‬‬ ‫و� إلى ما تقدم ت�شير الم�صادر ال�سودانية � إلى وجود (‪ )258‬وبع�ض‬ ‫الم�صادر يقول (‪ )600‬منظمة �أجنبية ت�ضم جي�ش ًا جرار ًا ممث ًال في ‪� 15‬ألف‬ ‫ع�ضو تعمل في دارفور و�أن هناك متاجرة غربية بق�ضية الجئي دارفور في‬ ‫ت�شاد الذين يبلغ عددهم ‪� 200‬ألف ن�سمة فقط بغر�ض التدخل الع�سكري بحجة‬ ‫� إعادتهم وفر�ض اال�ستقرار هناك‪ ،‬ولي�س �سر ًا �أي�ض ًا �أن هناك تعمد ًا �صهيوني ًا‬ ‫وغربي ًا وا�ضح ًا في ت�ضخيم ما يجري في دارفور بالحديث عن � إبادة جماعية‬ ‫طالت مئات الآالف من الالجئين‪ ،‬ورغم �أن �سكان دارفور ‪ 6‬ماليين و‪� 750‬ألف‬ ‫ن�سمة‪ ،‬وكل النازحين عن �أرا�ضيهم في مع�سكرات اللجوء (‪ )21‬مع�سكر ًا داخل‬ ‫ال�سودان ‪� 650‬ألف � إن�سان‪ ،‬كما �أن هناك ت�ضخيم لم�شكلة الفارين ال�سودانيين‬ ‫للكيان ال�صهيوني والزعم �أنهم ‪� 6‬آالف من دارفور‪ ،‬في حين �أن الحقيقة هي‬ ‫�أن العدد الإجمالي ال يتعدى ‪ 350‬فرد ًا �أعاد الكيان ال�صهيوني منهم (‪)48‬‬ ‫� إلى م�صر‪ ،‬و�أن �أبناء دارفور ال ي�شكلون �سوى ‪ %10‬من ه�ؤالء الالجئين‪ .‬الكيان‬ ‫ال�صهيوني ي�سعى من وراء ت�ضخيم هذا العدد � إلى تبيي�ض وجهه �أمام العالم‬ ‫والظهور «كدولة» ت�ست�ضيف الجئين‪ ،‬و�أنا�س ًا هاربين من المحرقة في دارفور‪.‬‬ ‫و�شكل فتح حركة تمرد عبد الواحد نور الدارفورية لمكتب لها في تل �أبيب‬ ‫خاتمة لهذه الحملة ال�صهيونية لت�أجيج �أزمة دارفور‪.(7‬‬ ‫(‪ )75‬محمد جمال عرفة‪ ،‬ما هي الأ هداف الإ�سرائيلية من التدخل في دارفور؟‪� ،‬شبكة‬ ‫�سالم �أون البن نت‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪130‬‬

‫(‪ )4‬الم�شاريع والإجراءات ال�صهيونية‬ ‫لل�سيطرة على النيل‬

‫‪(7‬‬

‫تعد محاولة الحركة ال�صهيونية لال�ستفادة من مياه النيل قديمة‬ ‫قدم التفكير اال�ستيطاني ال�صهيوني في الوطن العربي‪ .‬وظهرت الفكرة‬ ‫ب�شكل وا�ضح في مطلع القرن الحالي عندما اقترح تيودور هرتزل عام‬ ‫‪ 1903‬توطين اليهود في �سيناء وا�ستغالل ما فيها من مياه جوفية‪ ،‬وكذلك‬ ‫اال�ستفادة من بع�ض مياه النيل‪ ،‬لكن هذه الفكرة لم تدخل حيز التنفيذ‬ ‫لأ �سباب �سيا�سية تتعلق برف�ض الحكومتين الم�صرية والبريطانية‪ ،‬والظروف‬ ‫الدولية واالقت�صادية في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫وفي الوقت الراهن يمكن القول‪ � :‬إنّ هناك �أربعة م�شاريع �أ�سا�سية‬ ‫يتطلع � إليها ال�صهاينة بهدف ا�ستغالل مياه النيل‪:‬‬ ‫‪1‬ـ م�شروع ا�ستغالل الآ بار الجوفية‪:‬‬ ‫قام الكيان ال�صهيوني بحفر �آبار جوفية بالقرب من الحدود‬ ‫الم�صرية‪ ،‬يرى �أن ب�إمكانها ا�ستغالل انحدار الطبقة التي يوجد فيها‬ ‫المخزون المائي �صوب �صحراء النقب‪ ،‬وقد ك�شفت ندوة المهند�سين‬ ‫الم�صريين �أن الكيان يقوم ب�سرقة المياه الجوفية من �سيناء وعلى عمق‬ ‫‪ 800‬متر من �سطح الأ ر�ض‪ ،‬وك�شف تقرير �أعدته لجنة ال�ش�ؤون العربية‬ ‫بمجل�س ال�شعب الم�صري في يوليو (تموز) ‪� 1991‬أن الكيان ال�صهيوني‬ ‫(‪ )76‬محمد جمال عرفة‪ ،‬الدور ال�صهيوني في ال�صراع على النيل‪ �،‬إ�سالم �أون الين نت‪.‬‬

‫‪131‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫تعمد خالل ال�سنوات الما�ضية �سرقة المياه الجوفية في �سيناء عن طريق‬ ‫حفر �أبار ارتوازية قادرة‪ ،‬وذلك با�ستخدام �آليات حديثة‪ ،‬على �سحب المياه‬ ‫الم�صرية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ م�شروع الي�شع كالي‪:‬‬ ‫طرحه عام ‪ ،1974‬المهند�س الي�شع كالي‪ ،‬ويق�ضي بنقل مياه النيل‬ ‫� إلى فل�سطين المحتلة‪ ،‬ون�شر الم�شروع تحت عنوان (مياه ال�سالم)‪ ،‬ويتلخ�ص‬ ‫في تو�سيع ترعة الإ�سماعيلية لزيادة تدفق المياه فيها‪ ،‬وتنقل هذه المياه‬ ‫عن طريق �أنابيب �أ�سفل قناة ال�سوي�س‪ ،‬وقد كتبت �صحيفة معاريف في �أيلول‬ ‫‪ 1978‬تقرير ًا ب�أن هذا الم�شروع لي�س طائ�ش ًا لأ ن الظروف الآن �أ�صبحت‬ ‫مهي�أة بعد اتفاقيات ال�سالم‪.‬‬ ‫‪3‬ـ م�شروع ب�ؤر‪:‬‬ ‫قدمه �شا�ؤول �أولوزوروف (النائب ال�سابق لمدير هيئة المياه‬ ‫الإ�سرائيلية) � إلى الرئي�س �أنور ال�سادات خالل مباحثات كامب ديفيد‪،‬‬ ‫ويهدف � إلى نقل مياه النيل � إلى فل�سطين عبر �شق �ست قنوات تحت قناة‬ ‫ال�سوي�س‪ ،‬لنقل مليار متر مكعب لري �صحراء النقب منها (‪ )150‬مليون‬ ‫متر مكعب لقطاع غزة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ م�شروع ترعة ال�سالم‪:‬‬ ‫اقترحه �أنور ال�سادات في حيفا ‪ ،1979‬مجلة �أكتوبر الم�صرية قالت‬ ‫«� إن الرئي�س ال�سادات التفت � إلى المخت�صين وطلب منهم عمل درا�سة عملية‬ ‫كاملة لتو�صيل مياه النيل � إلى مدينة القد�س لتكون في متناول المترددين‬ ‫على الم�سجد الأ ق�صى وكني�سة القيامة وحائط «لمبكي» البراق»‪ ،‬و� إزاء ردود‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪132‬‬

‫الفعل على هذه الت�صريحات �سواء في �أثيوبيا‪� ،‬أو في المعار�ضة الم�صرية‪،‬‬ ‫�ألقى رئي�س الوزراء الم�صري الراحل م�صطفى خليل بيان ًا �أنكر فيه هذا‬ ‫المو�ضوع قائالً‪« :‬عندما يكلم ال�سادات الر�أي العام يقول‪� :‬أنا م�ستعد �أعمل‬ ‫كذا‪ ،‬فهو يعني � إظهار النية الح�سنة وال يعني �أن هناك م�شروع ًا قد و�ضع‬ ‫و�أخذ طريقه للتنفيذ»!!‪.‬‬ ‫ومن �أجل الت�أثير على ح�صة مياه النيل الواردة لم�صر‪ ،‬وبدرجة �أقل‪،‬‬ ‫لل�سودان‪ ،‬كورقة �ضغط للت�سليم في النهاية بما يطلبه الكيان‪ ،‬اعتمد الخبراء‬ ‫ال�صهاينة لغة في مخاطبة ال�سلطات الإثيوبية تتلخ�ص في � إدعاء خبيث‬ ‫يقول‪ � :‬إن ح�ص�ص المياه التي تقررت لبلدان حو�ض النيل لي�ست عادلة‪،‬‬ ‫ذلك �أنها تقررت في وقت �سابق على ا�ستقاللهم‪ ،‬و�أن الكيان ال�صهيوني‬ ‫كفيل �أن يقدم لهذه الدول التقنية التي يملكها من �أجل تروي�ض مجرى النيل‬ ‫وتوجيهه وفق ًا لم�صالحها‪ .‬وهناك معلومات عن م�شاركة الكيان � إثيوبي ًا في‬ ‫� إن�شاء ال�سدود على النيل الأ زرق‪ .‬كما بد أ� الكيان ال�صهيوني �سل�سلة ن�شطة‬ ‫من االت�صاالت مع دول منابع النيل خ�صو�ص ًا � إثيوبيا (رئي�س وزرائها زيناوي‬ ‫زار تل �أبيب �أوائل حزيران ‪ )2004‬و�أوغندا لتحري�ضها على � إلغاء اتفاقية‬ ‫مياه النيل القديمة المبرمة عام ‪ 1929‬بين الحكومة البريطانية‪ ،‬ل�صفتها‬ ‫اال�ستعمارية نيابة عن عدد من دول حو�ض النيل (�أوغندا وتنزانيا وكينيا)‬ ‫والحكومة الم�صرية يت�ضمن � إقرار دول الحو�ض بح�صة م�صر المتك�سبة من‬ ‫مياه النيل‪ ،‬و� إنّ لم�صر الحق في االعترا�ض (الفيتو) في حالة � إن�شاء هذه‬ ‫الدول �أي �سدود على النيل‪ .‬ومع �أن هناك مطالبات منذ ا�ستقالل دول حو�ض‬ ‫النيل ب�إعادة النظر في هذه االتفاقيات القديمة‪ ،‬بدعوى �أن الحكومات‬

‫‪133‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫القومية لم تبرمها‪ ،‬ولكن �أبرمها االحتالل نيابة عنها‪ ،‬و�أن هناك حاجة‬ ‫لدى بع�ض هذه الدول خ�صو�ص ًا كينيا وتنزانيا لموارد مائية متزايدة‪،‬‬ ‫فقد لوحظ �أن هذه النبرة المتزايدة للمطالبة بتغيير ح�ص�ص مياه النيل‬ ‫تعاظمت في وقت واحد مع تزايد التقارب ال�صهيوني من هذه الدول وتنامي‬ ‫العالقات الإفريقية ال�صهيونية‪ .‬وكان من �أثر ذلك المناو�شات بين دول‬ ‫النيل الع�شر‪ ،‬خا�صة م�صر وتنزانيا‪ ،‬في �أعقاب ت�صريحات لوزير الثروة‬ ‫المائية التنزاني في �شباط ‪ 2004‬قال فيها‪ � :‬إن االتفاقيات المائية المبرمة‬ ‫في عهد اال�ستعمار (يق�صد اتفاق ‪ 1929‬بين م�صر وبريطانيا لتنظيم‬ ‫ا�ستفادة م�صر من بحيرة فيكتوريا) التي تعطي الحق لم�صر �أن توافق �أو‬ ‫ال توافق على �أي طرف من �أطراف دول حو�ض النيل لال�ستفادة من المياه‬ ‫«ال تلزم بالده»!! و� إنها لن تلتزم بحق االتفاق و�ستم�ضي قدم ًا في � إن�شاء‬ ‫م�شاريعها دون ا�ست�شارة م�صر‪ .‬وقد ان�ضمت � إلى هذا المبد أ� �أوغندا وكينيا‪،‬‬ ‫وطلبت الدول الثالث من م�صر التفاو�ض معها حول المو�ضوع‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪134‬‬

‫(‪ )5‬الدور ال�صهيوني في �صراع القرن الإفريقي‬

‫(ال�صومال نموذجاً)‬

‫‪(7‬‬

‫ثمة �أ�ساطير قديمة و�أخرى جديدة تحكم الذهنية ال�صهيونية تجاه‬ ‫ال�صومال‪ .‬الأ �ساطير القديمة تزعم �أن ال�صومال �أر�ض مقد�سة يهودية‪،‬‬ ‫و�أنّ ا�سمها التوراتي هو بالد بونت‪ ،‬و�أن �أنبياءهم مو�سى الأ �سود وحزقبيل‬ ‫وحبقون عا�شوا في ال�صومال‪� .‬أما الأ �ساطير الجديدة التي تروج لها و�سائل‬ ‫الإعالم ال�صهيونية فت�شير � إلى وجود (‪ )50000‬يهودي �صومالي يعي�شون‬ ‫في فل�سطين المحتلة‪ ،‬نزحوا � إليها من ال�صومال لأ �سباب متعددة من‬ ‫بينها االقتتال الداخلي في �أوائل الت�سعينات‪ ،‬و�أنهم يحتلون مواقع مهمة‬ ‫في االقت�صاد ال�صهيوني‪ ،‬ويتزايد ت�أثيرهم ب�صورة م�ضطردة‪ ،‬وبالتحديد‬ ‫مع القوة التي يتمتعون بها و�سيطرتهم على ال�صناعات الهامة في الكيان‬ ‫ال�صهيوني وفي بع�ض دول العالم والتي من بينها ال�صومال‪ .‬لذاك القت‬ ‫و�سائل الإعالم ال�صهيوني الغزو الإثيوبي لل�صومال في كانون الأ ول العام‬ ‫‪ ،2006‬بالتهليل للن�صر الذي حققته �أثيوبيا‪ ،‬كما تباهت بالدور ال�صهيوني‬ ‫في دحر �سلطة المحاكم الإ�سالمية م�شيدة في نف�س الوقت بالإ�شاعة التي‬ ‫اختلقوها وروجوا لها و�سربوها � إلى الوثائق الر�سمية للأ مم المتحدة حول‬ ‫محاربة مقاتلي المحاكم الإ�سالمية جنب ًا � إلى جنب مع حزب اهلل‪� ،‬أثناء‬ ‫حرب تموز ‪ ،2006‬ال�ستعداء وتعبئة الر�أي العام الغربي �ضد ال�صومال‪.‬‬ ‫(‪ )77‬محمد �شريف محمود‪ ،‬الدور ال�صهيوني في القرن الأ فريقي‪ ،‬الجزيرة نت ‪ 13‬فبراير‬ ‫(�شباط) ‪.2008‬‬

‫‪135‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫وبن�شوة ظاهرة بثت � إذاعة �صوت «� إ�سرائيل» تقرير ًا جاء فيه �أن‬ ‫بع�ض ًا من اليهود ال�صوماليين وبالتعاون مع يهود الفال�شا قاموا خالل‬ ‫الحرب الأ خيرة بجمع تبرعات مالية وبمجهودات مكثفة لحث الحكومة‬ ‫ال�صهيونية على م�ساعدة القوات الإثيوبية الغازية لل�صومال وتوفير المال‬ ‫والعتاد الالزم لمواجهة المحاكم الإ�سالمية‪ ،‬التي �سي�ؤدي انت�صارها � إلى‬ ‫هدر حقوق الطائفة اليهودية وتعري�ض حقهم في �أر�ضهم المقد�سة للخطر!!!‬ ‫بل و�صل الأ مر � إلى حد م�شاركة الع�سكريين ال�صهيونيين المنحدرين من‬ ‫�أ�صول يهود الفال�شا في خو�ض الحرب �ضد المحاكم الإ�سالمية‪ .‬وال غرابة‬ ‫في ذلك‪ ،‬فالكيان ال�صهيوني منذ قيامه‪ ،‬يعتبر �أثيوبيا حليف ًا ا�ستراتيجياً‪،‬‬ ‫لكونها البوابة الخلفية الحار�سة للكيان ال�صهيوني على البحر‪ ،‬بدء ًا بعهد‬ ‫الإمبراطور هيال�سيال�سي الذي كان يتفاخر ب�أ�صوله اليهودية و�أنه من‬ ‫�سبط يهوذا وحفيد ملكة �سب�أ‪ ،‬مرور ًا بالطاغية منغ�ستو � إلى ميلي�س زيناوي‬ ‫الذي يزهو ب�أنه حقق ما لم يحققه � إمبراطور حب�شي من قبل‪ ،‬بمد حدود‬ ‫الإمبراطورية � إلى �شواطئ المحيط الهندي‪ ..‬واليوم تعتبر �أثيوبيا بحكم‬ ‫تحالفها مع الواليات المتحدة القوة الإقليمية المهيمنة في القرن الإفريقي‪.‬‬ ‫غير �أن الدور ال�صهيوني في الحرب على ال�صومال ال يرتبط فقط‬ ‫بالغزو الإثيوبي‪ � ،‬إذ هو �أقدم من ذلك‪ ،‬فلي�س �سر ًا �أن �أمراء الحرب بمختلف‬ ‫انتماءاتهم الع�شائرية بدون ا�ستثناء كانوا يتلقون الدعم المالي والع�سكري‬ ‫من الكيان ال�صهيوني‪ ،‬و�أن الأ �سلحة ال�صهيونية كانت تمرر � إليهم عبر‬ ‫� إثيوبيا‪ ،‬و�أنها متورطة حتى النخاع في المعركة الدائرة لتدمير ال�صومال‬ ‫وتمزيقه � إلى كيانات ع�شائرية هالمية وتفتيت وحدته الترابية و� إلغاء هويته‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪136‬‬

‫العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫لكن ب� إزاء ف�شل هذا المخطط وارتباك �أطرافه الأ ميركية ـ‬ ‫ال�صهيونية والإثيوبية‪� ،‬أمام الورطة التي �سقطوا فيها بف�ضل فاعلية‬ ‫المقاومة ال�سيا�سية والم�سلحة في ال�صومالـ �أعلن البنتاغون في ي�أ�س �أنّ‬ ‫ال خير يرجى من جنوب ال�صومال‪ ،‬و�أنه ال يمكن التعامل مع الواقع هناك‬ ‫ب�سبب الفو�ضى ال�ضاربة �أطنابها‪ ،‬ولذلك بد�ؤوا يحولون انتباههم � إلى‬ ‫قاعدة بربرة الإ�ستراتيجية في � إقليم �أر�ض ال�صومال‪ ،‬يريدون ف�صله عن‬ ‫الجنوب واالعتراف بانف�صاله‪ .‬وبد�أت الم�ساعي الحثيثة في وا�شنطن‬ ‫ولندن ولدى االتحاد الأ فريقي لتحقيق ذلك‪ ..‬وقد ا�ستقبل وفد من �أر�ض‬ ‫ال�صومال من قبل ملكة بريطانيا‪ ،‬كما ا�ستقبل نف�س الوفد من قبل وزارتي‬ ‫الخارجية والدفاع الأ مريكيتين‪ .‬وفي خطوة عملية غير م�سبوقة‪ ،‬زارت‬ ‫ال�سيدة جنداي فريزر نائبة وزيرة الخارجية الأ مريكي هوجبي�سه‪ ،‬و�أعلنت‬ ‫هناك اعتراف الواليات المتحدة بالأ مر الواقع‪ ،‬و�أ�شادت بالديمقراطية‬ ‫ال�سائدة فيها‪ ،‬وا�ستعداد الواليات المتحدة للتعامل معها‪� .‬أما في ما يتعلق‬ ‫باالعتراف القانوني‪ ،‬ف�إن الم�س�ؤولة الأ مريكية لمحت � إلى �أن الترتيبات‬ ‫جارية مع االتحاد الأ فريقي لتبني قرار بهذا ال�صدد‪ ,.‬وبتد�شين القاعدة‬ ‫الأ ميركية الجديدة في ميناء بربرة اال�ستراتيجي المطل على البحر الأ حمر‬ ‫وم�ضيق باب المندب والمحيط الهندي و�شبه الجزيرة العربية‪ ،‬تكون حلقة‬ ‫ال�سيطرة الأ ميركية ـ ال�صهيونية على الثروة العربية قد اكتملت‪.‬‬

‫‪137‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪138‬‬

‫�أم الر�شرا�ش‬ ‫وم�ستقبل ال�صراع العربي ـ ال�صهيوني‬

‫‪139‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪140‬‬

‫(‪� )1‬أم الر�شرا�ش‬ ‫نقطة الو�صل وعقدة الموا�صالت‬ ‫�شكلت �أم الر�شرا�ش (� إيالت) النقطة الأ هم التي ارتكز عليها العديد‬ ‫من الم�شاريع ال�صهيونية اال�ستراتيجية الهامة‪� .‬أبرزها قناة البحرين‪ ،‬التي‬ ‫�شكلت �أحد �أحالم �أو نبوءات ثيودور هرتزل‪ ،‬وقد �أعيد � إحيا�ؤه في العقد‬ ‫الخام�س من القرن الع�شرين‪ ،‬حين اقترح د‪ .‬والتر لودرميلك الخبير في‬ ‫التربة (يطلق ا�سمه حالي ًا على كلية الهند�سة الزراعية في معهد التخنيون)‬ ‫� إن�شاء م�سا ٍر ثان مختلف على البحر الأ بي�ض المتو�سط ي�صل ما بين � إيالت‬ ‫وتل �أبيب‪ .‬وفي عام ‪� 1977‬شكلت الحكومة ال�صهيونية لجنة تخطيط‬ ‫لدرا�سة ثالثة اقتراحات للربط بين البحر الميت والبحر المتو�سط‪،‬‬ ‫وعر�ض �آخر يربط بين البحر الأ حمر والبحر الميت عند ميناء � إيالت‪،‬‬ ‫وكانت النتيجة النهائية لتو�صيات هذه اللجنة الت�أكيد على �أف�ضلية تو�صيل‬ ‫البحر الميت بغزة‪ ،‬باعتباره الأ كثر جدوى اقت�صادياً‪� .‬أما اقتراح تو�صيل‬ ‫البحر الميت ب� إيالت فقد اعتبرته اللجنة‪ ،‬الأ �سو أ� والأ قل من حيث الجدوى‬ ‫االقت�صادية‪ .‬ويبدو �أن الر�أي ال�صهيوني ا�ستقر على الفكرة التي تخدم‬ ‫التطلعات ال�صهيونية في اال�ستفادة من التغير الحا�صل في جيوبوليتكا‬ ‫�شرقي البحر الأ بي�ض المتو�سط التي ترتبط الآن من خالل ممر للطاقة‬ ‫بحو�ض بحر قزوين‪ .‬و�أ�سا�س هذا التغير هو خط �أنابيب �سيهان ـ تبلي�سي ـ‬ ‫باكو الذي �سينقل النفط � إلى الأ �سواق الغربية‪ .‬لكن جزء ًا منه �سيتم نقله‬

‫‪141‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫مبا�شرة نحو فل�سطين المحتلة‪ ،‬حيث يوجد ت�صور لخط �أنابيب �صهيوني ـ‬ ‫تركي تحت البحر يربط �سيهان بميناء ع�سقالن في فل�سطين‪ ،‬وينتقل من‬ ‫هناك عبر �شبكة خطوط الأ نابيب الرئي�سية ال�صهيونية � إلى البحر الأ حمر‪.‬‬ ‫وال يتمثل هدف الكيان ال�صهيوني فقط في الح�صول على نفط بحر قزوين‬ ‫الحتياجاته اال�ستهالكية فقط‪ ،‬بل �أي�ض ًا في لعب دور رئي�سي في � إعادة‬ ‫ت�صدير نفط بحر قزوين � إلى الأ �سواق الآ�سيوية عبر ميناء � إيالت على البحر‬ ‫الأ حمر‪ .‬ويتمثل الت�صور الأ �سا�سي في ربط خط �أنابيب �سيهان ـ تبلي�سي ـ‬ ‫باكو بخط �أنابيب � إيالت ـ ع�سقالن عبر فل�سطين المحتلة ـ المعروف با�سم‬ ‫تابالين � إ�سرائيل» ـ من �سيهان � إلى ميناء ع�سقالن‪.‬‬ ‫الم�سافة الفا�صلة بين �سيهان وميناء ع�سقالن هي ‪ 400‬كم فقط‪.‬‬ ‫يمكن نقل النفط بينهما في ناقالت نفط �أو عبر خط �أنابيب تحت البحر‬ ‫يتم بنا�ؤه خ�صي�ص ًا لهذا الغر�ض‪.‬‬ ‫ومن ع�سقالن يمكن �ضخ النفط عبر خط �أنابيب قائم حالي ًا � إلى‬ ‫ميناء � إيالت على البحر الأ حمر ومن هناك يمكن نقله � إلى الهند ودول �آ�سيا‬ ‫الأ خرى في ناقالت نفطية‪ .‬وكانت تركيا والكيان ال�صهيوني قد �أعلنتا في‬ ‫ني�سان العام ‪ 2006‬خطط ًا خا�صة بخطوط �أنابيب تحت البحر تلتف على‬ ‫�أرا�ضي �سورية ولبنان‪ ،‬تقدر قيمتها بع�شرات ماليين الدوالرات لنقل الماء‬ ‫والكهرباء والغاز الطبيعي والنفط‪ .‬وعلى نحو لم ينتبه النا�س له عملياً‪،‬‬ ‫تمّ افتتاح خط �أنابيب �سيهان ـ تبلي�سي ـ باكو النفطي في الثالث ع�شر من‬ ‫تموز العام ‪� ،2006‬أي مع بداية الحرب ال�صهيونية على لبنان‪ � .‬إذ قبل بدء‬ ‫العدوان بيوم واحد‪ ،‬كان ال�شركاء والم�ساهمون الأ �سا�سيون في م�شروع خط‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪142‬‬

‫�أنابيب �سيهان ـ تبلي�سي ـ باكو‪ ،‬من بينهم ر�ؤ�ساء دول وم�س�ؤولون تنفيذيون‬ ‫في �شركات النفط‪ ،‬حا�ضرين في ميناء �سيهان‪ ،‬بينهم وزير الطاقة والبنية‬ ‫التحتية ال�صهيوني بنيامين بن � إليعازر‪ ،‬ومعه وفد من كبار م�س�ؤولي النفط‬ ‫ال�صهاينة‪ .‬تجدر الإ�شارة �أن للكيان ال�صهيوني ح�صة في حقول النفط‬ ‫الإذربيجانية التي ت�صدر نحو ع�شرين في المائة من نفطها‪ .‬افتتاح الخط‬ ‫يعزز‪ ،‬بال �شك‪ ،‬وبدرجة كبيرة واردات النفط ال�صهيونية من حو�ض بحر‬ ‫قزوين‪.(7‬‬ ‫كما �شكلت �أم الر�شرا�ش (� إيالت) ب�ؤرة ما �أ�سماه �شيمعون بيريز‬ ‫المثلث الذهبي في م�شروع ال�شرق الأ و�سط الجديد وذلك بين الكيان‬ ‫ال�صهيوني وم�صر والأ ردن‪� ،‬أو المربع الذهبي لدى � إ�ضافة �سلطة الحكم‬ ‫الإداري الذاتي‪.‬‬

‫(‪ )78‬مايكل ت�شو�سودوف�سكي‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬

‫‪143‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪144‬‬

‫(‪ )2‬ه�شا�شة الإ�ستراتيجية ال�صهيونية‬ ‫لم ت�ستطع النجاحات الإ�ستراتيجية ال�صهيونية في البحر الأ حمر‬ ‫والقارة الإفريقية‪ ،‬رغم قوة �سفورها‪� ،‬أن تحجب الطابع اله�ش لهذه‬ ‫الإ�ستراتيجية الناجمة بالأ �سا�س عن ف�شل الكيان ال�صهيوني في توفير‬ ‫المادة الب�شرية اال�ستيطانية الالزمة لتح�صين قاعدة هذه النجاحات (�أم‬ ‫الر�شرا�ش) الثاوية في ح�ضن النقب ـ حيث الزالت جزيرة ا�ستيطانية في‬ ‫بحر النقب الوا�سع‪ ،‬ال ت�سندها � إال ب�ضع تجمعات ا�ستيطانية متناثرة على‬ ‫امتداد رقعة النقب ذي الم�ساحة ال�شا�سعة‪ .‬ويبدو �أن ه�شا�شة اال�ستيطان‬ ‫في النقب ما قبل النكبة عام ‪ ،1948‬مازالت هي الطاغية‪ ،‬وذلك على‬ ‫الرغم من �أن الكيان ال�صهيوني ربط نجاح م�شروعه االغت�صابي لفل�سطين‬ ‫برمتها‪ ،‬با�ستيطان النقب‪ ،‬كما يظهر في قول ديفيد بن غوريون‪« :‬علينا �أن‬ ‫نخلق نموذج البدوي اليهودي المناف�س للبدوي الفل�سطيني الذي نجح في‬ ‫ا�ستنباط �أرقى �أ�شكال التكيف مع الطبيعة في النقب» وقوله «� إن م�ستقبل‬ ‫ا�ستيطاننا في ال�ساحل مرتبط � إلى حد كبير با�ستيطاننا في �صحراء النقب‪،‬‬ ‫و� إذا ف�شلنا في ا�ستيطان النقب ف�شل ا�ستيطاننا في ال�ساحل»‪ ،‬لذلك لم يبق‬ ‫�أمام العدو ال�صهيوني � إال �أن يلج أ� � إلى قوة ال�سلب في تح�صين القاعدة «�أم‬ ‫الر�شرا�ش» وتهويد النقب‪ ،‬وذلك من خالل طرد الآالف من عرب النقب‪،‬‬ ‫واعتبار �أرا�ضيهم «�أمالك دولة» وهي ال�سيا�سة المعتمدة منذ النكبة � إلى‬ ‫اليوم‪ .‬وتقوم على تجميع عرب النقب في «�أ�شباه مدن جديدة»‪ ،‬و� إبعادهم‬ ‫عن الأ ر�ض التي كانوا يعي�شون عليها منذ القدم‪ .‬في نهاية ‪� ،1976‬أزال‬

‫‪145‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫العدو ال�صهيوني (‪ )31‬قرية عربية من النقب‪ ،‬كما خطط لإجالء (‪)54‬‬ ‫قرية �أخرى‪ .‬وفي �سنة ‪� ،1979‬أ�صدر وزير الزراعة �أرئيل �شارون مر�سوم ًا‬ ‫يعلن فيه كامل منطقة النقب للجنوب من خط العر�ض ‪( 50‬وهو خط‬ ‫يبد أ� �أ�سفل البحر الميت) هي محمية طبيعية يخطر على البدو �أن يرعوا‬ ‫«معزهم ال�سوداء فيها»‪ .‬وللتعجيل في � إجالء عرب النقب عن �أرا�ضيهم‬ ‫وتوطينهم في تجمعات مدينية‪� ،‬شكلت �سنة ‪ 1976‬قوة م�سلحة خا�صة‪،‬‬ ‫عرفت با�سم «الدورية الخ�ضراء» لتحديد مكان الذين يعتقد �أنهم يعتدون‬ ‫على «�أرا�ضي الدولة»‪� ،‬أي خارج المناطق التي ي�سمح لبدو النقب بدخولها‪،‬‬ ‫ولإجالئهم عنها ب�سرعة‪ .‬ي�صف دعاة حقوق الإن�سان حتى في «� إ�سرائيل»‬ ‫�أفراد الدورية الخ�ضراء ب�أنهم «م�صابون بجنون اال�ضطهاد» تجاه عرب‬ ‫النقب‪ ،‬وي�سعون لإفراغ و�سط النقب حتى �آخر �شخ�ص منهم «ب�أية و�سيلة‬ ‫كانت»‪� .‬أما الو�سائل المعتمدة‪ ،‬فكانت ح�سب �شهود عيان في �أحد المواقع‬ ‫كالتالي «�شردت ع�شرات العائالت البدوية‪ ،‬بعد �أن جُ رفت بيوتهم المبنية‬ ‫من ال�صفيح �أو خيامها‪� ،‬أو �أحرقت وفي داخلها في كثير من �أمتعة �شاغليها‪،‬‬ ‫�صودرت قطعان الحيوانات‪� ،‬أو �شتت‪ ،‬ا�ستخدام � إطالق الر�صا�ص وقنابل‬ ‫الدخان لإخراج النا�س من بيوتهم‪ ،‬دُمرت ال�سدود‪� ،‬أقتلعت �أ�شجار الفواكه‬ ‫والزيتون‪ ،‬وحرقت الأ ر�ض بما فيها من محا�صيل»‪ .‬وقد ا�ستمرت هذه‬ ‫ال�سيا�سة خالل ال�سبعينات والثمانينات والت�سعينات والزالت‪ ،‬لإجبار عرب‬ ‫النقب على االنتقال من �أرا�ضيهم � إلى المدن التي كانت تخطط حتى �أوائل‬ ‫الت�سعينات‪ .‬وقد ذهب البع�ض حد القول في الحديث عن م�أ�ساة عرب‬ ‫النقب‪ � ،‬إن كان هناك ظلم للعرب وا�ستخفاف بحقوقهم فلن يوجد لهذا‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪146‬‬

‫مثيل يقارب م�أ�ساة النقب‪ .‬لقد منح قرار التق�سيم ال�سيادة لليهود على‬ ‫‪10.724‬كم‪� ،2‬أي ‪ %41‬من م�ساحة فل�سطين‪ ،‬وعددهم (الم�ستوطنون) ال‬ ‫يتجاوز الـ (‪ )200‬م�ستوطن‪ ،‬و�أهمل حقوق (‪� )85‬ألف عربي‪ ،‬هم �أ�صحاب‬ ‫هذه الأ ر�ض و�ساكنوها وفالحوها منذ عدة قرون‪ .(7‬وبالرغم من كل ذلك‬ ‫لم ي�ستطع الكيان ال�صهيوني حتى هذه اللحظة �سوى ت�شييد ‪ 134‬م�ستوطنة‬ ‫في منطقة النقب‪ ،‬معظم هذه الم�ستوطنات يعي�ش فيها عوائل محدودة‪،(8‬‬ ‫حتى �أن الق�سم الأ كبر منها ال يتجاوز عديدها (‪ )200-100‬م�ستوطن‪ ،‬هذا‬ ‫� إذا ما ا�ستثنينا مركز النقب‪ ،‬بئر ال�سبع التي يقطنها (‪� )120‬ألف م�ستوطن‪،‬‬ ‫هذا هو حال النقب التي �أعطاها بن غوريون �أولوية على القد�س‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كل ذلك‪ ،‬فال يزال يعي�ش في النقب اليوم (‪)130‬‬ ‫�ألف مواطن عربي ن�صفهم تقريب ًا يعي�شون في ‪ 45‬قرية غير معترف بها‪.‬‬ ‫ويتوقع �أن ي�صل عددهم عام ‪ � 2020‬إلى (‪� )300‬ألف عربي‪ ،‬مع �أن الأ را�ضي‬ ‫التي بحوزتهم هي (‪� )180‬ألف دونم فقط‪ ،‬وذلك من �أ�صل ‪12.577.000‬‬ ‫دونم م�ساحة ق�ضاء بئر ال�سبع‪� ،‬أي ‪ %1.4‬فقط بينما هم يمثلون ‪%14.2‬‬ ‫من �سكان الق�ضاء‪ (8‬وال �شك �أن هذا الوجود العربي زائد فاعلية المقاومة‬ ‫الفل�سطينية التي ا�ستطاعت �أن تخترق التجمعات اال�ستيطانية وت�ضرب‬ ‫في مركزها بئر ال�سبع‪ ،‬وكذلك ق�صف م�ستوطنات محيط غزة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫(‪ � )79‬إ�سرائيل ‪ ،2020‬خطتها التف�صيلية لم�ستقبل الدولة والمجتمع‪ ،‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ = 1‬تموز ‪ ،2004‬مقدمة‪� :‬سلمان �أبو �ستة‪� ،‬ص‪.21‬‬ ‫(‪ � )80‬إليا�س �شوفاني‪ � ،‬إ�سرائيل في خم�سين عاماً‪ ،‬دار جفرا‪ ،‬ط‪ ،2002= 1‬ج‪� 1‬ص‪-245‬‬ ‫‪.247 ،246‬‬ ‫(‪ � )81‬إ�سرائيل ‪ ،2020‬الم�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪.245‬‬

‫‪147‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الو�صول � إلى � إيالت في العملية المتميزة التي قامت بها حركة الجهاد‬ ‫الإ�سالمي والتي �شكلت �سابقة في ا�ستهداف � إيالت‪ � ،‬إ�ضافة � إلى ميول‬ ‫الم�ستوطنين � إلى حياة الدعة والراحة �أو ما ي�سميه المفكر الم�صري د‪ .‬عبد‬ ‫الوهاب الم�سيري «اال�ستيطان الديلوك�س» هو ما �أ�ضفى طابع اله�شا�شة على‬ ‫الإنجازات اال�ستراتيجية ال�صهيونية في البحر الأ حمر والقارة الإفريقية‪،‬‬ ‫من غير �أن نغفل بالطبع �صمود قوى المقاومة في �أكثر من بلد � إفريقي‬ ‫في وجه الزحف ال�صهيوني‪ ،‬في ال�سودان‪ ،‬ال�صومال‪ � ...،‬إلخ من البلدان‬ ‫الإفريقية‪.‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪148‬‬

‫‪149‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪150‬‬

‫نحو ا�ستراتيجية عربية لمواجهة المخططات ال�صهيونية‬ ‫في البحر الأ حمر و�شرقي �إفريقيا‬ ‫يبين العر�ض الآنف الذكر‪ .‬كيف �أن ال�سيطرة ال�صهيونية على �أم‬ ‫الر�شرا�ش‪� ،‬شكلت نقطة ارتكاز للم�شاريع واال�ستراتيجية ال�صهيونية‪ ،‬بما‬ ‫يفيد في تعطيل عبقرية الجغرافية العربية برمتها في ال�شطر الآ�سيوي كما‬ ‫الإفريقي على حدٍّ �سواء‪ ،‬من حيث هي نقطة وثوب � إلى � إفريقيا والبحر‬ ‫الأ حمر‪ ،‬والمحيط الهندي وال�شرق الأ ق�صى‪ ،‬وعقدة موا�صالت «ال�شرق‬ ‫الأ و�سط الجديد» وبالتالي منح الكيان ال�صهيوني مكانة المركز الإقليمي‬ ‫الأ قوى‪ � ،‬إن لم يكن الأ وحد الذي تدور في فلكه‪ ،‬وتتقاطع عنده م�صالح كافة‬ ‫مكونات النظام الإقليمي الجديد المزمع بنا�ؤه‪.‬‬ ‫ف�أم الر�شرا�ش لي�ست ق�ضية حياة �أو موت وحا�ضر وم�ستقبل لل�شعب‬ ‫الفل�سطيني فح�سب‪ ،‬بل هي �أي�ض ًا كذلك بالن�سبة للأ مة العربية والإ�سالمية‬ ‫بكافة �شعوبها ودولها‪.‬‬ ‫ومن يغ�ض الطرف عن ذلك‪ ،‬فهو كالنعامة يخبئ ر�أ�سه في‬ ‫الرمال‪ ،‬وي�سير � إلى حقن اال�ست�سالم وتبديد الكرامة الوطنية والقومية‬ ‫والإ�سالمية‪.‬‬ ‫وهنا يبرز ال�س�ؤال المركزي‪ ،‬وهو كيف تعاملت الدول العربية‪،‬‬ ‫وبالتحديد الم�شاطئة للبحر الأ حمر‪ ،‬وتلك الواقعة في منطقة القرن‬ ‫الإفريقي‪ ،‬مع اال�ستراتيجية ال�صهيونية؟ ال�شك �أن القانون الذي يفتر�ض‬ ‫�أن ينظم التعامل �أو الرد العربي على اال�ستراتيجية ال�صهيونية‪ ،‬هو قانون‬

‫‪151‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫الم�ؤرخ الإنكليزي ال�شهير �أرنولد توينبي «التحدي واال�ستجابة» وهو القانون‬ ‫الذي يفرد له مكانة خا�صة في تحليله لم�سار حركة التاريخ‪ ،‬بقوله «� إنّ‬ ‫للأ حداث التاريخية جانبين مادي وروحي‪ ،‬و� إن المبد أ� الأ �سا�سي لحركة‬ ‫التاريخ‪ ،‬هو مبد أ� التحدي واال�ستجابة‪ ،‬فالأ مم عادة ما تواجه العديد‬ ‫من التحديات‪ ،‬والأ مم الحية هي التي تتولد لديها الرغبة في المقاومة‬ ‫و�صو ًال � إلى بلورة اال�ستجابة المالئمة للتحدي الذي تواجهه‪ ،‬وعندما‬ ‫تنجح في ذلك تتوالى التحديات واال�ستجابات الناجحة»‪ .‬وهنا ال�س�ؤال‬ ‫�أي�ض ًا هل كانت ا�ستجابتنا للتحدي ال�صهيوني ناجحة؟ تفتر�ض اال�ستجابة‬ ‫الناجحة وجود ا�ستراتيجية عربية وا�ضحة محددة‪ ،‬وكذلك �أ�ساليب وخطط‬ ‫محددة لتحقيق هذه اال�ستراتيجية‪ ،‬وهي غير متوافرة‪ � ،‬إذ نالحظ غياب‬ ‫�أي ا�ستراتيجية عربية وا�ضحة ومحددة في البحر الأ حمر‪ ،‬وفي � إفريقيا‪،‬‬ ‫وكذلك في غيرهما‪ .‬مع العلم �أن ثمة مالمح ا�ستراتيجية عربية برزت‬ ‫خالل الفترة ما بين حربي ‪ 1967‬و‪ ،1973‬وذلك حينما �أغلقت م�صر مع‬ ‫بع�ض الدول العربية الم�شاطئة م�ضائق تيران وباب المندب‪ ،‬من هنا ف� إن‬ ‫ال�شرط الأ ول والأ �سا�سي في اال�ستجابة الناجحة هو اعتماد ا�ستراتيجية‬ ‫عربية في البحر الأ حمر والقرن الإفريقي‪ ،‬تنطلق من‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ التركيز على �أن البحر الأ حمر‪ ،‬بحيرة عربية‪ ،‬بواقع وجوده‬ ‫في قلب الوطن العربي‪ ،‬وبواقع �أن معظم �شواطئه هي �شواطئ عربية‬ ‫«لقد قيل كثير ًا � إن البحر الأ حمر هو (بحر عربي)‪ .‬هذه حقيقة جغرافية‬ ‫تحوّلت � إلى واقع ع�سكري و�أمني في حرب اكتوبر‪ .‬وبقي �أن ت�صبح حقيقة‬ ‫ا�ستراتيجية ت�ضعها كل الدول في اعتبارها عند تحديد �أهدافها وخططها‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪152‬‬

‫في هذه المنطقة من العالم‪ .‬وقتها ي�صبح البحر الأ حمر‪ ،‬بحيرة عربية‪،‬‬ ‫بواقع وجوده في قلب الوطن العربي‪ ،‬وبواقع �أن معظم �شواطئه هي �شواطئ‬ ‫عربية‪ (8‬وهذا يتطلب‪:‬‬ ‫أ� ـ التن�سيق الع�سكري بين الدول العربية‪ ،‬ومحاولة � إقامة قوات‬ ‫بحرية عربية م�شتركة وقيادة بحرية م�شتركة في البحر الأ حمر‪ ،‬وزيادة‬ ‫الوجود الع�سكري العربي في البحر الأ حمر ب�شكل م�ؤثر وفعال‪.(8‬‬ ‫ب ـ �أن تلعب جامعة الدول العربية دور ًا رئي�سي ًا في عقد معاهدات‬ ‫دفاعية بين الدول العربية المطلة على البحر الأ حمر‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫� إقامة نظام � إقليمي لهذه الدول‪ ،‬من �أجل تدعيم الأ من القومي العربي‪،‬‬ ‫وكذلك عقد اتفاقيات في مجال ا�ستثمار وا�ستغالل موارد ومزايا البحر‬ ‫الأ حمر‪.(8‬‬ ‫جـ ـ م�ساهمة الدول العربية جميعها في دعم الوجود الع�سكري العربي‬ ‫في البحر الأ حمر‪ ،‬وفي تقديم الدعم المادي للدول العربية الواقعة على‬ ‫�ساحله وتعاني من محدودية الموارد االقت�صادية‪ ،‬وكذلك تنفيذ م�شاريع‬ ‫اقت�صادية عربية م�شتركة في الأ قطار المطلة على البحر الأ حمر‪ ،(8‬وحتى‬ ‫يكت�سب هذا العامل معناه وجدواه الب ّد من �أن تنف�ض م�صر عن كاهلها �آثار‬ ‫(‪ )82‬محمد زاهي المغيربي‪� ،‬صراع اال�ستراتيجيات في البحر الأ حمر و�أثره على الأ فق‬ ‫القومي العربي‪ ،‬مجلة �ش�ؤون عربية‪ ،‬العدد ‪ ،166‬حزيران ‪.1991‬‬ ‫(‪ )83‬علي الدين هالل «الأ من العربي وال�صراع اال�ستراتيجي في منطقة البحر الأ حمر»‪،‬‬ ‫�ص‪.63‬‬ ‫(‪ )84‬الم�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪.63‬‬ ‫(‪ )85‬عبد المنعم الم�شاط‪ ،‬الأ من القومي العربي على م�شارف الت�سعينات‪� ،‬ش�ؤون عربية‬ ‫العدد ‪� ،53‬آذار‪.1988/‬‬

‫‪153‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫معاهدة ال�صلح مع العدو ال�صهيوني‪ ،‬والتخل�ص من �آثارها‪.‬‬ ‫د ـ تكري�س الوجود الب�شري واالجتماعي والح�ضاري في الجزر‬ ‫العربية الموجودة في البحر الأ حمر‪ ،‬فبع�ض هذه الجزر غير م�أهول‬ ‫بال�سكان‪ ،‬و�سكانها يعي�شون في م�ستويات بدائية ومتدينة من النواحي‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية‪ .‬ومن ثم ف� إن � إقامة حياة عربية متكاملة من‬ ‫جوانبها االقت�صادية والعمرانية والثقافية واالجتماعية في هذه الجزر‬ ‫ت�صبح ق�ضية ا�ستراتيجية هامة الب ّد �أن تت�ضافر من �أجل تحقيقها جهود‬ ‫الدول العربية‪.(8‬‬ ‫‪ 2‬ـ محاولة اختراق التغلغل ال�صهيوني في � إفريقيا ب�صفة عامة‪ ،‬وفي‬ ‫منطقة القرن الإفريقي ب�صفة خا�صة‪ ،‬من خالل تكثيف االت�صاالت بالدول‬ ‫الإفريقية وتعزيز العالقات معها وك�شف الدعاوي ال�صهيونية وتو�ضيح‬ ‫الحقائق التاريخية والجغرافية واال�ستراتيجية المتعلقة بالوجود ال�صهيوني‬ ‫ومطامعه‪.(8‬‬ ‫نجاح هذه المحاولة رهن ب�إعادة االعتبار للدائرة الأ فريقية جز ًء من‬ ‫دوائر ر�سمتها حركة التحرر الوطني العربي ـ في عهد قيادتها النا�صرية ـ‬ ‫كمحيط ا�ستراتيجي للوطن العربي وكف�ضاء وا�سع لتحالفاته الإقليمية‬ ‫والدولية في مواجهة القوى الإمبريالية وال�صهيونية‪ ،‬حيث ا�ستطاع جمال‬ ‫عبد النا�صر �أن يكوِّن جبهة عالمية قوية للدفاع عن ق�ضايا التحرر الوطني‬ ‫(‪ )86‬الزعبي‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪� )87‬أمين هويدي‪ ،‬العرب و� إفريقيا وق�ضايا الأ من الم�شترك‪ ،‬الم�ستقبل العربي العدد ‪،56‬‬ ‫ت‪.1983/1‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪154‬‬

‫في �أفريقيا بدء ًا بم�ؤتمر باندونغ ‪ ،1955‬وانتهاء بحركة عدم االنحياز‪،‬‬ ‫وذلك حين �أره�صت �أفريقيا بميالد حقبة تحرر وطني جديدة في العالم‬ ‫وبخ�سارات �صافية في ر�صيد القوى اال�ستعمارية التي انتهبت خيراتها‬ ‫طويالً‪ ،‬وذهبت في ا�سترقاق بنيها � إلى حدود التوح�ش‪ ،‬وكانت �شعارات‬ ‫حركاتها الوطنية تتردد �أ�صدا�ؤها في القاهرة وبغداد ودم�شق والجزائر‬ ‫فتتداعى لها بالدعم وال�سند والمحالفة كواجب عربي ديني و� إن�ساني‪ ،‬من‬ ‫موقع الإدراك بالأ همية اال�ستراتيجية العظمى التي ينطوي عليها تحرر‬ ‫�أفريقيا من قيود اال�ستعمار‪.‬‬ ‫ما ي�ستدعي � إعادة االعتبار للدائرة الأ فريقية‪� ،‬أي�ضاً‪ ،‬حالة التداخل‬ ‫بين ما هو عربي و� إفريقي‪ ،‬ب�شكل ي�صعب معه الف�صل بين االثنين‪ � .‬إذ‬ ‫�أن ثلثا الأ مة العربية من الأ فارقة وما يقرب من ثلث �أفريقيا عرب‪ ،‬كما‬ ‫�أن ‪ %72‬من م�ساحة الوطن العربي تقع في القارة الإفريقية‪ ،‬وتوجد في‬ ‫القارة الإفريقية ع�شر دول عربية �أع�ضاء في جامعة الدول العربية‪ ،‬و�أكثر‬ ‫من ن�صف �سكان �أفريقيا من الم�سلمين‪ ،‬وهي القارة الوحيدة في العالم‬ ‫التي تتكون من �أغلبية م�سلمة مت�أثرة بالثقافة العربية‪ � .(8‬إ�ضافة � إلى‬ ‫ذلك قدم العرب الكثير من الم�ساعدات االقت�صادية والمنع � إلى العديد‬ ‫من الدول الإفريقية من خالل �صناديق التنمية االقت�صادية العربية‪ ،‬ومن‬ ‫خالل جامعة الدول العربية نف�سها‪ ،‬وحتى منظمة التحرير الفل�سطينية‬ ‫من خالل ا�ستثماراتها في حقل الزراعة في العديد من الدول الإفريقية‪.‬‬ ‫(‪ )88‬محمد فائق‪� ،‬آفاق العالقات العربية ـ الإفريقية‪ ،‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪،239‬‬ ‫كانون الثاني ‪.1999‬‬

‫‪155‬‬

‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫وللوقوف على حجم الم�ساعدات العربية ن�شير � إلى �أن ال�صندوق الكويتي‬ ‫للتنمية وحده قدم ما مجموعه ‪ 66‬مليار دوالر‪ ،‬وزع منها ‪ 14‬مليار ًا عن‬ ‫طريق م�ؤ�س�سات التنمية الدولية وذلك حتى عام ‪ .1981‬وعلى الرغم من‬ ‫�أن هذه اال�ستثمارات لم توظف توظيف ًا جيداً‪ ،‬لإحداث بنية �أو بيئة منا�سبة‬ ‫ال�ستمرار التعاون الإفريقي‪ ،‬ف� إنها � إ�ضافة � إلى الحقائق التي ذكرت ت�شكل‬ ‫�أر�صدة يمكن ا�ستخدامها ب�شكل فعال و� إيجابي في حال بلورة ا�ستراتيجية‬ ‫عربية محددة ووا�ضحة الأ هداف والأ �ساليب والخطط‪ ،‬غير �أنّ واقع‬ ‫ال�سيا�سة العربية يختلف تمام ًا عما يجب �أن يكون‪ .‬فالدول العربية تفتقد‬ ‫المنظور اال�ستراتيجي الواحد لمعالجة ق�ضايا الأ من القومي �سواء في‬ ‫البحر �أو غيره‪ ،‬وتلك م�أ�ساة يجب تجاوزها‪ .‬وحزم الإرادة العربية هو‬ ‫المدخل لذلك عبر دعم قوى المقاومة والممانعة وفي المقدمة دعم �صمود‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني على �أر�ضه‪ ،‬ودعم ف�صائل المقاومة الفل�سطينية‪،‬‬ ‫باعتبارها طليعة الأ مة العربية والإ�سالمية في مواجهة الم�شروع ال�صهيوني‬ ‫كوجود دور وظيفي‪ ،‬حيث �أنها الأ كثر انخراط ًا في عملية اال�شتباك اليومي‬ ‫الدائر على �أر�ض فل�سطين‪ ،‬والذي تمخ�ض ب�صورة الفتة وبالتحديد منذ‬ ‫انتفا�ضة الأ ق�صى المباركة‪ ،‬عن خروج �أزمة الكيان ال�صهيوني الوجودية‬ ‫من حيز القوة � إلى حيز الفعل‪ ،‬وبعناوين �سافرة‪� :‬أزمة ديمغرافية‪� ،‬أزمة‬ ‫ا�ستيطان‪ ،‬ت�آكل نظرية الأ من القومي‪ ،‬وقوة الردع‪ ،‬و�سقوط �أ�سطورة الجي�ش‬ ‫الذي ال يقهر‪ ،‬بحيث لم يعد تلك البقرة المقد�سة‪ ،‬وحتى �سقوط الأ �ساطير‬ ‫الم�ؤ�س�سة للكيان ال�صهيوني‪ ،‬والتي �سيكون لها مردود � إيجابي ل�صالح الأ مة‬ ‫على ال�صراع المحتدم في � إيالت والبحر الأ حمر و�شرق � إفريقيا‪.‬‬ ‫إيالت‬

‫موت �أو حياة «�إ�سرائيل»‬

‫‪156‬‬

‫‪P‬‬ ‫�أم الر�شرا�ش‪ :‬الموقع‪ ،‬التاريخ‪� ،‬إ�شكالية الملكية‬

‫‪ - 1‬الموقع‬ ‫‪ - 2‬التاريخ‬ ‫‪ � - 3‬إ�شكالية الملكية‬ ‫احتالل �أم الر�شرا�ش (�إيالت)‬

‫‪ - 1‬احتالل �أم الر�شرا�ش (� إيالت)‬ ‫‪ - 2‬احتالل �أم الر�شرا�ش‪ :‬الغايات والمقا�صد‬ ‫البحر الأ حمر في اال�ستراتيجية ال�صهيونية‬

‫‪ - 1‬البحر الأ حمر في اال�ستراتيجية ال�صهيونية‬ ‫‪ - 2‬الكيان ال�صهيوني يمرحل ا�ستراتيجية ال�سيطرة على البحر الأ حمر‬ ‫اال�ستراتيجية ال�صهيونية في �شرق �إفريقيا‬

‫‪ - 1‬نظرة عامة‬ ‫‪� - 2‬أهداف ال�صهيونية‬ ‫‪ - 3‬مراحل تطور العالقات ال�صهيونية الإفريقية‬ ‫‪ - 4‬مطاردة العرب في � إفريقيا‬ ‫نماذج تطبيقية لال�ستراتيجية ال�صهيونية في �شرق �إفريقيا‬

‫‪ - 1‬نظرة عامة على الدور ال�صهيوني في حروب القارة الإفريقية‬ ‫‪ - 2‬ال�سودان في العين ال�صهيونية‬ ‫‪ - 3‬الم�ساعدات ال�صهيونية لحركات التمرد في ال�سودان‬ ‫‪ - 4‬الم�شاريع والإجراءات ال�صهيونية لل�سيطرة على النيل‬ ‫‪ - 5‬الدور ال�صهيوني في �صراع القرن الإفريقي‬ ‫�أم الر�شرا�ش وم�ستقبل ال�صراع العربي ـ ال�صهيوني‬

‫‪� - 1‬أم الر�شرا�ش نقطة الو�صل وعقدة الموا�صالت‬ ‫‪ - 2‬ه�شا�شة اال�ستراتيجية ال�صهيونية‬

‫‪15‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪139‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪151‬‬