2
الطبعة الثانية
م2020 / هـ1441
www.d-althagafhalqurania.com
3
أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم بسم اهلل الرحمن الرحيم الحمد هلل رب العالمين ،وأشهد أن ال إله إال اهلل الملك الحق المبين ،وأشهد أن س���يدنا محم ًدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم ص���ل على محمد وعل���ى آل محمد ،وب���ارك على محمد وعلى آل محم���د كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ،إنك حميد مجيد ،وارض اللهم برضاك عن أصحابه األخيار وعن سائر عبادك الصالحين. ُ (ف��زت ورب الكعبة) عبارة قاله���ا أمير المؤمنين علي ‹عليه السالم› في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك لعام (40 هجري���ة) بعد أن ضربه ابن ملجم في حادثة تاريخية مؤلمة جدًا. ه���ذه الحادثة هي من أهم الحوادث ف���ي تاريخ األمة ،ومن أكبر المآسي التي سجلها تاريخ األمة اإلسالمية. وقب���ل أن نتحدث عن هذه المأس���اة س���نعيش مع صفحات مش���رقة وضاءة من س���يرة وتاري���خ أمير المؤمني���ن علي ‹عليه الس�ل�ام› لنعرف جز ًءا يس���ي ًرا مم���ا تميز به من بين المس���لمين جمي ًع���ا ،ونع���رف ً أيض���ا ما ال���ذي يربطنا ب���ه الي���وم ونحن في مواجه���ة الجاهلي���ة األخرى التي هي أس���وأ بكثي���ر بكثير من الجاهلي���ة األول���ى الت���ي واجهها أمي���ر المؤمنين ‹عليه الس�ل�ام›
4
تحت راية رس���ول اهلل محمد ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله› معتمداً في ذلك على ما ورد عن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان اهلل عليه وكذلك على ما ورد من الس���يد عبد الملك حفظه اهلل .
•••
5
ما أهمية الحديث عن اإلمام علي ‹عليه السالم›؟ نتحدث عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لم���ا لذلك من أهمية بالنسبة لنا كمس���لمين في عالقتنا بهذا الرجل العظيم ،تلك العالق���ة اإليمانية التي يتحتم علين���ا فيها أن نكون محبين له ألن حبه إيمان وبغضه نفاق ،وأن نتطلع إليه باعتباره النموذج اإليمان���ي األرقى واألكمل في أم���ة محمد ،ومن أتباع محمد، ومن تالميذ محمد رس���ول اهلل خاتم النبيين (صلى اهلل وس���لم علي���ه وعلى آل���ه الطاهري���ن) وأن نتطلع إليه باعتب���اره حلقة الوصل ما بيننا وبين نبينا ،ما بعد وفاة نبينا ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› في حمله راية اإلس�ل�ام ولمش���روع اإلس�ل�ام ف���ي روحيته، وفي معارفه وفي علمه وفي أخالقه وفي مواقفه. وهناك نصوص وأحاديث أجمعت األمة على صحتها ونقلتها الفرق والمذاهب المختلفة فيما تدل عليه من مقامه ومن دوره ومن كماله اإليماني العظيم سنذكر بعضها ضمن هذا البحث. اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› منهج متكامل ،مدرس���ة متكاملة تلتق���ي به وأن���ت تتعرف على اإلس�ل�ام في أحكامه وش���رائعه، تلتق���ي به كنموذج عظيم في موقع القدوة واألس���وة في اتباع الرسول ‹صلوات اهلل وسالمه عليه وعلى آله› اإلمام علي ‹عليه السالم› تلتقي به في التراث اإلس�ل�امي ف���ي كل المجاالت وفي كل الجوانب ،ولكن للذكرى ولالستفادة.
6
اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› حينم���ا نتحدث عنه م���ن أهم ما نستفيده بشأنه ‹عليه السالم› أننا نرى فيه إبداع الرسول ‹صلوات اهلل علي ��ه وعل���ى آل���ه› وثمرة جهده ،اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› هو تربي���ة رس���ول اهلل ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله› هو ال���ذي رباه ،هو ال���ذي علمه ،ه���و الذي اهت���م به ،فكل م���ا نراه م���ن عظمة في ش���خصية علي ‹عليه الس�ل�ام› فيما نراه من أخ�ل�اق ،فيما كان علي���ه من عل���م ،فيما كان علي���ه من ارتقاء أخالقي وإنس���اني وكمال هو شاهد للنبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› ،هو أثر للنبي ‹صل ��وات اهلل عليه وعلى آل���ه› ،هو نتاج لجهود النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› ،هو داللة على عظمة النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›. فالنب���ي ‹صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه› واحد من تجلي���ات وآثار عظمت���ه ،وآث���اره وأخالق���ه م���ا نج���ده ف���ي اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› ،وإذا أتينا لنتحدث وباختصار ش���ديد ع���ن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وف���ي محطات محدودة عن والدته ونش���أته وفي محطات محدودة من حياته كشواهد ونماذج -هذا هو المهم- كشواهد ونماذج نستفيد منها ونتطلع من خاللها إلى غيرها وإلى ما ورائها.
خصوصيات اإلمام علي ‹عليه السالم› في والدته اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› كان له خصوصيات عجيبة جدًا، فمنذ والدته كان ‹عليه الس�ل�ام› وليد الكعبة ،كان ش���خصية
7
امتاز حتى بهذه الميزة ،أن كان مولده في الكعبة المش���رفة، الس��� َير وف���ي األخبار أن والدت���ه رحم���ة اهلل عليها عندما ففي ِّ أصابه���ا الطل���ق والمخ���اض ذهبت إل���ى الكعبة لتدع���و اهلل أن يس���هل عليها والدته���ا ،فأخذها طلق ال���والدة ومخاض الوالدة وأش���رفت على الوالدة وألجأها ذلك إلى الدخ���ول إلى الكعبة، فم���ا إن دخلت إل���ى داخل الكعبة إال ووضعته ف���ور دخولها إلى الكعبة ،فكان وليد الكعبة. وهذا كان م���ن لطف اهلل به وصنيع اهلل له ،كان أيضا من صني���ع اهلل له ولطف اهلل ب���ه ورعاية اهلل له واإلع���داد له لدور كبير ودور مهم في إطار النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› وفيما بعد وفاة النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›. النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› هو من تولى تربية علي ‹عليه السالم›
لق���د كان ل���ه م���ن االختصاص بالنب���ي ما لم يك���ن لغيره، فالنبي صلى اهلل عليه وآله أخذه وهذا كان قبل مبعثه رسو ً ال، أخذه في مرحلة طفولته ،أو ال يزال طف ً ال ،وذلك ليخفف عن والده نفق���ة العيال َ وه َّم المعيش���ة ،ولتدبير من اهلل س���بحانه وتعال���ى وتهيئة إلهي���ة ورعاية إلهية ،أخذ علي���اً منذ طفولته عنده ،فاهتم بتربيته. الرسول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› كان في طفولته في إطار
8
يتيما ،في مرحلة يتمه كفالة عمه أبي طالب ،ألن النبي نشأ ً وطفولت���ه اهتم به جده عب���د المطلب إلى أن توف���ي والنبي ما يزال طف ً ال صغي ًرا ،وتولى كفالته والعناية به عمه أبو طالب، النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› قابل هذا الجميل ،وأخذ عل ًيا لديه وبتدبير وتهيئة إلهي���ة ،وهو ما يزال طفلاً صغي ًرا ،فاعتنى به واعتنى بتربيته وتنشئته ،وعني به فيما يتعلق بأخالقه. وتح���دث اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› عن هذه المس���ألة فقال ‹علي ��ه الس�ل�ام›( :وقد علمتم مو�ض��عي م��ن ر�س��ول اهلل ‹صلى اهلل
علي ��ه وعلى آله وس���لم› بالقرابة القريب��ة والمنزلة الخ�صي�صة، و�ضعني في َحجره و�أنا ولد). فالنب���ي أخذه لديه منذ طفولته ،إل���ى أن يقول( :ولقد كنت �أتبع��ه اتب��اع الف�صي��ل �أثر �أم��ه) أي :أالزمه ،كم���ا يالزم ولد الناق���ة أمه ،فكانت مالزمته له مالزمة مس���تمرة ال ينفك عن ً ومالزمة فيها اتباع فيها اقتداء فيها اهتداء فيها تأثر مالزمته، بأخالقه ،قال ‹عليه الس�ل�ام›( :يرفع لي ف��ي كل يوم من �أخالقه َع َلما ،وي�أمرني باالقتداء به) فكان في كل يوم يحرص على أن يترك أثراً من أخالقه في اإلمام علي ‹عليه السالم›. فحظي بهذه الدرجة ،بهذا الفضل الكبير ،بتربية مباش���رة وعناية وتنش���ئة خاصة برس���ول اهلل ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله› قابله���ا م���ن جانب اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› قابلي���ة عالية جداً،
9
وهذه مس���ألة مهمة ،مث ً ال قد يمكن أن تحظى باهتمام تربوي وأخالق���ي ،لكن إذا لم يكن لدي���ك قابلية كبيرة قد يعاني من يهتم بك ،قد يعاني من يعمل على تربيتك ،قد يعاني من مدى تقبلك ،من مدى تفاعلك ،من مدى ومستوى تأثرك ،أما اإلمام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› فإنه في الوق���ت الذي حظي ب���أن يكون من يعتن���ي به وبتربيته الرس���ول ‹صل���وات اهلل عليه وعل���ى آله› بكمال أخالقه كان لديه قابلية عالية. ألن النب���ي ‹صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه› ما قبل مبعثه رس���و ً ال حظ���ي برعاي���ة خاص���ة وعناية وإع���داد إلهي خ���اص ،ما قبل مبعث���ه رس���و ً ال كان يحظ���ى منذ والدت���ه ،اهلل أع���ده خصيصاً لمهمة كبيرة عالمية وعظيمة هي الرس���الة ،والرس���الة في أكبر مستوياتها ،في أكبر مراحلها ،في أهم مراحلها ،وخاتم النبيين ،وهو سيد المرسلين. ف���إذاً النب���ي في كمال���ه العظيم اعتن���ى باإلمام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› ،وفي نفس الوقت كان هناك قابلية جداً وتأثر كبير كاألرض الطيب���ة الخصبة جداً التي ينب���ت فيها ما بُذر فيها،
الط ِّي ُب َيخْ ُر ُج َن َبا ُتهُ ِب�� ِ�إ ْذنِ َر ِّب ِه َوا َّل ِذي َخ ُب َث َ } َوا ْل َب َل��دُ َّ ال َيخْ ُر ُج �إِ َّ ال َن ِكدً ا{(األع��راف ،)58:اإلم���ام عل���ي كان كاألرض الطيب���ة الخصب���ة ج���داً ،ما ألقي فيه���ا من بذور نبتت فيه���ا ونمت فيها وكانت مثم���رة فيها ،فهذه القابلية العالي���ة جداً التي تجعله
10
يتفاع���ل ،يتأثر تأث���راً كبيراً ،ينتفع انتفاع���اً كبيراً بما يبذله النب���ي من جهود في تربيته ،ونتاج هذه التربية كما قال( :وما وجد لي كذبة في قول وال َخطلة في فعل). فكان لها هذا األثر في اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،ارتقاء على نحو عجيب منذ الطفولة ،استقامة على نحو عجيب (وما وجد ل��ي كذب��ة في قول) وال حت���ى كذبة واح���دة ،الكذبة الواحدة ف���ي الكالم ،أو التص���رف غير الالئق (وال خطل��ة في فعل) وال أي تصرف س���يء أو تصرف غير حكيم ،أو تصرف لم يكن عن َر ِويَّة وعن تفكير وعن تصرف صحيح (وال َخطلة في فعل). ه���ذه النتيجة هذا األثر العظيم ،هذه التربية العظيمة في ش���خص متقب���ل ،منتفع ،واس���تمر على هذا األس���اس في إطار النبي ،في إطار تربيته ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› إلى مبعث النبي رسو ً ال ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›. وحينم���ا بُع���ث النبي رس���و ً ال كان عل���ي ال ي���زال عنده في منزل���ه ،يحظ���ى بتربيته ،يالزم���ه ،وبالتال���ي كان اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› مع خديجة زوجة الرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› أول المس���لمين ،النب���ي بُعث كما في األخب���ار واآلثار يوم االثني���ن وف���ي ي���وم الثالثاء ع���رض عليهما اإلس�ل�ام فأس���لما وصدقا به وآمنا به رسو ً ال من عند اهلل سبحانه وتعالى.
11
أثر هذه التربية النبوية اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› في الوقت الذي صدَّق فيه برسالة إسالمه النبي ،وسبق إلى ذلك كل أبناء األمة لم يكن قد سبق ُ شرك ،ولم يكن قد سبق إيما َنه ٌ تلوث بدنس الجاهلية ورجسها، ال ،النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› ،نفسه كذلك -كان موحداً ما قبل مبعثه رسو ً ال ،وكان على الحنيفية ،على دين إبراهيم ‹عليه الس�ل�ام› ،لم يس���بق إيمانه أو في مبعثه رسو ً ال من عند اهلل لم يس���بق ذلك ش���يء من الش���رك والعبادة لألصنام أو التلوث أيضاً بشيء من رجس الجاهلية ،ال ،كان طاهراً وكان زكياً وكان يحظ���ى برعاية خاصة من اهلل وطهارة وحفظ وصون من اهلل سبحانه وتعالى. عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› ف���ي ظل ه���ذه التربي���ة وهذا فاإلم���ام ٌ االختصاص بالنبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله وسلم› ما قبل مبعثه رسو ً ال ،كذلك ُحفظ في هذه التربية في ظل هذا الجو الراقي واإليمانيُ ،حفظ من أن يس���جد ألي صنم ،أو أن يعبد غير اهلل سبحانه وتعالى ،ولذلك تعارفت األمة أن تقول عن اإلمام علي ‹كرم اهلل وجهه› من باب االخصاص له ،يقال عنه، ‹عليه الس�ل�ام›َّ ، على وج���ه الخصوص ،يتحدث مثال عن بعض الصحابة يقال رضي اهلل عنه ،لكن اإلمام علياً أيضاً يقال عنه كرم اهلل وجهه،
12
يق���ال ألنه من هذه الكرامة ،كرم اهلل وجهه لم يس���جد لصنم قط.
كان الكثي���ر ممن أس���لموا والتحق���وا باإلس�ل�ام فيما بعد، كان الكثير منهم س���بق إس�ل�امه ش���رك ،عب���ادة لألصنام ،بل كان البعض حتى من كبار الصحابة قد انقضت مدة شبابهم ف���ي عبادة األصن���ام ،أي :كانوا كل ما مض���ى من حياتهم في حالة عبادة لألصنام وفي تلوث وغرق بين دنس الجاهلية إلى أن جاء اإلس�ل�ام فتطهروا باإلسالم ُ وش ِرفوا باإلسالم ووحدوا، ودخلوا في دين اإلسالم وتركوا األصنام.
كبار من الصحابة كان كل شبابهم كل حياتهم -فيما مض���ى -في ظل عب���ادة لألصنام ،في ظل غ���رق وتأثر بالبيئة التي عاش���وا فيها ،البيئ���ة الجاهلية ،بكل ما فيها من خمر ومن متاهات وملذات وش���هوات وعادات وتقاليد ،حتى جاء اإلس�ل�ام فتطهروا باإلسالم. ً صالحة، علي ‹عليه السالم› ،ال ،نشأ نشأ ًة طاهر ًة ،نشأ ًة اإلمام ٌ ً زكية ،لم يتلوث فيها بأي من رجس الجاهلية وال بكل نش���أ ًة ما كان فيها من أشياء سيئة بصفة تقاليد أو بصفة عادات ،أو بصفة اعتيادية للناس في طعامهم وش���رابهم وغير ذلك ،في ذلك الجو الطاهر النظيف نش���أ ‹عليه الس�ل�ام› وتربى وبقابلية ً ً وتنمية أخالقية ،ليست فقط تربية عالية ومع هذه السالمة
13
مجرد س�ل�امة من تلك األرجاس ومن تل���ك العادات وبقاء في وضع ع���ادي ،أي يَس��� َلم ولك���ن يبقى عل���ى وضعي���ة طبيعية، عل���ى فطرته وبالحد األدنى من أخالقه ومن مس���توى الصالح وال���زكاء ،ال ،تنمي���ة عالي���ة وارتق���اء كبي���ر ف���ي كل مكارم األخالق ،وحميد الصفات وجميل الصفات ،ارتقاء مستمر.
فعلي ‹عليه السالم› كان أول المسلمين إسالمًا فحينم���ا أتى مبعث النبي رس���و ً ال ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله›، س���رعان ما التحق وآمن وصدق به رسو ً ال من عند اهلل من غير س���ابقة شرك وال دنس الجاهلية وال رجسها ،ولذلك ورد فيما ورد م���ن أثر�( :إن �أول ه��ذه الأمة ورود ًا عل��ى الحو�ض) ،يعني يوم القيامة�( ،أولها �إ�سالما علي ابن �أبي طالب). فضيل���ة الس���بق إلى اإلس�ل�ام وأن يكون أول األمة إس�ل�اماً وس���ابقة ،ه���ذا فضل كبي���ر ،هذا ش���رف عظيم ،ه���ذه منزلة كبي���رة وعالية ،اهلل س���بحانه وتعالى قال ف���ي كتابه الكريم:
ال�سا ِب ُق��ونَ • ُ�أو َل ِئ َ َّ��ات ��ك ال ُْم َق َّر ُب��ونَ • ِف��ي َجن ِ ال�سا ِب ُق��ونَ َّ } َو َّ يم{ (الواقعة.)12 – 10 : ال َّن ِع ِ الس���ابقون له���م فضيلة عن���د اهلل ،له���م منزل���ة عالية عند عال عند اهلل س���بحانه اهلل س���بحانه وتعال���ى ،اختصاص بمقام ٍ وتعال���ى ،ف���كان هو في س���ابقي األمة أس���بقهم ،الس���ابقون من
14
أبناء هذه األمة هو أس���بقهم ،أس���بقهم في اإلسالم والتصديق لرسول اهلل رسو ً ال ونبياً من عند اهلل سبحانه وتعالى ،يقول اهلل الَن َْ�صا ِر اج ِرينَ َو ْ أ ال�سا ِب ُقونَ ْ أ الَ َّو ُلونَ مِنَ ال ُْم َه ِ ف���ي آية أخرىَ } :و َّ
َوا َّل ِذينَ ا َّت َب ُعوهُ ْم ِب�إِ ْح َ�س��انٍ َر ِ�ض َي ا ُ هلل َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َعنْهُ َو�أَ َعدَّ ال ْن َها ُر َخا ِل ِدينَ ِفي َها �أَ َبدً ا َذ ِل َك ا ْل َف ْو ُز َّات َت ْج ِري َت ْح َت َها َْ أ ��م َجن ٍ َل ُه ْ يم{(التوبة.)100: ا ْل َع ِظ ُ
ً فضيلة كبير ًة ج���داً ولهذا ففضيل���ة الس���بق إلى اإلس�ل�ام أُثي���ر اللغط في بعض كت���ب التراث وفي بع���ض اآلثار وعند بع���ض الكتاب والمؤلفي���ن خصوص���اً الذين انش���غلوا بالجدل، رك���زوا على أن يثي���روا الجدل في من هو أول األمة إس�ل�اماً، ولك���ن الثابت في االس���تقراء التاريخي والش���يء الطبيعي جداً وهو لدى النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› أنه أول األمة إس�ل�اماً؛ له���ذا كان اإلمام علي يقول( :اللهم �إني ال �أعرف �أن عبدً ا لك
م��ن ه��ذه الأمة عبدك قبلي غي��ر نبيك محمد ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله وسلم›).
ف���كان ل���ه م���ع االختص���اص ،ولذل���ك الج���و الترب���وي، واالختص���اص بالنبي على نحو ليس لغي���ره ،كان له فضيلة الس���بق أيضاً ودخل في اإلسالم هذا الدخول الذي سبقه تهيئة تربوي���ة وروحية وأخالقية عالية ،وبالتالي كان ُخطاه كان مس���يره في هذا اإلسالم مسار ارتقاء ،كان مساره مسار ارتقاء
15
عظيما وراق ًيا. نحو األفضل نحو األعلى ،وتنام ًيا إيمان ًيا ً
(((
المسلمون ُمجمعون على جاللة وقدر اإلمام علي ‹عليه السالم›
اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› ه���و رم���ز إس�ل�امي وعظيم من عظماء األمة اإلس�ل�امية بكلها ،هذا أمر ال شك فيه ،وال نقاش في���ه ،وال إش���كال فيه ،فس���واء ف���ي المدرس���ة الش���يعية أو في المدرسة السنية الكل يجمع على جاللة قدره وعظيم مقامه، والنص���وص المهمة الت���ي وردت بش���أنه ‹عليه الس�ل�ام› ،تناقلها الفريق���ان -كم���ا يق���ال ف���ي التعبيرـ ف���ي التراث اإلس�ل�امي، وتناقلتها األمة وتوارثتها جي ً ال بعد جيل. فلي���س الحدي���ث عن���ه مح���ط إش���كال ،وإن ح���اول البعض وبال���ذات في هذا الزمن ،يح���اول التيار الوهاب���ي التكفيري أن علي ‹عليه الس�ل�ام› محط إش���كال يجع���ل الحدي���ث عن اإلم���ام ٌ ومح���ط ج���دال وأن يثي���ر حساس���ية بالغ���ة وش���ديدة في هذا الجان���ب ،وهذا ش���يء يجب أن تتظاف���ر جهود األم���ة بكلها في التصدي له ألنه باطل محض ال مبرر له أبداً.
((( ذكرى ا�ست�ش ��هاد الإمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لل�سيد عبد الملك حفظه اهلل لعام 1438هـ.
16
يسعى التيار الوهابي التكفيري إلى أن يجعل الحديث عن اإلمام علي ‹عليه السالم› محط إشكال اليوم عندما يسعى التيار الوهابي التكفيري في ظل مسعاه إل���ى إث���ارة الن���زاع بين المس���لمين والص���راع بين المس���لمين، واالقتت���ال بين المس���لمين تح���ت العناوي���ن المذهبية وتحت العناوين الطائفية يحرص في ظل هذا المسعى وفي ظل هذا التوجه وفي نفس هذه الطريق إلى أن يجعل من محبة اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ومن الحديث عنه إش���كالية كبيرة جداً ،بل أن يجعل من محبة اإلمام علي ‹عليه السالم› جريمة ال تساويها أي جريمة في العالم ،أن تكون صهيونياً يهودياً ،إس���رائيلياً ،أن مش���رب في هذه الحياة ال يثيرون اإلش���كال تكون من أي وا ٍد أو ٍ ع���ن حقيقة توجهك أو طبيعة انتمائك بقدر ما يثيرونه حول مسألة المحبة لإلمام علي ‹عليه السالم›. فيأت���ون بالحدي���ث الدائ���م بنبزه���م المع���روف وكالمهم المعروف :الرافضة المج���وس ،الرافضة المجوس ،إلى آخره، بش���كل دائ���م ومس���تمر وهس���تيري ،وجنوني ،ث���م يحاولون أن يخيفوا اآلخرين حتى في الوسط السني ،مع أن المحبة لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› والحديث عن فضائله ،والحديث عن مناقبه حفل بها التراث الس���ني بقدر ما حفل بها التراث الش���يعي ،في أهم المصادر في التراث الس���ني ،في أه���م المصادر الحديثية،
17
هن���اك تج���د وأنت متصف���ح لها أه���م النصوص الواردة بش���أن اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،الحدي���ث العظيم الحدي���ث الراقي، الحديث الذي يتحدث بودية وإجالل وتعظيم واحترام لإلمام علي ‹عليه السالم›. بل تجد ُ كتباً في التراث الس���ني مف���ردة عن مناقب اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وعن فضائل اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،وتجد الحدي���ث عنها والتأكيد على صحته���ا ،و ،و ...إلى آخره ،وهذا ش���يء معروف ،ولكن هم بالنسبة للتيار الوهابي التكفيري هو ح���رص على أن يقدم نفس���ه على أنه هو الس���نة وأهل الس���نة ويعبر عن الس���نة ،ثم يأتي بتوجهات مناقضة ومختلفة كلياً في كثير من األمور في اإلس�ل�ام ،ال تمت بصلة وال تعبر بأي ح���ال من األحوال عن حقيقة ما كان عليه التيار الس���ني على مدى التاريخ ،على مدى قرون وأجيال متعاقبة.
موقف التيار الوهابي من اإلمام علي كشف بأنهم منافقون فح���رص هذا التيار الفتنوي على أن يحيط مس���ألة اإلمام علي ‹عليه السالم› وعن مناقبه عن فضائله ،عن مقامه عن دوره الكبي���ر في األم���ة ،أن يحيطه بإش���كالية كبيرة ،بحساس���ية مفرطة ،بعداوة شديدة جداً.
18
وهذا ش���اهد واضح على أنهم ف���ي حقيقة أمرهم منافقون؛ ألن هذه س���مة الزمة لمبغض اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،صفة الزم���ة نطق به���ا النبي‹صلوات علي���ه وعلى آله›ع���ن اهلل وأعلم بها أمت���ه أنه :ال يبغض علي���اً إال منافق ،هذه صفة الزمة ال يمكن أن تجحده���ا إال وأنت مكذب للرس���ول صل���ى اهلل عليه وآله ،ال يبغض���ه إال مناف���ق ،فلن يتحس���س ويغتاظ ،ويغض���ب وينفعل ويس���تاء ويتعقد ويعتبر ذلك مشكلة ال أكبر منها عندما تأتي لتتحدث عن اإلمام علي بما قال فيه الرس���ول مما نقلته األمة بكلها ،لن يفعل ذلك إال منافق. وله���ذا تعتبر م���ن أهم الس���مات والعالمات الت���ي يتميز بها المنافق���ون عل���ى م���ر التاريخ منذ عه���د النبي ‹صل���وات اهلل عليه وعل ��ى آل ��ه› ،بغض اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،أبو س���عيد الخدري أحد الصحابة الكبار ق���ال( :ما كنا نعرف منافقي األنصار إال ببغضهم لعلي بن أبي طالب) عالمة قريبة ،وعالمة واضحة، وعالمة جلية ،بسرعة تحدث حالة من الفرز السريع. فإ ًذا اإلشكال والحساسية البالغة والعقد الشديدة والبغضاء وحالة الشحن الطائفي والعداوة المفرطة التي يثيرها التيار الوهاب���ي التكفي���ري تجاه هذا األمر ال ينبغي أب���دًا أن تتأثر بها األم���ة وال أن تقبل به���ا األمة وال أن ترضى به���ا األمة ،ويجب ���نة وش���يعة؛ ألن علياً رمزاً إس�ل�امياً أن يتصدى لها الجميع ُس ً لألم���ة بكله���ا ،لفرق األمة بكله���ا ،وليس رم���زاً خاصاً بمذهب
19
معي���ن أو طائف���ة معينة ،محبته س���مة إيماني���ة ،أينما أنت ال يص���ح لك إيمانك إال بمحب���ة اإلمام علي ابن أب���ي طالب ،وإذا كنت مبغضاً له فأنت متصف بصفة نفاقية. النظام السعودي استغل نفوذه ففرض الفكر الوهابي التكفيري على الوسط الشيعي والسني نلحظ أيض���اً أن التوجه ال���ذي عليه النظام الس���عودي وهو وف���رخ له في النظ���ام الذي يتبن���ى التوجه التكفي���ري الوهابي َّ ومول���ه ونش���ره ،ومكن له م���ن خالل أوس���اط األم���ة ودعم���ه َّ دع���م إعالمي ومادي هائل جداً وسياس���ي أيضاً ،اس���تغل نفوذه السياس���ي عل���ى بع���ض الحكومات وبع���ض األنظم���ة أن تفتح للتغلغل الوهابي في الش���عوب ،ش���عوبنا كله���ا كان هذا التيار غريباً عليها ،وغير موجود فيها ،هو ظاهرة طرأت في الس���احة اإلس�ل�امية وتغلغل���ت فيها وانتش���رت فيها ،بفعل ه���ذا الدعم، بفعل البترودوالر. ه���ذه األم���وال الهائلة الت���ي صدرته إلى العالم اإلس�ل�امي، صدرت���ه بعد الجزي���رة ف���ي دول الخليج ،صدرته إل���ى اليمن، صدرت���ه إلى مصر ،صدرته إل���ى دول المغرب العربي ،صدرته إلى الش���ام ،ولم يك���ن موجوداً فيها نهائياً ،واكتس���ح الس���احة وتغلغل في مناطق كثيرة.
20
تأثر من تغلغله هذا التيار السني ،استهدف الساحة السنية، اس���تهدف أتباع المذاهب األربعة واس���تهدف الساحة الشيعية، واس���تهدف كل فرق األمة وكل س���احة األم���ة وتغلغل فيها مدعوماً بش���كل كبير مادياً ومدعوماً بش���كل كبير سياس���ياً، كثي���ر م���ن الحكوم���ات واألنظمة ناصرت���ه ،أُعطي���ت له أهم ال���وزارات ،كان التيار الوهابي التكفيري دائما يُس���ّلم له وزارة األوق���اف واإلرش���اد ووزارة التربية والتعلي���م حتى يتمكن من خالل هاتين الوزارتين إلى أن يتحرك بشكل رسمي. إضافة إلى تغلغله في الوس���ط الش���عبي ونش���اطه الشعبي، وحظ���ي بحماي���ة ،ودعم أحياناً أمني ودعم عس���كري ،دعم من الحكومات ف���ي البلدان تناصره ،كان في بعض البلدان يذهب إل���ى المس���اجد ومع���ه فرق عس���كرية أو ف���رق من الش���رطة، ف���رق تابعة للداخلية تس���اعده ف���ي عملية اقتحام المس���اجد، والحدي���ث عن هذا الجانب يطول ،والمآس���ي فيه ش���ملت كل البلدان العربية واإلس�ل�امية ،ش���ملت اليمن ،ش���ملت المغرب العرب���ي ،ش���ملت مصر ،ش���ملت الش���ام ،حديث واس���ع عن هذه االقتحامات والس���يطرة على المساجد واستحواذ على المنابر، ومن ثم السيطرة على المناهج الدراسية. هذا ش���يء حرص علي���ه النظ���ام الس���عودي ،أن يتحكم في سياسة المناهج الدراسية فيما تتضمنه من ثقافة من معارف ديني���ة وتاريخي���ة ،عندن���ا في اليمن ف���ي الماض���ي على مدى
21
عشرات السنين ،تحكمت السياسة السعودية وتحكمت النزعة التكفيري���ة الوهابي���ة عل���ى صياغ���ة المناه���ج ف���ي المدارس والجامعات ،تجد مث ً ال في دول الخليج العربي في أكثرها. ف���ي النظام الس���عودي نفس���ه ،المنهج المدرس���ي هناك في الم���دارس والجامع���ات وكثي���ر أيض���اً من الرس���ائل ،رس���ائل التخ���رج الجامعي ،ف���ي مراحلها المتع���ددة والمتنوعة وصلت ليس فقط إلى مستوى إثارة حساسية كبيرة عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وتقديمه كش���خصية إش���كالية ،بل وصلت إلى حد اإلس���اءة إلى اإلمام ‹عليه السالم› ،رسائل تخرج في المناهج أو في الجامعات الس���عودية كان بعض هذه الرسائل يتطاول على اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،يس���يء صراحة إلى اإلمام علي ‹علي ��ه الس�ل�ام› ،ينتقص من مقام وقدر ه���ذا الرجل العظيم في اإلس�ل�ام ،فأصبحت السياس���ة التي يتبناها النظام الس���عودي، السياس���ة على المس���توى الثقاف���ي والتعليمي ،تح���رص دائماً إل���ى إقصاء اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› نهائياً م���ن المناهج ،وإذا كان ثمة حديث بس���يط جداً عنه ،يقدمه أحياناً كشخصية اعتيادية ليس لها أي اعتبار في التاريخ اإلسالمي نهائياً. أما األحاديث التي تضمنها التراث اإلسالمي ،تضمنتها أهم الكتب في الحديث لدى حتى إخوتنا من أهل السنة ،لديهم هم مجاميعهم الحديثية الرئيس���ية ،أهم تل���ك النصوص ال تجد لها أثراً ،ال تكاد تجد لها أثراً أبداً في المناهج الجامعية ،س���واء
22
في السعودية أو في اليمن أو عدد من البلدان ،وكأن النبي لم يتح���دث بها أص ً ال ،وكأن���ه ال وجود لها في التراث اإلس�ل�امي نهائياً.
المثقفون والتربويون مدعوون للتعرف على شخصية اإلمام علي ‹عليه السالم›
تأت���ي الطام���ة الكب���رى عل���ى م���ن يقتص���ر اعتماده���م في ثقافته���م الديني���ة والتاريخي���ة على ما احتوت علي���ه المناهج الدراسية والجامعية سواء عندنا في اليمن أو في السعودية أو في كل البلدان التي خضعت للسياسة السعودية في مناهجها التعليمية ،طامة كبيرة جداً يمكن للطالب أن يقطع مشواره التعليمي م���ن المرحلة األساس���ية ،إلى اإلعدادي���ة والثانوية والجامعي���ة ث���م يتخ���رج وه���و يجه���ل بمث���ل ه���ذه النصوص المهمة ،النصوص التي تدل على أن للمس���ألة عالقة بإيمانه، عالقة بثقافته ،عالقة بجوانب أساسية يحتاج إليها في دينه. فيخ���رج وهو يجهل مق���ام اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،يخرج م���ن الجامعة والبع���ض يصل إلى درج���ة أن يك���ون معلماً في الجامع���ة ،ولكن ألن ثقافته وعلومه اقتص���رت على ما احتوت عليه تلك المناهج التي خضعت العتبارات سياسية ،وتأثيرات سياسية ،فكان مفلساً ومنعدم الثقافة والمعرفة بمقام اإلمام علي ‹عليه السالم› الرجل العظيم في اإلسالم.
23
والبعض ال يأتي فيما بعد ،مث ً ال ما بعد دراس���ته الجامعية، أو ما بعد دراسته في كل المراحل ،ال يأتي لينفتح على التراث اإلسالمي ،ليطلع االطالع الواسع ،ال ،يقتصر على ما قد عرفه واطلع عليه من خالل تلك المناهج. ولذل���ك أن���ا أق���ول ل���كل الثقافيي���ن ول���كل المثقفي���ن ،لكل التربويي���ن ،ل���كل المتعلمي���ن في أبن���اء أمتنا ح���ذاري حذاري م���ن االقتص���ار على المناه���ج الجامعي���ة والمناهج الدراس���ية الرس���مية ،حذاري من ذلك ،هذه كارثة ،هذا س���يكون مصدر لكثير من اآلف���ات ،ألنه من المعلوم قطعاً وبكل تأكيد ويقين وثبوت أن المناهج الدراس���ية في عالمنا العربي في المس���توى ش���ك للتأثي���رات السياس���ية ،حكمتها الرس���مي خضع���ت ب�ل�ا ٍ سياس���ات ،سياس���ات معينة وتوجهات معينة فق���ررت ما يُدرج وقررت ما يُحذف. تأتي إلى المعارف الديني���ة ،تأتي إلى المعارف التاريخية، فتج���د هن���اك الكثير مما ُح���ذف واألمة بحاج���ة إلى االطالع عليه ،دينها قيمها ،أخالقها ،واقعها ،العملي كذلك مسئوليتها الحضاري���ة تفرض عليها أن َتطلع على ذلك وقد ُحذف نهائياً وهن���اك ما ُضمن في هذه المناه���ج مما ال أصل له ال صحة له إما ليس من الحقائق التاريخية هو افتراء وتزوير على التاريخ أو هو افتراء وتزوير على المعارف الدينية وعلى اإلسالم.
24
فلذلك يجب التعاطي بحذر مع المناهج الدراسية الرسمية الت���ي خضع���ت للسياس���ات الرس���مية التعاط���ي معه���ا بح���ذر والنظرة إليها من هذا المنظار باعتبارها ش���ابها فيما تضمنته أخط���اء كبيرة وتزييف كثي���ر وباعتبارها ً أيض���ا ناقصة ،لم تتضمن أشياء مهمة جداً بات اليوم يُحذف منها أشياء كثيرة فيما يتعلق بالتاريخ المعاصرُ ،حذف من المناهج الدراسية ما بعد األلفين وبداية الحملة األميركية في الـ 2001م. والحمل���ة األميركي���ة التي رك���زت أيضاً عل���ى المناهج الدراسية ُحذف منها أشياء كثيرة تتعلق بالخطر األميركي واإلسرائيلي والغربي واالستعماري على عالمنا اإلسالمي(((.
•••
((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1438هـ.
25
ما الذي يربطنا باإلمام علي ‹عليه السالم›؟ حديثنا عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› من موقعه في اإلسالم رمزاً عظيماً وهادياً وقائداً و ُتجمع كل األمة اإلس�ل�امية على جاللة قدره وعظيم مقامه في اإلس�ل�ام ،هو حديث ذو أهمية كبيرة ومن جوانب متعددة وكثيرة. اإلم���ام عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› م���ن موقعه ف���ي اإلس�ل�ام قائداً وعظيم���اً وهادي���اً ،وامت���دادًا لحم���ل المش���روع اإلس�ل�امي من موقعه العظيم باعتباره النموذج األكمل واألرقى في كماله، وبطبيعة المسؤولية التي كان يحملها. ثم الحديث عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،ترتبط به جوانب أساس���ية م���ن إيماننا وم���ن ديننا ،الجان���ب المتعل���ق بالمحبة والوفاء كجزء أساس���ي م���ن الدين ،أوثق ع���رى اإليمان كما ورد ع���ن النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آل���ه›�(( :أوثق ُعرى الإيمان الحب في اهلل والبغ�ض في اهلل)). ولإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› أهميته فيما يتعلق بهذا الجانب لدرج���ة أن محبته من اإليمان وأن بغضه من النفاق كما ورد في الحدي���ث محل االتفاق بين األمة اإلس�ل�امية وفي التراث اإلس�ل�امي أن النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› قال عن اإلمام علي ‹علي ��ه الس�ل�ام› (( :ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ض��ك �إال منافق))، وفي نص آخر أيضاً(( :ال يحبك منافق وال يبغ�ضك م�ؤمن)).
26
فمن هذه األهمية بهذا االعتبار ،من هذا الموقع ،بما يربطنا باإلمام علي ‹عليه السالم› في تراثنا الديني والمعرفي والثقافي ومن موقع االقتداء والقدوة واالستفادة منه في مقامه العظيم كنموذج عظيم ومميز بين الوسط اإليماني واإلسالمي. نتحدث ع���ن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ف���ي جوانب متعددة، والحدي���ث ع���ن اإلمام عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› ينطلق م���ن ثالثة مسارات أساسية: األول منها :على ضوء اآليات القرآنية ونكتفي ببعض منها. الثاني :على ضوء النصوص الواردة عن النبي صلى اهلل عليه وآله وس���لم ،ونكتفي في هذا المس���ار ببع���ض منها وبعض من أبرزها وأش���هرها ،والمتعارف عليه والموثوق به والمعترف به والمنقول في التراث اإلس�ل�امي بي���ن فرق األمة على اختالف مذاهبها وتوجهها. المس���ار الثال���ث :حدي���ث -إن ش���اء اهلل -مختص���ر جدًا عن حياته وعن تاريخه نس���لط فيه الضوء على بعض من الجوانب ألن الحديث عن اإلمام علي ‹عليه السالم› حديث واسع جدًا ،فهو مدرسة إسالمية متكاملة بكل ما تعنيه العبارة.
27
المسار األول :بعض مما ورد فيه وخلده القرآن الكريم: القر�آن الكريم يخلد جانبًا من جوانب �إح�سانه وعطائه ورحمته
ه���ذه من أه���م الجوانب التي يج���ب أن تتصل بها النفس���ية المؤمنة وهو جانب ً أيضا إنساني وأخالقي وإيماني. اإلمام علي ‹عليه السالم› كان في هذا الجانب متمي ًزا وراق ًيا على اآلخري ��ن من أتباع النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› ،وس ��جل له القرآن الكريم والتأريخ في ذلك ما فيه دالئل مهمة و دروس مهمة. م���ن ما ُس���جل في ه���ذا الجانب قص���ة اإلطعام للمس���كين واليتيم واألسير واإليثار لهؤالء بالطعام الذي كان علي ‹عليه الس�ل�ام› والزه���راء ‹عليها الس�ل�ام› وجاريتهما فض���ة ال يمتلكون غي���ره مع صي���ام ،كانوا في حال���ة صي���ام ،وكان عليهم نذر، نذر بالش���فاء للحسن والحسين ‹عليهما السالم› ،كانا مريضين، فنذر عل���ي والزهراء بالصيام والش���فاء تقربًا إلى اهلل وتوس�ًل�اً يشفي الحسن والحسين ،وصاموا. إليه بالصيام أن َ عند اإلفطار كان لهما ثالثة أقراص من الش���عير لم يكن لهما غير هذه الثالثة األقراص من الشعير ،فـعندما أتى وقت اإلفطار أتى أو ً ال المس���كين فط���رق الباب وأعطي���اه قرصاً ،لم يلب���ث أن أت���ى بعده اليتي���م فأعطياه القرص الثان���ي ولم يلبثا أن أت���ى األس���يرٌ ، كل منهم يس���ألهما ويطلب منهم���ا فأعطياه القرص الثالث وباتوا في حالة جوع.
28
نزل���ت اآلي���ات القرآنية ،أن تلك األس���رة الطاه���رة هي أول مصاديق ه���ذه اآلية ،وفي ه���ذه اآلية المبارك���ة وفي اآليات دالئ���ل مهمة ال يتس���ع لن���ا الحدي���ث عنها ف���ي إيمانهم���ا ،في برهم���ا هو والزه���راء ‹عليهما الس�ل�ام› ،في روحيتهم���ا اإليمانية الراقي���ة ،في خوفهما من اهلل س���بحانه وتعالى ،في إخالصهما هلل سبحانه وتعالى ،مدرسة من األخالق والقيم والمبادئ التي يحتاج إليها اإلنسان المؤمن. �ص ِال ُح ا ْل ُم ْ�ؤ ِم ِن َ ين َ
ً أيض���ا مما يدلنا على المكان���ة التي يحتلها اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ف���ي طبيع���ة الدور ال���ذي ينهض ب���ه لمناص���رة النبي والجهاد معه واإلس���هام في إقامة اإلس�ل�ام وف���ي نصرة النبي ‹صل ��وات اهلل عليه وعلى آله› آي���ة قرآنية مهمة عندما قال اهلل جل ش���أنه في سورة التحريم مخاط ًبا اثنتين من نساء النبيَ } :و�إِن
��ه َف ِ�إنَّ َ اهلل هُ َو َم ْولاَ ُه َو ِج ْب ِر ُ ��را َع َل ْي ِ َت َظاهَ َ ي��ل َو َ�صا ِل ُح ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ ۖ ير{ (التحريم.)4: َوا ْل َملاَ ِئ َك ُة َب ْعدَ َذ ِل َك َظ ِه ٌ
اهلل هن���ا يتحدث عن أنص���ار النبي ،أن النبي يتمتع -بعظيم عجيبة وبحماية بأنصار مقامه وعظيم فضله وطبيعة دوره- ٍ ٍ ٍ عجي���ب من اهلل س���بحانه وتعالى ،مواله -جل ش���أنه- وبتأيي��� ٍد ٍ وناصره ومعينه وحافظه ومؤيده ...إلى آخره. واهلل س���بحانه وتعالى َّ سخر له وأعانه ً بأنصار من هذا أيضا ٍ
29
المستوى من هذه الدرجة جبريل ،ثم يقول هنا ما بين جبريل الحظ���وا ما أعجبه م���ن موقع وما أخصه م���ن منزلة -ما بينجبريل وما بين بقية المالئكة! فيدخل من في الوس���ط صالح المؤمنين ،من هو صالح المؤمنين هذا؟. الرواي ��ات واآلث ��ار والواق ��ع يقول أنه عل ��ي بن أب ��ي طالب ،هو المقصود في هذه اآلية بـ(صالح المؤمنين) } َوا ْل َملاَ ِئ َك ُة َب ْعدَ َذ ِل َك ي��ر{ ه ��ذا يدل على عظم الدور الذي قام به اإلمام علي بن أبي َظ ِه ٌ طالب ‹عليه السالم›؛ لنصرة النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›. (((
هلل َو َر ُ�سو ُل ُه َوا َّل ِذ َ ين �آ َم ُنوا{ } ِ�إ َّن َما َو ِل ُّي ُك ُم ا ُ
هلل َو َر ُ�سو ُلهُ ��م ا ُ ن���زل فيه قوله س���بحانه وتعالى�} :إِ َّن َما َو ِل ُّي ُك ُ ال�ص�لا َة َو ُي ْ�ؤ ُتونَ ال�� َّز َكا َة َوهُ ْم َوا َّل ِذي��نَ �آ َمنُ��وا ا َّل ِذينَ ُي ِق ُ يم��ونَ َّ َرا ِك ُع��ونَ { (المائ��دة )55:ي���وم تص���دق بخاتم���ه وهو راك���ع ،وهذا
الش���يء رواه المفس���رون من الفريقين في األمة اإلس�ل�امية، والقص���ة مش���هورة ،ولها دالل���ة مهمة ،داللة مهم���ة تقدم لنا روحية عجيبة؛ ألنه وهو يقيم الصالة هو مقبل على اهلل ولكن مع كل ذلك انتبه لذلك السائل الذي دخل المسجد ولم يعطه أحد شي ًئا ،فأومأ له بخاتمه فأخذه ،ونزلت هذه اآلية القرآنية، قص���ة له���ا دالالتها المهمة ،منه���ا أنها قدمت اإلم���ام علياً ولياً ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1438هـ
30
لألم���ة بعد نبيها ،وجعل���ت واليته امتداداً لوالية اهلل س���بحانه وتعالى ووالية رسوله ،قدمت لنا اإلمام علياً بروحيته العالية، فش���خص يحمل ه���ذه الروحية هو األجدر بقي���ادة األمة؛ ألنه سيهتم بمن يعرف ومن ال يعرف. }ا َّل ِذ َ ار{ ين ُي ْن ِف ُقونَ �أَ ْم َوا َله ُْم ِبال َّل ْي ِل َوال َّن َه ِ
نزل أيض���اً فيه قول اهلل س���بحانه وتعالى} :ا َّل ِذي��نَ ُي ْن ِف ُقونَ ��را َو َعال ِن َي ًة{ (البق��رة )274:قالوا كان �أَ ْم َوا َل ُه ْ ��م ِباللَّ ْي ِل َوال َّن َها ِر ِ�س ًّ
أول مصاديقها من أتباع النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› هو اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› كان ينفق أمواله في الليل وفي النهار س���راً وعالني���ة .روى الحاك���م الحس���كاني ف���ي (ش���واهد التنزيل): بإس���ناده ع���ن ابن عب���اس ف���ي قول���ه تعال���ى} :ا َّل ِذي��نَ ُي ْن ِف ُقونَ ��م ِباللَّ ْي ِل َوال َّن َه��ا ِر ِ�س ًّرا َو َعال ِن َي ًة{ نزلت في علي خاصة؛ �أَ ْم َوا َل ُه ْ ف���ي أربعة دنانير كانت له تص���دق بعضها نهاراً وبعضها لي ً ال، وبعضها س ّراً وبعضها عالنية)) انتهى. اه ٌد ِم ْن ُه{ }�أَ َف َم ْن َكانَ َع َلى َب ِّي َن ٍة ِم ْن َر ِّب ِه َو َي ْت ُلو ُه َ�ش ِ
يقول السيد حسين رضوان اهلل عليه: اإلم����ام علي ‹علي ��ه الس�ل�ام› بمؤهالت����ه وكماالت����ه وبأعماله ومواصفاته العالية كان على هذا النحو الذي أصبح فيه فعلاً - وهذه نقطة مهمة يجب أن نتفهمها -شاهدًا لرسول اهلل ‹صلوات
31
اهلل علي ��ه وعل ��ى آله›؛ ألنه في علي ‹عليه الس�ل�ام› نزل قوله تعالى} : اهدٌ ِمنْهُ {(هود.)17 : �أَ َف َم ْن َكانَ َع َلى َب ِّي َن ٍة ِم ْن َر ِّب ِه َو َي ْت ُلو ُه َ�ش ِ
الرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آل���ه› كان يتحرك على بينة من ربه ،وعلي ‹عليه الس�ل�ام› كان هو الش���اهد لرس���ول اهلل ،هو الش���اهد من نفس رس���ول اهلل؛ لذا قال عنه ‹صلوات اهلل عليه وعلى آل ��ه› في مق���ام آخر�(( :أنت مني و�أنا من��ك)) ((علي مني و�أنا من اج َك عل��ي)) ،وجاء القرآن الكريم ليؤكد ذلك بقولهَ } :ف َم ْن َح َّ
اء َنا ْ��م َفقُ��لْ َت َعا َل�� ْوا َن ْ ��ن َب ْع ِ ِف ِ ي��ه ِم ْ ��د ُع َ�أ ْب َن َ ��د َما َج َ ��اء َك مِنَ ا ْل ِعل ِ ُ�س ُك ْم{ (آل عمران)61 : اء ُك ْم َو�أَ ْن ُف َ�س�� َنا َو َ�أ ْنف َ ��اء َنا َو ِن َ�س َ اء ُك ْم َو ِن َ�س َ َو�أَ ْب َن َ فجاء بنفسه ونفس علي بعبارة واحدة }�أنف�سنا{. ��اهدٌ ِمنْهُ { (ه��ود )17:هل الش���هادة هذه هي فقط } َو َي ْت ُل��و ُه َ�ش ِ
تقتصر بأن يش���هد -لما رآه من هذه المعجزة أو تلك المعجزة أن محم ًدا نبي صادق؟! هذه ش���هد بها حتى المش���ـركون في��م ال ُي َك ِّذ ُبو َن َ ��ك َو َل ِك َّن َّ ات الظا ِلمِي��نَ ِب�آ َي ِ قرارات أنفس���هم } َف�إِ َّن ُه ْ هلل َي ْج َحدُ ونَ {(األنعام.)33 : ا ِ ما هي �شهادة علي للر�سول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›؟
إنها شهادة على مدى سنين ،شهادة أدّاها في مواقفه ،شهادة أدّاها في حياته كلها ،أنت تريد أن تعرف عظمة هذا اإلسالم، إذا كان هن���اك أي نظرية -كما يقولون -ال يمكن أن تعرف أثر ،ترى عظمته���ا إال عندم���ا ترى ما تصنع���ه ،ما تقدمه م���ن ٍ
32
نماذج ممن يحملون أفكار تلك النظرية ،ثقافة تلك النظرية، توجهات تلك النظرية ،فتراهم كيف هم ،هنا تحكم على تلك ُّ النظرية عندما كانوا يجسدونها بنسبة مائة في المائة. لق���د َع ّد كثير م���ن ال ُك ّتاب ومن العلماء قال���وا عن علي أنه كان معجزة للرسول من هذا االتجاه. ألن���ه م���ا يُدرينا أن ه���ذا الدين عظي���م في واقع���ه؟ هو دين يخاطبنا ،دين يتحدث مع أنفس���نا ،مع ُوجداننا ،دين لـه رؤيته في تقديم نموذج لإلنسان يريد أن يقدمه ،كيف ذلك النموذج الذي س���يقدمه اإلسالم فعلاً لمن يس���ير عليه؟ ارجع إلى علي وس���تعرف ذلك النموذج ،ال���ذي لم يبهر فقط المس���لمين ،بل ُ أيضا المس���يحيين فكت���ب عنه ُ بهر ً عجبوا ك ّتاب مس���يحيون أ ِ ُ عظيم���ا، عجب���وا بمصداقيت���ه ،اعتب���روه عبقر ًيّ���ا، ً بعظمت���ه ،أ ِ اعتبروه مثلاً أعلى حتى من غير المسلمين. عندما ترج���ع إلى علي ‹عليه الس�ل�ام›في رؤيته ،في مواقفه، في ممارساته ،في س���لوكياته تجده فعلاً نموذجا للشخصية ً العظيمة التي يمكن أن يصنعها هذا الدين الذي جاء به محمد ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› ،فهو شاهد لهذا الدين :أنه دين كامل، من إله كامل ،اصطفى لتبليغه رسولاً كاملاً ،هو اهلل سبحانه ��م َو َ�أ ْت َم ْمتُ َع َل ْي ُك ْم وتعال���ى الذي قال} :ا ْل َي�� ْو َم �أَ ْك َملْتُ َل ُك ْم ِدي َن ُك ْ ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم ِْ إ ال ْ�سال َم ِدي ًنا{(المائدة.)3 :
33
دين كامل ،رس���ول اهلل ،اهلل اصطفاه وأكمله ،هو من قدم نموذجا ه���ذا الدين كرس���ول ل���ه .نريد أن ن���رى في الس���احة ً صاد ًقا يشهد لعظمة هذا الدين. ��اهدٌ ِمنْ��هُ { ف���ي مواقف علي ارج���ع إل���ى عل���ي } َو َي ْت ُل��و ُه َ�ش ِ عندما ترجع إليها تجد عظمة اإلس�ل�ام ،تجد أخالق اإلس�ل�ام متجس���دة ،وه���ذه له���ا أثرها في النفوس ،كل ش���يء س���يبقى نظرية ،كل ش���يء س���يبقى خاض ًع���ا لالحتم���االت إذا لم يكن }�س��ن ُِري ِه ْم �آ َيا ِت َنا هن���اك على صعيد الواقع ما يش���هد لصحتهَ ، ِفي ْ آ اق َو ِفي �أَنْفُ ِ�س ِه ْم َحتَّى َي َت َب َّينَ َل ُه ْم �أَنَّهُ ال َْحقُّ {(فصلت.)53 : ال َف ِ كم���ا تأتي الش���واهد ف���ي األحداث ،ف���ي المتغيرات تش���هد لهذا الدين ،وهو حق ال ش���ك فيه لكن كمنهجية تربوية لهذا اإلنس���ان ،لينطل���ق إلى أعماق مش���اعر هذا اإلنس���ان ،ويفرض عظمته على هذا اإلنسان من خالل األحداث ،من خالل اآليات، من خالل ما يُقدّمه من نماذج ،فعلى مس���توى اإلنس���ان ارجع }�سن ُِري ِه ْم �آ َيا ِت َنا إلى علي ‹عليه الس�ل�ام› إنه شاهد على أنه حقَ ،
ْف ِفي ْ آ ��م �أَنَّهُ ال َْحقُّ �أَ َو َل ْم َيك ِ ال َف ِ اق َو ِفي �أَ ْن ُف ِ�س�� ِه ْم َحتَّى َي َت َب َّينَ َل ُه ْ ِب َر ِّب َك �أَنَّهُ َع َلى ُك ِّل َ�ش ْيءٍ َ�ش ِهيدٌ {(فصلت )53:وكفى به شهيدًا. ولك���ن من أجلنا نحن بني البش���ر الذين ق���ال عنهمَ } :و َكانَ ��يءٍ َجدَ لاً {(الكه��فُ )54 : }ق ِت َ الن َْ�س��انُ َم��ا ��ل ْ إِ ْ إِ الن َْ�س��انُ �أَ ْك َث َ ��ر َ�ش ْ �أَ ْك َف َر ُه{(عبس )17:إلى آخر ما وصل به هذا اإلنسان عندما يتجه إل���ى العناد؛ فمن أجل رحم���ة اهلل به ،من أجل لطف اهلل به ،من
34
أجل رأفة اهلل به ي َ ُقدِّم له الش���واهد في مختلف المجاالت على عظم���ة ما قدّم���ه له من منهج ،عل���ى عظمة ه���ذا الدين الذي أكمل���ه لـه ،وأتم به النعمة عليه به ،ورضيه دي ًنا يدين به أمام مواله سبحانه وتعالى. عندم���ا تأتي إلى رؤية علي ‹عليه الس�ل�ام› تجد فيه ش���اهدًا، رؤيت���ه للحياة ،رؤيته لإلنس���ان؛ لذا جمع في نه���ج البالغة ما عالما فيلس���و ًفا ق���ال عنه الكثي���ر( :بأن عل ًّي���ا ‹عليه الس�ل�ام› برز ً ب���ل قدوة في كل هذه االتجاهات فب���رز كعالم اجتماع ،عالم اقتصاد ،عالم نفس ،مرشد ،معلم في كل االتجاهات ،برز ذلك عظيما يقدّم رؤية حقيقية وواقعية للحياة). الشخص ً حتى وه���و يتحرك ف���ي مواجهة أعدائه ،وه���و يتحرك مع من ينضوون تح���ت لوائه كان يحذرهم ،كان ينذرهم ،كان يعطيهم رؤى ،كان ي ّذكرهم بأش���ياء عرفوا من بعد صحتها، عرف���وا صحتها بل مر الكثير منهم بها وعايش���وها ،كان يقول ألهل العراق( :واهلل �إني لأخ�ش��ى �أن ُي��دَ ال ه�ؤالء القوم منكم الجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم). ف���ي هذه العب���ارة تجد رؤية حقيقية ،رؤي���ة واقعية ،رؤية صحيح���ة ل���دى اإلم���ام عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› ف���ي النتائ���ج ،في ((( المسببات ،ما خلفياتها؟ ما أسبابها؟. (((
محا�ضرة ال�سيد ح�سين في ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم›.
35
اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› ش���خصية إيماني���ة راقية ،تجلى في���ه عظمة اإلس�ل�ام وعظمة الرس���ول وعظمة الق���رآن؛ ألنه أثر من صنعة اإلسالم ،من قيم اإلسالم ،ومن أخالق اإلسالم، وم���ن تربي���ة النبي ،ش���اهد للنبي ،لعظي���م ما ترك���ه فيه من أث���ر ،ولذل���ك كانت الجناي���ة عليه جناية عل���ى األمة ،جناية على الح���ق ،جناية على القرآن وهو قرين���ه ،جناية على الحق وه���و قرينه ،جناية على اإلس�ل�ام وهو رمزه ،جناية على األمة واألم���ة في أمس الحاجة إلى علي ،إلى هدى علي ،إلى أخالق ((( علي ،إلى أمانته على اإلسالم وعلى الدين وعلى الحق.
•••
((( م ��ن محا�ض ��رة لل�سيد ح�سين ر�ض ��وان اهلل في ذكرى ا�ست�شه ��اد الإمام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1423هـ.
36 المسار الثاني :بعض ما ورد من كالم رسول الله ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› الذي ال ينطق عن الهوى:
لقد سعى رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› في مقامات وبش���كل كبير ،إل���ى الحديث عن متع���ددة ،ومواط���ن متعددة، ٍ اإلم���ام علي ‹علي ��ه الس�ل�ام› ،الحديث المتمي���ز ،المعبر عن مقام اإلمام علي ‹عليه السالم› ،عن دوره ،عن منزلته ،وعن أهمية هذا الدور بالنسبة لألمة ،والرسول «صلوات اهلل عليه وعلى آله» في س���عيه ذلك ،وفي اهتمامه ذلك كان يتحرك في هذه المسألة كما في كل المس���ائل األخرى ذات الصلة بهداية األمة ،ذات العالق���ة بإرش���اد األمة ،ذات العالق���ة والصل���ة بتحديد معالم الهداية لألمة في مستقبلها إلى قيام يوم الدين ،كان يتحرك وفق الخط���ة اإللهية ،وفق التعليمات اإللهية ،وفق التوجيهات اإللهي���ة ،كل اهتمامات���ه ،كل س���عيه ،كل حركت���ه كانت ً ً هداي���ة لهذه األم���ة ،فلم محكوم���ة بالهداي���ة ،وكان���ت تقدِّم يك���ن ذلك الحديث في تل���ك المقامات ،بتلك العب���ارات المهمة والعظيم���ة الداللة ،حدي ًث���ا عاديًا ،أو حدي ًثا هامش��� ًيا ،أو حدي ًثا ترف ًي���ا .ال ،وحتى العبارات التي تح���دث بها عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لها داللته���ا العظيم���ة والمهمة ،فهو فعل ذل���ك ،وقدَّم ذلك ،وتحرك بذلك في نفس الس���ياق ال���ذي يتحرك فيه وهو ((( يقدِّم الهدى لألمة كل األمة من بعده إلى قيام الساعة. ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1439هـ.
37 "�أنت مني بمنزلة هارون من مو�سى"
اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› عندما نأت���ي إلى الحديث عنه من خالل النصوص الدينية التي نقلتها األمة ،األمة وليس مذهباً معيناً وليس فئة أو طائفة معينة بل نقلتها أهم مصادر األمة لدى الس ّنة ،ولدى الشيعة ،أهم المصادر في التراث اإلسالمي وبموثوقي���ة عالية وبنص���وص متظاف���رة ،وأصبحت مصنفة بما يق���ال عليه في المتعارف عليهم بي���ن العلماء والمحدثين بالتواتر أي :تواترت ونقلها الرواة من أبناء األمة أعداداً كبيرة من الرواة أطرافاً كثيرة من أبناء األمة وحفظتها األمة جي ً ال بعد جيل. من األحادي���ث المهمة الت���ي نقلتها األم���ة بالتواتر ،وباتت ً قطعي���ة في موثوقية نقلها عن رس���ول اهلل ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله› ،في تأكيد صحتها عن رسول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى آله" ،من النصوص العظيمة نص يبين منزلة اإلمام علي ‹عليه السالم› ،هذه المنزلة المتصلة بموقعه في اإلسالم ،موقعه في حركة اإلس�ل�ام ،موقعه في حركة الرسالة اإللهية ،موقعه بالنس���بة لألمة ،بالنسبة للمؤمنين ،حينما قال له الرسول اهلل نز َل ِة هَ ��ا ُرونَ ِم ْن ‹صل ��ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم›�(( :أَن��تَ ِمنِّي ِب َم ِ (((
((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1438هـ
38
نص مهم ،والمهم عدي)) ،ه���ذا النص ٌ و�س��ى� ،إِلاَّ َ �أنَّهُ لاَ َن ِب َّي َب ِ ُم َ فيه أن نتفهم داللته ،الكثير من الناس يسمع النصوص ،يسمع األحاديث المهمة ،ولكنه ال يستوعب داللتها ،ما تدل عليه. إننا كأمة إس�ل�امية ،كمس���لمين يجب أن ن���درك أن هذا النص يح���دد لنا طبيعة العالقة مع اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›، كي���ف ه���ي عالقتنا كمس���لمين ،وكأمة إس�ل�امية ،كأمة علي ‹عليه السالم›؛ ألنها حددت موقعه ،في نفس محمد باإلمام ٍ الوقت قدَّم���ت لنا طبيعة العالقة به من ه���ذا الموقع المحدد، من هذه المنزلة المحددة. الكثي���ر م���ن الن���اس نتيجة المش���اكل المذهبي���ة ،نتيجة التعبئ���ة الخاطئة ،نتيجة الجهد الكبي���ر الذي بذلته حركة النف���اق ف���ي األمة ،ينظ���ر إلى اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› نظرة عادية ،ش���خص عادي مثل بقية الصحابة ،صحابي من بقية الصحابة ،المس���ألة ليس���ت كذلك أب���دًا أب���دًا ،وإال كان هذا نصا ال معن���ى له وال داللة له ،أن يقول الرس���ول "‹صلى الن���ص ً اهلل علي ��ه وعلى آله وس���لم›" لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،وهذا النص ٌ وم���روي لدى األمة ،ولدى ف���رق األمة ،وفي موث���وق ومؤكد نز َل ِة أهم المصادر ل���دى فرق األمة ،يقول له�(( :أَن��تَ ِمنِّي ِب َم ِ ع��دي)) ،هل كان هارون و�س��ى� ،إِلاَّ �أَنَّ��هُ لاَ َن ِب َّي َب ِ هَ ��ا ُرونَ ِم ْ ��ن ُم َ في أمة موس���ى حاله حال أي شخص من أمة موسى؟ حال أي
39
واح���د من أولئك الذين كان لهم تل���ك الهفوات ،واالنحرافات، مهما جدًّا؟ واألخط���اء ،والمش���اكل ،أم أن موقعه كان موق ًع���ا ً نرج���ع إلى القرآن الكريم لنرى كيف كان مقام هارون ‹عليه الس�ل�ام› ،الذي كان وزي ًرا بالنص القرآن���ي ،هو كان نب ًيا ،لكن مق���ام النب���وة ليس لإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام›؛ ألن���ه ال نبي أبدًا بع���د رس���ول اهلل محمد ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› ،هو خاتم نبي من بعده أب ًدا ،لكن نأتي إلى بقية األدوار، النبيين ،فما من ٍ بقية المقامات ،بقية المهام والمس���ؤوليات ،الدور الذي كان لهارون ،تجد أنه كان الوزير ،وكان المعاضد ،كان الشريك في األمر في طبيعة النهوض بالمسؤولية ،كان الخليفة في القوم ،كان كان كان ...دور كبير جدًّا. َّ المؤك���د ،الواض���ح ،هو فالن���ص ه���ذا المقط���وع بصحت���ه، يق���دِّم داللتي���ن مهمتي���ن جدًّا :منزل���ة اإلمام علي م���ن جانب، وطبيعة العالقة به بالنس���بة لألمة ،بمس���توى ه���ذه المنزلة وبطبيعة ه���ذا الموقع ،هو في نفس الوقت يقدِّم داللة قاطعة عل���ى المقام اإليماني لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،بمثل ما يقدِّم موقع���ه ف���ي حركة الرس���الة ،ف���ي طبيع���ة المس���ؤولية ،في النهوض بهذه المسؤولية ،في عالقة األمة به كيف يجب أن تك���ون ،يقدِّم داللة قاطعة عل���ى أن أكمل األمة ،أعظم األمة ً جس���د مكارم األخ�ل�اق ،أعظم من إيما ًن���ا ومنزل���ة ،أعظم من َّ
40
جس���د تعاليم اإلس�ل�ام ،أعظم من اكتملت فيه كل الصفات َّ اإليماني���ة ،وكل المقوم���ات ومكونات الش���خصية المس���لمة والمؤمن���ة من أتباع رس���ول اهلل محم���د ‹صلى اهلل علي���ه وعلى آله عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام›؛ ألن ه���ذا كان هو مقام وس ��لم› ه���و اإلمام ٌ ه���ارون وحال ه���ارون في أمة موس���ى ،هو أكمل أمة موس���ى إيما ًن���ا ،أعظمهم كم���الاً إيمان ًيا ،بكل المواصف���ات اإليمانية، ب���كل العناصر التي تتكون بها الش���خصية اإليمانية ،وهذا أم ٌر واضح في هذا النص العظيم. ٌ علي ‹عليه الس�ل�ام› أو ً ال في مقام���ه وفي مرتبته في فاإلم���ام ٌ األمة هذه هي هذه المرتبة ،هو أعلى هذه األمة ش���أناً ومقاماً ودوراً عظيماً في اإلس�ل�ام في نصرة نبي اإلسالم في معاضدة نبي اإلس�ل�ام به���ذه الدرجة ولهذا المس���توى بمنزل���ة هارون من موس���ى ثم في كماله اإليماني وكمال���ه في المواصفات األخالقية واإليمانية وفي المواصفات المتعلقة بالمسؤولية؛ ألن���ه م���ا من أح���د في أم���ة موس���ى كان في مس���توى كماله اإليماني بكل ما يدخل ضمن ذلك ويندرج ضمن ذلك بمستوى هارون ،هذا أمر الشك فيه وال نقاش فيه. لألس���ف في بعض المناطق في بع���ض األماكن في بعض البلدان يصبح اإلنسان فيها دكتوراً أو معلماً في الجامعة وهو بعد لم يطلع على مثل هذا النص خاصة في زمن فيه كس���ل
41
كبير وقصور كبير في االطالع على التراث اإلسالمي فيأتي البعض ال معرفة له بذلك أو أنه ال يتفاعل مع هذا النص. ه���ذا ن���ص يفرض علين���ا كمس���لمين كمؤمني���ن لنا هذا االنتماء اإلس�ل�امي ننظر إلى األم���ور الدينية من هذا المنظار النب���وي ،من المنظار ال���ذي رآه النبي فيه وتحدث عنه النبي به فننظر إلى اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› به���ذه الجاللة بهذا القدر بهذه العظمة بهذه األهمية بهذا المقام بهذا المستوى. ه���ذا ما يجب أن يكون هو األثر فينا ،التفاعل من جانبنا مع ن���ص كهذا ،أم أن المس���ألة تك���ون مجرد عب���ارات نتلفظ بها ليس لها أي أثر في أنفس���نا وال في نظرتنا وال في ثقافتنا وال في فهمنا إنما مجرد عبارات نقول بها على ألسنتنا ((�أنت مني بمنزل��ة هارون من مو�س��ى �إال �أنه ال نب��ي بعدي)) ثم أنت ذلك الذي تنظر لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وكأنه مجرد ش���خصية اعتيادية صحابي حاله حال أي واحد من الصحابة على حسب التعبير والمصطلح المنتشر ،ال. يجب أن ننظر من هذه النظرة من النظرة النبوية أن نكون متأثري���ن بنبي اإلس�ل�ام ال أن نكون متأثرين بالتي���ار الوهابي التكفيري المش���ؤوم الضال الذي يأتي لينش���ر حساسية بالغة حت���ى عن هذا المق���ام العظيم ،من ينظر بالعي���ن الوهابية هي عي���ن عمياء مظلم���ة ال ترى النور وال ت���رى البصيرة وبالتالي
42
تطلع دائماً نظرة سوداوية إلى رموز اإلسالم العظام إلى كل ما هو عظيم ومهم وجميل ومفيد في اإلسالم. النظرة الوهابية التكفيرية الظالمية هي نظرة تشوه حتى نبي اإلس�ل�ام في مقامه األعلى واألعظم واألس���مى واألكبر، نظرة تس���يء إلى النبي بكله دعك عن تالمذته دعك عن أتباعه دع���ك عن أعوان���ه دعك عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› في مقامه كوزير ومناصر وعظيم في هذا اإلسالم ،هذا أحد النصوص. هذا النص ف���ي ثقافتنا الدينية يجب أن نعلمه أبنائنا يجب أن يتعلم���ه الط�ل�اب يجب أن يس���مع ب���ه الجمي���ع ال يجوز أن يكون هذا النص غائباً بفعل التغييب له في المناهج الدراس���ية الرسمية أو بفعل السياسات التي تحكم البرامج التثقيفية في وسائل اإلعالم؛ ألن وسائل اإلعالم كذلك معظمها في العالم اإلسالمي تأتي وتتجاهل كل هذا. الس���نة وال بالتراث بالس���نة وال بأهل ّ هذا ال عالقة له حتى ّ السني كان له إس���هام كبير جداً في نقل الس���ني؛ ألن التراث ّ ّ ه���ذه النصوص وف���ي المحافظ���ة عليها جي ً ال بع���د جيل ،هذه عق���دة وهابي���ة يجب أن تك���ون منبوذة ومرفوض���ة لدى األمة بكلها.
43
اإلمام علي امتداد لإلسالم األصيل ولهذا ندرك حاجتنا في كل زمن لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›
بمقام���ه ،بمنزلت���ه التي ح���ددت عالقتن���ا به ،منزلت���ه في هذه األم���ة ،منزلت���ه م���ن رس���ول اهلل (منزلة ه���ارون من موس���ى)، مقام���ه في موقع الق���دوة والقيادة والهداي���ة ،امتداده األصيل، المعبر عن أصالة اإلسالم ،عن اإلسالم في أصالته ،في نقائه، ِّ في س�ل�امته ،تجس���يده لتلك المبادئ والقيم ،وتقديمه ألرقى مه���م جدًّا لنا أن نعيه، وأعظم نموذج مس���لم مؤمن قرآني ،هذا ٌ أن���ه ال بد منه في كل زمن ،ف���ي كل مرحلة ،في كل عصر، علي ‹عليه الس�ل�ام› لترى أن���ت بحاجة إلى أن تكون متطل ًعا إلى ٍ فيه النموذج األرقى في اتباع رس���ول اهلل ،في التمسك بالقرآن، في االهتداء بهذا اإلس�ل�ام ،في االقتداء برسول اهلل "صلوات اهلل علي���ه وعلى آل���ه" ،اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› حلقة وصل تصلك برس���ول اهلل ،يوم يأتي اآلخرون ليقول ٌ كل منهم( :قال رسول اهلل ،وكان رسول اهلل ،وفعل رسول اهلل) ،وهذا يقول شي ًئا ،وهذا ً متشوشا. يقول شي ًئا مختل ًفا ،وهذا ...حتى تكون يعبر فع�ًل�اً عن رس���ول اهلل أرقى تعبي���ر ،أصدق م���ن ال���ذي ِّ تعبي���ر؟ من الذي ِّ يمثل القدوة ف���ي االتباع واالقتداء واالهتداء، م���ن؟ ه���ذا ،أو ذاك ،أو ذاك ،أو ذاك؟ األمة م�ل�ان زحمة ،هناك َم ْع َل���م واض���ح ج���دًّا ،أصي���ل أصي���ل ،ال يقب���ل الغ���ش ،ال يقبل
44
الزيف ،ليس ملو ًثا وال بنس���بة ضئيلة أب���دًا ،كاملاً في نقائه، ف���ي أصالته ،في نظافته ،في س�ل�امته ثقاف ًي���ا ،فكريًا ،أخالق ًيا، عمل ًيا ،مدرسة متكاملة ،ونموذج يحق للمسلمين أن يفتخروا به حتى في أوس���اط كل البش���رية ،يقولون[ :ش���وفوا ما عمله رسول اهلل محمد ،وما عمله القرآن ،هذا نتاج ونموذج وصناعة ((( لهذا اإلسالم في علي بن أبي طالب] ،هذا جانب. ُ علي مواله" "من كنت مواله فهذا ٌ
نص آخر من أهم النصوص المش���هورة المتواترة المقطوع ٌ بصحتها بين األمة في تراثها والمتناقلة بين أجيال األمة في تراثه���ا الديني والثقافي والفكري هو النص المش���هور بحديث الغدي���ر حديث (غدير خ���م) .النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› بعد عودت���ه من حجة الوداع وقبل فراقه لهذه الحياة بأش���هر وصل إل���ى غدير خ���م موضع بين مكة والمدينة وه���و عائد من مكة بع���د حجة الوداع ،وهن���اك جمع األمة كل الذي���ن حجوا معه في تل���ك الفترة ،وجمعته الطريق به���م وكانوا باآلالف وأمر أن ت���رص ل���ه أقتاب اإلبل ونه���ض من فوقها ف���ي الظهيرة في ساحة واضحة معروفه ومكشوفه ،ليتخاطب مع الجمع الذي قد جمعه آنذاك. ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1439هـ
45
أتى وأعلن إعالنا مهما كان من أهم ما تضمنه هذا اإلعالن أن ق���ال�(( :إن اهلل م��والي و�أنا مول��ى الم�ؤمني��ن� أولى بهم من
وال من واله �أنف�س��هم ،فمن كنت مواله فهذا علي مواله ،اللهم ِ وعا ِد من عاداه وان�صر من ن�صره ،واخذل من خذله)).
هذا النص هناك قدر مشترك فيه نقلته األمة في مصادرها وأصبح متواتراً ومشهوراً جداً بين األمة وإن كان هناك نسبة م���ن االختالف في مدلول هذا النص ولكن النص واضح بقليل من التأمل بحيادية وموضوعية في التأمل يصل اإلنس���ان إلى قناع���ة تامة بطبيع���ة الدور والمق���ام الذي لإلم���ام علي ‹عليه السالم›. وهنا قال ضمن هذا النص ((فمن كنت)) أي :كل من كان وال م��ن وااله وعا ِد يعتب���ر النبي ((م��واله فعلي م��واله ،اللهم ِ م��ن ع��اداه)) علي هو به���ذه األهمي���ة بهذا المس���توى أن كل م���ن يعتب���ر النبي مواله م���ن أبناء هذه األمة ال ب���د له إن كان عل���ى مصداقية في ذلك ،إن كان على مصداقية في أن يعتبر اإلمام علياً ‹عليه السالم› مواله ،فهو ولي كل مؤمن ،بعد رسول ((( اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›. به���ذا المقام العظيم ،بهذه العالق���ة المفترضة بيننا وبين ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1438هـ.
46
اإلمام عليَ ( ،ف َمن ُ ك ُ نت) ،يعني :رس���ول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس ��لم›َ (( ،مولاَ هَ ،ف َه َ ��ذا َع ِل ٌّي َم��ولاَ ه)) ،ال يكتمل لك التولي للرس���ول إال بالتولي لإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،يصبح التولي لإلم���ام علي ‹علي���ه الس�ل�ام› امت���داد للتولي للرس���ول ،جزء من عملية التولي للرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›؛ ألنه س���يمثل حلقة الوصل واالمتداد إلى رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›
في تقديم هذا الدين ،في القدوة في هذا الدين ،في النقل لهذا الدي���ن ،في األمانة على تقديم ه���ذا الدين ،في تقديم النموذج الفعلي والحقيقي والموثوق والعظيم واألصيل لهذا الدين(((. "ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ضك �إال منافق"
حدي���ث آخ���ر كذل���ك تناولت���ه األم���ة وه���و م���ن األحاديث المش���هورة ج���داً بين األم���ة حدي���ث ((ال يحب��ك �إال م�ؤمن وال يبغ�ض��ك �إال مناف��ق)) وحدي���ث آخ���ر ((ال يبغ�ض��ك م�ؤم��ن وال يحب��ك منافق)) م���ن لوازم اإليمان الحظوا ه���ذه األهمية ،من ل���وازم اإليم���ان محب���ة اإلمام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› ،ف�ل�ا يكتمل إيمانك إال بهذا ،وال يتحقق إيمانك إال بهذا. أن���ت ف���ي الدين اإلس�ل�امي أمامك ف���ي اإلس�ل�ام ارتباطات ((( من محا�ضرة ال�سيد عبد الملك في ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي عليه ال�سالم لعام 1439هـ.
47
واضح���ة أمامك منهج تس���ير عليه ،أمامك رم���وز وقادة وهداة تتأث���ر بهم تقتدي بهم تتعلم منهم ،تس���تفيد منهم ،هم قدموا لك ه���ذا الدين وحفظوه لك نصاً وقدموا في���ه القدوة العملية وجس���دوه واقعا في حياتهم فقدموا أرقى صورة عن هذا الدين في واقع حياتهم. هؤالء الرموز تربطك به���م هذه الرابطة ،رابطة أن تقتدي بهم أن تتأثر بهم أن ترى في تطبيقهم اإلس�ل�ام القدوة لك أن تستفيد من معالمهم باعتبارهم حلقة الوصل. نحن مثال ف���ي هذا الزمان كم بيننا وبي���ن النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› ،مئات الس���نين ،م���ن نقل لنا الدين عبر أجيال من جي���ل إلى جيل ،ما بعد وفاة النبي ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله›؟ من نتطلع إلي���ه كأمة بعد وفاة النبي ينقل لن���ا هذا الدين ،يقدم أرق���ى ص���ورة عن كمال ه���ذا الدين ،يقدم ف���ي واقعه الداللة عل���ى الحق في أي مرحلة من مراح���ل اختالف األمة؟ نتطلع إلى اإلمام علي بن أبي طالب ،وإال ما فائدة هذه النصوص؟ ما فائدة أن يقول النبي كذلك؟. النب���ي لم يك���ن مهرجاً ومج���رد رجل يص���در المديح هكذا يطل���ق العب���ارات الفضفاضة لإلش���ادة باآلخري���ن بغية الرفع لمعنوياته���م والتش���جيع لهم ،ال ،هو نبي يق���ول الحق عن اهلل، ينطق بالحق ،وما ينطق عن الهوى لم يكن يخضع فيما يقوله
48
ال لتأثي���رات ش���خصية ،وال لعوام���ل قرابة ،وال لمي���ول لها أي صل���ة بالهوى من قريب وال من بعيد ،ولم يكن يتقول على اهلل وحى{ (النجم: حاشاهَ } :و َما َين ِْط ُق َع ِن ا ْل َه َوى • �إِ ْن هُ َو �إِال َو ْح ٌي ُي َ .)4 – 3 وحينم���ا يق���ول ما قال���ه عن اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› هو يدرك أهمية هذا الدور لإلمام علي ‹عليه السالم› من بعده ألنه س���يرحل من الذي س���يرث منه ويحمل منه روح اإلسالم ،قيم اإلسالم ،معارف اإلسالم ،حقائق اإلسالم. وحينما تحصل حالة االختالف بين أوساط األمة من الذي تتطلع إليه األمة باعتب���اره الحلقة األوثق واألرقى واألكمل واألع���رف واألعل���م وبدرج���ة الموثوقي���ة العلي���ا؟ يتطلع إلى اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وإ ّ ال ما قيمة هذه النصوص؟ ،فاإلمام كرمز إيماني عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› عالقتك به عالقة إيماني���ة ٍ أنت عندما تأتي لتتعرف على اإلسالم في ثقافته في معارفه. اإلسالم معلومات معارف وعلوم تتعرف على صالتك ،على صيام���ك ،على حجك ،عل���ى زكاتك من أه���م مصدر يوصلك بالنبي ،من هو باب مدينة علمه؟. عندم���ا تأت���ي لت���رى االختالف بين أوس���اط األم���ة فتبقى متحيراً م���ن تطلع إليك عالمة فارقة؟ اإلمام علي حبه إيمان وبغضه نفاق ال يحبك إال مؤمن.
49
فالحظ���وا جريمة كبيرة واهلل جريم���ة أن يغيب مثل هذا الن���ص ف���ي المناه���ج الدراس���ية ،البع���ض يصبح دكت���وراً في الجامعة لم يطلع بعد على هذا النص؛ ألنه اقتصر في معارفه واطالع���ه وف���ي ثقافته عل���ى المناه���ج الدراس���ية المحكومة بسياسات من جهلة ليسوا مؤتمنين على األمة ،جهلة تحكموا وساس���وا وقرروا وأخضعوا أنفس���هم العتبارات مادية (فلوس) من السعودية ،وجاء توجيه لوزارة التربية والتعليم أو للمناهج ((( الجامعية كيف تكون وظللت بهذا أجيال من أبناء األمة. فالرس���ول "صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه" قدم ح���ب اإلمام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› كعالم���ة فارق���ة -وهذه من أه���م النقاط عل���ى اإلطالق -عالمة فارقة بين اإليمان والنفاق ،عندما قال ��ك �إِلاَّ ُم�ؤ ِم��نَ ،ولاَ ُيب ِغ ُ�ض َ ل���ه(( :لاَ ُي ِح ُب َ ��ك �إِلاَّ ُم َنا ِف��ق)) ،وهذه النصوص من النصوص الت���ي تناقلتها األمة ،وبحكمة إلهية، وبإقام���ة من اهلل للحجة على عباده ،وعلى هذه األمة نفس���ها، ٍ أن رس���ول اهلل "‹صلى اهلل عليه وعلى آله›" عندما بذل جهدًا كبي ًرا ف���ي إيصال ه���ذا الهدى إلى الن���اس ،في تقديم ه���ذه الحقائق أيضاَّ - والنصوص المهمة جدًّا إلى األمة ،اهللً - تكفل بحفظها؛ لتبق���ى في تراث األمة ،تتناقلها األم���ة جيلاً بعد جيل في أهم جمع وتقطع بصحتها ،علماء األمة، مصادرها ،وكنص���وص ُت ِ ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1438هـ.
50
المعتب���رون لديه���ا ،مصادرها المعتبرة لديه���ا ِّ تؤكد صحتها، جم���ع على صحته���ا ،وتتناقلهاٌ ، كل من عن���ده يتناقل هذه و ُت ِ النص���وص ،ف ُت َّ خلد ل���دى األجي���ال ،لتكون ً حجة هلل [س���بحانه بأم���س الحاج���ة إلى هذه وتعال���ى] عل���ى هذه األم���ة التي هي ِّ المسألة. ماس���ة جدًّا ،والواقع يش���هد ،واقع األمة شهد األمة بحاجة َّ عل���ى حاجة األمة إلى كل هذا ،إلى معلم ِّ يمثل عالمة فارقة عند اخت�ل�اف األمة ،عند تضاربها ،حينم���ا تختلف األمة على المنه���ج ،حينم���ا تختل���ف على النم���وذج ،حينم���ا تختلف على تعبر عن يعبر عن الش���خصية اإلس�ل�امية الحقيقي���ة التي ِّ ما ِّ حقيقة اإلسالم ،حينما تختلف وتتعدد الطرق ،حينما تختلف وتتش���وش التفس���يرات والتقديمات ،وتتضارب اآلراء واألهواء، تحت���اج األمة إلى عالم���ة فارقة ،تحتاج إل���ى معالم واضحة، بين���ة ،هل تركه���ا اهلل م���ن دون ذلك؟ هل تحت���اج إلى أع�ل�ام ِّ تركها اهلل لتعيش حالة الحيرة والتضارب هذه؟ |ال|. فالرس���ول "صل���وات اهلل علي���ه وعلى آله" ه���و تحرك ضمن الخط���ة اإللهي���ة ،وما قدَّم���ه كان ضمن حركت���ه في هداية األم���ة ،وحركته في هداية البش���رية ،وقدَّم ذل���ك على أرقى مس���توى ،وبأعظ���م ما يكون ،وضم���ن الس���نن اإللهية مع كل األنبياء.
51
حب اإلمام علي الضمانة األساسية لمواجهة الزيف
رس���ول اهلل حينما قال لإلمام علي ‹عليه السالم› ((لاَ ُي ِح ُب َك �إِلاَّ ُم�ؤ ِمنَ ،ولاَ ُيب ِغ ُ�ض َ ��ك ِ�إلاَّ ُم َنا ِفق)) ،قدَّم لألمة عالمة فارقة
تبقى لالس���تفادة منها إل���ى قيام يوم الدين ،إل���ى يوم القيامة، إل���ى نهاية أمر هذه األمة وهذه البش���رية ،هذه األمة هي آخر البش���ر ،هي في الحقبة األخيرة للتاريخ البشري ،ختام النبوة، ختام الكتب اإللهية هو يعني ذلك ،هو يدل على ذلك ،النصوص القرآنية هي ِّ تؤكد ذلك. فرس���ول اهلل "صل���وات اهلل عليه وعلى آله" ي���درك أن أكبر مش���كلة لألمة في داخلها س���تكون من خ�ل�ال حركة النفاق، تتقوى حركتها في داخل التي يمكن أن تتزايد أنش���طتها ،وأن َّ ِّ فتش���كل خطورة بالغة على األمة في كل شيء ،تصنع األمة، حالة من التش���ويش ،حالة رهيبة من التضليل على المستوى الثقافي والفكري ،تسعى إلى االنحراف بمسار األمة ،حركة النف���اق واح ٌد من أخطر ما تفعله باألمة أن تس���عى لالنحراف بمس���ار األمة عما ِّ يمثل المنهج اإلسالمي األساس والصحيح، عن اإلسالم المحمدي األصيل. وحرك���ة النفاق أخطر ما فيه���ا َّأنها في ظاهر الحال تعلن وتعبر عن إس�ل�امها وإيمانها بكل المعالم الرئيس���ية إقرارهاِّ ، الب���ارزة ج���دًّا ف���ي اإلس�ل�ام ،الت���ي ِّ تمث���ل عالمة فاصل���ة بين
52
اإليم���ان والكف���ر ،فتعل���ن -مثلاً -إس�ل�امها وإيمانه���ا بالقرآن، باإلس�ل�ام جمل���ة ،بالرس���ول ‹صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه› ،تقدِّم نفس���ها كحرك���ة مس���لمة تنتمي لإلس�ل�ام ،وتقدِّم نفس���ها ضم���ن الوس���ط اإلس�ل�امي ،داخ���ل الص���ف اإلس�ل�امي�} ،إِ َذا
��اءك ال ُْم َنا ِف ُق��ونَ َقا ُلوا َن ْ�ش�� َهدُ �إِن َ َج َ َّ��ك َل َر ُ�س ُ ��ول اللهَّ ِ {
[المنافقون:
م��ن اآلي��ة ،]1هكذا كان���وا في زمن رس���ول اهلل "صل���وات اهلل عليه وعل���ى آل���ه" يقول���ونَ } :ن ْ�ش�� َهدُ �إِن َ َّ��ك َل َر ُ�س ُ ��ول اللهَّ ِ { ،فالمنافق يش���هد الش���هادتين ،ال يجرؤ على أن يعلن كفره برس���ول اهلل محم���د ‹صلى اهلل عليه وعلى آله›؛ ألنه -في واقع الحال -لو كفر برس���ول اهلل ،خالص خرج من الصف اإلس�ل�امي ،وهو ال يريد أن يخرج من الصف اإلس�ل�امي ،هو يدخ���ل ضمن هذا الصف، ينتمي إلى األمة ،يتحرك في أوساطها ،ينتسب إليها ،هو -في نف���س الوقت -ال يجي ليقول أنه كاف��� ٌر بالقرآن ،وال أنه ُمن ِك ٌر ألركان اإلسالم ،وال وال ...جملة من األشياء ،وألن المنافقين ه���م أصناف ،وهم أنواع ،بحس���ب التصني���ف القرآني ،وتحدثنا في ه���ذا في كلم���ات كثي���رة ،فمنهم م���ن يتحركون تحت عناوين دينية ،منهم أصحاب مسجد الضرار } َوا َّل ِذينَ ا َّت َخ ُذو ْا
��رار ًا َو ُكفْر ًا َو َتف ِْريق ًا َب ْينَ ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ َو ِ�إ ْر َ�ص��اد ًا ِّل َم ْن َم ْ�س ِ ��جد ًا ِ�ض َ هلل َو َر ُ�س��و َلهُ ِم��ن َق ْب ُل{[التوبة :م��ن اآلي��ة ،]107هؤالء صنف َح��ا َر َب ا َ
من المنافقي���ن ،حركتهم حركة مس���اجد ،حركة عناوين آخ ِر{[البقرة :من اآلية]8 دينية ،من يقولوا�} :آ َمنَّا ِب��اللهّ ِ َو ِبا ْل َي ْو ِم ال ِ
53
ويتحرك تح���ت العنوان اإليماني ،هؤالء صنف من المنافقين، تحدث عنهم َم ْن؟ القرآن الكريم .فضحهم َم ْن؟ القرآن الكريم. كشفهم َم ْن؟ القرآن الكريم. صنف آخر| ،ال| ،يتحدث تحت عناوين مصلحية :إما عنوان وطني ،أو عنوان قومي ،أو أي عنوان ...ولكنه ِّ يركز على عنوان المصلحة العامة }�إِ َّن َما َن ْحنُ ُم ْ�ص ِل ُحون{ ،القرآن هو الذي تحدث يل َل ُه ْم َ عنه���م بهذاَ } :و�إِ َذا ِق َ ���ض َقا ُلو ْا �إِ َّن َما ال ُتف ِْ�س��دُ و ْا ِفي الأَ ْر ِ َن ْحنُ ُم ْ�ص ِل ُحونَ { [البقرة :اآلية ،]11فالعنوان المصلحي واإلصالحي هو عنوان رئيس���ي لبعضهم ،يتحركون من خالله ،وينشطون من خالله ،ولهم أنشطتهم وبرامجهم وحركتهم الواسعة في داخ���ل هذه األمة ،ث���م كذلك البعض منه���م| ،ال| ،قد يكونون إلى درجة المجاهرة بالش���ك ،المجاهرة بالحديث عن عناوين رئيسية في اإلسالم للتشكيك حولها ،هذه فئة منهم معينة. فئات كثيرة تحدثت عنهم سورة التوبة ،سورة (المنافقون) سورة باسمهم في القرآن الكريم ،حديث واسع عنهم في سورة البقرة ،اهلل تحدث عنهم بأكثر ،وفي نفس الوقت الحديث في القرآن عنهم أس���وأ م���ن الحديث عن الكافري���ن ،وهذه من أهم المس���ائل الت���ي ينبغي على كل مس���لم أن يفه���م عنها ،بالحد نقاطا أساسيةً ، نقاطا عامةً ، األدنى يفهم عنها ً نقاطا ضرورية؛ ألن هذه المسألة ِّ تشكل خطورة كبيرة في واقع األمة.
54
فالرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› قدَّم ضمن عمله لهداية األم���ة ،وحركته لهداية األمة ،ما ِّ يمثل ضمانة أساس���ية لها لمواجهة الزي���ف ،لمواجه���ة التحريف ،لمواجهة التش���ويش، لمواجه���ة كل مس���اعي االنح���راف الت���ي س���تتحرك بها قوى النف���اق في داخل األمة من بعد وفاته ،وفي كل زمن إلى قيام الس���اعة ،وقال ع���ن اإلمام علي ‹علي���ه الس�ل�ام›(( :لاَ ُي ِح ُب َك �إِلاَّ ُم�ؤ ِمنَ ،ولاَ ُيب ِغ ُ�ض َك �إِلاَّ ُم َنا ِفق)). فالمنافق���ون ال يس���تطيعون أن يعلنوا موق ًف���ا عدائ ًيا ،أو أن يتحدثوا عن بغضهم لرس���ول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى آله"؛ ألنه���م ل���و فعلوا ذل���ك ،خالص يعني ح���د فاصل بي���ن اإليمان خارجا من اإلس�ل�ام ومن والكفر ،بين اإلس�ل�ام والكفر ،يصبح ً األمة اإلس�ل�امية ما دام يتحدث عن بغضه لرس���ول هلل ،أو عن كف���ره برس���ول اهلل ،وكما قلنا الق���رآن قدَّم ش���هادة َّ مؤكدة له���م باعترافه���م بنبوة رس���ول اهلل وإقرارهم به���ا } َن ْ�ش�� َهدُ �إِن ََّك َل َر ُ�س ُ ��ول اللهَّ ِ { ،ع���اد معهم زيادة (ال�ل�ام) للتأكيد ،ولكن ال بد م���ن أن يكون هناكً - أيضا -عالم���ات فارقة ،األمة بحاجة إلى هذا (عالمات فارقة) تكش���ف -ليس فقط المس���لم من الكافر- المسلم من المنافق ،داخل األمة ال بد من حالة فرز.
55
حالة الفرز سنة إلهية اهلل [س���بحانه وتعال���ى] م���ن أعظم م���ا قدَّمه م���ن هدى في كتابه الكريم أنه َّ أكد لنا ً س���نة من س���ننه ،سنة إلهية ضمن أس���لوب اهلل -إن ص���ح التعبير -ضمن الطريق���ة التي يعتمدها اهلل مع عباده ،هي :حال���ة الفرز ،حالة االختبار ،حالة الغربلة، حالة التنقية ،حالة الكشف للحقائق ،أن يميز اهلل الخبيث من الطيب ،اهلل قال في القرآن الكريم } َّما َكانَ اللهّ ُ ِل َي َذ َر ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ
ِيز ال َْخ ِب َ ��م َع َل ْي ِه َحت ََّى َيم َ يث مِ��نَ َّ الط ِّي ِب{ َع َل��ى َما �أَن ُت ْ َّا���س �أَن ُيت َْر ُك��وا َ�أن َي ُقو ُلوا �آ َمنَّ��ا َوهُ ْم لاَ اآلي��ة�} ،]179:أَ َح ِ�س َ ��ب الن ُ ��م َف َل َي ْع َل َم َّن اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ ُي ْف َتنُ��ونَ (َ )2و َل َق ْ ��د َف َتنَّا ا َّل ِذينَ ِمن َق ْب ِل ِه ْ َ�صدَ ُقوا َو َل َي ْع َل َم َّن ا ْل َكا ِذ ِبينَ {[العنكبوت.]3-2 :
[آل عمران من
اهلل ال يقب���ل بالتضلي���ل ،بالدج���ل ،بالتزيي���ف ،وأن ال يكون هناك م���ا يميز ،ما يفرز ،ما يبين ،ما يكش���ف ،ما يجّلي الناس، يجّل���ي الحقائ���ق ،يجّل���ي المس���ارات ،حت���ى يك���ون كل ش���يء واضح���ا ،هذه من حكمة اهلل ،وم���ن عدله ،ومن عزته ،ما يترك ً األم���ور كذا( :يجو الناس مخبوصي���ن) يجي لك بعض الناس مخبوص ومشوش ،يقول[ :يا أخي ،ما عاد درينا وين هو الحق، اهلل ينص���ر الحق ،ووو ،م���دري ويش هو ذاك| ،]...ال| ،اإلس�ل�ام أرقى من هذا ،طريق الهداية اإللهية أعظم وأس���مى ،اهلل َّ "جل شأنه" الذي هو نور السماوات واألرض ال يمكن أن يترك عباده
56
الذين ينتمون إلى دينه في حير ٍة من أمرهم ،في حالة التباس، في حالة تش���ويش ،في حالة اضطراب ،ما هناك نور ،ما هناك معال���م ،ما هناك أع�ل�ام ،ما هن���اك حقائق ،حالة ملتبس���ة ،ما الذي أس���مى اهلل به كتابه الق���رآن الكريم؟ الفرق���ان } َت َبا َر َك
��د ِه ِل َي ُكونَ ِل ْل َعا َلمِينَ َن ِذير ًا{ ا َّل ِذي َنز ََّل ا ْلف ُْر َقانَ َع َلى َع ْب ِ
[الفرقان:
اآلية ،]1ما الذي أس���مى به حتى حوادث تاريخية ،مثل :يوم بدر؟ (يوم الفرقان). القرآن الكريم هو نور ،اإلس�ل�ام في قرآنه ،وفيما قدَّمه نبيه ورسوله خاتم األنبياء وسيد الرسل محمد ‹صلوات اهلل عليه وعلى ينور لها ،ما يكش���ف لها معالم يبي���ن لها ،ما ِّ آل ��ه› قدَّم لألمة ما ِّ الطري���ق إلى الجن���ة ،إلى مرض���اة اهلل [س���بحانه وتعالى] ،إلى يبين ،ما يجِّلي، الحق ،قدَّم من البصائر والدالئل ما يوضح ،ما ِّ ما يضمن لإلنس���ان الس���ير في الصراط المستقيم ،هذا هو اهلل [سبحانه وتعالى] في نوره ،في هديه ،في رحمته ،في عدله ،في عزته ،في حكمته. الذين يتهمون المنهج اإلس�ل�امي بالتش���ويش واالضطراب يبي���ن ،واألحداث كذلك، وااللتب���اس ،وليس فيه ما يميز ،وال ِّ والواق���ع كذل���ك ،وأن األمة هذه تركت في ه���ذه الحالة من العم���ى والتخبط؛ ه���م يتهم���ون اهلل ،يتهمون اهلل ف���ي حكمته، يتهمون���ه في عدله ،يتهمون���ه في رحمته ،يتهمون���ه في علمه؛ ألنه���م ي���رون أن���ه تركن���ا هك���ذا ،نح���ن عبي���ده المس���اكين،
57
المس���تضعفين ،المبهذلين[ ،ما ندري ما هو الحق ،وأين نسير، وم���ا هي المس���ألة ،وأي���ن هو الصح م���ن الغل���ط ،وكل األمور ملتبس���ة ،ولم نعد ندري ما هو الصح والغلط ،ومن هو المؤمن ومن هو المنافق ،]...ال |ال| ،ليس���ت المس���ألة كذلك أبدًا ،إنما ه���ذا نت���اج الجه���ل ،أو -أحيا ًنا -القي���ود المكبلة م���ن العصبية والعمى تجعل اإلنسان على هذا النحو. علي ‹عليه الس�ل�ام› يقدم هو في حب���ه ،في نهجه ،في اإلم���ام ٌ شخصيته ،في منهجه ،في ما جسده من قيم هذا الدين ،ومبادئ ه���ذا الدين ،وأخالق ه���ذا الدين ،وتعاليم ه���ذا الدين ،هو ِّ يمثل االمتداد األصيل لإلسالم ،النموذج األصيل لإلسالم ،وحركة النف���اق ه���ي حركة تزيي���ف ،تعمد إلى أن تأخذ من اإلس�ل�ام م���ا يالئمها ،وما يالئ���م الطاغوت ،وترمي ع���رض الحائط من اإلسالم ،من تعاليمه ،من مبادئه ،من قيمه ،ما ال يناسب الطغاة والظالمين والمستكبرين ،وما ال يناسب الطاغوت واالستكبار، وتتأقلم بما بقي لها من طقوس وش���كليات ُف ِّرغت وفصلت عن الجوان���ب األخرى من اإلس�ل�ام والدين ،تتالءم م���ع الطاغوت، وتولف وتقدم ش���كلاً معي ًنا عن اإلس�ل�ام ينسجم ،يعني :مسلم ينسجم كل االنس���جام مع ترامب ونتنياهو ،مع إسرائيل ،مع إمام���ا للحرم المك���ي ،ويذهب ليزور أمري���كا ،وق���د يكون حتى ً إلى أمري���كا ،ويبارك قيادتها للبش���رية ،ويَع َت ِبر ذلك يعني في س���ياق التوفيق اإللهي الكبير للبش���ر [ما ش���اء اهلل العظيم أي:
58
يكون قائدهم مثل ترام���ب ،ومثل ذوالك األمريكيين ،وذوالك الطغاة!!] ،هكذا ً أيضا.
أصالة اإلمام علي تكشف حركة النفاق فحركة النفاق هذه ما هو أعظم ما يكشفها؟ ما هي العالمة الفارق���ة الس���هلة القريبة التن���اول؟ اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›، ال يس���تطيع المنافقون أن ينس���جموا أبدًا م���ع اإلمام علي ‹عليه السالم› ،هم ال يحبونه ،يبغضونه ،المنافق ال ينسجم مع اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،قد يس���تطيع منافق معين -وقد يكون حتى بطبيعة مس���اره في هذه الحياة -يقدِّم نفس���ه على أنه متدين، قد يطيل لحيته ،عملية س���هلة ج���دًّا عملية إطالة اللحية ،ما تحتاج إلى مش���كلة كبيرة ،خاصة بعضهم كثيف الشعر ،قد يتخذ إجراءات معينة ،قد يتقن عملية السواك ،قد يتقن ً بعضا من األمور ،وقد يظهر عابدًا متنس ًكا ،وقد يجيد تالوة القرآن... إماما ش���كليات كثيرة ،قد يكون خطي ًبا في مس���جد ،قد يكون ً في مس���جد ،قد يكون تحت اس���م داعية ،ويتق���ن فن الخطابة، وي���كاد أن يحطم مكبرات الصوت في المناب���ر ،ووو...الخ .ولكن سيصل عند علي بن أبي طالب ويواجه مشكلة ،يواجه مشكلة، خالص ،ما يتحمل يعني ،هذه أصالة اإلمام علي ‹عليه السالم›، أصال���ة اإلمام علي التي ال تقب���ل النفاق وال المنافقين ،أصالة عجيبة جدًّا وآية ،هذه آية ،ما يتحمل حتى لو جامل ،مجاملة
59
يش���وبها الكثير من التنقص ،يعني إذا أضط���ر اضطرا ًرا ،يقول ل���ك[ :اإلمام علي صح رجل جيد ،لكن ولكن ولكن ولكن ولكن، وانتبه���وا من حبه؛ ألن���ه خطير جدًّا] ،يجعل م���ن محبة اإلمام علي ‹عليه السالم› مسألة خطيرة للغاية ،ومحفوفة بالمحاذير، [ويج���ب أن تنتبه ،وال تزيّد ،وال تس���وي ،وال ،]...وقائمة طويلة من المحاذير التي ال يقدمها عند الحديث عن أي شخص آخر، يحتاج يطلع معه مشكلة مع اإلمام علي ،مع أن حركة النفاق افتضحت في س���عيها الدؤوب لتغييب اإلمام علي من المش���هد نهائ ًيا ،هي تس���عى لذلك ،ولكنها فش���لت عبر التاريخ بكله ،وإال فهي تس���عى ،وكلم���ا كان هناك جهة في األم���ة أكثر نفا ًقا ً سلبية في موقفها من اإلمام علي ‹عليه وأسوء نفا ًقا كانت أشد الس�ل�ام› ،أشد سلبية وأكثر سلبية ،وتبدو في جفائها ُّ وتنكرها ((( بشكل أكبر وأوضح. لإلمام علي ‹عليه السالم› ٍ "علي مع القر�آن والقر�آن مع علي" ٌ
حديث آخر قاله رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› وهو: عل��ي م��ع الق��ر�آن والقر�آن مع عل��ي)) حديث يؤك���د اقتران (( ٌ اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› بالق���رآن في مواقفه ،في توجهاته ،في مس���ار حياته ،في معارفه ،فيما يقدمه لإلس�ل�ام وعن اإلسالم،
((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1439هـ.
60
فه���و مقترن بالق���رآن ،مواقفه مواقف الق���رآن ،معارفه معارف القرآن ،سياس���ته سياس���ة الق���رآن ،منهجه في الحي���اة قرآني، تطل���ع إلى اإلمام ‹عليه الس�ل�ام› من هذا الموقع ((علي مع الحق والحق مع علي)). "يحب اهلل ور�سوله ويحبه اهلل ور�سوله"
وهك���ذا نجد هن���اك الكثي���ر والكثير من النص���وص حديث الراي���ة في قصة خيبر عندم���ا قال النبي ‹صل���وات اهلل عليه وعلى آل ��ه›(( :لأعطي��ن الراية غد ًا رج ًال يحبه اهلل ور�س��وله ويحب اهلل ور�سوله كرار غير فرار يفتح اهلل على يديه)). الحظ���وا هذا الن���ص كيف يتحدث ع���ن اإلمام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› يحبه اهلل ورس���وله ،كيف ال نحب هذا الرجل العظيم ال���ذي حظ���ي بالمحب���ة المؤك���دة التي أخب���ر عنها الرس���ول م���ن اهلل ومن رس���وله؟! كيف ال نحبه؟! وكيف ال ننش���د إلى ش���خصية بهذه العظم���ة ،بهذا المس���توى ،بهذا الق���در الكبير والمنزل���ة الرفيع���ة العالية؟! ولماذا س���يحبه اهلل ورس���وله إال لكماله اإليماني. علي وعلى ه���ذا النص يقطع لنا قطعاً على باطن وس���ريرة ٌ نيته ،على س���ريرته وعالنيته ،رجل إيمانه محقق يشهد له اهلل ويشهد له رسوله بكمال إيمانه.
61
ه���ذه المحبة هي وس���ام ش���رف وهي في نف���س الوقت هي دليل قاطع عل���ى كماله اإليماني على عظمت���ه الرفيعة عند اهلل س���بحانه وتعالى ،منزلته العالية عند اهلل س���بحانه وتعالى ومرتبته اإليمانية العالية ،ويحب اهلل ورس���وله ،كذلك نفس الش���يء ش���هادة ل���ه بمحبته للهّ ورس���وله بكل ما يلح���ق بها من كمال إيماني ومواصفات إيمانية. ثم نجد الكثير والكثير من النصوص هذه بعض منها هناك السني هناك كتب بأكملها، كتب بأكملها حتى في التراث ّ اس���مها كتب المناقب ،كتب الفضائل ،مقام علي ‹عليه السالم› في األمة قال عنه ابن عباس رضوان اهلل عليه قال( :ما من آية وعلي أميرها وش���ريفها) هو صالح فيها ثناء على المؤمنين إال ٌ المؤمني���ن ،ه���و أكم���ل المؤمني���ن ،كل ثناء عل���ى المؤمنين ((( ينطبق عليه.
•••
((( ذك ��رى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لل�سيد عبد الملك حفظه اهلل لعام 1438هـ.
62
المسار الثالث :جانب من حياته اإليمانية الجهادية إذا أتيت إلى القرآن الكريم لتعرف جوانب اإليمان ومجاالت اإليم���ان تج���د أن م���ن أهم ما ف���ي اإليمان من أخ�ل�اق وأعمال ومس���ؤوليات ويرتبط به أش���ياء كثيرة هو الجهاد في س���بيل اهلل ،وه���و أيضاً فضيلة عظيمة وش���رف كبير ومنزلة عالية عند اهلل س���بحانه وتعالى ،وفيه أيضاً الداللة التي تدل بوضوح عل���ى حقيقة اإليم���ان فنجد اهلل س���بحانه وتعالى ف���ي القرآن الكري���م يتح���دث عن الجهاد في س���بيله كصف���ة إيمانية من أهم الصفات اإليمانية ،ونج���ده يتحدث عنه كمنزلة رفيعة اع ِدينَ �أَ ْج ًرا َع ِظي ًما وعالية } َو َف َّ�ض َل ا ُ اه ِدينَ َع َلى ا ْل َق ِ هلل ال ُْم َج ِ
��ر ًة َو َر ْح َم ً ��ة َو َكانَ اهلل َغفُ ��و ًرا َر ِحي ًم��ا{ • َد َر َج ٍ ��ات ِمنْ��هُ َو َم ْغ ِف َ
(النساء.)96 – 95: اإلمام علي ‹عليه السالم› كان جهاده في سبيل اهلل وإسهامه الكبير جداً في مواجهة أعداء اإلس�ل�ام وفي الدفاع عن اإلسالم وع���ن األمة وفي اإلس���هام الكبير ف���ي إقامة ه���ذا الدين كان متميزاً نس���تطيع القول ما بعد النب���ي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›، لي���س ألحد م���ن أتباعه وال من أصحابه وال م���ن أنصاره ما هو لإلمام علي ‹عليه السالم› في هذا الجانب. ف���كان جهاده وإس���هاماته ومواقفه وعناؤه الكبير في س���بيل اهلل واستبس���اله وفدائيت���ه العالية جداً في س���بيل اهلل س���بحانه
63
وتعالى وطول مسيرة اإلس�ل�ام وفي كل المشاهد والمقامات والمواق���ف الكبي���رة في اإلس�ل�ام كان كل ذل���ك متميزاً بين أتباع الرسول أكثر من أي شخص آخر بين المسلمين. وهذا أيضاً نتاج لتلك التربية من النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آل ��ه› ،لم َت ِض ْع جهود النب���ي في تربيته ،لم َت ِض ْع عبثا أبداً ،جهو ٌد أثمرت أيَّما ثم���رة عظيمة ،وأثمرت أيَّما أثراً عظيماً ،وكانت في نفس الوقت ش���اهداً على عظمة اإلس�ل�ام نفس���ه ،ألن علياً هو صنيعة اإلس�ل�ام ،أثر اإلس�ل�ام ،كل ما فيه من أثر هو أثر أخالق اإلسالم ،لقيم اإلسالم لمعارف اإلسالم. وبجهد وبسعي وبتربية من النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›، فالمعل���م والمربي هو النب���ي ،والذي رباه به وعلمه به وأنش���أه عليه هي أخالق اإلس�ل�ام ،معارف اإلسالم ،قيم اإلسالم ،فكان ش���اهداً للنبي وش���اهداً لإلس�ل�ام وعل���ى عظمة هذا اإلس�ل�ام، وتجل���ت في���ه قيم ه���ذا الدي���ن وأخالق ه���ذا الدين عل���ى أرقى مس���توى ،هناك مس���لمون عظم���اء ،هناك أيضا م���ن الصحابة من ب���رزوا عظماء ف���ي إيمانهم في عطائهم ف���ي جهادهم ،في صبرهم ،ولكن ليس بمس���توى ما كان علي���ه اإلمام علي ‹عليه السالم› ،وليس بمستوى ما وصل إليه اإلمام علي ‹عليه السالم›. والنب���ي ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آل���ه› أواله اهتماماً خاصاً وفي نف���س الوقت كانت قابليته أعلى م���ن قابلية غيره ،لم يمتلك
64
أحد من المس���لمين م���ن قابلية بقدر ما امتل���ك هو من قابلية عالي���ة في نفس���ه وفي مداركه وفي مش���اعره وفي إحساس���ه وف���ي وجدانه وف���ي قدراته وفي طاقته إلى آخ���ره ،فكان جهاده ومسيرته الجهادية على نحو عظيم ،ولذلك تستطيع الحديث ع���ن الجانب الجهادي بالنس���بة لإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› من جوانب متعددة. أو ً ال :ه���و بط���ل اإلس�ل�ام ،بين تالمذة الرس���ول وبي���ن أتباع الرس���ول -بي���ن المس���لمين -م���ا من أح��� ٍد يصل إلى مس���توى اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› في بطولت���ه في ثباته في ش���جاعته ً معنوية عالية ،وصنعها ف���ي قوته المعنوية ،كان يمتلك ق���و ًة فيه اإلس�ل�ام والرسول ،ووهبه اهلل س���بحانه وتعالى هذه الهبة العظيم���ة والعالي���ة ،فاإلمام علي ‹علي���ه الس�ل�ام› كان يمتلك طاقة معنوية وقوة معنوية عالية جداً ،ألنها ليس���ت فقط قو ًة ً شجاعة غريزية . غريزية ،البعض يمتلكون أكيد يتوفر لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› الش���جاعة الغريزية ولك���ن قد تك���ون الق���وة الغريزية في���ك والفط���رة الربانية قد تكون بمس���توى معينْ ، إن َ أنت قمت بتنميتها وتنشئتها والرفع من مس���تواها واإلعالء من ش���أنها وكان لدي���ك القابلية نمت وتعاظمت وتجذرت وتمكنت وأثمرت. وإن أن���ت لم تنم هذه الفطرة ولم تس���ع إل���ى التفاعل معها
65
تبقى في مس���توى محدود وأحياناً اإلنس���ان ق���د يضرب فطر ًة ً أص�ل�ا فال يس���تفيد منها وتكاد معينة في نفس���ه ق���د يضربها أن تنع���دم فيه ٌ ف���كل منا يمنحه اهلل في فطرته أش���ياء عظيمة، أشياء مهمة ،أشياء ذات قيمة ،وكل الملكات الالزمة لإلنسان التي يحتاج إليها في حياته للصالح وللخير وللتقوى وللرشد ولالرتقاء اإلنساني واألخالقي ٌ كل منا يمنحه اهلل في فطرته ذلك. لك���ن إذا كان إل���ى جان���ب ه���ذه الفط���رة تنمي���ة وتنش���ئة وبن���اء وارتق���اء نم���ت وتعاظم���ت وأثم���رت ،وهذا ه���و ما كان بالنس���بة لإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› ،إلى جانب ذل���ك كان له األث���ر اإليماني إلى جانب الفط���رة التي فطره اهلل عليها ونمت وتعاظمت بفعل التربية ،بفعل التنش���ئة اإليمانية المباركة والتنمية األخالقية والتنمية اإلنس���انية والبيئة الراقية التي ترب���ى فيه���ا ،الى جان���ب ذلك األث���ر اإليماني؛ ولذل���ك قدم اهلل س���بحانه وتعالى هذا االستبسال ،وهذه الفدائية العالية ،وهذه الطاقة المعنوية العالية -في سبيل اهلل -قدمها اهلل في القرآن ً ��ري َنف َْ�س��هُ َّا�س َم ْن َي ْ�ش ِ تقدمة إيمانية قال اهلل تعالىَ } :ومِنَ الن ِ هلل َر ُء ٌ هلل َوا ُ ات ا ِ وف ِبا ْل ِع َبا ِد{ (البقرة.)207: اء َم ْر َ�ض ِ ا ْب ِت َغ َ يذكر المفس���رون ويروي ال���رواة أن أول وأعظم مصاديق ه���ذه اآلية من أبناء اإلس�ل�ام من أتباع الرس���ول هو اإلمام علي ‹علي ��ه الس�ل�ام› ،أول مصاديقها من أبناء األمة وم���ن أتباع النبي
66
هو اإلم���ام علي ونعني بأنه أول مصاديقه���ا أن اآلية ال تخصه اء َّا�س َم ْ ��ن َي ْ�ش ِ وه���ي ال تعني���ه فقط } َومِ��نَ الن ِ ��ري َنف َْ�س��هُ ا ْب ِت َغ َ ��ات اهللِ{ هي تش���مل كل من يبيع نفسه من اهلل ويتجه َم ْر َ�ض ِ هذا التوج���ه (ابتغاء مرضاة اهلل) من اتج���اه صحيح وفي اتجاه صحيح وسليم ال تشوبه شوائب باطلة وال محبطة. ولكن أرقى من فعل ذلك أعلى ش���أناً من ذلك أكمل إيماناً م���ن فع���ل ذلك أص���دق من فعل ذلك م���ن أتباع رس���ول اهلل من األمة اإلس�ل�امية ،وأولهم في المرتب���ة األولى ،األول من أبناء اإلسالم من أتباع النبي هو علي بن ابي طالب ‹عليه السالم› . فأن���ت تتطل���ع إلي���ه كجن���دي من جن���ود اإلس�ل�ام إذا أنت تجاهد في س���بيل اهلل تتطلع إلى هذا الجندي الذي سبقك من جنود النبي من جنود اإلس�ل�ام وه���و علي بن أبي طالب ،كيف وس ُ بق علي كان على هذا النحو ،وكيف كان الس���ابق أيضاًَ ، ف���ي اإلس�ل�ام كان س���بقاً في التصديق بالنبي رس���و ً ال وس���بقاً في كل فضائل اإلس�ل�ام ،في كل مجاالت العمل اإلس�ل�امي العظيم���ة والمهمة ،كان س���باقاً صادقاً س���باقاً يحمل روحية الس���بق في كل مجاالت اإلسالم ،حينما يدعو النبي إلى شيء ويأمر بشيء ويحث على شيء فهو من يسبق إلى فعل ذلك. وسجلت الس���ير لإلمام علي ‹عليه السالم› من سجل التاريخ ّ ّ المواق���ف البطولية والفدائية ومواقف االستبس���ال في س���بيل
67
ُسجل لغيره ،حتى برز اإلمام علي ‹عليه السالم› ُعرف اهلل مالم ي َّ بين األمة اإلسالمية وبين البشرية كافة بأنه بطل اإلسالم، عظيم اإلس�ل�ام في جه���اده ،عظيم أتب���اع النب���ي ،عظيم رجال النب���ي ،عظيم جن���وده ،بطل جن���وده ،صفوة جن���وده ،ونتحدث بإيج���از جداً يعني ألن المعول ألن يس���تفيد الناس من التاريخ ٍ ومن السير في هذا الشأن ومن التراث اإلسالمي فيما ورد. فدائي في الإ�سالم علي ‹عليه السالم› �أول ٌ ٍ
م���ن المواقف التي س���جلها التاريخ وس���جلتها الس���ير ليلة المبي���ت على فراش النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› بعد أن تآمر األعداء على قتله ألنه بعد أن أتى البعض من األوس والخزرج من األنصار إلى مكة وأسلموا وعزم النبي على الهجرة فتفاقم القل���ق لدى المش���ركين والكافري���ن في مكة ،واتخ���ذوا قراراً بقت���ل النبي ‹صلوات اهلل عليه وعل���ى آله› والتخلص منه قت ً ال وأذن اهلل له بالهجرة. فالليلة التي تآمروا فيها على قتل النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› وفق خطة أعدت سلفاً جمعوا فيها من كل بطن من بطون قريش مقات ً ال شرس���اً فتاكاً يحمل س���يفاً حاداً بغية أن يقتلوا النبي بضربة واحدة بس���يوفهم ،فحسب قولهم يتفرق دمه في القبائل فيعجز بنو هاش���م عن الثأر له ،ففي تلك الليلة بعد أن أعدوا خطتهم هذه وجهزوا لتنفيذها وأرسلوا أولئك المقاتلين
68 للتنفيذ .جبريل ‹عليه الس�ل�ام› بوحي من اهلل أخبر النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› مسبقاً ،وأعطاه اإلذن واألمر من اهلل بالهجرة ولكن لنجاح عملية الهج���رة والخروج من منزل النبي ‹صلوات اهلل علي ��ه وعلى آله› س���يما والم���كان الذي كان يبي���ت فيه النبي
كان مكاناً مكش���وفاً يتضح ما إذا كان النب���ي موجوداً أو غائباً كان البد من عملية تمويه حتى يتوهم أولئك أن النبي ال زال موجوداً بينما يتمكن هو بالخروج والهجرة. فالنب���ي ‹صل���وات اهلل عليه وعلى آل���ه› عندما أخب���ر اإلمام عل ًيا ‹عليه السالم› بذلك كان جاه ًزا الفتداء النبي وقال نعم الكرامة وفرح بذلك واستبشر جداً أنه سيحظى بهذه المهمة الفدائية الت���ي يبيت فيها في فراش النبي حتى يتوهم أولئك األعداء أن النبي ال يزال في فراش���ه ،وأنه يبيت في منزله فينتظروا حتى اللحظ���ة التي حددوه���ا لقتله فينقض���وا عليه لقتل���ه ،وحينها يك���ون النبي ق���د خرج ،وبات علي ‹عليه الس�ل�ام› في فراش النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›. وعندم���ا هجم أولئك مع طلوع الفج���ر تفاجأوا ،وثار فيهم اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› تفاجأوا ب���أن الموجود هو علي بن ابي طال���ب أم���ا النبي ‹صل���وات اهلل عليه وعل���ى آله› فلم يك���ن موجوداً، وكان قد خرج ،قصة شهيرة في التاريخ وفي السير والحديث ٌ حديث واسع. عنها وما قبلها وأثناءها وبعدها
69 هذه الليلة ُس���جلت في التاريخ وورد ع���ن النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› بش���أنها مواقف أن اهلل باهى بعلي بعض مالئكته،
فدائي يجهز نفسه للشهادة، موقف كيف بقي تلك الليلة في ٍ ٍ ويعد روحه للش���هادة ،وحاضر للش���هادة في سبيل اهلل ،في تلك اللحظ���ة وفي ذلك الموق���ف ،ونزل قول اهلل س���بحانه وتعالى:
ات اهللِ{ اء َم ْر َ�ض ِ َّا�س َم ْن َي ْ�ش ِ } َومِنَ الن ِ ��ري َنف َْ�سهُ ا ْب ِت َغ َ
(البقرة)207:
ف���كان علي أول المؤمنين ،أول جنود النبي من ط ّبق ذلك فعل ًيا مع النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›. علي ‹عليه السالم› في بدر ٌ
نأت���ي إلى مقام���ات أخ���رى كذل���ك باختصار ش���ديد ،يوم ��ر ِه َو ِبال ُْم�ؤْ ِمنِينَ { ب���در عندما ق���ال اهلل }هُ َو ا َّل ِ ��ذي �أَ َّي��دَ َك ِب َن ْ�ص ِ (األنف��ال )62:وكان أعظ���م هؤالء المؤمنين أث���راً يوم بدر وعطا ًء علي ‹عليه السالم› هو تميز بذلك وعرف وجهداً كان هو اإلمام ٌ ي���وم بدر ببطولت���ه وثباته واستبس���اله ،استبس���اله العجيب في س���بيل اهلل ،وجديته العالي���ة في القتال وأدائ���ه المتميز ،عرف بذل���ك كله ،وكان علي ‹عليه الس�ل�ام› حامل الراية راية النبي صل���وت اهلل علي���ه وعلى آل���ه ،راية اإلس�ل�ام في يوم ب���در وفي مشاهد النبي كلها التي حضرها كان هو حامل الراية وكان دائم���اً وفي الع���ادة يوكل حم���ل الراية إلى من يع���رف بثباته واستبس���اله وشجاعته وتماس���كه وإقدامه وصبره ،فكان اإلمام
70
علي ‹عليه السالم› هو حامل راية النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›. ف���ي يوم ب���در كان أول ما حدث ف���ي المعركة أن برز من جانب المش���ركين ثالثة مقاتلين هم :عتبة بن ربيعة وأخوه ش���يبة وولده الوليد ،كبار المش���ركين ومن أبطالهم ،أبطال الش���رك والكفر ،وتقدموا للمب���ارزة فقال النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› :قم يا علي ،قم يا حمزة ،وقم يا عبيدة بن الحارث ،فقام الثالثة ودخلوا في أول مبارزة في المعركة ونتج عنها مقتل الذين خرجوا من المشركين ،ونزل قول اهلل سبحانه وتعالى: ��موا ِف��ي َر ِّب ِه ْم{ (الح��ج )19:خصومة في }هَ َذانِ َخ ْ�ص�� َمانِ اخْ َت َ�ص ُ ربهم على اإلس�ل�ام وعلى الحق وعلى الدين اإلس�ل�امي ...إلى آخ���ر اآليات بما فيها من ثناء على المؤمنين ،بما فيها ً أيضا من كالم ووعيد ألعداء اهلل الكافرين. ف���ي ي���وم بدر من أَعج���ب ما نقل���ه المؤرخون أن علي���اً ‹عليه الس�ل�ام› كان ل���ه أكب���ر إس���هام مع أنه���ا كان���ت أول معارك يخوضه���ا لك���ن كان له أكبر إس���هام ف���ي القت���ال لدرجة أن البع���ض من المؤرخين وأصحاب الس���ير أحصوا في إحصائية للقتلى من المش���ركين أن علياً قت���ل ُقرابة النصف من قتلى المشركين ،أي :نصف المعركة ُح ِس َب ْت عليهُ ،قرابة النصف من قتلى المش���ركين كان هو من قتلهم ،وكان معرو ًفا عنه أنه قت���ل صنادي���د األع���داء وأبطاله���م ومقاتليهم األش���داء بل إن بع���ض مقاتليه���م األش���داء ،عندما تق���دم كان البعض من
71
المسلمين يتهرب من مواجهته فيكون علي من يتقدم ويواجه. في �أُ ُحد :ال فتى �إال علي وال �سيف �إال ذو الفقار
أم���ا ف���ي ي���وم أح���د وم���ا أدراك ما ي���وم أح���د عندم���ا انهزم المسلمون وهرب الكثير منهم قال اهلل تعالى }�إِنَّ ا َّل ِذينَ َت َو َّل ْوا
ا�س�� َت َز َّل ُه ُم َّ �ض َما ال�ش�� ْي َطانُ ِب َب ْع ِ ِمن ُك ْ ��م َي ْو َم ا ْل َت َقى ال َْج ْم َعانِ ِ�إ َّن َما ْ َك َ�س�� ُبوا{ (آل عم��ران )155:وكذلك ق���ال }�إِ ْذ ُت ْ�ص��عِدُ ونَ َولاَ َت ْل ُوونَ ��ول َي ْد ُع ُ ��د َوال َّر ُ�س ُ ��م{ (آل عم��ران.. )153: َع َل��ى �أَ َح ٍ وك ْم ِف��ي �أُخْ َر ُاك ْ
اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› كان له موقف متميز جدًا بثباته مع النب���ي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› يوم أحد ،وفي صبره ومرابطته واستبس���اله العجيب جداً ما َق ْبل الفرار و َق ْبل الهزيمة وهروب األكثر من المسلمين. أيض���اً بع���د أن هربوا ،قبل الفرار منهم وم���ا بعد الفرار ،قبل الفرار كان ه���و قاتل أصحاب الرايات من المش���ركين فقتل معظمهم ومواقفه في ذلك مس���جلة ،قتل فال ًنا وفال ًنا وفال ًنا. يذكرون باألس���ماء من األبطال الذين يعتم���د عليهم األعداء في بطولتهم ،في دورهم القتالي ،في شجاعتهم ،في إقدامهم.. ثم ما بع���د الفرار من جانب المس���لمين كان صموده كذلك صمودًا أسطوريًا وعجي ًبا جدًا ،صمودًا ال نظير له. ثبت مع النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› ،واستبسل هو ،كسر جفن س���يفه ألنه في البداية ش���اعت شائعة عن استشهاد النبي
72
‹صل ��وات اهلل علي���ه وعلى آله› وهرب الكثير من المس���لمين فكس���ر اإلمام علي جفن سيفه وكان هذا صنيع من يريد أن يستشهد وليس في أمله أن يعيد س���يفه إلى جفنه ،يريد أن يقاتل حتى يستشهد وحمل حملة على األعداء حتى كشفهم فوجد النبي ومغم���ى عليه فدافع عنه في جريحا ‹صل ��وات اهلل علي���ه وعلى آله› ً ً استبس���ال حت���ى عاد النبي ‹صل���وات اهلل عليه وعل���ى آله› وخرج من حالة اإلغماء وأفاق. واستبس���ل اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› مع قل���ة قليلة جدًا من اختالف الصابرين والثابتين يحصون بالعدد اليسير جدًا على ٍ في الروايات في ذلك . من الثابت والمجمع عليه في التاريخ ثبات اإلمام علي ‹عليه السالم› ،لم ينهزم فيمن انهزموا ،واستبسل استبسالاً عجي ًبا جدًا ومنحه اهلل عو ًنا عجي ًبا جدًا ،وهتفت له المالئكة وهو يستبسل ذلك االستبس���ال في ما أصبح معرو ًف���ا ومنقولاً لدى األمة (ال سيف إال ذو الفقار وال فتى إال علي). فيم���ا يروى من أحداث أحد ما يروى ع���ن النبي ‹صلوات اهلل ٌ محتدمة علي ��ه وعل ��ى آله› وس���لم أنه في أثن���اء المعركة وه���ي جدًا ما بعد هزيمة المس���لمين وما بع���د بقاء النبي بقلة قليلة م���ن الثابتي���ن وأبرز موقف كان ه���و موقف اإلم���ام علي ‹عليه السالم› بعد استشهاد حمزة واستشهاد من استشهدوا من أبطال المسلمين قرابة السبعين شهيداً.
73
كان األع���داء يحرص���ون -ف���ي تلك اللحظ���ات -على قتل رئيسي لهم ،فكانت كل آونة تتقدم كتيبة لهذا كهدف النبي ٍ ٍ الهدف :لالقتحام والس���عي إلى قتل النبي مباش���رة ‹صلوات اهلل جريحا ومثخ ًنا بجراحه وكان على عليه وعلى آل���ه› كان النبي ً جانبه جبريل ‹عليه الس�ل�ام› والبعض م���ن المالئكة حاضرون، ف���كان النبي يقول لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ي���ا علي ويأمره أن يتجه إلى تلك الكتيبة ،ويوجهه أن يواجه تلك الكتيبة ،،كلما أقبلت كتيبة أمر عل ًيا بالتصدي لها. عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› يتج���ه إل���ى كل كتيبة تس���عى كان ٌ لالقتح���ام على النب���ي وقتله فيقتل فارس���ها وقائده���ا وبطلها وأهم الفرس���ان فيها فس���رعان ما تتراجع ،تأتي كتيبة أخرى يقتل قائدها س���رعان ما تتراجع ،تأتي كتيب���ة ثالثة وهكذا... ال ينفك يتصدى لهذه الكتيبة ثم يتحول إلى تلك الكتيبة في قتال واستبس���ال بش���كل عجيب .فقال جبريل ‹عليه السالم›( :إن هذه لهي المواس���اة ،فقال النب���ي�(( :إنه مني و�أن��ا منه)) ،فقال جبريل :وأنا منكما). هذا شرف ال يفوقه شرف أبدًا ،فضيلة هذه ومنقبة عظيمة جدًا تدل على عالقة اإلمام علي ‹عليه السالم› بالنبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›.
74 علي يوم الأحزاب ٌ
في ي ��وم األحزاب ،هذا الي ��وم الذي صور اهلل س ��بحانه وتعالى حال المس ��لمين فيه بقول ��ه�} :إِ ْذ َجا�ؤُو ُكم ِّمن َف ْو ِق ُك ْم َومِنْ �أَ ْ�س�� َف َل
��م َو�إِ ْذ َز َ اج�� َر َو َت ُظنُّ��ونَ اغ��تْ ْ َ أ ال ْب َ�ص��ا ُر َو َب َل َغ ِ ��ت ا ْل ُق ُل ُ ��وب ا ْل َح َن ِ ِمن ُك ْ هلل ُّ ��ديد ًا{ ِب��ا ِ ��ي ا ْل ُم ْ�ؤ ِمنُونَ َو ُز ْل ِز ُلوا ِز ْل َزا ًال َ�ش ِ الظ ُنو َنا هُ َنا ِل َك ا ْب ُت ِل َ
(األحزاب )10 - 11خرج بطل قريش عمرو بن عبد ود العامري متحدياً للمس ��لمين فل ��م يبرز له أحد غي ��ر اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وفي ذلك اليوم قال رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›(( :برز الإيمان كله لل�شرك كله)) برز اإلمام علي لرأس الشرك هذا فقتله فكانت بداية الهزيم ��ة المدوية للمش ��ركين الذين تحزب ��وا وتحالفوا حتى مع اليهود للقضاء نهائياً على اإلسالم والمسلمين. علي يوم خيبر
وف���ي خيبر وبع���د أن ُه ِزم المس���لمون مرتين ف���ي مواجهة اليهود في غياب علي ال���ذي كان مصاباً بالرمد في عينيه فال يبصر موضع قدميه ،وعند ذلك قال النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آل ��ه›(( :لأعطي��ن الراية غدً ا رج ًال يحب اهلل ور�س��وله ويحبه اهلل ور�س��وله ،كرا ٍر غير فرار)) كرار غير فرار أي :ال يعرف الف���رار كما غيره ممن س���بقوه ،ثم دعا علي���اً وتفل في عينيه فشفيتا ،وانطلق علي كالبرق يتقدم المسلمين فقتل قائدهم مرحباً وفتح حصن خيبر قبل أن يتكامل الناس.
75 ً �شخ�صية متكاملة كان
اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› بقدر ما كان ف���ي دوره الجهادي وإسهاماته الكبيرة في إقامة اإلسالم ،ومن واقع إيمانه العظيم الذي يتحرك فيه كان أيضاً ش���خصية إيمانية متكاملة :في جه���اده ،ش���جاعته ،في بطوالت���ه ،في صبره ،في استبس���اله في سبيل اهلل ،في روحه العالية. �أعلم الأمة
اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› كان ه���و أعلم األمة بع���د نبيها، هو تلميذ النبي الذي اس���تفاد منه ما لم يس���تفده غيره ،ومثلما كبير في اختصاص كان النب���ي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› عل���ى ٍ ٍ نحو أكثر من غيره والنبي المجال التربوي استفاد ٌ علي على ٍ اع َي ٌ ��ة{ (الحاقة )12:قال بع���د أن نزل قوله تعال���ىَ } :و َت ِع َي َها �أُ ُذنٌ َو ِ فيم���ا روي عن���ه ورواه المس���لمون عنه" :س���ألت اهلل أن يجعلها أذن���ك يا علي" فكان اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› أول مصداق لهذه اآلي���ة ،أول مص���داق وأرقى مصداق من المس���لمين ،من أتباع النبي لهذه اآلية ،األذن الواعية التي تستوعب وتسمع ،تتلقف الهدى وتس���توعبه وال ينس���ى؛ لدعاء النبي له ،لم يكن ينسى ما حفظه وتعلمه من معارف وعلوم ...وإلى آخره. عل���ي كان في م���دى اهتمام���ه ف���ي أن يتعلم وأن واإلم���ام ٌ درجة عالية ،من قال عن ذلك ‹عليه الس�ل�ام›( :ما يس���تفيد إلى ٍ
76
نوم عيني على عهد ر�س��ول اهلل حت��ى علمت ذلك اليوم دخ��ل ٌ ما نزل به جبريل ‹عليه الس�ل�ام› من حالل �أو حرام �أو �س��نّة �أو كتاب �أو �أمر �أو نهي وفي من نزل).
الحظوا ه���ذه ،اهتمام كبي���ر جداً( ،أذن واعية) يس���توعب، ِ يحفظ ،ال ينس���ى ما استوعبه ،يمنحه اهلل الحفظ لذلك بدعاء النبي له ،في نفس الوقت عناية ،اهتمام كبير جدًا ،ال ينام إال وقد اس���توعب ما نزل في ذلك اليوم من جبريل ‹-عليه السالم›- نهي وفي من ح�ل�ال أو حرام أو س��� ّن ٍة أو م���ن ٍ كتاب أو ٍ ٍ أم���ر أو ٍ ن���زل ،ارتقاؤه العمل���ي هو الذي أوصل���ه إلى قول النب���ي�(( :أنا وعلي بابها)). مدينة العلم ٌ ثم ه���و أُ ِّهل ،أُ ِّه���ل ليكون له ال���دور المس���تقبلي في األمة، ليكون ناقلاً لهذا العلم ،ومؤتم ًنا على معارف اإلس�ل�ام ،يحتاج إل���ى م���ن يؤتمن عليها ،كم يدخل في من ينطق عن اإلس�ل�ام دجالين ،م���ن مفترين ،من م���ن محرفي���ن من كذابي���ن ،م���ن ّ قائلي���ن على اهلل ما ل���م يقل ،ومن مفترين على اإلس�ل�ام ومن مفترين على اإلسالم ما لم يقله. اليوم كم تعاني األمة من ش���خصيات كبيرة تقدم نفسها على أنها تنطق باس���م اإلس�ل�ام وليس هو مؤتمناً على اإلسالم عل���ي المؤتمن بعد رس���ول اهلل ‹صل���ى اهلل عليه وعل���ى آله›، ف���كان ٌ عل���ى هذا اإلس�ل�ام فيما يقدم���ه من معارف ،عن هذا اإلس�ل�ام
77
وفيم���ا يتخذه من مواقف وق���رارات ،وفيما ً أيضا -يحمله منأخالقي���ات ،وفيما يحمل���ه من روحية تعبر عن���ه وهي أثر هذا اإلس�ل�ام .هذا الجانب ً أيضا له مجاالته الواس���عة ،وفيه الكثير والكثير.
•••
78
ذكرى حزينة في التاس ��ع عشر من ش ��هر رمضان من عام 40هجرية حدثت مأساة لألمة ،مأساة للدين ،مأساة للبشرية ،مأساة تفرض علينا أن نح ��زن لها في هذا العصر وفي كل عص ��ر ،وكيف ال نحزن حديث أن ذلك الذي والرسول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› قد قال في ٍ يقت ��ل اإلمام عل ��ي بن أبي طالب ‹عليه الس�ل�ام› هو أش ��قى األمة، جلب الشقاء على هذه األمة من ذلك الزمان إلى اليوم. اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› بفضله ،بمقامه ،بس���بقه ،بكماله، بعنائه الكبير ،وجهاده المستمر المرير في سبيل إعالء كلمة اهلل ،تحت راية رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›. كي���ف ال تكون ذك���رى حزينة أن نرى ذل���ك البطل ،ذلك العظيم ،ذلك ال َع َلم يس���قط شهيداً .هل كان سقوطه ذلك في مواجهة مع أعداء اإلسالم فكان السيف الذي ُق ِتل به من خارج هذه األمة؟ إنه ولألسف الشديد ،والذي يدل على الشقاء الذي وقع���ت فيه هذه األمة أن عل ًيا ‹صلوات اهلل عليه› يس���قط ش���هيدًا في عاصمة دولته ،في باب محرابه ،في ِف َنا ِء مس���جده ،وس���ط وبسيف محس���وب على هذه األمة ،وبمؤامرات من هذه األمة، ٍ قب���ل من أصبح فيما بعد خليفة يحكم هذه األمة ،والكل تحت ((( عنوان :إسالم ومسلمين. ((( من محا�ضرة لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه بمنا�سبة ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم› لعام 1423هـ.
79
أفي سالمة من ديني؟ لقد كان اإلمام علي على علم عن رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› يوم أن أخبره بأن لحيته َس ُت ْخ َضب من دم رأسه.
ه���ذا الخبر لو يأتي لش���خص منا -ربما -ق���د يكون مزعجاً ،لو يأت���ي ه���ذا الخبر لش���خص منا قد ينظ���ر إلى ما حول���ه ،ينظر إلى أس���رته ،إلى أوالده ،إلى ممتلكاته إل���ى مظاهر الحياة من حوله فيبدو متأس���فاً ويودِّع نفسه حيناً بعد حين وينتظر متى رأسه لحي َته ،لكن علياً كان يهمه شيء واحد. يخضب د ُم ِ كيف أجاب على الرسول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›؟ قال: (يا ر�س��ول اهلل �أَ ِفي �س�لامة من ديني؟) أفي س�ل�امة من ديني يحصل هذا؟ (قال :نعم .قال� :إذ ًا ال �أبالي) مادام ديني سليماً. اإلمام علي عندما يقول بهذه العبارة يعطينا إشارة مهمة جداً، وكأن���ه يلحظ م���ن خالل ما يس���مع من رس���ول اهلل ‹صلى اهلل علي ��ه وعلى آله وس���لم› أنه س���يحصل ضالل ،س���يحصل انحراف، س���تحصل فتن .يهم ّ أي إنس���ان حريص على س�ل�امة نفسه أن يبحث عن سالمة دينه ،وأن يحرص على سالمة دينه. ل���و كانت األمور عند اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› في رؤيته - يوم قال له الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› بهذا الكالم - أن هذه الرسالة ستسير بشكل طبيعي ،وسيكون الناس كلهم هكذا يس���يرون بشكل صحيح جي ً ال بعد جيل َل َما سأل الرسول:
80
عما إذا كان قد ق���ال له :إن (�أف��ي �س�لامة م��ن ديني؟) ناهي���ك َّ الذي سيقتله هو أشقى هذه األمةْ ، أي من هذه األمة ،وهو من وش���بهه بعاقر ناقة ثمود الذي يجلب الش���قاء على هذه األمةَّ ، جلب الش���قاء على تلك األمة فجعلها تستحق عذاباً شديداً من اهلل استأصل تلك األمة بأكملها. (�أفي �س�لامة من ديني يا ر�س��ول اهلل؟) ما أحوجنا إلى هذه ال كان قريناً المش���اعر! تجد اإلم���ام علياً تأكد أيضاً بأن���ه فع ً للق���رآن ،وال ي���زال قرين���اً للق���رآن ،أن ه���ذا هو منط���ق القرآن هلل َحقَّ ُت َقا ِت ِه َو َ ال َت ُمو ُت َّن نفس���هَ } :يا َ�أ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا ا َّت ُقوا ا َ �إِ َّ ال َو�أَن ُت��م ُم ْ�س�� ِل ُمونَ {(آل عم��ران )102:أليس هذا توجيهاً يحث كل إنس���ان من���ا على أن يكون حريصاً على أن يس��� َلم ل���ه دينه ،وأن يك���ون كل م���ا يهمه هو أن يس��� َلم له دينه ،عل���ى الرغم من ِّ أي ش���يء يمكن أن يواجهه حتى وإن كان خبراً مؤكداً على نحو ما جاء لعلي ‹عليه السالم› ((�ستخ�ضب هذه من هذا)) وأشار إلى لحيته ورأسه؟ وم���ن خالل هذا نعرف موقعن���ا نحن من القرآن ومن قرين يضحي الق���رآن عندما نج���د الكثير منا ،الغالبي���ة العظمى منا ِّ بدينه من أجل احتمال أن تس��� َلم له دنياه ،احتمال أن تس��� َلم له قدم���اه ناهيك عن رأس���ه ،أو الحتمال أ ّ ال يبيت ليلة في س���جن من الس���جون ،الحتمال أ ّ يضحي بمبلغ من المال في س���بيل ال ِّ إعالء كلمة ربه ،أليس كثير من الناس على هذا النحو؟
81
كأنن���ا نقول للقرآن نفس���ه عندما يق���ولَ } :يا �أَ ُّي َه��ا ا َّل ِذينَ ن�ص��ا َر اهللِ{(الصف )14:أفي س�ل�امة م���ن دنيانا يا �آ َمنُ��وا ُكو ُنوا �أَ َ ق���رآن اهلل؟! عندما يقولَ } :و ْل َت ُكن ِمن ُك ْم �أُ َّم ٌة َي ْد ُعونَ �إِ َلى ال َْخ ْي ِر ��ن ال ُْمن َك ِر{(آل عم��ران )104:تمام، ��ر ِ وف َو َي ْن َه ْونَ َع ِ ��رونَ ِبا ْل َم ْع ُ َو َي�أْ ُم ُ
لكن هل في س�ل�امة م���ن دنيانا ورؤوس���نا وأقدامن���ا وأيدينا يا كتاب اهلل؟! إن كل إنس���ان يتولى علياً ،إن كل إنس���ان مصدق برسول اهلل ‹صل ��ى اهلل علي���ه وعل���ى آل���ه وس���لم› وبكتاب اهلل يج���ب أن تكون مش���اعره على هذا النحو الذي كان يسيطر على مشاعر علي ‹عليه الس�ل�ام› (�أفي �س�لامة من ديني يا ر�سول اهلل؟ قال :نعم. ق��ال� :إذ ًا ال �أبال��ي) ولق���د كان يق���ول( :واهلل ال �أبالي وقعت علي) إن كل شيء يهمه هو أن يكون على الموت �أو وقع الموت ّ رأس���ه لحيته ،وليتقطع هناك س�ل�امة لدين���ه ،فلتخضب دما ُء ِ ْإرباً ْإرباً((( وليكن ما كان ما دام دينه سا ِلماً له. وه���ذه هي الرؤية الصحيحة ،هذه هي الس�ل�امة لمن يبحث عن الس�ل�امة ،اإلنسان ال يمكن أن يس��� َلم إذا لم يس َلم له دينه ،ال ف���ي دني���اه وال في آخرته ،ما ال���ذي جع َلنا ُنظلم؟ م���ا الذي جع َلنا ُنقهر ونحن ماليين نمتلك اإلمكانيات الكبيرة ،نمتلك الجيوش، نمتلك الثروات الضخمة والهائل���ة في باطن األرض وظاهرها، ((( �إ ْرب ًا �إ ْرب ًا :ع�ضو ًا ع�ضو ًا .ل�سان العرب .208/1
82
نمتلك رقعة استراتيجية مهمة؟ ألن ديننا لم يس َلم لنا ،فوجدنا أنفسنا لم نس َلم من الذل ،لم نس َلم من القهر ،لم نس َلم من النهب. أصبحت هذه األمة ذليلة ،أصبحت مس���تضعفة ،أصبحت مقه���ورة؛ ألنها لم تفكر تفكي���ر قرين القرآن (�أفي �س�لامة من دين��ي؟) وحينها عندما تنطلق لتبحث عن الس�ل�امة لنفس���ك وأن���ت ال تفك���ر في أن يس��� َلم لك دينك فلن تس��� َلم نفس���ك ،لن يس َلم ِع ْرضك ،لن تس��� َلم كرامتك ،وفي األخير لن تس َلم أنت في اآلخرة يوم تلقى اهلل ،لن َ تس���لم سوء الحساب ،لن تس َلم نار جهنم ،إنها الرؤية الحكيمة. ليس���ت رؤية ذلك الذي يفكر في ممتلكاته البسيطة ،يفكر في نفس���ه فيرى نفس���ه أغلى من الدِّين بكله ،يرى نفسه أغلى من نفس الرسول ،أغلى من نفس علي ،أغلى من نفس الحسن، أغلى من نفس الحسين. مت���ى يمكن أن يكون إلنس���ان يفكر هك���ذا تفكير قيمة عند اهلل؟ متى يمكن أن يُمنح إنسان على هذا النحو عزة من اهلل؟ ال، إنه بهذا التفكير يُعتبر تجس���يداً صادقاً لمن ي َْعشو((( عن ذكر الرحم���ن } َو َمن َي ْع ُ�ش َعن ِذ ْك ِر ال َّر ْح َم ِن ُن َق ِّي ْ �ض َلهُ َ�ش�� ْي َطا ًنا َف ُه َو َلهُ َق ِرينٌ {(الزخرف.)36: ((( َع َ�ش ��ا ( َي ْع ُ�شو) عن ال�شيء�َ :ض ُع َف َع ْن ُه َب َ�ص� � ُر ُه َف َل ْم َي َر ُه و� ْأع َر َ�ض َوم َ�ضى َع ْنهُ. المعجم الو�سيط .باب العين.
83
كم هو الفارق بي���ن أن تكون في االتجاه الذي يمنحك اهلل في���ه العزة ،يمنح���ك اهلل فيه الق���وة ،التأييد ،يمنح���ك اهلل فيه س�ل�امة آخرتك وإن لم تس َلم دنياك؟ كم هو الفارق بين واقع ُق ِّيض اهلل له ش���يطاناً ش���خص على هذا النحو وبين ش���خص ي َ يل َو َي ْح َ�س ُبونَ �أَ َّن ُهم ال�س ِب ِ يصبح قريناً له } َو�إِ َّن ُه ْم َل َي ُ�ص ُّدو َن ُه ْم َع ِن َّ ُم ْه َتدُ ونَ {(الزخرف )37:وواقع إنسان يُسلط اهلل عليه شرار عباده، يس���لط اهلل عليه من يس���ومه س���وء العذاب في دني���اه ،وفي يوم القيامة س���وء الحساب وس���وء العذاب في نار جهنم؟ نعوذ باهلل من نار جهنم. (س َ ���ق َط) بل نقول صعد إن علياً ‹عليه الس�ل�ام› -وإن وجدناه َ إل���ى ربه ش���هيداً -إن���ه ال يزال حي���اً كما أن هذا الق���رآن الذي ح���ي فيما يعطيه من هدى ،من نور ،من حيٌّ ، قرنه به الرس���ول ٌّ دروس ،م���ن عظة ،م���ن عبر ،حياً فيم���ا يعطيه األح���رار ،فيما يعطيه المجاهدين ،فيما يعطيه الصادقين من دروس تجعلهم يذوبون في هذا الدِّين. أن���ت عندما تنظر إلى نفس���ك ،أنا عندما أنظر إلى نفس���ي، وأنظر أيضاً إلى علي ‹عليه السالم› فأكون حريصاً على سالمة نفسي وإن كان ثمن ذلك أن أُلقي بعلي ،وبدين علي ،وبمنهج عل���ي ،وبتوجيه���ات علي ع���رض الحائط ،هذا يعتبر من أس���وأ االنحط���اط الذي يمر به اإلنس���ان .هل يمكن أن أرى نفس���ي - عندما أقارن نفس���ي -أرى نفس���ي أو ُّ أي واحد منا يرى نفس���ه
84
أغلى من نفس علي ‹عليه الس�ل�ام› ؟ هل يمكن ألح ٍد منا أن يرى دم���ه أغلى من دم علي ‹عليه الس�ل�ام› ؟ ال يمك���ن ألح ٍد أن يقول لنفسه هكذا وإن كان واقع الكثير منا هكذا. فعلي ‹عليه السالم› عندما وجدناه كان يستقبل ذلك الحدث الذي يتوقعه :أن يخضب د ُم رأس���ه لحيته ويس���قط شهيداً ،لم يك���ن منزعجاً م���ن ذلك ،كان الذي يزعجه ه���و ما يرى األمة فيه وهي تسير باتجاه ذات الشمال ،وهي تبتعد حيناً بعد حين، وتبتع���د عن كت���اب اهلل مس���افات طويلة ،وعن منهج رس���وله ‹صل ��ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم› كان يتألم عندم���ا يرى أن تلك الجهود التي بذلها الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› وبذلها ه���و تحت لوائه ،في مك���ة ،وفي المدينة ،في معارك اإلس�ل�ام، كله���ا ضاع���ت هباء ،وص���ارت هبا ًء منث���وراً تحت أق���دام وعلى أي���دي من لم يكونوا يجرؤون في يوم م���ن األيام أن ينزلوا إلى ساحات الوغى لمواجهة أعداء اهلل. لق���د كان اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› يخوض غم���ار الموت، ويقتحم الصفوف ،في بدر ،في أُ ُحد ،في كل معارك اإلسالم، بينم���ا كان أولئك يجلس���ون جانب���اًَ ،و َل ْي َتهم جلس���وا جانباً من بعد ممات الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› ال .كانوا في أثناء احتدام مواجهة الكفر يجلس���ون جانباً ،وعندما نزل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› إلى قب���ره ،بل من قبل وهو ال يزال على فراش الموت بدؤوا يتحركون وينزلون إلى ساحة هذه األمة؛
85
لينحرفوا بها عن نهج محمد ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› الذي من أجله كان يقتحم س���احات الوغى يقتح���م الصفوف ،وهو يواجه المش���ركين ،ويواجه الرومان ،ويواج���ه اليهود ،ويواجه كل أصناف أعداء اإلسالم ،برزوا بعد! هناك عبارة قالها أحد العلماء بالنس���بة لعلي ‹عليه الس�ل�ام› : (ل��و كانت الأمور ُتقا���س بمقايي�س الدنيا َل َما ر�أين��ا �أحد ًا ُي َع ُّد مظلوم�� ًا �أكثر مما ح�ص��ل على علي من الظل��م) يجاهد ،يعاني، يتعب في س���بيل دين ه���و يعلم أنه دين عظي���م ،وفي خير هذه األمة ،وفي مصلحة هذه األمة ،وفي عزة هذه األمة ،ثم يرى أيادي تعبث بهذا الدِّين.
يتجه إلى تلك األمة نفسها التي من أجلها جاهد ،من أجلها عان���ى ،من أجل عزتها تعب ،يحاول أن يحركها قبل أن ي َْع ُظم َ الخ ْط���ب ،في مرحلة كان يمكن أن يتالفى فيها ما حصل ،لم يحصل اس���تجابة ،ح��� ّرك الزهراء ‹عليها الس�ل�ام› حرك الجانب العاطف���ي ،ماذا عمل أولئك عندما خطب���ت فيهم الزهراء؟ بكوا وقالوا :إن خطوتها ما َت ْخ ُرم خطوة رس���ول اهللّ ، تذكروا رسول اهلل ‹صل ��ى اهلل علي���ه وعل���ى آله وس���لم› في خط���وة فاطمة ،وخطى فاطم���ة ،ومنط���ق فاطم���ة ،ول���م ّ يتذك���روا رس���ول اهلل ‹صلى اهلل علي ��ه وعل���ى آله وس���لم› فيما ّ ذكرتهم به فاطم���ة! بكوا لغياب الرس���ول ‹صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم› ولم يبك���وا لغياب دينه،
86
لم يبكوا لغياب الدِّين الذي كان الرس���ول مستعداً من أجله أن يُقتل ،وواجه المخاطر الشديدة من أجل هذا الدِّين. فكي���ف ال يتألم اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› ؟ وكيف ال يرى نفس���ه مظلوماً وه���و يرى األمور تس���ير على ه���ذا النحو الذي يضيع كل الجهود التي بذلها الرس���ول ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس ��لم› وكل الجهود التي بذلها ه���و وبذلها عظماء آخرون من خيار صحابة رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›؟ وعندما نرجع إلى علي ‹عليه الس�ل�ام› نراه -كما أس���لفنا - ُلهم الناس كيف ُله ُ ���م من خالل ما قدَّم ،من خالل ما تكلم ،ي ِ يِ تكون المواق���ف الصحيحة ،كيف تكون التوجه���ات التي فيها نجاة الناس. عندما نرج���ع إلى فضائل اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› نجد أن الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› يُثني عليه كثيراً .يجب أن نفهم من كل هذا ،من كل ما قدَّمه الرسول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› من فضائل لعلي ،من كل ما ذكره من فضائل لعلي ،من كل ما وجدن���اه من مواقف عظيمة لعلي أن تفكير النب���ي ‹صل���ى اهلل عليه وعل���ى آله وس���لم› وتفكير عل���ي ،وما يريده النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› وما يريده اإلمام علي هو أن نأخ���ذ من ذلك العب���رة ،نأخذ من ذلك الوعي ،نأخذ من ذلك ما يجعلنا مس���تبصرين في كل شؤون الحياة ،في كل المواقف
87
التي يُطلب منا أن نقفه���ا في هذه الحياة ،أن نعرف المقاييس الصحيح���ة الت���ي من خالله���ا نس���تطيع أن نق ّيم األش���خاص والمواق���ف واالتجاهات في هذه الحياة؛ لهذا قال عنه ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›(( :علي مع الحق ،والحق مع علي)). ونحن ش���يعة علي يجب أن نرجع إلى دراس���ة تاريخ علي، إلى دراس���ة سيرة علي ‹عليه الس�ل�ام› لنعرف كيف نقتدي به، كيف نس���ير على ُخطاه ،كيف نتمسك بنهجه ،كيف نسلك الس���بيل الذي س���لكه ،كيف ننظر إلى األم���ور كنظرته؛ ألنه ((( بالتأكيد قرين القرآن.
"فزت ورب الكعبة" علي ث���م نأ ِتي إلى موض���وع آخر هو :كيف كان اس���تقبال ٌ ‹صل ��وات اهلل علي���ه› للش���هادة؟ لنعرف أن اإلمام عل ًي���ا ‹صلوات اهلل علي ��ه› كان يرى أن مقام الش���هادة مقاماً عظيم���اً ،وأنها أُ ْم ِن َية كان يطلبها ،أنها أمنية كان يسأل رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› عنها هل سيحصل عليها؟ ،ومتى سيحصل عليها؟. عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› اس���تقبال م���ن يعرف اس���تقبلها اإلم���ام ٌ خر صريعاً بعد تلك كرامة الشهيد ،عظمة الش���هيد .فعندما َّ ((( من محا�ضرة لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه بمنا�سبة ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم› لعام 1423هـ.
88
الضربة قال ‹صلوات اهلل عليه›ُ (:فزْ ُت ورب الكعبة). بينما نرى التاريخ يحكي عن أشخاص آخرين ممن سبقوه ���رات لخروف أن أحده���م تمن���ى عن���د احتض���اره أن���ه كان َب َع َ تتس���اقط هنا وهن���اك ،لكن عل ًيا ‹صل���وات اهلل عليه› ق���الُ ( :فزْ ُت ورب الكعبة)؛ ألنه على يقين من س�ل�امة دينه ،على يقين من صح���ة موقفه ،على يقين من صح���ة نهجه ،على يقين من أن اهلل س���بحانه وتعالى قد منح الشهداء ،وأعطى الشهداء الكرامة الت���ي تجع���ل مثله -على الرغ���م من عباداته الكثي���رة -يصرخ بهذه الكلمة العظيمة مقسماًُ ( :فزْ ُت ورب الكعبة). علي ‹صلوات اهلل عليه› الصبر ما أحوجنا إلى أن نس���تلهم من ٍ عل���ى الح���ق ،الصمود ف���ي مواجه���ة الباط���ل ،اس���تقبال العناء والش���دائد بصدور َر ْح َبة ،بعزائم قوية ،بإرادات ال ُتقهر ،برؤية واضح���ة ،ببصيرة عالية فنكون ممن يحمل ش���عور علي حتى في لحظة االستش���هاد ،في لحظة اغتياله يرى نفسه مسروراً ( ُفزْ ُت ورب الكعبة). لماذا س���ماه فوزاً؟ .وهل يمكن للكثير منا ..الذي يرى نفسه فائ ًزا أنه لم ي ْ ُق ِحم نفسه -كما يقول الكثير -في مشكلة ،أنه لم يدخل في عمل ربما يؤدي إلى مش���كلة ،أنه يبتعد مس���افات عن أن يحصل عليه أبس���ط ما يحتمل من ضر في ماله أو في نفس���ه ،هل يمكن ألحد ممن يفكر هذا التفكير أن يقول عندما
89
يحتضر ،عندما تأتيه مالئكة الموتُ ( :فزْ ُت ورب الكعبة)؟؟ .ال واهلل ،ب���ل ربما يصرخ ُم َتَأ ِّو ًها ،بل ربما َي ْب َه ُره الموت -كما قال علي ‹صلوات اهلل عليه› وهو يوصي ابنه الحس���ن ويحذره اإلم���ام ٌ من أن يكون على طريقة س���يئة عندم���ا يفاجئه الموت -قال: َرك) .نعوذ باهلل من ب َْه َرة الموت. (ف َي ْبه َ ���رة الموت؟ عندما تك���ون أنت من لم تحرص مت���ى تكون ب َْه َ على س�ل�امة دين���ك ،من لم ُت َض ِّح من أج���ل دينك ،من ال تعتبر الس���قوط ش���هيداً في س���بيل اهلل من أجل س�ل�امة دين���ك فوزاً، س���يبهرك الموت ،وسيبهرك الحشر ،وستبهرك زبانية جهنم.. هذا شيء ال شك فيه. علي عندم���ا يقولُ ( :ف��زْ ُت ورب الكعبة)؛ ألنه س���ار اإلم���ام ٌ ((( على منهجية هي منهجية يفوز من سار عليها. وبتمي���زه ه���ذا وبروحيته ه���ذه اس���تقبل الش���هادة فهو قال عندم���ا أصيب ،عندما ضربه ابن ملجم لعنه اهلل بالس���يف على رأسه قال ‹عليه السالم› كلمته الشهيرة التي لها دالالت عميقة وكبيرةُ ( :فزْ ُت ورب الكعبة)هكذا اس���تقبل الشهادة في سبيل اهلل مطمئن القلب مرتاح البال إلى ماضيه وإلى مس���تقبله إلى ماضي���ه بما كان علي���ه أنه كان ماضياً س���ليماً صحيحاً على ((( من محا�ضرة لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه بمنا�سبة ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم› 1423هـ.
90
مسار صحيح يوصل إلى نتيجة مستقبلية أساس صحيح ،في ٍ ٍ ٍ ه���ي الفوز برضوان اهلل والفوز بجنته ( ُفزْ ُت ورب الكعبة) بكل ثقة ،بكل اطمئنان ،بكل يقين. مقسما مطمئ ًنا إلى مستقبله ألنه كان قال هكذا :ورب الكعبة ً في المسار الصحيح لإلسالم ،اإلسالم كما هو بتعاليمه بروحيته بأخالقه بمواقفه ،ثم كان ذلك الذي يقول وهو على فراش الشهادة ف ��ي آخر لحظات الحياة الدنيا (م��ا فاج�أني من الموت واردٌ كرهته وال طال��ع �أنكرت��ه) فأنا ما تفاج ��أت بالم ��وت وال كرهت مجيئه؛ ٌ كقارب ورد، ألنه كان مطمئناً إلى مستقبله عند اهلل (وما كنت �إال ٍ خير و�أبق��ى) اطمئنان لضميره وقلبه وطالب وج��د وما عند اهلل ٌ ٍ إلى مستقبله العظيم عند اهلل سبحانه وتعالى. دائما إلى ما عند فهكذا كان ،وهك���ذا كان متمي ًزا متطل ًعا ً اهلل ال يأب���ه بالموت أبدًا وهو الذي ق���ال(:واهلل البن �أبي طالب �آن���س بالم��وت من الطفل الر�ض��يع بثدي �أمه) ربما ال يس���اوي ه���ذا ُ األن���س أُنس ،أُن���س الطفل الرضي���ع بثدي أمه لك���ن علياً كان آن���س بالم���وت ،ألنه يرى في الموت نقل���ه إلى ما عند اهلل دائم���ا يتطلع إلى ما عند اهلل ،هذا ٌ قلي���ل قليل ،أقل القليل وه���و ً مم���ا يمك���ن أن نقوله ع���ن علي فه���و مدرس���ة متكاملة نعرف من خالله���ا ونرى من خاللها اإلس�ل�ام بكل كماله ،اإلس�ل�ام بكل جماله ،اإلس�ل�ام بحقيقة مبادئه ،اإلس�ل�ام بعظم أخالقه، اإليمان بجالله وجماله.
91
اإلمام ٌ علي ‹عليه السالم› يقدم وصيته األخيرة قبل أن يغادر اإلمام علي ‹عليه السالم› هذه الحياة إلى الحياة التي تليق به عند أخيه رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› وعند زوجته فاطمة الزهراء ‹عليها السالم› وعند إخوانه الذين سبقوه أوصى ولديه الحسن والحسين ‹عليهما السالم›بهذه الوصية:
الد ْن َي��ا َو�إِ ْن َب َغ ْت ُك َما َولاَ و�ص��ي ُك َما ِب َتقْ�� َوى ا ِ هلل َو َ�ألاَّ َت ْب ِغ َي��ا ُّ (�أُ ِ لَ ْج ِر اع َملاَ ِل ْ أ َت�أْ َ�س َفا َع َلى َ�ش ْيءٍ ِم ْن َها ُزوِيَ َع ْن ُك َما َو ُقولاَ ِبال َْحقِّ َو ْ َو ُكو َنا ِل َّ و�ص��ي ُك َما َو َجمِي َع َو َل ِدي لظا ِل ِم َخ ْ�ص��م ًا َو ِل ْل َم ْظ ُلو ِم َع ْون ًا ُ�أ ِ ��م �أَ ْم ِر ُك ْم َو َ�ص�َلحاَ ِح ��ن َب َل َغ��هُ ِك َتا ِب��ي ِب َتقْ�� َوى ا ِ َو�أَ ْه ِل��ي َو َم ْ هلل َو َن ْظ ِ ��م َف�إِنِّي َ�س�� ِم ْعتُ َجدَّ ُك َما ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله› َي ُق ُ ول َذ ِ ات َب ْي ِن ُك ْ اهلل َ ال�ص� ِة َوال�ص َيا ِم َ ات ا ْل َب ْي ِن َ�أ ْف َ�ض ُ اهلل َ�ص�َلااَ ُح َذ ِ ِّ ��ل ِم ْن َعا َّم ِة َّ َل اَ ��ر ِت ُك ْم َو اهلل ِفي ْ أ الَ ْي َتا ِم فَلاَ ُت ِغ ُّبوا �أَ ْف َواهَ ُه ْم َولاَ َي ِ�ض��ي ُعوا ِب َح ْ�ض َ يرا ِن ُك ْم َف�إِ َّن ُه ْم َو ِ�ص�� َّي ُة َن ِب ِّي ُك ْم َما َز َ و�صي ِب ِه ْم َحتَّى ال ُي ِ اهلل ِفي ِج َ اهلل َ َظ َننَّ��ا �أَنَّهُ َ�س�� ُي َو ِّر ُث ُه ْم َو َ اهلل ِفي ا ْل ُق ْر�آنِ لاَ َي ْ�س�� ِب ُق ُك ْم ِبا ْل َع َم ِل ال�صلاَ ِة َف�إِ َّن َها َع ُمو ُد ِدي ِن ُك ْم واهلل اهلل ِب ِه َغ ْي ُر ُك ْم واهلل اهلل ِفي َّ ��ر َك َل ْم ُت َن َ اظ ُروا ِف��ي َب ْي ِ ��ت َر ِّب ُك ْم لاَ ُت َخ ُّلو ُه َم��ا َب ِقي ُت ْم َف�إِنَّهُ �إِ ْن ُت ِ يل واهلل اهلل ِفي ال ِْج َها ِد ِب�أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو�أَ ْن ُف ِ�س�� ُك ْم َو َ�أل ِْ�س َن ِت ُك ْم ِفي َ�س ِب ِ ��م َوال َّتدَ ا ُب َر َوال َّت َق ُ اط َع ا ِ ا�ص ِ هلل َو َع َل ْي ُك ْم ِبال َّت َو ُ ��ل َوال َّت َبا ُذ ِل َو�إِ َّي ُاك ْ ��ن ال ُْم ْن َك ِر َف ُي َو َّلى َع َل ْي ُك ْم لاَ َتت ُْر ُك��وا َْ أ ال ْم َر ِبا ْل َم ْع ُر ِ وف َوال َّن ْه َي َع ِ اب َل ُك ْم. ِ�ش َرا ُر ُك ْم ُث َّم َت ْد ُعونَ فَلاَ ُي ْ�س َت َج ُ
92
ُث َّم َق َ ��الَ :يا َب ِني َع ْب ِد ال ُْم َّط ِل ِب لاَ �أُ ْل ِف َي َّن ُك ْم َت ُخ ُ اء و�ض��ونَ ِد َم َ ير ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ �أَلاَ لاَ َت ْق ُت ُل َّن ِبي ال ُْم ْ�س�� ِلمِينَ َخ ْو�ض ًا َت ُقو ُلونَ ُق ِت َل َ�أ ِم ُ ا�ض ِر ُبو ُه َ�ض ْر َب ًة ِ�إلاَّ َقا ِت ِلي ان ُْظ ُروا ِ�إ َذا �أَ َنا مِتُّ ِم ْن َ�ض ْر َب ِت ِه هَ ِذ ِه َف ْ ��ـر َب ٍة َولاَ ُت َم ِّث ُلوا ِبال َّر ُج ِل َف�إِنِّي َ�س�� ِم ْعتُ َر ُ�س َ هلل ‹صلى اهلل ول ا ِ ِب َ�ض ْ ((( ول �إِ َّي ُ عليه وعلى آله› َي ُق ُ اك ْم َوال ُْم ْث َل َة َو َل ْو ِبا ْل َكل ِْب ا ْل َع ُقو ِر). اإلمام الحسن يودع والده ودع اإلمام الحس���ن ‹عليه السالم› والده بعد استشهاده فحمد اهلل وأثن���ى علي���ه وذك���ر أمي���ر المؤمنين عليا رض���ي اهلل عنه خات���م األوصياء ووص���ي األنبياء وأمين الصديقين والش���هداء، ث���م ق���ال :أيها الن���اس لقد فارقكم رج���ل ما س���بقه األولون وال يدرك���ه اآلخ���رون لقد كان رس���ول اهلل صل���ى اهلل عليه وآله يعطي���ه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يس���اره فما يرجع حتى يفتح اهلل عليه ،ولقد قبضه اهلل في الليلة التي قب���ض فيها وصي موس���ى وع���رج بروحه في الليل���ة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم ،وفي الليلة التي أنزل اهلل عز وجل فيها الفرقان ،واهلل ما ترك ذهباً وال فضة ،وما في بيت ماله إال س���بعمائة وخمس���ين درهماً فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما ألم كلثوم. ((( نهج البالغة 423 /2
93
معاوية هو المتهم بترتيب عملية اغتيال اإلمام ٌ علي ‹عليه السالم›
معاوية هو المته���م بترتيب عملية اغتيال اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› اتهمه بهذا أبو األسود الدؤلي في أبيات ِّ يرثي بها اإلمام عل ًيا ‹عليه السالم› وهو معاصر للحدث قال فيها:
�����رب أال أب�����ل�����غ م�����ع�����اوي�����ة ب������ن ح� ٍ ف���ل��ا ق��������رت ع�����ي�����ون ال���ش���ام���ت���ي���ن���ا أف������ي ش���ه���ر ال����ص����ي����ام ف��ج��ع��ت��م��ون��ا ب���خ���ي���ر ال�����ن�����اس ط���������راً أج��م��ع��ي��ن��ا ق��ت��ل��ت��م خ���ي���ر م����ن رك�����ب ال��م��ط��اي��ا ورح����ل����ه����ا وم������ن رك������ب ال��س��ف��ي��ن��ا وم�����ن ل���ب���س ال���ن���ع���ال وم�����ن ح���ذاه���ا وم�������ن ق�������رأ ال����م����ث����ان����ي وال���م���ب���ي���ن���ا إذا اس��ت��ق��ب��ل��ت وج�����ه أب�����ي ح��س��ي� ٍ�ن رأي���������ت ال������ب������در راع ال���ن���اظ���ري���ن���ا ل���ق���د ع��ل��م��ت ق����ري� ٌ ���ش ح���ي���ث ك��ان��ت ب�����أن�����ك خ����ي����ره����ا ح����س����ب����اً ودي����ن����ا وف���ي الحقيق���ة أن أه���ل العراق كان���وا قد قتل���وا عل ًيا وهو كان ال ي���زال ح ًيا يوم كانوا يتثاقلون عن���ه ،ويتباطؤون عنه، حتى قال( :اللهم إني قد مللتهم وملوني ،وسئمتهم وسئموني،
94
فأبدلني بهم خيراً لي منهم ،وأبدلهم بي شراً لهم مني). قتل���وا قلب���ه وهو ما يزال ينب���ض( :قاتلك���م اهلل) كان يقول هك���ذا( :قاتلكم اهلل يا �أه��ل العراق لقد ملأتم �ص��دري قيح ًا) ثم قتل بالس���يف ،قتل فع ً ال ،واستش���هد ‹صلوات اهلل عليه› ،أليس ه���ذا هو أول رجل بعد رس���ول اهلل ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله› في هذه األمة من القائمين بالقس���ط؟ ممن هم بمنزلة أنبياء بني ((( إسرائيل؟. استهداف اإلمام ٌ علي هو استهداف لإلسالم فاإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› بمنزلته العظيمة في اإلس�ل�ام بكمال���ه بفضل���ه بس���بقه يُقتل ويلقى اهلل ش���هيدًا في مس���جده ف���ي محرابه في عاصمة دولته بس���يف محس���وب على أنه من األمة في شهر رمضان المبارك بما تبع استشهاده من تحوالت في واقع األمة وهو ‹عليه الس�ل�ام› حين استش���هد لم يكن مجرد حاكم يحكم األمة اإلس�ل�امية شأنه شأن أي حاكم يقتل أو يموت فيأتي البديل وانتهى األمر ،بل كان ‹عليه الس�ل�ام› يمثل امت���دادًا لإلس�ل�ام المحم���دي األصي���ل بقرآنه ونهجه ومس���ار أس���تاذه ومعلمه ومربي���ه وقدوته وقائده الحبي���ب المصطفى ((( ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم› لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه لعام 1423هـ.
95
نبي اهلل محمد ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› كان يمثل امتدادا ألخ�ل�اق اإلس�ل�ام لمنهج���ه ومش���روعه الكبير في بن���اء األمة اإلس�ل�امية؛ لتكون بمستوى مس���ؤوليتها العالمية الكبرى في بناء الحياة ونشر الحق والعدل والخير في العالم. فاس���تهدافه لم يكن مجرد استهداف لشخصه بل استهداف لذلك المشـروع بكله ،إلحالل البديل الناقص والمح ّرف الذي يتالءم مع الظالمين والمس���تبدين والمجرمين وممارس���اتهم ((( وما يتركونه من أثر سلبي في الحياة. اإلمام علي ‹عليه السالم› عندما أُستهدف وهو بهذا المستوى ول���ه ال���دور المهم في الحفاظ على مس���ار اإلس�ل�ام المحمدي األصيل؛ ليبقى له أصالت���ه؛ ليبقى له نقاؤه؛ ليبقى له حضوره في واقع الحياة وتأثيره وسيادته في واقع المسلمين؛ ليحافظ على هذا اإلس�ل�ام وليربي األمة على قيمه وأخالقه وليرس���خ مبادءه وأخالقه في نفوس أبناء األمة. عندما أُس���تهدف وهو بهذه األهمية وهو بهذا المستوى وله هذا الدور المهم جدًا كان االس���تهداف له اس���تهدافاً لإلس�ل�ام في مس���اره الصحيح ،استهدافاً لإلسالم في مسار الحق ومسار الع���دل ومس���ار األصالة والنقاء م���ن القوى الت���ي انقلبت على ((( م ��ن محا�ضرة ال�سيد عب ��د الملك في منا�سبة ذك ��رى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم› لعام 1433هـ.
96
اإلس�ل�ام في مفاهيم���ه في قيمه ف���ي مبادئه المهم���ة ،وأرادت اإلس�ل�ام ش���كال يخدمها وال تخدم���ه وتطوع���ه وال تتطوع له، وأرادت اإلس�ل�ام زي ًفا تتغنى به وتستغل بعض شعائره لتثبيت س���لطتها وإحكام قبضتها وتركيز هيمنتها وإحكام سيطرتها على األم���ة في كل واقع األم���ة .القوى االنقالبي���ة على قيم اإلس�ل�ام ومبادئ اإلس�ل�ام النازعة لالس���تبداد الجموحة التي تري���د الظلم والهيمنة واالس���تبداد والتجرد من قيم اإلس�ل�ام العظمى وفي مقدمتها العدل والحق والخير ومكارم األخالق، وأرادت أن تتح���رر من كل تلك المبادئ والقيم التي ترى فيها قي���وداً تحد من نزعته���ا وتحد من هيمنتها وتح���د مما تعتبره مصالح لها. الق���وى االنقالبية قامت بتخطيط وتنفي���ذ تلك الجريمة الكب���رى الت���ي كان���ت جريمة بح���ق اإلس�ل�ام وجريمة بحق ((( علي‹عليه السالم›. األمة ولم تكن جريمة فقط بحق شخص ٌ لقد ش���هدت ليلة التاس���ع عشر من ش���هر رمضان المبارك حد ًثا ِّ ً فاجعة كبرى في تاريخ أمتنا اإلس�ل�امية ،حيث يمث���ل أقدم من أس���ماه الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وآله› بأشقى األمة على علي ‹عليه الس�ل�ام› في مس���جد تنفي���ذ جريم���ة اغتيال اإلم���ام ٍ ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد الملك ف ��ي منا�سبة ذكرى ا�ست�شه ��اد الإمام علي ‹عليه السالم› لعام 1434هـ.
97
الكوفة ،اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› بكل م���ا ِّ عظيم كرمز يمثله ٍ ٍ علي ‹علي���ه الس�ل�ام›بمنزلته العظيمة في وول���ي لألمة ،اإلم���ام ٌ اإلس�ل�ام ،ودوره المحوري في اإلسالم منذ بزغ فجر اإلسالم، وامتداد ه���ذا الدور إلى نهاية تاريخ األمةَّ ، مثل اس���تهدافه في تلك الليلة ،والعمل عل���ى اغتياله ،حيث أصيب في تلك الليلة، وفي ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان التحق بالرفيق عظيماَّ ، مثل كارثة ونكبة كبيرة على األمة، األعلى ش���هيدًا ً اس���تهدافه -فعلاً َّ - ً رهيبة لم تعوض أبدًا على هذه مثل خسار ًة األمة.
استهداف اإلمام علي فتح الطريق للتسلط األموي الجان���ب اآلخر :فيما يتعل���ق بحادثة استش���هاد اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،ه���ي -بالفعلَّ - مثل���ت ً نكبة كبي���ر ًة لألمة ،هي عبرت ع���ن حالة انحراف كانت قائم���ة ،وكانت تتصارع مع َّ تعبر اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ،وتلك الحالة من االنحراف هي ِّ أيضاَّ - مثلت ً ع���ن النفاق بالتأكيد ،ثم هيً - نكبة كبير ًة جدًّا؛ ألنها أتاحت الفرصة وفتحت الطريق للتس���لط األموي ،الذي َّ مثل كارثة كبيرة ورهيبة على األمة ،التسلط األموي الذي عب���ر عنه الرس���ول ‹صلى اهلل علي���ه وآله› ،وما أعظم م���ا قاله ،وما َّ أجم���ع ما قاله ،وما أحكم ما قاله ،وما أدق ما قاله عن التس���لط
98
األم���وي ،أن���ه عندما يتمكن ماذا س���يفعل بهذه األم���ة ،قال عن بن���ي أمي���ة( :ا َّت َخ ُ هلل َد َغ�َل�اَ َ ،و ِع َب��ا َد ُه َخ�� َولاَ َ ،و َما َلهُ ��ذوا دِينَ ا ِ معبر ،وداللت���ه داللة كبيرة ُد َولاَ ) ،ه���ذا نص عمي���ق ،جامعِّ ، ج���دًّا ،وخطيرة للغاية ،هو كش���ف عن طبيع���ة الدور األموي ماذا فعله باألمة ،وما مستوى تلك الجناية الهائلة على األمة، نحو كبير منذ استش���هاد اإلمام علي وذل���ك كله تمكن عل���ى ٍ ‹عليه الس�ل�ام› ،ما بعد استش���هاد اإلمام علي ‹عليه السالم› وإقصاء اإلمام الحسن ‹عليه السالم› وما حدث. فبنو أمية هم استفادوا من ذلك ،وعندما نالحظ فيما روي سمى قاتل اإلمام عن رسول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى آله" أنه َّ سماه بأش���قى األمة ،ووصفه بأشقى األمة ،وشبهه بعاقر عل ًيا َّ ناق���ة صالح -الناقة في ثمود -الذي كان أش���قى ثمود ،وجلب الش���قاء على تلك األمة ،هذا التشبيه لم يأت من فراغ ،كلمات معبرة ،هادي���ة ،حكيمة ،صادق���ة ،وعظيمة الرس���ول دقيق���ةِّ ، ومهمة جدًّا ،فيها هداية لألمة ،هو هادي األمة. هو عندما ش���بهه بعاقر الناقة؛ ألن ذلك جلب ش���قا ًء كبي ًرا عل���ى أمت���ه ،وهذا جلب ش���قا ًء كبي��� ًرا على األمة اإلس�ل�امية، وإال م���ا هناك فائدة أنه يصف���ه بهذا التوصيف ،ويش���بهه بهذا كالم���ا ً فارغا ال معنى له ،ل���و لم يكن له هذه التش���بيه ،يصبح ً الداللة ،هذا المعنى ،والشقاء الذي جلبه على هذه األمة ونكب ب���ه ه���ذه األمة اب���ن ملجم "لعن���ه اهلل" ،قات���ل اإلمام عل���ي ‹عليه
99
الس�ل�ام› بدسيسة من معاوية ،هو أنه َّ مكن التسلط األموي من رقاب األمة ،وأتاح الفرصة ،إزاحة اإلمام علي ‹عليه السالم› من الس���احة أتاح الفرصة للتس���لط األموي على رقاب األمة ،هذا هو الش���قاء لألمة ،وكيف ال يكون شقا ًء تمكين َمن (يتخذون يحرفون مس���ار يحرفون مفاهيم هذا الدينِّ ، دي��ن اهلل دغال)ِّ : األمة ،يلعبون ويشوهون بالمفاهيم اإلسالمية ،حتى يقدِّمون مفاهي���م محس���وبة على اإلس�ل�ام ،يتدين بها الكثي���ر على أنها ِّ تمثل اإلس�ل�ام ،يتقربون بها إلى اهلل ،وهي منحرفة وخاطئة، وليست من اإلسالم في شيء. يحول���ون األمة إلى عبيد، و(دين��ه دغالَ ،و ِع َب��ا َد ُه َخ َولاَ )ِّ : حولوه���ا إل���ى عبي���د ،وبل���غ ذلك ذروت���ه في أي���ام يزيد وفع�ًل�اً َّ ال���ذي ختم واليه وقائده العس���كري على رقاب أه���ل المدينة- مدين���ة رس���ول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى آل���ه" -وطلب منهم البيع���ة على أنهم عبيد خالصون ليزي���د بن معاوية ،هكذا نقل التاري���خ ،التاريخ نق���ل هذا كحقائق ثابتة ،وحالة االس���تعباد اس���تمرت أيام التس���لط األموي ،وامتدت لبعدهم؛ ألن من أتى بعده���م -مثلاً -ف���ي الفترة العباس���ية ،وما تاله���ا ،مضوا على نفس النهج ،س���اروا عل���ى نفس الطريق ،على نفس األس���لوب، أصبحت طريقة في الحكم في الس���احة العربية واإلسالمية: االستبداد ،االس���تغالل ،الظلم ،القمع...الخ .فكان -فعلاً -أشقى األم���ة ،وأت���اح الفرصة ألولئ���ك الذين س���يطروا واس���تحوذوا
100
َّ وتمكنوا من إحداث تحول خطير جدًّا في مس���ار األمة ،امتدت نتائجه السلبية إلى عصرنا هذا وزمننا هذا. كل ،يبق ��ى اإلم ��ام عل � ٌ�ي ‹علي ��ه الس�ل�ام› ِّ يمث ��ل االمتداد وعل ��ى ٍ األصيل والنقي والراقي ،والنموذج الكامل في األمةِّ ، ً ضمانة ويمثل ً المتلبس ��ة باإلس�ل�ام، عظيمة وفارقة في مواجهة حركة النفاق ِّ والمخادع ��ة لألم ��ة ،والمش ��كلة لخطورة كبيرة عل ��ى األمة في واقعه ��ا ،والتي ِّ تمثلً - ذراعا لق ��وى الطاغوت ،وألعداء األمة أيضاً - من خ ��ارج األمة ،تضرب بها في داخل األم ��ة ،بل ِّ تمثل معول هدم بيد أعداء األمة ،واليوم هي معول هدم في يد أمريكا وإسرائيل. يبقى لن���ا أن يكون ضمن اهتماماتنا التثقيفية والتعليمية، علي وتربيتنا حتى ألجيالنا ،أن يكون ضمن اهتماماتنا هذه هو ٌ ‹علي ��ه الس�ل�ام› فيما قاله الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وآل���ه› عنه ،فيما قدَّمه هو في حركته ،في هديه ،في علمه لألمة ،في ما قدَّمه التاري���خ عن���ه في كل مراح���ل حياته مع رس���ول اهلل ‹صلى اهلل ِّما ألرقى نم���وذج في االتباع، عليه وآله› س���اب ًقا، ومخلص���ا ،ومقد ً ً واالقتداء ،والتمسك ،والطاعة ،واالهتداء ،وااللتزام ،وفيما بعد ذلك كعالمة فارق���ة ِّ يمثل امتدادًا أصيلاً لإلس�ل�ام ومنهجه وصل ،وفي منزلته ورس���الته ونبي���ه ‹صلى اهلل عليه وآله› ،حلق���ة ٍ عدي))، العظيمة التي ُتس���تثنى منها النبوة ((�إِلاَّ َ �أنَّهُ لاَ َن ِب َّي َب ِ ((( كما يقول رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وآله›. ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه ال�سالم› لعام 1439هـ.
101
اليوم نحن في أمس الحاجة إلى أن نستفيد من علي الي���وم نح���ن ف���ي أمس الحاج���ة إل���ى أن نس���تفيد من علي كي���ف كان ف���ي مرحلة عه���د النبي ‹صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله› ً تلميذا متمي ًزا وإنس���ا ًنا راق ًي���ا في إيمانه ما بعد مخلصا جنديًا ً وحريصا النبي مقاتلاً على تأويل القرآن ومؤتم ًنا على اإلسالم ً ً ومحافظ���ا عليها ومداف ًعا عنها وعن عل���ى األمة وعلى وحدتها اإلسالم؛ ليبقى اإلسالم لألمة في كل مراحل تأريخها ،فكان قاتله كما قال النبي أشقى اآلخرين ،أشقاهم كما كان عاقر ((( ناقة ثمود كان أشقى األولين. لماذا يقول البعض أن ذكرى استشهاد اإلمام ٌ علي بدعة؟ م���ن يقولون :أن إحياء ذكرى استش���هاد اإلم���ام علي بدعة، ه���م من يريدون أن تموت األمة باس���م الدين ،وأن تذبح باس���م اإلس�ل�ام ،هم م���ن يعملون عل���ى تفريغ هذه األمة م���ن هويتها الدينية وفصلها ع���ن رموزها الدينيي���ن والحقيقيين وإبعادها عن أعالمها العظماء من يشـرفها أن تنتمي إليهم ومن تجد في ((( حياتها كل ما تحتاجه من الدروس التي تفيدها في حياتها. ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد الملك ف ��ي منا�سبة ذكرى ا�ست�شه ��اد الإمام علي ‹عليه السالم› لعام 1438هـ. ((( ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه لعام 1423هـ.
102
ً أخيرا :اإلمام ٌ علي ‹عليه السالم› سيظل قدوة للمستبصرين
عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› هكذا كان وهكذا يبق���ى نو ًرا في اإلمام ٌ وعلما مش���ـرق الش���مس قدوة للمس���تبصرين ونو ًرا للحائرين ً يُقتدى ويتأسى به في مدرسة اإلسالم الكبرى ويمثل النموذج الحقيق���ي والقدوة للرم���وز الحقيقيين؛ ألننا ف���ي هذا العصر نش���هد كيف تتحرك مخابرات الع���دو ،المخابرات األمريكية لتصن���ع رمو ًزا وهميين في الس���احة اإلس�ل�امية يبرزون وهم يتمس���كون ببعض من قش���ور اإلس�ل�ام وش���كله ث���م يبقون هم أو يب���رزون ه���م ف���ي الس���احة اإلس�ل�امية ليس���تقطبوا الكثير الكثي���ر من قاص���ري الوعي وناقص���ي اإليمان ليلتف���وا حولهم فيتحركون تحت عناوين دينية ليضربوا اإلس�ل�ام من داخله ليثي���روا المش���اكل لألمة اإلس�ل�امية م���ن داخله���ا وعلى مر التاريخ اإلس�ل�امي لطالما ُصنع الكثير م���ن الرموز الوهميين الزائفين الذين ال يمثلون اإلس�ل�ام بحقيقته بأخالقه وكانوا أس���اطين للظالمي���ن والجباب���رة والطغاة واالس���تبداد وكانوا أنصا ًرا لخط االس���تبداد والظلم في داخل األمة ،هذه وس���يلة وهذا أسلوب اع ُتمد عليه في السابق ويُعتمد عليه في الحاضر ((( وهذا شيء ملموس. ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه السالم› لعام 1433هـ.
103
لذل���ك نح���ن في ه���ذا العصر ونح���ن نعاني م���ن الظالمين ونحن نعاني من حال���ة الزيف فقد أراد النبي من خالل اإلمام عل���ي أن يوصلنا بالقرآن ،ويبقى حب���ه عالمة فارقة يتبين بها ٌ المؤم���ن ،وبغضه وصمة عار ينكش���ف به���ا المنافق ،لو لم يكن لنا من علي إال هذا ،فكيف وهو مثل مس���ار اإلسالم في أصالته ((( ومفاهيمه الصحيحة بعيدًا عن الزيف وبعيدًا عن التحريف.
ً وابن ملجم سيظل أيضا قدوة للتكفيريين ث���م يبقى لن���ا نقطة واح���دة نؤك���د عليها كي���ف كانت الوس���يلة التي اعتمدها من تآمروا على علي ‹عليه السالم› لقتله ه���ي أداة مصنوعة م���ن األداة التكفيرية (ابن ملجم) واحد من التكفيريي���ن المغفلين الجاهلين بحقيقة اإلس�ل�ام تبقى هذه النوعي���ة -التكفيريون المغفلون الجاهلون بحقيقة اإلس�ل�ام أداة ق���ذرة يُحركه���ا األع���داء ويس���تغلونها لض���رب الخ���طاإلس�ل�امي األصيل من الداخ���ل ،وهذا ملم���وس ً أيضا؛ أال نرى كيف يتح���رك التكفيريون داخل األم���ة ليواجهوا أي تحرك يناه���ض السياس���ة األمريكي���ة؟ ه���م ال ي���رون كف���ر أمريكا وال كف���ر إس���رائيل وه���ذا من عجائبه���م ،ال تص���در قراراتهم ((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عب ��د الملك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه السالم› لعام 1434هـ.
104
وأحكامه���م بالكف���ر إال داخ���ل ه���ذه األم���ة ،الكف���ر األمريكي، الكف���ر اإلس���رائيلي ال يرونه ال يس���تهدفونه ،ال يُصدرون عليه أحكامهم ،ثم ينقضون بكل وسائلهم بمفخخاتهم بما إلى ذلك الستهدافه ألنهم فقط وفقط أداة ،أداة بيد األعداء.
عي���ن الكف���ر عنده���م ه���و مناهض���ة السياس���ة األمريكية واإلس���رائيلية وبهذا يتحركون الستهداف القوى التي تواجه ((( الكفر الحقيقي والخطر الحقيقي على األمة اإلسالمية. لقد ع���اش أمي���ر المؤمنين علي ‹علي���ه الس�ل�ام› مجاهداً في س���بيل اهلل ،عاش أميناً ،عاش صادقاً ،ع���اش ناصحاً ،عاش حراً، عاش ينطق بالحق .ول���وال علي ،لوال كلمة علي ،لوال مواقف عل���ي َل َم���ا وصل الدِّي���ن إلين���ا بنقاوتهَ ،ل َم���ا وصل الدِّي���ن إلينا بصفائ���ه من داخ���ل ظلمات ذل���ك االنحراف ال���ذي أوصل بني أمية إلى ُس َّد ِة الحكم ،إلى أن يتحكموا على رقاب هذه األمة. نس���أل اهلل أن يوفقنا وإياكم ألن نك���ون من عباده المؤمنين، المتقين ،المهتدين بهديه ،إنه سميع الدعاء ،وأن ينصرنا بنصره، ويفرج عن أسرانا. وأن يرحم شهداءنا األبرار ،ويشفي جرحاناِّ ، وصلى اهلل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عب ��د الملك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه السالم› لعام 1433هـ.
105
المحتويات ما �أهمية احلديث عن الإمام علي ‹عليه السالم›؟5............... خ�صو�صيات الإمام علي ‹عليه السالم› يف والدته 6............... النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› هو من توىل تربية علي ‹عليه
السالم› 7.........................................................................
�أثر هذه الرتبية النبوية 11.................................. فعلي ‹عليه السالم› كان �أول امل�سلمني �إ�سالم ًا 13.................. امل�سلمون جُممعون على جاللة وقدر الإمام علي ‹عليه السالم› 15... ي�سعى التيار الوهابي التكفريي �إىل �أن يجعل احلديث عن الإمام علي ‹عليه السالم› حمط �إ�شكال 16............................. موقف التيار الوهابي من الإمام علي ك�شف ب�أنهم منافقون 17.... النظام ال�سعودي ا�ستغل نفوذه ففر�ض الفكر الوهابي التكفريي على الو�سط ال�شيعي وال�سني 19............................... املثقفون والرتبويون مدعوون للتعرف على �شخ�صية الإمام علي ‹عليه السالم› 22.............................................. ما الذي يربطنا بالإمام علي ‹عليه السالم›؟ 25.................. امل�سار الأول :بع�ض مما ورد فيه وخلده القر�آن الكرمي27...... : القر�آن الكريم يخلد جان ًبا من جوانب �إح�سانه وعطائه ورحمته 27... َ�صا ِل ُح ا ْل ُم ْ�ؤمِ ن َ ِين 28........................................................ هلل َو َر ُ�سو ُل ُه َوا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا{ 29........................... }�إِ َّن َما َو ِل ُّي ُك ُم ا ُ
106
}ا َّلذِ َ ين ُي ْن ِف ُقو َن �أَ ْم َوا َل ُه ْم بِال َّل ْيلِ َوال َّنهَارِ{ 30.......................... }�أَ َف َمنْ َكا َن َعلَى َب ِّي َن ٍة مِ نْ َر ِّب ِه َو َي ْت ُلو ُه َ�شاهِ ٌد مِ ْنهُ{ 30.................. ما هي �شهادة علي للر�سول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›؟ 31.......... امل�سار الثاين :بع�ض ما ورد من كالم ر�سول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› الذي ال ينطق عن الهوى36......................... : "�أنت مني بمنزلة هارون من مو�سى"37............................... الإمام علي امتداد للإ�سالم الأ�صيل 43......................... فهذا علي مواله"44.................................. "من كنتُ مواله ٌ "ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ضك �إال منافق" 46...................... حب الإمام علي ال�ضمانة الأ�سا�سية ملواجهة الزيف 51.......... حالة الفرز �سنة �إلهية 55.................................... �أ�صالة الإمام علي تك�شف حركة النفاق58..................... "علي مع القر�آن والقر�آن مع علي" 59................................. ٌ "يحب اهلل ور�سوله ويحبه اهلل ور�سوله" 60........................... امل�سار الثالث :جانب من حياته الإميانية اجلهادية 62.......... فدائي في الإ�سالم67........................... علي ‹عليه السالم› �أول ٌ ٍ علي ‹عليه السالم› في بدر 69........................................... ٌ ُ في �أ ُحد :ال فتى �إال علي وال �سيف �إال ذو الفقار 71...................... علي يوم الأحزاب74........................................................ ٌ علي يوم خيبر 74..........................................................
107
كان �شخ�صي ًة متكاملة 75.................................................. �أعلم الأمة 75............................................................... ذكرى حزينة78............................................. �أيف �سالمة من ديني؟ 79...................................... "فزت ورب الكعبة" 87.................................................. علي ‹عليه السالم› يقدم و�صيته الأخرية91............... الإمام ٌ الإمام احل�سن يودع والده 92.................................. علي ‹عليه السالم›93. معاوية هو املتهم برتتيب عملية اغتيال الإمام ٌ علي هو ا�ستهداف للإ�سالم 94.................. ا�ستهداف الإمام ٌ ا�ستهداف الإمام علي فتح الطريق للت�سلط الأموي 97........... اليوم نحن يف �أم�س احلاجة �إىل �أن ن�ستفيد من علي 101........ علي بدعة؟ 101.... ملاذا يقول البع�ض �أن ذكرى ا�ست�شهاد الإمام ٌ علي ‹عليه السالم› �سيظل قدوة للم�ستب�صرين 102. �أخ ً ريا :الإمام ٌ وابن ملجم �سيظل � ً أي�ضا قدوة للتكفرييني 103.................