فزت ورب الكعبة

428 108 594KB

Arabic Pages [108] Year 2020

Report DMCA / Copyright

DOWNLOAD FILE

فزت ورب الكعبة

  • Author / Uploaded
  • coll.

Citation preview

2

‫الطبعة الثانية‬

‫م‬2020 / ‫هـ‬1441

www.d-althagafhalqurania.com

‫‪3‬‬

‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل الملك الحق‬ ‫المبين‪ ،‬وأشهد أن س���يدنا محم ًدا عبده ورسوله خاتم النبيين‪،‬‬ ‫اللهم ص���ل على محمد وعل���ى آل محمد‪ ،‬وب���ارك على محمد‬ ‫وعلى آل محم���د كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل‬ ‫إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ ،‬وارض اللهم برضاك عن أصحابه‬ ‫األخيار وعن سائر عبادك الصالحين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫(ف��زت ورب الكعبة) عبارة قاله���ا أمير المؤمنين علي ‹عليه‬ ‫السالم› في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك لعام (‪40‬‬ ‫هجري���ة) بعد أن ضربه ابن ملجم في حادثة تاريخية مؤلمة‬ ‫جدًا‪.‬‬ ‫ه���ذه الحادثة هي من أهم الحوادث ف���ي تاريخ األمة‪ ،‬ومن‬ ‫أكبر المآسي التي سجلها تاريخ األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫وقب���ل أن نتحدث عن هذه المأس���اة س���نعيش مع صفحات‬ ‫مش���رقة وضاءة من س���يرة وتاري���خ أمير المؤمني���ن علي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام› لنعرف جز ًءا يس���ي ًرا مم���ا تميز به من بين المس���لمين‬ ‫جمي ًع���ا‪ ،‬ونع���رف ً‬ ‫أيض���ا ما ال���ذي يربطنا ب���ه الي���وم ونحن في‬ ‫مواجه���ة الجاهلي���ة األخرى التي هي أس���وأ بكثي���ر بكثير من‬ ‫الجاهلي���ة األول���ى الت���ي واجهها أمي���ر المؤمنين ‹عليه الس�ل�ام›‬

‫‪4‬‬

‫تحت راية رس���ول اهلل محمد ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله› معتمداً‬ ‫في ذلك على ما ورد عن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين‬ ‫الحوثي رضوان اهلل عليه وكذلك على ما ورد من الس���يد عبد‬ ‫الملك حفظه اهلل ‪.‬‬

‫•••‬

‫‪5‬‬

‫ما أهمية الحديث عن اإلمام علي ‹عليه السالم›؟‬ ‫نتحدث عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لم���ا لذلك من أهمية‬ ‫بالنسبة لنا كمس���لمين في عالقتنا بهذا الرجل العظيم‪ ،‬تلك‬ ‫العالق���ة اإليمانية التي يتحتم علين���ا فيها أن نكون محبين له‬ ‫ألن حبه إيمان وبغضه نفاق‪ ،‬وأن نتطلع إليه باعتباره النموذج‬ ‫اإليمان���ي األرقى واألكمل في أم���ة محمد‪ ،‬ومن أتباع محمد‪،‬‬ ‫ومن تالميذ محمد رس���ول اهلل خاتم النبيين (صلى اهلل وس���لم‬ ‫علي���ه وعلى آل���ه الطاهري���ن) وأن نتطلع إليه باعتب���اره حلقة‬ ‫الوصل ما بيننا وبين نبينا‪ ،‬ما بعد وفاة نبينا ‹صلى اهلل عليه وعلى‬ ‫آله› في حمله راية اإلس�ل�ام ولمش���روع اإلس�ل�ام ف���ي روحيته‪،‬‬ ‫وفي معارفه‪  ‬وفي علمه وفي أخالقه وفي مواقفه‪.‬‬ ‫وهناك نصوص وأحاديث أجمعت األمة على صحتها ونقلتها‬ ‫الفرق والمذاهب المختلفة فيما تدل عليه من مقامه ومن دوره‬ ‫ومن كماله اإليماني العظيم سنذكر بعضها ضمن هذا البحث‪.‬‬ ‫اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› منهج متكامل‪ ،‬مدرس���ة متكاملة‬ ‫تلتق���ي به وأن���ت تتعرف على اإلس�ل�ام في أحكامه وش���رائعه‪،‬‬ ‫تلتق���ي به كنموذج عظيم في موقع القدوة واألس���وة في اتباع‬ ‫الرسول ‹صلوات اهلل وسالمه عليه وعلى آله› اإلمام علي ‹عليه السالم›‬ ‫تلتقي به في التراث اإلس�ل�امي ف���ي كل المجاالت وفي كل‬ ‫الجوانب‪ ،‬ولكن للذكرى ولالستفادة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› حينم���ا نتحدث عنه م���ن أهم ما‬ ‫نستفيده بشأنه ‹عليه السالم› أننا نرى فيه إبداع الرسول ‹صلوات‬ ‫اهلل علي ��ه وعل���ى آل���ه› وثمرة جهده‪ ،‬اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› هو‬ ‫تربي���ة رس���ول اهلل ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله› هو ال���ذي رباه‪ ،‬هو‬ ‫ال���ذي علمه‪ ،‬ه���و الذي اهت���م به‪ ،‬فكل م���ا نراه م���ن عظمة في‬ ‫ش���خصية علي ‹عليه الس�ل�ام› فيما نراه من أخ�ل�اق‪ ،‬فيما كان‬ ‫علي���ه من عل���م‪ ،‬فيما كان علي���ه من ارتقاء أخالقي وإنس���اني‬ ‫وكمال هو شاهد للنبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪ ،‬هو أثر للنبي‬ ‫‹صل ��وات اهلل عليه وعلى آل���ه›‪ ،‬هو نتاج لجهود النبي ‹صلوات اهلل عليه‬ ‫وعلى آله›‪ ،‬هو داللة على عظمة النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪.‬‬ ‫فالنب���ي ‹صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه› واحد من تجلي���ات وآثار‬ ‫عظمت���ه‪ ،‬وآث���اره وأخالق���ه م���ا نج���ده ف���ي اإلم���ام عل���ي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام›‪ ،‬وإذا أتينا لنتحدث وباختصار ش���ديد ع���ن اإلمام علي‬ ‫‹عليه الس�ل�ام› وف���ي محطات محدودة عن والدته ونش���أته وفي‬ ‫محطات محدودة من حياته كشواهد ونماذج ‪ -‬هذا هو المهم‪-‬‬ ‫كشواهد ونماذج نستفيد منها ونتطلع من خاللها إلى غيرها‬ ‫وإلى ما ورائها‪.‬‬

‫خصوصيات اإلمام علي ‹عليه السالم› في والدته‬ ‫اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› كان له خصوصيات عجيبة جدًا‪،‬‬ ‫فمنذ والدته كان ‹عليه الس�ل�ام› وليد الكعبة‪ ،‬كان ش���خصية‬

‫‪7‬‬

‫امتاز حتى بهذه الميزة‪ ،‬أن كان مولده في الكعبة المش���رفة‪،‬‬ ‫الس��� َير وف���ي األخبار أن والدت���ه رحم���ة اهلل عليها عندما‬ ‫ففي ِّ‬ ‫أصابه���ا الطل���ق والمخ���اض ذهبت إل���ى الكعبة لتدع���و اهلل أن‬ ‫يس���هل عليها والدته���ا‪ ،‬فأخذها طلق ال���والدة ومخاض الوالدة‬ ‫وأش���رفت على الوالدة وألجأها ذلك إلى الدخ���ول إلى الكعبة‪،‬‬ ‫فم���ا إن دخلت إل���ى داخل الكعبة إال ووضعته ف���ور دخولها إلى‬ ‫الكعبة‪ ،‬فكان وليد الكعبة‪.‬‬ ‫وهذا كان م���ن لطف اهلل به وصنيع اهلل له‪ ،‬كان أيضا من‬ ‫صني���ع اهلل له ولطف اهلل ب���ه ورعاية اهلل له واإلع���داد له لدور‬ ‫كبير ودور مهم في إطار النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› وفيما‬ ‫بعد وفاة النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪.‬‬ ‫النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› هو من تولى تربية علي ‹عليه السالم›‬

‫لق���د كان ل���ه م���ن االختصاص بالنب���ي ما لم يك���ن لغيره‪،‬‬ ‫فالنبي صلى اهلل عليه وآله أخذه وهذا كان قبل مبعثه رسو ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫أخذه في مرحلة طفولته‪ ،‬أو ال يزال طف ً‬ ‫ال‪ ،‬وذلك ليخفف عن‬ ‫والده نفق���ة العيال َ‬ ‫وه َّم المعيش���ة‪ ،‬ولتدبير من اهلل س���بحانه‬ ‫وتعال���ى وتهيئة إلهي���ة ورعاية إلهية‪ ،‬أخذ علي���اً منذ طفولته‬ ‫عنده‪ ،‬فاهتم بتربيته‪.‬‬ ‫الرسول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› كان في طفولته في إطار‬

‫‪8‬‬

‫يتيما‪ ،‬في مرحلة يتمه‬ ‫كفالة عمه أبي طالب‪ ،‬ألن النبي نشأ ً‬ ‫وطفولت���ه اهتم به جده عب���د المطلب إلى أن توف���ي والنبي ما‬ ‫يزال طف ً‬ ‫ال صغي ًرا‪ ،‬وتولى كفالته والعناية به عمه أبو طالب‪،‬‬ ‫النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› قابل هذا الجميل‪ ،‬وأخذ عل ًيا لديه‬ ‫وبتدبير وتهيئة إلهي���ة‪ ،‬وهو ما يزال طفلاً صغي ًرا‪ ،‬فاعتنى به‬ ‫واعتنى بتربيته وتنشئته‪ ،‬وعني به فيما يتعلق بأخالقه‪.‬‬ ‫وتح���دث اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› عن هذه المس���ألة فقال‬ ‫‹علي ��ه الس�ل�ام›‪( :‬وقد علمتم مو�ض��عي م��ن ر�س��ول اهلل ‹صلى اهلل‬

‫علي ��ه وعلى آله وس���لم› بالقرابة القريب��ة والمنزلة الخ�صي�صة‪،‬‬ ‫و�ضعني في َحجره و�أنا ولد)‪.‬‬ ‫فالنب���ي أخذه لديه منذ طفولته‪ ،‬إل���ى أن يقول‪( :‬ولقد كنت‬ ‫�أتبع��ه اتب��اع الف�صي��ل �أثر �أم��ه) أي‪ :‬أالزمه‪ ،‬كم���ا يالزم ولد‬ ‫الناق���ة أمه‪ ،‬فكانت مالزمته له مالزمة مس���تمرة ال ينفك عن‬ ‫ً‬ ‫ومالزمة فيها اتباع فيها اقتداء فيها اهتداء فيها تأثر‬ ‫مالزمته‪،‬‬ ‫بأخالقه‪ ،‬قال ‹عليه الس�ل�ام›‪( :‬يرفع لي ف��ي كل يوم من �أخالقه‬ ‫َع َلما‪ ،‬وي�أمرني باالقتداء به) فكان في كل يوم يحرص على‬ ‫أن يترك أثراً من أخالقه في اإلمام علي ‹عليه السالم›‪.‬‬ ‫فحظي بهذه الدرجة‪ ،‬بهذا الفضل الكبير‪ ،‬بتربية مباش���رة‬ ‫وعناية وتنش���ئة خاصة برس���ول اهلل ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله›‬ ‫قابله���ا م���ن جانب اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› قابلي���ة عالية جداً‪،‬‬

‫‪9‬‬

‫وهذه مس���ألة مهمة‪ ،‬مث ً‬ ‫ال قد يمكن أن تحظى باهتمام تربوي‬ ‫وأخالق���ي‪ ،‬لكن إذا لم يكن لدي���ك قابلية كبيرة قد يعاني من‬ ‫يهتم بك‪ ،‬قد يعاني من يعمل على تربيتك‪ ،‬قد يعاني من مدى‬ ‫تقبلك‪ ،‬من مدى تفاعلك‪ ،‬من مدى ومستوى تأثرك‪ ،‬أما اإلمام‬ ‫عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› فإنه في الوق���ت الذي حظي ب���أن يكون من‬ ‫يعتن���ي به وبتربيته الرس���ول ‹صل���وات اهلل عليه وعل���ى آله› بكمال‬ ‫أخالقه كان لديه قابلية عالية‪.‬‬ ‫ألن النب���ي ‹صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه› ما قبل مبعثه رس���و ً‬ ‫ال‬ ‫حظ���ي برعاي���ة خاص���ة وعناية وإع���داد إلهي خ���اص‪ ،‬ما قبل‬ ‫مبعث���ه رس���و ً‬ ‫ال كان يحظ���ى منذ والدت���ه‪ ،‬اهلل أع���ده خصيصاً‬ ‫لمهمة كبيرة عالمية وعظيمة هي الرس���الة‪ ،‬والرس���الة في‬ ‫أكبر مستوياتها‪ ،‬في أكبر مراحلها‪ ،‬في أهم مراحلها‪ ،‬وخاتم‬ ‫النبيين‪ ،‬وهو سيد المرسلين‪.‬‬ ‫ف���إذاً النب���ي في كمال���ه العظيم اعتن���ى باإلمام عل���ي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام›‪ ،‬وفي نفس الوقت كان هناك قابلية جداً وتأثر كبير‬ ‫كاألرض الطيب���ة الخصبة جداً التي ينب���ت فيها ما بُذر فيها‪،‬‬

‫الط ِّي ُب َيخْ ُر ُج َن َبا ُتهُ ِب�� ِ�إ ْذنِ َر ِّب ِه َوا َّل ِذي َخ ُب َث َ‬ ‫} َوا ْل َب َل��دُ َّ‬ ‫ال َيخْ ُر ُج‬ ‫�إِ َّ‬ ‫ال َن ِكدً ا{(األع��راف‪ ،)58:‬اإلم���ام عل���ي كان كاألرض الطيب���ة‬ ‫الخصب���ة ج���داً‪ ،‬ما ألقي فيه���ا من بذور نبتت فيه���ا ونمت فيها‬ ‫وكانت مثم���رة فيها‪ ،‬فهذه القابلية العالي���ة جداً التي تجعله‬

‫‪10‬‬

‫يتفاع���ل‪ ،‬يتأثر تأث���راً كبيراً‪ ،‬ينتفع انتفاع���اً كبيراً بما يبذله‬ ‫النب���ي من جهود في تربيته‪ ،‬ونتاج هذه التربية كما قال‪( :‬وما‬ ‫وجد لي كذبة في قول وال َخطلة في فعل)‪.‬‬ ‫فكان لها هذا األثر في اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬ارتقاء على‬ ‫نحو عجيب منذ الطفولة‪ ،‬استقامة على نحو عجيب (وما وجد‬ ‫ل��ي كذب��ة في قول) وال حت���ى كذبة واح���دة‪ ،‬الكذبة الواحدة‬ ‫ف���ي الكالم‪ ،‬أو التص���رف غير الالئق (وال خطل��ة في فعل) وال‬ ‫أي تصرف س���يء أو تصرف غير حكيم‪ ،‬أو تصرف لم يكن عن‬ ‫َر ِويَّة وعن تفكير وعن تصرف صحيح (وال َخطلة في فعل)‪.‬‬ ‫ه���ذه النتيجة هذا األثر العظيم‪ ،‬هذه التربية العظيمة في‬ ‫ش���خص متقب���ل‪ ،‬منتفع‪ ،‬واس���تمر على هذا األس���اس في إطار‬ ‫النبي‪ ،‬في إطار تربيته ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› إلى مبعث النبي‬ ‫رسو ً‬ ‫ال ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪.‬‬ ‫وحينم���ا بُع���ث النبي رس���و ً‬ ‫ال كان عل���ي ال ي���زال عنده في‬ ‫منزل���ه‪ ،‬يحظ���ى بتربيته‪ ،‬يالزم���ه‪ ،‬وبالتال���ي كان اإلمام علي‬ ‫‹عليه الس�ل�ام› مع خديجة زوجة الرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى‬ ‫آله› أول المس���لمين‪ ،‬النب���ي بُعث كما في األخب���ار واآلثار يوم‬ ‫االثني���ن وف���ي ي���وم الثالثاء ع���رض عليهما اإلس�ل�ام فأس���لما‬ ‫وصدقا به وآمنا به رسو ً‬ ‫ال من عند اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫أثر هذه التربية النبوية‬ ‫اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› في الوقت الذي صدَّق فيه برسالة‬ ‫إسالمه‬ ‫النبي‪ ،‬وسبق إلى ذلك كل أبناء األمة لم يكن قد سبق‬ ‫ُ‬ ‫شرك‪ ،‬ولم يكن قد سبق إيما َنه ٌ‬ ‫تلوث بدنس الجاهلية ورجسها‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪ ،‬نفسه كذلك ‪ -‬كان موحداً‬ ‫ما قبل مبعثه رسو ً‬ ‫ال‪ ،‬وكان على الحنيفية‪ ،‬على دين إبراهيم‬ ‫‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬لم يس���بق إيمانه أو في مبعثه رسو ً‬ ‫ال من عند اهلل‬ ‫لم يس���بق ذلك ش���يء من الش���رك والعبادة لألصنام أو التلوث‬ ‫أيضاً بشيء من رجس الجاهلية‪ ،‬ال‪ ،‬كان طاهراً وكان زكياً‬ ‫وكان يحظ���ى برعاية خاصة من اهلل وطهارة وحفظ وصون‬ ‫من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› ف���ي ظل ه���ذه التربي���ة وهذا‬ ‫فاإلم���ام ٌ‬ ‫االختصاص بالنبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله وسلم› ما قبل مبعثه‬ ‫رسو ً‬ ‫ال‪ ،‬كذلك ُحفظ في هذه التربية في ظل هذا الجو الراقي‬ ‫واإليماني‪ُ ،‬حفظ من أن يس���جد ألي صنم‪ ،‬أو أن يعبد غير اهلل‬ ‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ولذلك تعارفت األمة أن تقول عن اإلمام علي‬ ‫‹كرم اهلل وجهه› من باب االخصاص له‪ ،‬يقال عنه‪،‬‬ ‫‹عليه الس�ل�ام›‪َّ ،‬‬ ‫على وج���ه الخصوص‪ ،‬يتحدث مثال عن بعض الصحابة يقال‬ ‫رضي اهلل عنه‪ ،‬لكن اإلمام علياً أيضاً يقال عنه كرم اهلل وجهه‪،‬‬

‫‪12‬‬

‫يق���ال ألنه من هذه الكرامة‪ ،‬كرم اهلل وجهه لم يس���جد لصنم‬ ‫قط‪.‬‬

‫كان الكثي���ر ممن أس���لموا والتحق���وا باإلس�ل�ام فيما بعد‪،‬‬ ‫كان الكثير منهم س���بق إس�ل�امه ش���رك‪ ،‬عب���ادة لألصنام‪ ،‬بل‬ ‫كان البعض حتى من كبار الصحابة قد انقضت مدة شبابهم‬ ‫ف���ي عبادة األصن���ام‪ ،‬أي‪ :‬كانوا كل ما مض���ى من حياتهم في‬ ‫حالة عبادة لألصنام وفي تلوث وغرق بين دنس الجاهلية إلى‬ ‫أن جاء اإلس�ل�ام فتطهروا باإلسالم ُ‬ ‫وش ِرفوا باإلسالم ووحدوا‪،‬‬ ‫ودخلوا في دين اإلسالم وتركوا األصنام‪.‬‬

‫كبار من الصحابة كان كل شبابهم كل حياتهم ‪ -‬فيما‬ ‫مض���ى ‪ -‬في ظل عب���ادة لألصنام‪ ،‬في ظل غ���رق وتأثر بالبيئة‬ ‫التي عاش���وا فيها‪ ،‬البيئ���ة الجاهلية‪ ،‬بكل ما فيها من خمر ومن‬ ‫متاهات وملذات وش���هوات وعادات وتقاليد‪ ،‬حتى جاء اإلس�ل�ام‬ ‫فتطهروا باإلسالم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫صالحة‪،‬‬ ‫علي ‹عليه السالم›‪ ،‬ال‪ ،‬نشأ نشأ ًة طاهر ًة‪ ،‬نشأ ًة‬ ‫اإلمام ٌ‬ ‫ً‬ ‫زكية‪ ،‬لم يتلوث فيها بأي من رجس الجاهلية وال بكل‬ ‫نش���أ ًة‬ ‫ما كان فيها من أشياء سيئة بصفة تقاليد أو بصفة عادات‪ ،‬أو‬ ‫بصفة اعتيادية للناس في طعامهم وش���رابهم وغير ذلك‪ ،‬في‬ ‫ذلك الجو الطاهر النظيف نش���أ ‹عليه الس�ل�ام› وتربى وبقابلية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتنمية أخالقية‪ ،‬ليست فقط‬ ‫تربية‬ ‫عالية ومع هذه السالمة‬

‫‪13‬‬

‫مجرد س�ل�امة من تلك األرجاس ومن تل���ك العادات وبقاء في‬ ‫وضع ع���ادي‪ ،‬أي يَس��� َلم ولك���ن يبقى عل���ى وضعي���ة طبيعية‪،‬‬ ‫عل���ى فطرته وبالحد األدنى من أخالقه ومن مس���توى الصالح‬ ‫وال���زكاء‪ ،‬ال‪ ،‬تنمي���ة عالي���ة وارتق���اء كبي���ر ف���ي كل مكارم‬ ‫األخالق‪ ،‬وحميد الصفات وجميل الصفات‪ ،‬ارتقاء مستمر‪.‬‬

‫فعلي ‹عليه السالم› كان أول المسلمين إسالمًا‬ ‫فحينم���ا أتى مبعث النبي رس���و ً‬ ‫ال ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله›‪،‬‬ ‫س���رعان ما التحق وآمن وصدق به رسو ً‬ ‫ال من عند اهلل من غير‬ ‫س���ابقة شرك وال دنس الجاهلية وال رجسها‪ ،‬ولذلك ورد فيما‬ ‫ورد م���ن أثر‪�( :‬إن �أول ه��ذه الأمة ورود ًا عل��ى الحو�ض)‪ ،‬يعني‬ ‫يوم القيامة‪�( ،‬أولها �إ�سالما علي ابن �أبي طالب)‪.‬‬ ‫فضيل���ة الس���بق إلى اإلس�ل�ام وأن يكون أول األمة إس�ل�اماً‬ ‫وس���ابقة‪ ،‬ه���ذا فضل كبي���ر‪ ،‬هذا ش���رف عظيم‪ ،‬ه���ذه منزلة‬ ‫‪ ‬كبي���رة وعالية‪ ،‬اهلل س���بحانه وتعالى قال ف���ي كتابه الكريم‪:‬‬

‫ال�سا ِب ُق��ونَ • ُ�أو َل ِئ َ‬ ‫َّ��ات‬ ‫��ك ال ُْم َق َّر ُب��ونَ • ِف��ي َجن ِ‬ ‫ال�سا ِب ُق��ونَ َّ‬ ‫} َو َّ‬ ‫يم{ (الواقعة‪.)12 – 10 :‬‬ ‫ال َّن ِع ِ‬ ‫الس���ابقون له���م فضيلة عن���د اهلل‪ ،‬له���م منزل���ة عالية عند‬ ‫عال عند اهلل س���بحانه‬ ‫اهلل س���بحانه وتعال���ى‪ ،‬اختصاص بمقام ٍ‬ ‫وتعال���ى‪ ،‬ف���كان هو في س���ابقي األمة أس���بقهم‪ ،‬الس���ابقون من‬

‫‪14‬‬

‫أبناء هذه األمة هو أس���بقهم‪ ،‬أس���بقهم في اإلسالم والتصديق‬ ‫لرسول اهلل رسو ً‬ ‫ال ونبياً من عند اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬يقول اهلل‬ ‫الَن َْ�صا ِر‬ ‫اج ِرينَ َو ْ أ‬ ‫ال�سا ِب ُقونَ ْ أ‬ ‫الَ َّو ُلونَ مِنَ ال ُْم َه ِ‬ ‫ف���ي آية أخرى‪َ } :‬و َّ‬

‫َوا َّل ِذينَ ا َّت َب ُعوهُ ْم ِب�إِ ْح َ�س��انٍ َر ِ�ض َي ا ُ‬ ‫هلل َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َعنْهُ َو�أَ َعدَّ‬ ‫ال ْن َها ُر َخا ِل ِدينَ ِفي َها �أَ َبدً ا َذ ِل َك ا ْل َف ْو ُز‬ ‫َّات َت ْج ِري َت ْح َت َها َْ أ‬ ‫��م َجن ٍ‬ ‫َل ُه ْ‬ ‫يم{(التوبة‪.)100:‬‬ ‫ا ْل َع ِظ ُ‬

‫ً‬ ‫فضيلة كبير ًة ج���داً ولهذا‬ ‫ففضيل���ة الس���بق إلى اإلس�ل�ام‬ ‫أُثي���ر اللغط في بعض كت���ب التراث وفي بع���ض اآلثار وعند‬ ‫بع���ض الكتاب والمؤلفي���ن خصوص���اً الذين انش���غلوا بالجدل‪،‬‬ ‫رك���زوا على أن يثي���روا الجدل في من هو أول األمة إس�ل�اماً‪،‬‬ ‫ولك���ن الثابت في االس���تقراء التاريخي والش���يء الطبيعي جداً‬ ‫وهو لدى النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› أنه أول األمة إس�ل�اماً؛‬ ‫له���ذا كان اإلمام علي يقول‪( :‬اللهم �إني ال �أعرف �أن عبدً ا لك‬

‫م��ن ه��ذه الأمة عبدك قبلي غي��ر نبيك محمد ‹صل���ى اهلل عليه‬ ‫وعلى آله وسلم›)‪.‬‬

‫ف���كان ل���ه م���ع االختص���اص‪ ،‬ولذل���ك الج���و الترب���وي‪،‬‬ ‫واالختص���اص بالنبي على نحو ليس لغي���ره‪ ،‬كان له فضيلة‬ ‫الس���بق أيضاً ودخل في اإلسالم هذا الدخول الذي سبقه تهيئة‬ ‫تربوي���ة وروحية وأخالقية عالية‪ ،‬وبالتالي كان ُخطاه كان‬ ‫مس���يره في هذا اإلسالم مسار ارتقاء‪ ،‬كان مساره مسار ارتقاء‬

‫‪15‬‬

‫عظيما وراق ًيا‪.‬‬ ‫نحو األفضل نحو األعلى‪ ،‬وتنام ًيا إيمان ًيا‬ ‫ً‬

‫(((‬

‫المسلمون ُمجمعون على جاللة وقدر اإلمام علي ‹عليه السالم›‬

‫اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› ه���و رم���ز إس�ل�امي وعظيم من‬ ‫عظماء األمة اإلس�ل�امية بكلها‪ ،‬هذا أمر ال شك فيه‪ ،‬وال نقاش‬ ‫في���ه‪ ،‬وال إش���كال فيه‪ ،‬فس���واء ف���ي المدرس���ة الش���يعية أو في‬ ‫المدرسة السنية الكل يجمع على جاللة قدره وعظيم مقامه‪،‬‬ ‫والنص���وص المهمة الت���ي وردت بش���أنه ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬تناقلها‬ ‫الفريق���ان ‪ -‬كم���ا يق���ال ف���ي التعبيرـ ف���ي التراث اإلس�ل�امي‪،‬‬ ‫وتناقلتها األمة وتوارثتها جي ً‬ ‫ال بعد جيل‪.‬‬ ‫فلي���س الحدي���ث عن���ه مح���ط إش���كال‪ ،‬وإن ح���اول البعض‬ ‫وبال���ذات في هذا الزمن‪ ،‬يح���اول التيار الوهاب���ي التكفيري أن‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› محط إش���كال‬ ‫يجع���ل الحدي���ث عن اإلم���ام ٌ‬ ‫ومح���ط ج���دال وأن يثي���ر حساس���ية بالغ���ة وش���ديدة في هذا‬ ‫الجان���ب‪ ،‬وهذا ش���يء يجب أن تتظاف���ر جهود األم���ة بكلها في‬ ‫التصدي له ألنه باطل محض ال مبرر له أبداً‪.‬‬

‫((( ذكرى ا�ست�ش ��هاد الإمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لل�سيد عبد الملك حفظه اهلل لعام‬ ‫‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫يسعى التيار الوهابي التكفيري إلى أن يجعل الحديث عن‬ ‫اإلمام علي ‹عليه السالم› محط إشكال‬ ‫اليوم عندما يسعى التيار الوهابي التكفيري في ظل مسعاه‬ ‫إل���ى إث���ارة الن���زاع بين المس���لمين والص���راع بين المس���لمين‪،‬‬ ‫واالقتت���ال بين المس���لمين تح���ت العناوي���ن المذهبية وتحت‬ ‫العناوين الطائفية يحرص في ظل هذا المسعى وفي ظل هذا‬ ‫التوجه وفي نفس هذه الطريق إلى أن يجعل من محبة اإلمام‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› ومن الحديث عنه إش���كالية كبيرة جداً‪ ،‬بل‬ ‫أن يجعل من محبة اإلمام علي ‹عليه السالم› جريمة ال تساويها‬ ‫أي جريمة في العالم‪ ،‬أن تكون صهيونياً يهودياً‪ ،‬إس���رائيلياً‪ ،‬أن‬ ‫مش���رب في هذه الحياة ال يثيرون اإلش���كال‬ ‫تكون من أي وا ٍد أو‬ ‫ٍ‬ ‫ع���ن حقيقة توجهك أو طبيعة انتمائك بقدر ما يثيرونه حول‬ ‫مسألة المحبة لإلمام علي ‹عليه السالم›‪.‬‬ ‫فيأت���ون بالحدي���ث الدائ���م بنبزه���م المع���روف وكالمهم‬ ‫المعروف‪ :‬الرافضة المج���وس‪ ،‬الرافضة المجوس‪ ،‬إلى آخره‪،‬‬ ‫بش���كل دائ���م ومس���تمر وهس���تيري‪ ،‬وجنوني‪ ،‬ث���م يحاولون أن‬ ‫يخيفوا اآلخرين حتى في الوسط السني‪ ،‬مع أن المحبة لإلمام‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› والحديث عن فضائله‪ ،‬والحديث عن مناقبه‬ ‫حفل بها التراث الس���ني بقدر ما حفل بها التراث الش���يعي‪ ،‬في‬ ‫أهم المصادر في التراث الس���ني‪ ،‬في أه���م المصادر الحديثية‪،‬‬

‫‪17‬‬

‫هن���اك تج���د وأنت متصف���ح لها أه���م النصوص الواردة بش���أن‬ ‫اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬الحدي���ث العظيم الحدي���ث الراقي‪،‬‬ ‫الحديث الذي يتحدث بودية وإجالل وتعظيم واحترام لإلمام‬ ‫علي ‹عليه السالم›‪.‬‬ ‫بل تجد ُ‬ ‫كتباً في التراث الس���ني مف���ردة عن مناقب اإلمام‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› وعن فضائل اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬وتجد‬ ‫الحدي���ث عنها والتأكيد على صحته���ا‪ ،‬و‪ ،‬و‪ ...‬إلى آخره‪ ،‬وهذا‬ ‫ش���يء معروف‪ ،‬ولكن هم بالنسبة للتيار الوهابي التكفيري هو‬ ‫ح���رص على أن يقدم نفس���ه على أنه هو الس���نة وأهل الس���نة‬ ‫ويعبر عن الس���نة‪ ،‬ثم يأتي بتوجهات مناقضة ومختلفة كلياً‬ ‫في كثير من األمور في اإلس�ل�ام‪ ،‬ال تمت بصلة وال تعبر بأي‬ ‫ح���ال من األحوال عن حقيقة ما كان عليه التيار الس���ني على‬ ‫مدى التاريخ‪ ،‬على مدى قرون وأجيال متعاقبة‪.‬‬

‫موقف التيار الوهابي من اإلمام علي كشف بأنهم‬ ‫منافقون‬ ‫فح���رص هذا التيار الفتنوي على أن يحيط مس���ألة اإلمام‬ ‫علي ‹عليه السالم› وعن مناقبه عن فضائله‪ ،‬عن مقامه عن دوره‬ ‫الكبي���ر في األم���ة‪ ،‬أن يحيطه بإش���كالية كبيرة‪ ،‬بحساس���ية‬ ‫مفرطة‪ ،‬بعداوة شديدة جداً‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫وهذا ش���اهد واضح على أنهم ف���ي حقيقة أمرهم منافقون؛‬ ‫ألن هذه س���مة الزمة لمبغض اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬صفة‬ ‫الزم���ة نطق به���ا النبي‹صلوات علي���ه وعلى آله›ع���ن اهلل وأعلم بها‬ ‫أمت���ه أنه‪ :‬ال يبغض علي���اً إال منافق‪ ،‬هذه صفة الزمة ال يمكن‬ ‫أن تجحده���ا إال وأنت مكذب للرس���ول صل���ى اهلل عليه وآله‪ ،‬ال‬ ‫يبغض���ه إال مناف���ق‪ ،‬فلن يتحس���س ويغتاظ‪ ،‬ويغض���ب وينفعل‬ ‫ويس���تاء ويتعقد ويعتبر ذلك مشكلة ال أكبر منها عندما تأتي‬ ‫لتتحدث عن اإلمام علي بما قال فيه الرس���ول مما نقلته األمة‬ ‫بكلها‪ ،‬لن يفعل ذلك إال منافق‪.‬‬ ‫وله���ذا تعتبر م���ن أهم الس���مات والعالمات الت���ي يتميز بها‬ ‫المنافق���ون عل���ى م���ر التاريخ منذ عه���د النبي ‹صل���وات اهلل عليه‬ ‫وعل ��ى آل ��ه›‪ ،‬بغض اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬أبو س���عيد الخدري‬ ‫أحد الصحابة الكبار ق���ال‪( :‬ما كنا نعرف منافقي األنصار إال‬ ‫ببغضهم لعلي بن أبي طالب) عالمة قريبة‪ ،‬وعالمة واضحة‪،‬‬ ‫وعالمة جلية‪ ،‬بسرعة تحدث حالة من الفرز السريع‪.‬‬ ‫فإ ًذا اإلشكال والحساسية البالغة والعقد الشديدة والبغضاء‬ ‫وحالة الشحن الطائفي والعداوة المفرطة التي يثيرها التيار‬ ‫الوهاب���ي التكفي���ري تجاه هذا األمر ال ينبغي أب���دًا أن تتأثر بها‬ ‫األم���ة وال أن تقبل به���ا األمة وال أن ترضى به���ا األمة‪ ،‬ويجب‬ ‫���نة وش���يعة؛ ألن علياً رمزاً إس�ل�امياً‬ ‫أن يتصدى لها الجميع ُس ً‬ ‫لألم���ة بكله���ا‪ ،‬لفرق األمة بكله���ا‪ ،‬وليس رم���زاً خاصاً بمذهب‬

‫‪19‬‬

‫معي���ن أو طائف���ة معينة‪ ،‬محبته س���مة إيماني���ة‪ ،‬أينما أنت ال‬ ‫يص���ح لك إيمانك إال بمحب���ة اإلمام علي ابن أب���ي طالب‪ ،‬وإذا‬ ‫كنت مبغضاً له فأنت متصف بصفة نفاقية‪.‬‬ ‫النظام السعودي استغل نفوذه ففرض الفكر الوهابي‬ ‫التكفيري على الوسط الشيعي والسني‬ ‫نلحظ أيض���اً أن التوجه ال���ذي عليه النظام الس���عودي وهو‬ ‫وف���رخ له في‬ ‫النظ���ام الذي يتبن���ى التوجه التكفي���ري الوهابي َّ‬ ‫ومول���ه ونش���ره‪ ،‬ومكن له م���ن خالل‬ ‫أوس���اط األم���ة ودعم���ه َّ‬ ‫دع���م إعالمي ومادي هائل جداً وسياس���ي أيضاً‪ ،‬اس���تغل نفوذه‬ ‫السياس���ي عل���ى بع���ض الحكومات وبع���ض األنظم���ة أن تفتح‬ ‫للتغلغل الوهابي في الش���عوب‪ ،‬ش���عوبنا كله���ا كان هذا التيار‬ ‫غريباً عليها‪ ،‬وغير موجود فيها‪ ،‬هو ظاهرة طرأت في الس���احة‬ ‫اإلس�ل�امية وتغلغل���ت فيها وانتش���رت فيها‪ ،‬بفعل ه���ذا الدعم‪،‬‬ ‫بفعل البترودوالر‪.‬‬ ‫ه���ذه األم���وال الهائلة الت���ي صدرته إلى العالم اإلس�ل�امي‪،‬‬ ‫صدرت���ه بعد الجزي���رة ف���ي دول الخليج‪ ،‬صدرته إل���ى اليمن‪،‬‬ ‫صدرت���ه إلى مصر‪ ،‬صدرته إل���ى دول المغرب العربي‪ ،‬صدرته‬ ‫إلى الش���ام‪ ،‬ولم يك���ن موجوداً فيها نهائياً‪ ،‬واكتس���ح الس���احة‬ ‫وتغلغل في مناطق كثيرة‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫تأثر من تغلغله هذا التيار السني‪ ،‬استهدف الساحة السنية‪،‬‬ ‫اس���تهدف أتباع المذاهب األربعة واس���تهدف الساحة الشيعية‪،‬‬ ‫واس���تهدف كل فرق األمة وكل س���احة األم���ة وتغلغل فيها‬ ‫مدعوماً بش���كل كبير مادياً ومدعوماً بش���كل كبير سياس���ياً‪،‬‬ ‫كثي���ر م���ن الحكوم���ات واألنظمة ناصرت���ه‪ ،‬أُعطي���ت له أهم‬ ‫ال���وزارات‪ ،‬كان التيار الوهابي التكفيري دائما يُس���ّلم له وزارة‬ ‫األوق���اف واإلرش���اد ووزارة التربية والتعلي���م حتى يتمكن من‬ ‫خالل هاتين الوزارتين إلى أن يتحرك بشكل رسمي‪.‬‬ ‫إضافة إلى تغلغله في الوس���ط الش���عبي ونش���اطه الشعبي‪،‬‬ ‫وحظ���ي بحماي���ة‪ ،‬ودعم أحياناً أمني ودعم عس���كري‪ ،‬دعم من‬ ‫الحكومات ف���ي البلدان تناصره‪ ،‬كان في بعض البلدان يذهب‬ ‫إل���ى المس���اجد ومع���ه فرق عس���كرية أو ف���رق من الش���رطة‪،‬‬ ‫ف���رق تابعة للداخلية تس���اعده ف���ي عملية اقتحام المس���اجد‪،‬‬ ‫والحدي���ث عن هذا الجانب يطول‪ ،‬والمآس���ي فيه ش���ملت كل‬ ‫البلدان العربية واإلس�ل�امية‪ ،‬ش���ملت اليمن‪ ،‬ش���ملت المغرب‬ ‫العرب���ي‪ ،‬ش���ملت مصر‪ ،‬ش���ملت الش���ام‪ ،‬حديث واس���ع عن هذه‬ ‫االقتحامات والس���يطرة على المساجد واستحواذ على المنابر‪،‬‬ ‫ومن ثم السيطرة على المناهج الدراسية‪.‬‬ ‫هذا ش���يء حرص علي���ه النظ���ام الس���عودي‪ ،‬أن يتحكم في‬ ‫سياسة المناهج الدراسية فيما تتضمنه من ثقافة من معارف‬ ‫ديني���ة وتاريخي���ة‪ ،‬عندن���ا في اليمن ف���ي الماض���ي على مدى‬

‫‪21‬‬

‫عشرات السنين‪ ،‬تحكمت السياسة السعودية وتحكمت النزعة‬ ‫التكفيري���ة الوهابي���ة عل���ى صياغ���ة المناه���ج ف���ي المدارس‬ ‫والجامعات‪ ،‬تجد مث ً‬ ‫ال في دول الخليج العربي في أكثرها‪.‬‬ ‫ف���ي النظام الس���عودي نفس���ه‪ ،‬المنهج المدرس���ي هناك في‬ ‫الم���دارس والجامع���ات وكثي���ر أيض���اً من الرس���ائل‪ ،‬رس���ائل‬ ‫التخ���رج الجامعي‪ ،‬ف���ي مراحلها المتع���ددة والمتنوعة وصلت‬ ‫ليس فقط إلى مستوى إثارة حساسية كبيرة عن اإلمام علي‬ ‫‹عليه الس�ل�ام› وتقديمه كش���خصية إش���كالية‪ ،‬بل وصلت إلى‬ ‫حد اإلس���اءة إلى اإلمام ‹عليه السالم›‪ ،‬رسائل تخرج في المناهج‬ ‫أو في الجامعات الس���عودية كان بعض هذه الرسائل يتطاول‬ ‫على اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬يس���يء صراحة إلى اإلمام علي‬ ‫‹علي ��ه الس�ل�ام›‪ ،‬ينتقص من مقام وقدر ه���ذا الرجل العظيم في‬ ‫اإلس�ل�ام‪ ،‬فأصبحت السياس���ة التي يتبناها النظام الس���عودي‪،‬‬ ‫السياس���ة على المس���توى الثقاف���ي والتعليمي‪ ،‬تح���رص دائماً‬ ‫إل���ى إقصاء اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› نهائياً م���ن المناهج‪ ،‬وإذا‬ ‫كان ثمة حديث بس���يط جداً عنه‪ ،‬يقدمه أحياناً كشخصية‬ ‫اعتيادية ليس لها أي اعتبار في التاريخ اإلسالمي نهائياً‪.‬‬ ‫أما األحاديث التي تضمنها التراث اإلسالمي‪ ،‬تضمنتها أهم‬ ‫الكتب في الحديث لدى حتى إخوتنا من أهل السنة‪ ،‬لديهم هم‬ ‫مجاميعهم الحديثية الرئيس���ية‪ ،‬أهم تل���ك النصوص ال تجد‬ ‫لها أثراً‪ ،‬ال تكاد تجد لها أثراً أبداً في المناهج الجامعية‪ ،‬س���واء‬

‫‪22‬‬

‫في السعودية أو في اليمن أو عدد من البلدان‪ ،‬وكأن النبي لم‬ ‫يتح���دث بها أص ً‬ ‫ال‪ ،‬وكأن���ه ال وجود لها في التراث اإلس�ل�امي‬ ‫نهائياً‪.‬‬

‫المثقفون والتربويون مدعوون للتعرف على شخصية‬ ‫اإلمام علي ‹عليه السالم›‬

‫تأت���ي الطام���ة الكب���رى عل���ى م���ن يقتص���ر اعتماده���م في‬ ‫ثقافته���م الديني���ة والتاريخي���ة على ما احتوت علي���ه المناهج‬ ‫الدراسية والجامعية سواء عندنا في اليمن أو في السعودية أو‬ ‫في كل البلدان التي خضعت للسياسة السعودية في مناهجها‬ ‫التعليمية‪ ،‬طامة كبيرة جداً يمكن للطالب أن يقطع مشواره‬ ‫التعليمي م���ن المرحلة األساس���ية‪ ،‬إلى اإلعدادي���ة والثانوية‬ ‫والجامعي���ة ث���م يتخ���رج وه���و يجه���ل بمث���ل ه���ذه النصوص‬ ‫المهمة‪ ،‬النصوص التي تدل على أن للمس���ألة عالقة بإيمانه‪،‬‬ ‫عالقة بثقافته‪ ،‬عالقة بجوانب أساسية يحتاج إليها في دينه‪.‬‬ ‫فيخ���رج وهو يجهل مق���ام اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬يخرج‬ ‫م���ن الجامعة والبع���ض يصل إلى درج���ة أن يك���ون معلماً في‬ ‫الجامع���ة‪ ،‬ولكن ألن ثقافته وعلومه اقتص���رت على ما احتوت‬ ‫عليه تلك المناهج التي خضعت العتبارات سياسية‪ ،‬وتأثيرات‬ ‫سياسية‪ ،‬فكان مفلساً ومنعدم الثقافة والمعرفة بمقام اإلمام‬ ‫علي ‹عليه السالم› الرجل العظيم في اإلسالم‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫والبعض ال يأتي فيما بعد‪ ،‬مث ً‬ ‫ال ما بعد دراس���ته الجامعية‪،‬‬ ‫أو ما بعد دراسته في كل المراحل‪ ،‬ال يأتي لينفتح على التراث‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ليطلع االطالع الواسع‪ ،‬ال‪ ،‬يقتصر على ما قد عرفه‬ ‫واطلع عليه من خالل تلك المناهج‪.‬‬ ‫ولذل���ك أن���ا أق���ول ل���كل الثقافيي���ن ول���كل المثقفي���ن‪ ،‬لكل‬ ‫التربويي���ن‪ ،‬ل���كل المتعلمي���ن في أبن���اء أمتنا ح���ذاري حذاري‬ ‫م���ن االقتص���ار على المناه���ج الجامعي���ة والمناهج الدراس���ية‬ ‫الرس���مية‪ ،‬حذاري من ذلك‪ ،‬هذه كارثة‪ ،‬هذا س���يكون مصدر‬ ‫لكثير من اآلف���ات‪ ،‬ألنه من المعلوم قطعاً وبكل تأكيد ويقين‬ ‫وثبوت أن المناهج الدراس���ية في عالمنا العربي في المس���توى‬ ‫ش���ك للتأثي���رات السياس���ية‪ ،‬حكمتها‬ ‫الرس���مي خضع���ت ب�ل�ا ٍ‬ ‫سياس���ات‪ ،‬سياس���ات معينة وتوجهات معينة فق���ررت ما يُدرج‬ ‫وقررت ما يُحذف‪.‬‬ ‫تأتي إلى المعارف الديني���ة‪ ،‬تأتي إلى المعارف التاريخية‪،‬‬ ‫فتج���د هن���اك الكثير مما ُح���ذف واألمة بحاج���ة إلى االطالع‬ ‫عليه‪ ،‬دينها قيمها‪ ،‬أخالقها‪ ،‬واقعها‪ ،‬العملي كذلك مسئوليتها‬ ‫الحضاري���ة تفرض عليها أن َتطلع على ذلك وقد ُحذف نهائياً‬ ‫وهن���اك ما ُضمن في هذه المناه���ج مما ال أصل له ال صحة له‬ ‫إما ليس من الحقائق التاريخية هو افتراء وتزوير على التاريخ‬ ‫أو هو افتراء وتزوير على المعارف الدينية وعلى اإلسالم‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫فلذلك يجب التعاطي بحذر مع المناهج الدراسية الرسمية‬ ‫الت���ي خضع���ت للسياس���ات الرس���مية التعاط���ي معه���ا بح���ذر‬ ‫والنظرة إليها من هذا المنظار باعتبارها ش���ابها فيما تضمنته‬ ‫أخط���اء كبيرة وتزييف كثي���ر وباعتبارها ً‬ ‫أيض���ا ناقصة‪ ،‬لم‬ ‫تتضمن أشياء مهمة جداً بات اليوم يُحذف منها أشياء كثيرة‬ ‫فيما يتعلق بالتاريخ المعاصر‪ُ ،‬حذف من المناهج الدراسية ما‬ ‫بعد األلفين وبداية الحملة األميركية في الـ ‪2001‬م‪.‬‬ ‫والحمل���ة األميركي���ة التي رك���زت أيضاً عل���ى المناهج‬ ‫الدراسية ُحذف منها أشياء كثيرة تتعلق بالخطر األميركي‬ ‫واإلسرائيلي والغربي واالستعماري على عالمنا اإلسالمي(((‪.‬‬

‫•••‬

‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫ما الذي يربطنا باإلمام علي ‹عليه السالم›؟‬ ‫حديثنا عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› من موقعه في اإلسالم‬ ‫رمزاً عظيماً وهادياً وقائداً و ُتجمع كل األمة اإلس�ل�امية على‬ ‫جاللة قدره وعظيم مقامه في اإلس�ل�ام‪ ،‬هو حديث ذو أهمية‬ ‫كبيرة ومن جوانب متعددة وكثيرة‪.‬‬ ‫اإلم���ام عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› م���ن موقعه ف���ي اإلس�ل�ام قائداً‬ ‫وعظيم���اً وهادي���اً‪ ،‬وامت���دادًا لحم���ل المش���روع اإلس�ل�امي من‬ ‫موقعه العظيم باعتباره النموذج األكمل واألرقى في كماله‪،‬‬ ‫وبطبيعة المسؤولية التي كان يحملها‪.‬‬ ‫ثم الحديث عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬ترتبط به جوانب‬ ‫أساس���ية م���ن إيماننا وم���ن ديننا‪ ،‬الجان���ب المتعل���ق بالمحبة‬ ‫والوفاء كجزء أساس���ي م���ن الدين‪ ،‬أوثق ع���رى اإليمان كما‬ ‫ورد ع���ن النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آل���ه›‪�(( :‬أوثق ُعرى الإيمان‬ ‫الحب في اهلل والبغ�ض في اهلل))‪.‬‬ ‫ولإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› أهميته فيما يتعلق بهذا الجانب‬ ‫لدرج���ة أن محبته من اإليمان وأن بغضه من النفاق كما ورد‬ ‫في الحدي���ث محل االتفاق بين األمة اإلس�ل�امية وفي التراث‬ ‫اإلس�ل�امي أن النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› قال عن اإلمام علي‬ ‫‹علي ��ه الس�ل�ام› ‪(( :‬ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ض��ك �إال منافق))‪،‬‬ ‫وفي نص آخر أيضاً‪(( :‬ال يحبك منافق وال يبغ�ضك م�ؤمن))‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫فمن هذه األهمية بهذا االعتبار‪ ،‬من هذا الموقع‪ ،‬بما يربطنا‬ ‫باإلمام علي ‹عليه السالم› في تراثنا الديني والمعرفي والثقافي‬ ‫ومن موقع االقتداء والقدوة واالستفادة منه في مقامه العظيم‬ ‫كنموذج عظيم ومميز بين الوسط اإليماني واإلسالمي‪.‬‬ ‫نتحدث ع���ن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ف���ي جوانب متعددة‪،‬‬ ‫والحدي���ث ع���ن اإلمام عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› ينطلق م���ن ثالثة‬ ‫مسارات أساسية‪:‬‬ ‫األول منها‪ :‬على ضوء اآليات القرآنية ونكتفي ببعض منها‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬على ضوء النصوص الواردة عن النبي صلى اهلل عليه‬ ‫وآله وس���لم‪ ،‬ونكتفي في هذا المس���ار ببع���ض منها وبعض من‬ ‫أبرزها وأش���هرها‪ ،‬والمتعارف عليه والموثوق به والمعترف به‬ ‫والمنقول في التراث اإلس�ل�امي بي���ن فرق األمة على اختالف‬ ‫مذاهبها وتوجهها‪.‬‬ ‫المس���ار الثال���ث‪ :‬حدي���ث ‪ -‬إن ش���اء اهلل ‪ -‬مختص���ر جدًا عن‬ ‫حياته وعن تاريخه نس���لط فيه الضوء على بعض من الجوانب‬ ‫ألن الحديث عن اإلمام علي ‹عليه السالم› حديث واسع جدًا‪ ،‬فهو‬ ‫مدرسة إسالمية متكاملة بكل ما تعنيه العبارة‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫المسار األول‪ :‬بعض مما ورد فيه وخلده القرآن الكريم‪:‬‬ ‫القر�آن الكريم يخلد جانبًا من جوانب �إح�سانه وعطائه ورحمته‬

‫ه���ذه من أه���م الجوانب التي يج���ب أن تتصل بها النفس���ية‬ ‫المؤمنة وهو جانب ً‬ ‫أيضا إنساني وأخالقي وإيماني‪.‬‬ ‫اإلمام علي ‹عليه السالم› كان في هذا الجانب متمي ًزا وراق ًيا على‬ ‫اآلخري ��ن من أتباع النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› ‪ ،‬وس ��جل له القرآن‬ ‫الكريم والتأريخ في ذلك ما فيه دالئل مهمة و دروس مهمة‪.‬‬ ‫م���ن ما ُس���جل في ه���ذا الجانب قص���ة اإلطعام‪  ‬للمس���كين‬ ‫واليتيم واألسير واإليثار لهؤالء بالطعام الذي كان‪  ‬علي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام› والزه���راء ‹عليها الس�ل�ام› وجاريتهما فض���ة ال يمتلكون‬ ‫غي���ره مع صي���ام‪ ،‬كانوا في حال���ة صي���ام‪ ،‬وكان عليهم نذر‪،‬‬ ‫نذر بالش���فاء للحسن والحسين ‹عليهما السالم›‪ ،‬كانا مريضين‪،‬‬ ‫فنذر عل���ي والزهراء بالصيام والش���فاء تقربًا إلى اهلل وتوس�ًل�اً‬ ‫يشفي الحسن والحسين‪ ،‬وصاموا‪.‬‬ ‫إليه بالصيام أن‬ ‫َ‬ ‫عند اإلفطار كان لهما ثالثة أقراص من الش���عير لم يكن‬ ‫لهما غير هذه‪  ‬الثالثة األقراص من الشعير‪ ،‬فـعندما أتى وقت‬ ‫اإلفطار أتى أو ً‬ ‫ال المس���كين فط���رق الباب وأعطي���اه قرصاً‪ ،‬لم‬ ‫يلب���ث أن أت���ى بعده اليتي���م فأعطياه القرص الثان���ي ولم يلبثا‬ ‫أن أت���ى األس���ير‪ٌ ،‬‬ ‫كل منهم يس���ألهما ويطلب منهم���ا فأعطياه‬ ‫القرص الثالث وباتوا في حالة جوع‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫نزل���ت اآلي���ات القرآنية‪ ،‬أن تلك األس���رة الطاه���رة هي أول‬ ‫مصاديق ه���ذه اآلية‪ ،‬وفي ه���ذه اآلية المبارك���ة وفي اآليات‬ ‫دالئ���ل مهمة ال يتس���ع لن���ا الحدي���ث عنها ف���ي إيمانهم���ا‪ ،‬في‬ ‫برهم���ا هو والزه���راء ‹عليهما الس�ل�ام›‪ ،‬في روحيتهم���ا اإليمانية‬ ‫الراقي���ة‪ ،‬في خوفهما من اهلل س���بحانه وتعالى‪ ،‬في إخالصهما‬ ‫هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬مدرسة من األخالق والقيم والمبادئ التي‬ ‫يحتاج إليها اإلنسان المؤمن‪.‬‬ ‫�ص ِال ُح ا ْل ُم ْ�ؤ ِم ِن َ‬ ‫ين‬ ‫َ‬

‫ً‬ ‫أيض���ا مما يدلنا على المكان���ة التي يحتلها اإلمام علي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام› ف���ي طبيع���ة الدور ال���ذي ينهض ب���ه لمناص���رة النبي‬ ‫والجهاد معه واإلس���هام في إقامة اإلس�ل�ام وف���ي نصرة النبي‬ ‫‹صل ��وات اهلل عليه وعلى آله› آي���ة قرآنية مهمة عندما قال اهلل جل‬ ‫ش���أنه في سورة التحريم مخاط ًبا اثنتين من نساء النبي‪َ } :‬و�إِن‬

‫��ه َف ِ�إنَّ َ‬ ‫اهلل هُ َو َم ْولاَ ُه َو ِج ْب ِر ُ‬ ‫��را َع َل ْي ِ‬ ‫َت َظاهَ َ‬ ‫ي��ل َو َ�صا ِل ُح ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ ۖ‬ ‫ير{ (التحريم‪.)4:‬‬ ‫َوا ْل َملاَ ِئ َك ُة َب ْعدَ َذ ِل َك َظ ِه ٌ‬

‫اهلل هن���ا يتحدث عن أنص���ار النبي‪ ،‬أن النبي يتمتع ‪ -‬بعظيم‬ ‫عجيبة‬ ‫وبحماية‬ ‫بأنصار‬ ‫مقامه وعظيم فضله وطبيعة دوره‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عجي���ب من اهلل س���بحانه وتعالى‪ ،‬مواله ‪-‬جل ش���أنه‪-‬‬ ‫وبتأيي��� ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫وناصره ومعينه وحافظه ومؤيده‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬ ‫واهلل س���بحانه وتعالى َّ‬ ‫سخر له وأعانه ً‬ ‫بأنصار من هذا‬ ‫أيضا‬ ‫ٍ‬

‫‪29‬‬

‫المستوى من هذه الدرجة جبريل‪ ،‬ثم يقول هنا ما بين جبريل‬ ‫الحظ���وا ما أعجبه م���ن موقع وما أخصه م���ن منزلة‪ -‬ما بين‬‫جبريل وما بين بقية المالئكة! فيدخل من في الوس���ط صالح‬ ‫المؤمنين‪ ،‬من هو صالح المؤمنين هذا؟‪.‬‬ ‫الرواي ��ات واآلث ��ار والواق ��ع يقول أنه عل ��ي بن أب ��ي طالب‪ ،‬هو‬ ‫المقصود في هذه اآلية بـ(صالح المؤمنين) } َوا ْل َملاَ ِئ َك ُة َب ْعدَ َذ ِل َك‬ ‫ي��ر{ ه ��ذا يدل على عظم الدور الذي قام به اإلمام علي بن أبي‬ ‫َظ ِه ٌ‬ ‫طالب ‹عليه السالم›؛ لنصرة النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›‪.‬‬ ‫(((‬

‫هلل َو َر ُ�سو ُل ُه َوا َّل ِذ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا{‬ ‫} ِ�إ َّن َما َو ِل ُّي ُك ُم ا ُ‬

‫هلل َو َر ُ�سو ُلهُ‬ ‫��م ا ُ‬ ‫ن���زل فيه قوله س���بحانه وتعالى‪�} :‬إِ َّن َما َو ِل ُّي ُك ُ‬ ‫ال�ص�لا َة َو ُي ْ�ؤ ُتونَ ال�� َّز َكا َة َوهُ ْم‬ ‫َوا َّل ِذي��نَ �آ َمنُ��وا ا َّل ِذينَ ُي ِق ُ‬ ‫يم��ونَ َّ‬ ‫َرا ِك ُع��ونَ { (المائ��دة‪ )55:‬ي���وم تص���دق بخاتم���ه وهو راك���ع‪ ،‬وهذا‬

‫الش���يء رواه المفس���رون من الفريقين في األمة اإلس�ل�امية‪،‬‬ ‫والقص���ة مش���هورة‪ ،‬ولها دالل���ة مهمة‪ ،‬داللة مهم���ة تقدم لنا‬ ‫روحية عجيبة؛ ألنه وهو يقيم الصالة هو مقبل على اهلل ولكن‬ ‫مع كل ذلك انتبه لذلك السائل الذي دخل المسجد ولم يعطه‬ ‫أحد شي ًئا‪ ،‬فأومأ له بخاتمه فأخذه‪ ،‬ونزلت هذه اآلية القرآنية‪،‬‬ ‫قص���ة له���ا دالالتها المهمة‪ ،‬منه���ا أنها قدمت اإلم���ام علياً ولياً‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1438‬هـ‬

‫‪30‬‬

‫لألم���ة بعد نبيها‪ ،‬وجعل���ت واليته امتداداً لوالية اهلل س���بحانه‬ ‫وتعالى ووالية رسوله‪ ،‬قدمت لنا اإلمام علياً بروحيته العالية‪،‬‬ ‫فش���خص يحمل ه���ذه الروحية هو األجدر بقي���ادة األمة؛ ألنه‬ ‫سيهتم بمن يعرف ومن ال يعرف‪.‬‬ ‫}ا َّل ِذ َ‬ ‫ار{‬ ‫ين ُي ْن ِف ُقونَ �أَ ْم َوا َله ُْم ِبال َّل ْي ِل َوال َّن َه ِ‬

‫نزل أيض���اً فيه قول اهلل س���بحانه وتعالى‪} :‬ا َّل ِذي��نَ ُي ْن ِف ُقونَ‬ ‫��را َو َعال ِن َي ًة{ (البق��رة‪ )274:‬قالوا كان‬ ‫�أَ ْم َوا َل ُه ْ‬ ‫��م ِباللَّ ْي ِل َوال َّن َها ِر ِ�س ًّ‬

‫أول مصاديقها من أتباع النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› هو اإلمام‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› كان ينفق أمواله في الليل وفي النهار س���راً‬ ‫وعالني���ة‪ .‬روى الحاك���م الحس���كاني ف���ي (ش���واهد التنزيل)‪:‬‬ ‫بإس���ناده ع���ن ابن عب���اس ف���ي قول���ه تعال���ى‪} :‬ا َّل ِذي��نَ ُي ْن ِف ُقونَ‬ ‫��م ِباللَّ ْي ِل َوال َّن َه��ا ِر ِ�س ًّرا َو َعال ِن َي ًة{ نزلت في علي خاصة؛‬ ‫�أَ ْم َوا َل ُه ْ‬ ‫ف���ي أربعة دنانير كانت له تص���دق بعضها نهاراً وبعضها لي ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫وبعضها س ّراً وبعضها عالنية)) انتهى‪.‬‬ ‫اه ٌد ِم ْن ُه{‬ ‫}�أَ َف َم ْن َكانَ َع َلى َب ِّي َن ٍة ِم ْن َر ِّب ِه َو َي ْت ُلو ُه َ�ش ِ‬

‫يقول السيد حسين رضوان اهلل عليه‪:‬‬ ‫اإلم����ام علي ‹علي ��ه الس�ل�ام› بمؤهالت����ه وكماالت����ه وبأعماله‬ ‫ومواصفاته العالية كان على هذا النحو الذي أصبح فيه فعلاً ‪-‬‬ ‫وهذه نقطة مهمة يجب أن نتفهمها ‪ -‬شاهدًا لرسول اهلل ‹صلوات‬

‫‪31‬‬

‫اهلل علي ��ه وعل ��ى آله›؛ ألنه في علي ‹عليه الس�ل�ام› نزل قوله تعالى‪} :‬‬ ‫اهدٌ ِمنْهُ {(هود‪.)17 :‬‬ ‫�أَ َف َم ْن َكانَ َع َلى َب ِّي َن ٍة ِم ْن َر ِّب ِه َو َي ْت ُلو ُه َ�ش ِ‬

‫الرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آل���ه› كان يتحرك على بينة‬ ‫من ربه‪ ،‬وعلي ‹عليه الس�ل�ام› كان هو الش���اهد لرس���ول اهلل‪ ،‬هو‬ ‫الش���اهد من نفس رس���ول اهلل؛ لذا قال عنه ‹صلوات اهلل عليه وعلى‬ ‫آل ��ه› في مق���ام آخر‪�(( :‬أنت مني و�أنا من��ك)) ((علي مني و�أنا من‬ ‫اج َك‬ ‫عل��ي))‪ ،‬وجاء القرآن الكريم ليؤكد ذلك بقوله‪َ } :‬ف َم ْن َح َّ‬

‫اء َنا‬ ‫ْ��م َفقُ��لْ َت َعا َل�� ْوا َن ْ‬ ‫��ن َب ْع ِ‬ ‫ِف ِ‬ ‫ي��ه ِم ْ‬ ‫��د ُع َ�أ ْب َن َ‬ ‫��د َما َج َ‬ ‫��اء َك مِنَ ا ْل ِعل ِ‬ ‫ُ�س ُك ْم{ (آل عمران‪)61 :‬‬ ‫اء ُك ْم َو�أَ ْن ُف َ�س�� َنا َو َ�أ ْنف َ‬ ‫��اء َنا َو ِن َ�س َ‬ ‫اء ُك ْم َو ِن َ�س َ‬ ‫َو�أَ ْب َن َ‬ ‫فجاء بنفسه ونفس علي بعبارة واحدة }�أنف�سنا{‪.‬‬ ‫��اهدٌ ِمنْهُ { (ه��ود‪ )17:‬هل الش���هادة هذه هي فقط‬ ‫} َو َي ْت ُل��و ُه َ�ش ِ‬

‫تقتصر بأن يش���هد ‪ -‬لما رآه من هذه المعجزة أو تلك المعجزة‬ ‫ أن محم ًدا نبي صادق؟! هذه ش���هد بها حتى المش���ـركون في‬‫��م ال ُي َك ِّذ ُبو َن َ‬ ‫��ك َو َل ِك َّن َّ‬ ‫ات‬ ‫الظا ِلمِي��نَ ِب�آ َي ِ‬ ‫قرارات أنفس���هم } َف�إِ َّن ُه ْ‬ ‫هلل َي ْج َحدُ ونَ {(األنعام‪.)33 :‬‬ ‫ا ِ‬ ‫ما هي �شهادة علي للر�سول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›؟‬

‫إنها شهادة على مدى سنين‪ ،‬شهادة أدّاها في مواقفه‪ ،‬شهادة‬ ‫أدّاها في حياته كلها‪ ،‬أنت تريد أن تعرف عظمة هذا اإلسالم‪،‬‬ ‫إذا كان هن���اك أي نظرية ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬ال يمكن أن تعرف‬ ‫أثر‪ ،‬ترى‬ ‫عظمته���ا إال عندم���ا ترى ما تصنع���ه‪ ،‬ما تقدمه م���ن ٍ‬

‫‪32‬‬

‫نماذج ممن يحملون أفكار تلك النظرية‪ ،‬ثقافة تلك النظرية‪،‬‬ ‫توجهات تلك النظرية‪ ،‬فتراهم كيف هم‪ ،‬هنا تحكم على تلك‬ ‫ُّ‬ ‫النظرية عندما كانوا يجسدونها بنسبة مائة في المائة‪.‬‬ ‫لق���د َع ّد كثير م���ن ال ُك ّتاب ومن العلماء قال���وا عن علي أنه‬ ‫كان معجزة للرسول من هذا االتجاه‪.‬‬ ‫ألن���ه م���ا يُدرينا أن ه���ذا الدين عظي���م في واقع���ه؟ هو دين‬ ‫يخاطبنا‪ ،‬دين يتحدث مع أنفس���نا‪ ،‬مع ُوجداننا‪ ،‬دين لـه رؤيته‬ ‫في تقديم نموذج لإلنسان يريد أن يقدمه‪ ،‬كيف ذلك النموذج‬ ‫الذي س���يقدمه اإلسالم فعلاً لمن يس���ير عليه؟ ارجع إلى علي‬ ‫وس���تعرف ذلك النموذج‪ ،‬ال���ذي لم يبهر فقط المس���لمين‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬ ‫أيضا المس���يحيين فكت���ب عنه ُ‬ ‫بهر ً‬ ‫عجبوا‬ ‫ك ّتاب مس���يحيون أ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عظيم���ا‪،‬‬ ‫عجب���وا بمصداقيت���ه‪ ،‬اعتب���روه عبقر ًيّ���ا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بعظمت���ه‪ ،‬أ ِ‬ ‫اعتبروه مثلاً أعلى حتى من غير المسلمين‪.‬‬ ‫عندما ترج���ع إلى علي ‹عليه الس�ل�ام›في رؤيته‪ ،‬في مواقفه‪،‬‬ ‫في ممارساته‪ ،‬في س���لوكياته تجده فعلاً‬ ‫نموذجا للشخصية‬ ‫ً‬ ‫العظيمة التي يمكن أن يصنعها هذا الدين الذي جاء به محمد‬ ‫‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪ ،‬فهو شاهد لهذا الدين‪ :‬أنه دين كامل‪،‬‬ ‫من إله كامل‪ ،‬اصطفى لتبليغه رسولاً كاملاً ‪ ،‬هو اهلل سبحانه‬ ‫��م َو َ�أ ْت َم ْمتُ َع َل ْي ُك ْم‬ ‫وتعال���ى الذي قال‪} :‬ا ْل َي�� ْو َم �أَ ْك َملْتُ َل ُك ْم ِدي َن ُك ْ‬ ‫ِن ْع َم ِتي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم ِْ إ‬ ‫ال ْ�سال َم ِدي ًنا{(المائدة‪.)3 :‬‬

‫‪33‬‬

‫دين كامل‪ ،‬رس���ول اهلل‪ ،‬اهلل اصطفاه وأكمله‪ ،‬هو من قدم‬ ‫نموذجا‬ ‫ه���ذا الدين كرس���ول ل���ه‪ .‬نريد أن ن���رى في الس���احة‬ ‫ً‬ ‫صاد ًقا يشهد لعظمة هذا الدين‪.‬‬ ‫��اهدٌ ِمنْ��هُ { ف���ي مواقف علي‬ ‫ارج���ع إل���ى عل���ي } َو َي ْت ُل��و ُه َ�ش ِ‬ ‫عندما ترجع إليها تجد عظمة اإلس�ل�ام‪ ،‬تجد أخالق اإلس�ل�ام‬ ‫متجس���دة‪ ،‬وه���ذه له���ا أثرها في النفوس‪ ،‬كل ش���يء س���يبقى‬ ‫نظرية‪ ،‬كل ش���يء س���يبقى خاض ًع���ا لالحتم���االت إذا لم يكن‬ ‫}�س��ن ُِري ِه ْم �آ َيا ِت َنا‬ ‫هن���اك على صعيد الواقع ما يش���هد لصحته‪َ ،‬‬ ‫ِفي ْ آ‬ ‫اق َو ِفي �أَنْفُ ِ�س ِه ْم َحتَّى َي َت َب َّينَ َل ُه ْم �أَنَّهُ ال َْحقُّ {(فصلت‪.)53 :‬‬ ‫ال َف ِ‬ ‫كم���ا تأتي الش���واهد ف���ي األحداث‪ ،‬ف���ي المتغيرات تش���هد‬ ‫لهذا الدين‪ ،‬وهو حق ال ش���ك فيه لكن كمنهجية تربوية لهذا‬ ‫اإلنس���ان‪ ،‬لينطل���ق إلى أعماق مش���اعر هذا اإلنس���ان‪ ،‬ويفرض‬ ‫عظمته على هذا اإلنسان من خالل األحداث‪ ،‬من خالل اآليات‪،‬‬ ‫من خالل ما يُقدّمه من نماذج‪ ،‬فعلى‪  ‬مس���توى اإلنس���ان ارجع‬ ‫}�سن ُِري ِه ْم �آ َيا ِت َنا‬ ‫إلى علي ‹عليه الس�ل�ام› إنه شاهد على أنه حق‪َ ،‬‬

‫ْف‬ ‫ِفي ْ آ‬ ‫��م �أَنَّهُ ال َْحقُّ �أَ َو َل ْم َيك ِ‬ ‫ال َف ِ‬ ‫اق َو ِفي �أَ ْن ُف ِ�س�� ِه ْم َحتَّى َي َت َب َّينَ َل ُه ْ‬ ‫ِب َر ِّب َك �أَنَّهُ َع َلى ُك ِّل َ�ش ْيءٍ َ�ش ِهيدٌ {(فصلت‪ )53:‬وكفى به شهيدًا‪.‬‬ ‫ولك���ن من أجلنا نحن بني البش���ر الذين ق���ال عنهم‪َ } :‬و َكانَ‬ ‫��يءٍ َجدَ لاً {(الكه��ف‪ُ )54 :‬‬ ‫}ق ِت َ‬ ‫الن َْ�س��انُ َم��ا‬ ‫��ل ْ إِ‬ ‫ْ إِ‬ ‫الن َْ�س��انُ �أَ ْك َث َ‬ ‫��ر َ�ش ْ‬ ‫�أَ ْك َف َر ُه{(عبس‪ )17:‬إلى آخر ما وصل به هذا اإلنسان عندما يتجه‬ ‫إل���ى العناد؛ فمن أجل رحم���ة اهلل به‪ ،‬من أجل لطف اهلل به‪ ،‬من‬

‫‪34‬‬

‫أجل رأفة اهلل به ي َ‬ ‫ُقدِّم له الش���واهد في مختلف المجاالت على‬ ‫عظم���ة ما قدّم���ه له من منهج‪ ،‬عل���ى عظمة ه���ذا الدين الذي‬ ‫أكمل���ه لـه‪ ،‬وأتم به النعمة عليه به‪ ،‬ورضيه دي ًنا يدين به أمام‬ ‫مواله سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫عندم���ا تأتي إلى رؤية علي ‹عليه الس�ل�ام› تجد فيه ش���اهدًا‪،‬‬ ‫رؤيت���ه للحياة‪ ،‬رؤيته لإلنس���ان؛ لذا جمع في نه���ج البالغة ما‬ ‫عالما فيلس���و ًفا‬ ‫ق���ال عنه الكثي���ر‪( :‬بأن عل ًّي���ا ‹عليه الس�ل�ام› برز ً‬ ‫ب���ل قدوة في كل هذه االتجاهات فب���رز كعالم اجتماع‪ ،‬عالم‬ ‫اقتصاد‪ ،‬عالم نفس‪ ،‬مرشد‪ ،‬معلم في كل االتجاهات‪ ،‬برز ذلك‬ ‫عظيما يقدّم رؤية حقيقية وواقعية للحياة)‪.‬‬ ‫الشخص‬ ‫ً‬ ‫حتى وه���و يتحرك ف���ي مواجهة أعدائه‪ ،‬وه���و يتحرك مع‬ ‫من ينضوون تح���ت لوائه كان يحذرهم‪ ،‬كان ينذرهم‪ ،‬كان‬ ‫يعطيهم رؤى‪ ،‬كان ي ّذكرهم بأش���ياء عرفوا من بعد صحتها‪،‬‬ ‫عرف���وا صحتها بل مر الكثير منهم بها وعايش���وها‪ ،‬كان يقول‬ ‫ألهل العراق‪( :‬واهلل �إني لأخ�ش��ى �أن ُي��دَ ال ه�ؤالء القوم منكم‬ ‫الجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)‪.‬‬ ‫ف���ي هذه العب���ارة تجد رؤية حقيقية‪ ،‬رؤي���ة واقعية‪ ،‬رؤية‬ ‫صحيح���ة ل���دى اإلم���ام عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› ف���ي النتائ���ج‪ ،‬في‬ ‫(((‬ ‫المسببات‪ ،‬ما خلفياتها؟ ما أسبابها؟‪.‬‬ ‫((( ‬

‫محا�ضرة ال�سيد ح�سين في ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم›‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› ش���خصية إيماني���ة راقية‪ ،‬تجلى‬ ‫في���ه عظمة اإلس�ل�ام وعظمة الرس���ول وعظمة الق���رآن؛ ألنه‬ ‫أثر من صنعة اإلسالم‪ ،‬من قيم اإلسالم‪ ،‬ومن أخالق اإلسالم‪،‬‬ ‫وم���ن تربي���ة النبي‪ ،‬ش���اهد للنبي‪ ،‬لعظي���م ما ترك���ه فيه من‬ ‫أث���ر‪ ،‬ولذل���ك كانت الجناي���ة عليه جناية عل���ى األمة‪ ،‬جناية‬ ‫على الح���ق‪ ،‬جناية على القرآن وهو قرين���ه‪ ،‬جناية على الحق‬ ‫وه���و قرينه‪ ،‬جناية على اإلس�ل�ام وهو رمزه‪ ،‬جناية على األمة‬ ‫واألم���ة في أمس الحاجة إلى علي‪ ،‬إلى هدى علي‪ ،‬إلى أخالق‬ ‫(((‬ ‫علي‪ ،‬إلى أمانته على اإلسالم وعلى الدين وعلى الحق‪.‬‬

‫•••‬

‫((( م ��ن محا�ض ��رة لل�سيد ح�سين ر�ض ��وان اهلل في ذكرى ا�ست�شه ��اد الإمام علي‬ ‫‹عليه ال�سالم› لعام ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫المسار الثاني‪ :‬بعض ما ورد من كالم رسول الله ‹صلى اهلل‬ ‫عليه وعلى آله› الذي ال ينطق عن الهوى‪:‬‬

‫لقد سعى رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› في مقامات‬ ‫وبش���كل كبير‪ ،‬إل���ى الحديث عن‬ ‫متع���ددة‪ ،‬ومواط���ن متعددة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اإلم���ام علي ‹علي ��ه الس�ل�ام›‪ ،‬الحديث المتمي���ز‪ ،‬المعبر عن مقام‬ ‫اإلمام علي ‹عليه السالم›‪ ،‬عن دوره‪ ،‬عن منزلته‪ ،‬وعن أهمية هذا‬ ‫الدور بالنسبة لألمة‪ ،‬والرسول «صلوات اهلل عليه وعلى آله» في‬ ‫س���عيه ذلك‪ ،‬وفي اهتمامه ذلك كان يتحرك في هذه المسألة‬ ‫كما في كل المس���ائل األخرى ذات الصلة بهداية األمة‪ ،‬ذات‬ ‫العالق���ة بإرش���اد األمة‪ ،‬ذات العالق���ة والصل���ة بتحديد معالم‬ ‫الهداية لألمة في مستقبلها إلى قيام يوم الدين‪ ،‬كان يتحرك‬ ‫وفق الخط���ة اإللهية‪ ،‬وفق التعليمات اإللهية‪ ،‬وفق التوجيهات‬ ‫اإللهي���ة‪ ،‬كل اهتمامات���ه‪ ،‬كل س���عيه‪ ،‬كل حركت���ه كانت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هداي���ة لهذه األم���ة‪ ،‬فلم‬ ‫محكوم���ة بالهداي���ة‪ ،‬وكان���ت تقدِّم‬ ‫يك���ن ذلك الحديث في تل���ك المقامات‪ ،‬بتلك العب���ارات المهمة‬ ‫والعظيم���ة الداللة‪ ،‬حدي ًث���ا عاديًا‪ ،‬أو حدي ًثا هامش��� ًيا‪ ،‬أو حدي ًثا‬ ‫ترف ًي���ا‪ .‬ال‪ ،‬وحتى العبارات التي تح���دث بها عن اإلمام علي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام› لها داللته���ا العظيم���ة والمهمة‪ ،‬فهو فعل ذل���ك‪ ،‬وقدَّم‬ ‫ذلك‪ ،‬وتحرك بذلك في نفس الس���ياق ال���ذي يتحرك فيه وهو‬ ‫(((‬ ‫يقدِّم الهدى لألمة كل األمة من بعده إلى قيام الساعة‪.‬‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫"�أنت مني بمنزلة هارون من مو�سى"‬

‫اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› عندما نأت���ي إلى الحديث عنه من‬ ‫خالل النصوص الدينية التي نقلتها األمة‪ ،‬األمة وليس مذهباً‬ ‫معيناً وليس فئة أو طائفة معينة بل نقلتها أهم مصادر األمة‬ ‫لدى الس ّنة‪ ،‬ولدى الشيعة‪ ،‬أهم المصادر في التراث اإلسالمي‬ ‫وبموثوقي���ة عالية وبنص���وص متظاف���رة‪ ،‬وأصبحت مصنفة‬ ‫بما يق���ال عليه في المتعارف عليهم بي���ن العلماء والمحدثين‬ ‫بالتواتر أي‪ :‬تواترت ونقلها الرواة من أبناء األمة أعداداً كبيرة‬ ‫من الرواة‪ ‬أطرافاً كثيرة من أبناء األمة وحفظتها األمة جي ً‬ ‫ال‬ ‫بعد جيل‪.‬‬ ‫من األحادي���ث المهمة الت���ي نقلتها األم���ة بالتواتر‪ ،‬وباتت‬ ‫ً‬ ‫قطعي���ة في موثوقية نقلها عن رس���ول اهلل ‹صل���ى اهلل عليه وعلى‬ ‫آله› ‪ ،‬في تأكيد صحتها عن رسول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى‬ ‫آله"‪ ،‬من النصوص العظيمة نص يبين منزلة اإلمام علي ‹عليه‬ ‫السالم›‪ ،‬هذه المنزلة المتصلة بموقعه في اإلسالم‪ ،‬موقعه في‬ ‫حركة اإلس�ل�ام‪ ،‬موقعه في حركة الرسالة اإللهية‪ ،‬موقعه‬ ‫بالنس���بة لألمة‪ ،‬بالنسبة للمؤمنين‪ ،‬حينما قال له الرسول اهلل‬ ‫نز َل ِة هَ ��ا ُرونَ ِم ْن‬ ‫‹صل ��ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم›‪�(( :‬أَن��تَ ِمنِّي ِب َم ِ‬ ‫(((‬

‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1438‬هـ‬

‫‪38‬‬

‫نص مهم‪ ،‬والمهم‬ ‫عدي))‪ ،‬ه���ذا النص ٌ‬ ‫و�س��ى‪� ،‬إِلاَّ َ �أنَّهُ لاَ َن ِب َّي َب ِ‬ ‫ُم َ‬ ‫فيه أن نتفهم داللته‪ ،‬الكثير من الناس يسمع النصوص‪ ،‬يسمع‬ ‫األحاديث المهمة‪ ،‬ولكنه ال يستوعب داللتها‪ ،‬ما تدل عليه‪.‬‬ ‫إننا كأمة إس�ل�امية‪ ،‬كمس���لمين يجب أن ن���درك أن هذا‬ ‫النص يح���دد لنا طبيعة العالقة مع اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪،‬‬ ‫كي���ف ه���ي عالقتنا كمس���لمين‪ ،‬وكأمة إس�ل�امية‪ ،‬كأمة‬ ‫علي ‹عليه السالم›؛ ألنها حددت موقعه‪ ،‬في نفس‬ ‫محمد باإلمام ٍ‬ ‫الوقت قدَّم���ت لنا طبيعة العالقة به من ه���ذا الموقع المحدد‪،‬‬ ‫من هذه المنزلة المحددة‪.‬‬ ‫الكثي���ر م���ن الن���اس نتيجة المش���اكل المذهبي���ة‪ ،‬نتيجة‬ ‫التعبئ���ة الخاطئة‪ ،‬نتيجة الجهد الكبي���ر الذي بذلته حركة‬ ‫النف���اق ف���ي األمة‪ ،‬ينظ���ر إلى اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› نظرة‬ ‫عادية‪ ،‬ش���خص عادي مثل بقية الصحابة‪ ،‬صحابي من بقية‬ ‫الصحابة‪ ،‬المس���ألة ليس���ت كذلك أب���دًا أب���دًا‪ ،‬وإال كان هذا‬ ‫نصا ال معن���ى له وال داللة له‪ ،‬أن يقول الرس���ول "‹صلى‬ ‫الن���ص ً‬ ‫اهلل علي ��ه وعلى آله وس���لم›" لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬وهذا النص‬ ‫ٌ‬ ‫وم���روي لدى األمة‪ ،‬ولدى ف���رق األمة‪ ،‬وفي‬ ‫موث���وق ومؤكد‬ ‫نز َل ِة‬ ‫أهم المصادر ل���دى فرق األمة‪ ،‬يقول له‪�(( :‬أَن��تَ ِمنِّي ِب َم ِ‬ ‫ع��دي))‪ ،‬هل كان هارون‬ ‫و�س��ى‪� ،‬إِلاَّ �أَنَّ��هُ لاَ َن ِب َّي َب ِ‬ ‫هَ ��ا ُرونَ ِم ْ‬ ‫��ن ُم َ‬ ‫في أمة موس���ى حاله حال أي شخص من أمة موسى؟ حال أي‬

‫‪39‬‬

‫واح���د من أولئك الذين كان لهم تل���ك الهفوات‪ ،‬واالنحرافات‪،‬‬ ‫مهما جدًّا؟‬ ‫واألخط���اء‪ ،‬والمش���اكل‪ ،‬أم أن موقعه كان موق ًع���ا ً‬ ‫نرج���ع إلى القرآن الكريم لنرى كيف كان مقام هارون ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام›‪ ،‬الذي كان وزي ًرا بالنص القرآن���ي‪ ،‬هو كان نب ًيا‪ ،‬لكن‬ ‫مق���ام النب���وة ليس لإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام›؛ ألن���ه ال نبي أبدًا‬ ‫بع���د رس���ول اهلل محمد ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله وس���لم›‪ ،‬هو خاتم‬ ‫نبي من بعده أب ًدا‪ ،‬لكن نأتي إلى بقية األدوار‪،‬‬ ‫النبيين‪ ،‬فما من ٍ‬ ‫بقية المقامات‪ ،‬بقية المهام والمس���ؤوليات‪ ،‬الدور الذي كان‬ ‫لهارون‪ ،‬تجد أنه كان الوزير‪ ،‬وكان المعاضد‪ ،‬كان الشريك‬ ‫في األمر في طبيعة النهوض بالمسؤولية‪ ،‬كان الخليفة في‬ ‫القوم‪ ،‬كان كان كان‪ ...‬دور كبير جدًّا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫المؤك���د‪ ،‬الواض���ح‪ ،‬هو‬ ‫فالن���ص ه���ذا المقط���وع بصحت���ه‪،‬‬ ‫يق���دِّم داللتي���ن مهمتي���ن جدًّا‪ :‬منزل���ة اإلمام علي م���ن جانب‪،‬‬ ‫وطبيعة العالقة به بالنس���بة لألمة‪ ،‬بمس���توى ه���ذه المنزلة‬ ‫وبطبيعة ه���ذا الموقع‪ ،‬هو في نفس الوقت يقدِّم داللة قاطعة‬ ‫عل���ى المقام اإليماني لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬بمثل ما يقدِّم‬ ‫موقع���ه ف���ي حركة الرس���الة‪ ،‬ف���ي طبيع���ة المس���ؤولية‪ ،‬في‬ ‫النهوض بهذه المسؤولية‪ ،‬في عالقة األمة به كيف يجب أن‬ ‫تك���ون‪ ،‬يقدِّم داللة قاطعة عل���ى أن أكمل األمة‪ ،‬أعظم األمة‬ ‫ً‬ ‫جس���د مكارم األخ�ل�اق‪ ،‬أعظم من‬ ‫إيما ًن���ا‬ ‫ومنزل���ة‪ ،‬أعظم من َّ‬

‫‪40‬‬

‫جس���د تعاليم اإلس�ل�ام‪ ،‬أعظم من اكتملت فيه كل الصفات‬ ‫َّ‬ ‫اإليماني���ة‪ ،‬وكل المقوم���ات ومكونات الش���خصية المس���لمة‬ ‫والمؤمن���ة من أتباع رس���ول اهلل محم���د ‹صلى اهلل علي���ه وعلى آله‬ ‫عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام›؛ ألن ه���ذا كان هو مقام‬ ‫وس ��لم› ه���و اإلمام ٌ‬ ‫ه���ارون وحال ه���ارون في أمة موس���ى‪ ،‬هو أكمل أمة موس���ى‬ ‫إيما ًن���ا‪ ،‬أعظمهم كم���الاً إيمان ًيا‪ ،‬بكل المواصف���ات اإليمانية‪،‬‬ ‫ب���كل العناصر التي تتكون بها الش���خصية اإليمانية‪ ،‬وهذا أم ٌر‬ ‫واضح في هذا النص العظيم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› أو ً‬ ‫ال في مقام���ه وفي مرتبته في‬ ‫فاإلم���ام ٌ‬ ‫األمة هذه هي هذه المرتبة‪ ،‬هو أعلى هذه األمة ش���أناً ومقاماً‬ ‫ودوراً عظيماً في اإلس�ل�ام في نصرة نبي اإلسالم في معاضدة‬ ‫نبي اإلس�ل�ام به���ذه الدرجة ولهذا المس���توى بمنزل���ة هارون‬ ‫من موس���ى ثم في كماله اإليماني وكمال���ه في المواصفات‬ ‫األخالقية واإليمانية وفي المواصفات المتعلقة بالمسؤولية؛‬ ‫ألن���ه م���ا من أح���د في أم���ة موس���ى كان في مس���توى كماله‬ ‫اإليماني بكل ما يدخل ضمن ذلك ويندرج ضمن ذلك بمستوى‬ ‫هارون‪ ،‬هذا أمر الشك فيه وال نقاش فيه‪.‬‬ ‫لألس���ف في بعض المناطق في بع���ض األماكن في بعض‬ ‫البلدان يصبح اإلنسان فيها دكتوراً أو معلماً في الجامعة وهو‬ ‫بعد لم يطلع على مثل هذا النص خاصة في زمن فيه كس���ل‬

‫‪41‬‬

‫كبير وقصور كبير في االطالع على التراث اإلسالمي فيأتي‬ ‫البعض ال معرفة له بذلك أو أنه ال يتفاعل مع هذا النص‪.‬‬ ‫ه���ذا ن���ص يفرض علين���ا كمس���لمين كمؤمني���ن لنا هذا‬ ‫االنتماء اإلس�ل�امي ننظر إلى األم���ور الدينية من هذا المنظار‬ ‫النب���وي‪ ،‬من المنظار ال���ذي رآه النبي فيه وتحدث عنه النبي به‬ ‫فننظر إلى اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› به���ذه الجاللة بهذا القدر‬ ‫بهذه العظمة بهذه األهمية بهذا المقام بهذا المستوى‪.‬‬ ‫ه���ذا ما يجب أن يكون هو األثر فينا‪ ،‬التفاعل من جانبنا مع‬ ‫ن���ص كهذا‪ ،‬أم أن المس���ألة تك���ون مجرد عب���ارات نتلفظ بها‬ ‫ليس لها أي أثر في أنفس���نا وال في نظرتنا وال في ثقافتنا وال‬ ‫في فهمنا إنما مجرد عبارات نقول بها على ألسنتنا ((�أنت مني‬ ‫بمنزل��ة هارون من مو�س��ى �إال �أنه ال نب��ي بعدي)) ثم أنت ذلك‬ ‫الذي تنظر لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وكأنه مجرد ش���خصية‬ ‫اعتيادية صحابي حاله حال أي واحد من الصحابة على حسب‬ ‫التعبير والمصطلح المنتشر‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫يجب أن ننظر من هذه النظرة من النظرة النبوية أن نكون‬ ‫متأثري���ن بنبي اإلس�ل�ام ال أن نكون متأثرين بالتي���ار الوهابي‬ ‫التكفيري المش���ؤوم الضال الذي يأتي لينش���ر حساسية بالغة‬ ‫حت���ى عن هذا المق���ام العظيم‪ ،‬من ينظر بالعي���ن الوهابية هي‬ ‫عي���ن عمياء مظلم���ة ال ترى النور وال ت���رى البصيرة وبالتالي‬

‫‪42‬‬

‫تطلع دائماً نظرة سوداوية إلى رموز اإلسالم العظام إلى كل‬ ‫ما هو عظيم ومهم وجميل ومفيد في اإلسالم‪.‬‬ ‫النظرة الوهابية التكفيرية الظالمية هي نظرة تشوه حتى‬ ‫نبي اإلس�ل�ام في مقامه األعلى واألعظم واألس���مى واألكبر‪،‬‬ ‫نظرة تس���يء إلى النبي بكله دعك عن تالمذته دعك عن أتباعه‬ ‫دع���ك عن أعوان���ه دعك عن اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› في مقامه‬ ‫كوزير ومناصر وعظيم في هذا اإلسالم‪ ،‬هذا أحد النصوص‪.‬‬ ‫هذا النص ف���ي ثقافتنا الدينية يجب أن نعلمه أبنائنا يجب‬ ‫أن يتعلم���ه الط�ل�اب يجب أن يس���مع ب���ه الجمي���ع ال يجوز أن‬ ‫يكون هذا النص غائباً بفعل التغييب له في المناهج الدراس���ية‬ ‫الرسمية أو بفعل السياسات التي تحكم البرامج التثقيفية في‬ ‫وسائل اإلعالم؛ ألن وسائل اإلعالم كذلك معظمها في العالم‬ ‫اإلسالمي تأتي وتتجاهل كل هذا‪.‬‬ ‫الس���نة وال بالتراث‬ ‫بالس���نة وال بأهل ّ‬ ‫هذا ال عالقة له حتى ّ‬ ‫السني كان له إس���هام كبير جداً في نقل‬ ‫الس���ني؛ ألن التراث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ه���ذه النصوص وف���ي المحافظ���ة عليها جي ً‬ ‫ال بع���د جيل‪ ،‬هذه‬ ‫عق���دة وهابي���ة يجب أن تك���ون منبوذة ومرفوض���ة لدى األمة‬ ‫بكلها‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫اإلمام علي امتداد لإلسالم األصيل‬ ‫ولهذا ندرك حاجتنا في كل زمن لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‬

‫بمقام���ه‪ ،‬بمنزلت���ه التي ح���ددت عالقتن���ا به‪ ،‬منزلت���ه في هذه‬ ‫األم���ة‪ ،‬منزلت���ه م���ن رس���ول اهلل (منزلة ه���ارون من موس���ى)‪،‬‬ ‫مقام���ه في موقع الق���دوة والقيادة والهداي���ة‪ ،‬امتداده األصيل‪،‬‬ ‫المعبر عن أصالة اإلسالم‪ ،‬عن اإلسالم في أصالته‪ ،‬في نقائه‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫في س�ل�امته‪ ،‬تجس���يده لتلك المبادئ والقيم‪ ،‬وتقديمه ألرقى‬ ‫مه���م جدًّا لنا أن نعيه‪،‬‬ ‫وأعظم نموذج مس���لم مؤمن قرآني‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫أن���ه ال بد منه في كل زمن‪ ،‬ف���ي كل مرحلة‪ ،‬في كل عصر‪،‬‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› لترى‬ ‫أن���ت بحاجة إلى أن تكون متطل ًعا إلى ٍ‬ ‫فيه النموذج األرقى في اتباع رس���ول اهلل‪ ،‬في التمسك بالقرآن‪،‬‬ ‫في االهتداء بهذا اإلس�ل�ام‪ ،‬في االقتداء برسول اهلل "صلوات اهلل‬ ‫علي���ه وعلى آل���ه"‪ ،‬اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› حلقة وصل تصلك‬ ‫برس���ول اهلل‪ ،‬يوم يأتي اآلخرون ليقول ٌ‬ ‫كل منهم‪( :‬قال رسول‬ ‫اهلل‪ ،‬وكان رسول اهلل‪ ،‬وفعل رسول اهلل)‪ ،‬وهذا يقول شي ًئا ‪،‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫متشوشا‪.‬‬ ‫يقول شي ًئا مختل ًفا‪ ،‬وهذا‪ ...‬حتى تكون‬ ‫يعبر فع�ًل�اً عن رس���ول اهلل أرقى تعبي���ر‪ ،‬أصدق‬ ‫م���ن ال���ذي ِّ‬ ‫تعبي���ر؟ من الذي ِّ‬ ‫يمثل القدوة ف���ي االتباع واالقتداء واالهتداء‪،‬‬ ‫م���ن؟ ه���ذا‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬أو ذاك؟ األمة م�ل�ان زحمة‪ ،‬هناك‬ ‫َم ْع َل���م واض���ح ج���دًّا‪ ،‬أصي���ل أصي���ل‪ ،‬ال يقب���ل الغ���ش‪ ،‬ال يقبل‬

‫‪44‬‬

‫الزيف‪ ،‬ليس ملو ًثا وال بنس���بة ضئيلة أب���دًا‪ ،‬كاملاً في نقائه‪،‬‬ ‫ف���ي أصالته‪ ،‬في نظافته‪ ،‬في س�ل�امته ثقاف ًي���ا‪ ،‬فكريًا‪ ،‬أخالق ًيا‪،‬‬ ‫عمل ًيا‪ ،‬مدرسة متكاملة‪ ،‬ونموذج يحق للمسلمين أن يفتخروا‬ ‫به حتى في أوس���اط كل البش���رية‪ ،‬يقولون‪[ :‬ش���وفوا ما عمله‬ ‫رسول اهلل محمد‪ ،‬وما عمله القرآن‪ ،‬هذا نتاج ونموذج وصناعة‬ ‫(((‬ ‫لهذا اإلسالم في علي بن أبي طالب]‪ ،‬هذا جانب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫علي مواله"‬ ‫"من‬ ‫كنت مواله فهذا ٌ‬

‫نص آخر من أهم النصوص المش���هورة المتواترة المقطوع‬ ‫ٌ‬ ‫بصحتها بين األمة في تراثها والمتناقلة بين أجيال األمة في‬ ‫تراثه���ا الديني والثقافي والفكري هو النص المش���هور بحديث‬ ‫الغدي���ر حديث (غدير خ���م)‪ .‬النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› بعد‬ ‫عودت���ه من حجة الوداع وقبل فراقه لهذه الحياة بأش���هر وصل‬ ‫إل���ى غدير خ���م موضع بين مكة والمدينة وه���و عائد من مكة‬ ‫بع���د حجة الوداع‪ ،‬وهن���اك جمع األمة كل الذي���ن حجوا معه‬ ‫في تل���ك الفترة‪ ،‬وجمعته الطريق به���م وكانوا باآلالف وأمر‬ ‫أن ت���رص ل���ه أقتاب اإلبل ونه���ض من فوقها ف���ي الظهيرة في‬ ‫ساحة واضحة معروفه ومكشوفه‪ ،‬ليتخاطب مع الجمع الذي‬ ‫قد جمعه آنذاك‪.‬‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1439‬هـ‬

‫‪45‬‬

‫أتى وأعلن إعالنا مهما كان من أهم ما تضمنه هذا اإلعالن‬ ‫أن ق���ال‪�(( :‬إن اهلل م��والي و�أنا مول��ى الم�ؤمني��ن‪�  ‬أولى بهم من‬

‫وال من واله‬ ‫�أنف�س��هم‪  ،‬فمن كنت مواله فهذا علي مواله‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫وعا ِد من عاداه وان�صر من ن�صره‪ ،‬واخذل من خذله))‪.‬‬

‫هذا النص هناك قدر مشترك فيه نقلته األمة في مصادرها‬ ‫وأصبح متواتراً ومشهوراً جداً بين األمة وإن كان هناك نسبة‬ ‫م���ن االختالف في مدلول هذا النص ولكن النص واضح بقليل‬ ‫من التأمل بحيادية وموضوعية في التأمل يصل اإلنس���ان إلى‬ ‫قناع���ة تامة بطبيع���ة الدور والمق���ام الذي لإلم���ام علي ‹عليه‬ ‫السالم›‪.‬‬ ‫وهنا قال ضمن هذا النص ((فمن كنت)) أي‪ :‬كل من كان‬ ‫وال م��ن وااله وعا ِد‬ ‫يعتب���ر النبي ((م��واله فعلي م��واله‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫م��ن ع��اداه)) علي هو به���ذه األهمي���ة بهذا المس���توى أن كل‬ ‫م���ن يعتب���ر النبي مواله م���ن أبناء هذه األمة ال ب���د له إن كان‬ ‫عل���ى مصداقية في ذلك‪ ،‬إن كان على مصداقية في أن يعتبر‬ ‫اإلمام علياً ‹عليه السالم› مواله‪ ،‬فهو ولي كل مؤمن‪ ،‬بعد رسول‬ ‫(((‬ ‫اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›‪.‬‬ ‫به���ذا المقام العظيم‪ ،‬بهذه العالق���ة المفترضة بيننا وبين‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫اإلمام علي‪َ ( ،‬ف َمن ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫نت)‪ ،‬يعني‪ :‬رس���ول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى‬ ‫آله وس ��لم›‪َ (( ،‬مولاَ ه‪َ ،‬ف َه َ‬ ‫��ذا َع ِل ٌّي َم��ولاَ ه))‪ ،‬ال يكتمل لك التولي‬ ‫للرس���ول إال بالتولي لإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬يصبح التولي‬ ‫لإلم���ام علي ‹علي���ه الس�ل�ام› امت���داد للتولي للرس���ول‪ ،‬جزء من‬ ‫عملية التولي للرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›؛ ألنه س���يمثل‬ ‫حلقة الوصل واالمتداد إلى رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‬

‫في تقديم هذا الدين‪ ،‬في القدوة في هذا الدين‪ ،‬في النقل لهذا‬ ‫الدي���ن‪ ،‬في األمانة على تقديم ه���ذا الدين‪ ،‬في تقديم النموذج‬ ‫الفعلي والحقيقي والموثوق والعظيم واألصيل لهذا الدين(((‪.‬‬ ‫"ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ضك �إال منافق"‬

‫حدي���ث آخ���ر كذل���ك تناولت���ه األم���ة وه���و م���ن األحاديث‬ ‫المش���هورة ج���داً بين األم���ة حدي���ث ((ال يحب��ك �إال م�ؤمن وال‬ ‫يبغ�ض��ك �إال مناف��ق)) وحدي���ث آخ���ر ((ال يبغ�ض��ك م�ؤم��ن وال‬ ‫يحب��ك منافق)) م���ن لوازم اإليمان الحظوا ه���ذه األهمية‪ ،‬من‬ ‫ل���وازم اإليم���ان محب���ة اإلمام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬ف�ل�ا يكتمل‬ ‫إيمانك إال بهذا‪ ،‬وال يتحقق إيمانك إال بهذا‪.‬‬ ‫أن���ت ف���ي الدين اإلس�ل�امي أمامك ف���ي اإلس�ل�ام ارتباطات‬ ‫((( من محا�ضرة ال�سيد عبد الملك في ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي عليه ال�سالم‬ ‫لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫واضح���ة أمامك منهج تس���ير عليه‪ ،‬أمامك رم���وز وقادة وهداة‬ ‫تتأث���ر بهم تقتدي بهم تتعلم منهم‪ ،‬تس���تفيد منهم‪ ،‬هم قدموا‬ ‫لك ه���ذا الدين وحفظوه لك نصاً وقدموا في���ه القدوة العملية‬ ‫وجس���دوه واقعا في حياتهم فقدموا أرقى صورة عن هذا الدين‬ ‫في واقع حياتهم‪.‬‬ ‫هؤالء الرموز تربطك به���م هذه الرابطة‪ ،‬رابطة أن تقتدي‬ ‫بهم أن تتأثر بهم أن ترى في تطبيقهم اإلس�ل�ام القدوة لك أن‬ ‫تستفيد من معالمهم باعتبارهم حلقة الوصل‪.‬‬ ‫نحن مثال ف���ي هذا الزمان كم بيننا وبي���ن النبي ‹صلى اهلل‬ ‫عليه وعلى آله›‪ ،‬مئات الس���نين‪ ،‬م���ن نقل لنا الدين عبر أجيال من‬ ‫جي���ل إلى جيل‪ ،‬ما بعد وفاة النبي ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله›؟ من‬ ‫نتطلع إلي���ه كأمة بعد وفاة النبي ينقل لن���ا هذا الدين‪ ،‬يقدم‬ ‫أرق���ى ص���ورة عن كمال ه���ذا الدين‪ ،‬يقدم ف���ي واقعه الداللة‬ ‫عل���ى الحق في أي مرحلة من مراح���ل اختالف األمة؟ نتطلع‬ ‫إلى اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬وإال ما فائدة هذه النصوص؟ ما‬ ‫فائدة أن يقول النبي كذلك؟‪.‬‬ ‫النب���ي لم يك���ن مهرجاً ومج���رد رجل يص���در المديح هكذا‬ ‫يطل���ق العب���ارات الفضفاضة لإلش���ادة باآلخري���ن بغية الرفع‬ ‫لمعنوياته���م والتش���جيع لهم‪ ،‬ال‪ ،‬هو نبي يق���ول الحق عن اهلل‪،‬‬ ‫ينطق بالحق‪ ،‬وما ينطق عن الهوى لم يكن يخضع فيما يقوله‬

‫‪48‬‬

‫ال لتأثي���رات ش���خصية‪ ،‬وال لعوام���ل قرابة‪ ،‬وال لمي���ول لها أي‬ ‫صل���ة بالهوى من قريب وال من بعيد‪ ،‬ولم يكن يتقول على اهلل‬ ‫وحى{ (النجم‪:‬‬ ‫حاشاه‪َ } :‬و َما َين ِْط ُق َع ِن ا ْل َه َوى • �إِ ْن هُ َو �إِال َو ْح ٌي ُي َ‬ ‫‪.)4 – 3‬‬ ‫وحينم���ا يق���ول ما قال���ه عن اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› هو‬ ‫يدرك أهمية هذا الدور لإلمام علي ‹عليه السالم› من بعده ألنه‬ ‫س���يرحل من الذي س���يرث منه ويحمل منه روح اإلسالم‪ ،‬قيم‬ ‫اإلسالم‪ ،‬معارف اإلسالم‪ ،‬حقائق اإلسالم‪.‬‬ ‫وحينما تحصل حالة االختالف بين أوساط األمة من الذي‬ ‫تتطلع إليه األمة باعتب���اره الحلقة األوثق واألرقى واألكمل‬ ‫واألع���رف واألعل���م وبدرج���ة الموثوقي���ة العلي���ا؟ يتطلع إلى‬ ‫اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وإ ّ‬ ‫ال ما قيمة هذه النصوص؟‪ ،‬فاإلمام‬ ‫كرمز إيماني‬ ‫عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› عالقتك به عالقة إيماني���ة‬ ‫ٍ‬ ‫أنت عندما تأتي لتتعرف على اإلسالم في ثقافته في معارفه‪.‬‬ ‫اإلسالم معلومات معارف وعلوم تتعرف على صالتك‪ ،‬على‬ ‫صيام���ك‪ ،‬على حجك‪ ،‬عل���ى زكاتك من أه���م مصدر يوصلك‬ ‫بالنبي‪ ،‬من هو باب مدينة علمه؟‪.‬‬ ‫عندم���ا تأت���ي لت���رى االختالف بين أوس���اط األم���ة فتبقى‬ ‫متحيراً م���ن تطلع إليك عالمة فارقة؟ اإلمام علي حبه إيمان‬ ‫وبغضه نفاق ال يحبك إال مؤمن‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫فالحظ���وا جريمة كبيرة واهلل جريم���ة أن يغيب مثل هذا‬ ‫الن���ص ف���ي المناه���ج الدراس���ية‪ ،‬البع���ض يصبح دكت���وراً في‬ ‫الجامعة لم يطلع بعد على هذا النص؛ ألنه اقتصر في معارفه‬ ‫واطالع���ه وف���ي ثقافته عل���ى المناه���ج الدراس���ية المحكومة‬ ‫بسياسات من جهلة ليسوا مؤتمنين على األمة‪ ،‬جهلة تحكموا‬ ‫وساس���وا وقرروا وأخضعوا أنفس���هم العتبارات مادية (فلوس)‬ ‫من السعودية‪ ،‬وجاء توجيه لوزارة التربية والتعليم أو للمناهج‬ ‫(((‬ ‫الجامعية كيف تكون وظللت بهذا أجيال من أبناء األمة‪.‬‬ ‫فالرس���ول "صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه" قدم ح���ب اإلمام‬ ‫عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› كعالم���ة فارق���ة‪ -‬وهذه من أه���م النقاط‬ ‫عل���ى اإلطالق‪ -‬عالمة فارقة بين اإليمان والنفاق‪ ،‬عندما قال‬ ‫��ك �إِلاَّ ُم�ؤ ِم��ن‪َ ،‬ولاَ ُيب ِغ ُ�ض َ‬ ‫ل���ه‪(( :‬لاَ ُي ِح ُب َ‬ ‫��ك �إِلاَّ ُم َنا ِف��ق))‪ ،‬وهذه‬ ‫النصوص من النصوص الت���ي تناقلتها األمة‪ ،‬وبحكمة إلهية‪،‬‬ ‫وبإقام���ة من اهلل للحجة على عباده‪ ،‬وعلى هذه األمة نفس���ها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن رس���ول اهلل "‹صلى اهلل عليه وعلى آله›" عندما بذل جهدًا كبي ًرا‬ ‫ف���ي إيصال ه���ذا الهدى إلى الن���اس‪ ،‬في تقديم ه���ذه الحقائق‬ ‫أيضا‪َّ -‬‬ ‫والنصوص المهمة جدًّا إلى األمة‪ ،‬اهلل‪ً -‬‬ ‫تكفل بحفظها؛‬ ‫لتبق���ى في تراث األمة‪ ،‬تتناقلها األم���ة جيلاً بعد جيل في أهم‬ ‫جمع وتقطع بصحتها‪ ،‬علماء األمة‪،‬‬ ‫مصادرها‪ ،‬وكنص���وص ُت ِ‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫المعتب���رون لديه���ا‪ ،‬مصادرها المعتبرة لديه���ا ِّ‬ ‫تؤكد صحتها‪،‬‬ ‫جم���ع على صحته���ا‪ ،‬وتتناقلها‪ٌ ،‬‬ ‫كل من عن���ده يتناقل هذه‬ ‫و ُت ِ‬ ‫النص���وص‪ ،‬ف ُت َّ‬ ‫خلد ل���دى األجي���ال‪ ،‬لتكون ً‬ ‫حجة هلل [س���بحانه‬ ‫بأم���س الحاج���ة إلى هذه‬ ‫وتعال���ى] عل���ى هذه األم���ة التي هي‬ ‫ِّ‬ ‫المسألة‪.‬‬ ‫ماس���ة جدًّا‪ ،‬والواقع يش���هد‪ ،‬واقع األمة شهد‬ ‫األمة بحاجة َّ‬ ‫عل���ى حاجة األمة إلى كل هذا‪ ،‬إلى معلم ِّ‬ ‫يمثل عالمة فارقة‬ ‫عند اخت�ل�اف األمة‪ ،‬عند تضاربها‪ ،‬حينم���ا تختلف األمة على‬ ‫المنه���ج‪ ،‬حينم���ا تختل���ف على النم���وذج‪ ،‬حينم���ا تختلف على‬ ‫تعبر عن‬ ‫يعبر عن الش���خصية اإلس�ل�امية الحقيقي���ة التي ِّ‬ ‫ما ِّ‬ ‫حقيقة اإلسالم‪ ،‬حينما تختلف وتتعدد الطرق‪ ،‬حينما تختلف‬ ‫وتتش���وش التفس���يرات والتقديمات‪ ،‬وتتضارب اآلراء واألهواء‪،‬‬ ‫تحت���اج األمة إلى عالم���ة فارقة‪ ،‬تحتاج إل���ى معالم واضحة‪،‬‬ ‫بين���ة‪ ،‬هل تركه���ا اهلل م���ن دون ذلك؟ هل‬ ‫تحت���اج إلى أع�ل�ام ِّ‬ ‫تركها اهلل لتعيش حالة الحيرة والتضارب هذه؟ |ال|‪.‬‬ ‫فالرس���ول "صل���وات اهلل علي���ه وعلى آله" ه���و تحرك ضمن‬ ‫الخط���ة اإللهي���ة‪ ،‬وما قدَّم���ه كان ضمن حركت���ه في هداية‬ ‫األم���ة‪ ،‬وحركته في هداية البش���رية‪ ،‬وقدَّم ذل���ك على أرقى‬ ‫مس���توى‪ ،‬وبأعظ���م ما يكون‪ ،‬وضم���ن الس���نن اإللهية مع كل‬ ‫األنبياء‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫حب اإلمام علي الضمانة األساسية لمواجهة الزيف‬

‫رس���ول اهلل حينما قال لإلمام علي ‹عليه السالم› ((لاَ ُي ِح ُب َك‬ ‫�إِلاَّ ُم�ؤ ِمن‪َ ،‬ولاَ ُيب ِغ ُ�ض َ‬ ‫��ك ِ�إلاَّ ُم َنا ِفق))‪ ،‬قدَّم لألمة عالمة فارقة‬

‫تبقى لالس���تفادة منها إل���ى قيام يوم الدين‪ ،‬إل���ى يوم القيامة‪،‬‬ ‫إل���ى نهاية أمر هذه األمة وهذه البش���رية‪ ،‬هذه األمة هي آخر‬ ‫البش���ر‪ ،‬هي في الحقبة األخيرة للتاريخ البشري‪ ،‬ختام النبوة‪،‬‬ ‫ختام الكتب اإللهية هو يعني ذلك‪ ،‬هو يدل على ذلك‪ ،‬النصوص‬ ‫القرآنية هي ِّ‬ ‫تؤكد ذلك‪.‬‬ ‫فرس���ول اهلل "صل���وات اهلل عليه وعلى آله" ي���درك أن أكبر‬ ‫مش���كلة لألمة في داخلها س���تكون من خ�ل�ال حركة النفاق‪،‬‬ ‫تتقوى حركتها في داخل‬ ‫التي يمكن أن تتزايد أنش���طتها‪ ،‬وأن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫فتش���كل خطورة بالغة على األمة في كل شيء‪ ،‬تصنع‬ ‫األمة‪،‬‬ ‫حالة من التش���ويش‪ ،‬حالة رهيبة من التضليل على المستوى‬ ‫الثقافي والفكري‪ ،‬تسعى إلى االنحراف بمسار األمة‪ ،‬حركة‬ ‫النف���اق واح ٌد من أخطر ما تفعله باألمة أن تس���عى لالنحراف‬ ‫بمس���ار األمة عما ِّ‬ ‫يمثل المنهج اإلسالمي األساس والصحيح‪،‬‬ ‫عن اإلسالم المحمدي األصيل‪.‬‬ ‫وحرك���ة النفاق أخطر ما فيه���ا َّأنها في ظاهر الحال تعلن‬ ‫وتعبر عن إس�ل�امها وإيمانها بكل المعالم الرئيس���ية‬ ‫إقرارها‪ِّ ،‬‬ ‫الب���ارزة ج���دًّا ف���ي اإلس�ل�ام‪ ،‬الت���ي ِّ‬ ‫تمث���ل عالمة فاصل���ة بين‬

‫‪52‬‬

‫اإليم���ان والكف���ر‪ ،‬فتعل���ن‪ -‬مثلاً ‪ -‬إس�ل�امها وإيمانه���ا بالقرآن‪،‬‬ ‫باإلس�ل�ام جمل���ة‪ ،‬بالرس���ول ‹صل���وات اهلل علي���ه وعلى آل���ه›‪ ،‬تقدِّم‬ ‫نفس���ها كحرك���ة مس���لمة تنتمي لإلس�ل�ام‪ ،‬وتقدِّم نفس���ها‬ ‫ضم���ن الوس���ط اإلس�ل�امي‪ ،‬داخ���ل الص���ف اإلس�ل�امي‪�} ،‬إِ َذا‬

‫��اءك ال ُْم َنا ِف ُق��ونَ َقا ُلوا َن ْ�ش�� َهدُ �إِن َ‬ ‫َج َ‬ ‫َّ��ك َل َر ُ�س ُ‬ ‫��ول اللهَّ ِ {‬

‫[المنافقون‪:‬‬

‫م��ن اآلي��ة‪ ،]1‬هكذا كان���وا في زمن رس���ول اهلل "صل���وات اهلل عليه‬ ‫وعل���ى آل���ه" يقول���ون‪َ } :‬ن ْ�ش�� َهدُ �إِن َ‬ ‫َّ��ك َل َر ُ�س ُ‬ ‫��ول اللهَّ ِ {‪ ،‬فالمنافق‬ ‫يش���هد الش���هادتين‪ ،‬ال يجرؤ على أن يعلن كفره برس���ول اهلل‬ ‫محم���د ‹صلى اهلل عليه وعلى آله›؛ ألنه‪ -‬في واقع الحال‪ -‬لو كفر‬ ‫برس���ول اهلل‪ ،‬خالص خرج من الصف اإلس�ل�امي‪ ،‬وهو ال يريد‬ ‫أن يخرج من الصف اإلس�ل�امي‪ ،‬هو يدخ���ل ضمن هذا الصف‪،‬‬ ‫ينتمي إلى األمة‪ ،‬يتحرك في أوساطها‪ ،‬ينتسب إليها‪ ،‬هو‪ -‬في‬ ‫نف���س الوقت‪ -‬ال يجي ليقول أنه كاف��� ٌر بالقرآن‪ ،‬وال أنه ُمن ِك ٌر‬ ‫ألركان اإلسالم‪ ،‬وال وال‪ ...‬جملة من األشياء‪ ،‬وألن المنافقين‬ ‫ه���م أصناف‪ ،‬وهم أنواع‪ ،‬بحس���ب التصني���ف القرآني‪ ،‬وتحدثنا‬ ‫في ه���ذا في كلم���ات كثي���رة‪ ،‬فمنهم م���ن يتحركون تحت‬ ‫عناوين دينية‪ ،‬منهم أصحاب مسجد الضرار } َوا َّل ِذينَ ا َّت َخ ُذو ْا‬

‫��رار ًا َو ُكفْر ًا َو َتف ِْريق ًا َب ْينَ ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ َو ِ�إ ْر َ�ص��اد ًا ِّل َم ْن‬ ‫َم ْ�س ِ‬ ‫��جد ًا ِ�ض َ‬ ‫هلل َو َر ُ�س��و َلهُ ِم��ن َق ْب ُل{[التوبة‪ :‬م��ن اآلي��ة‪ ،]107‬هؤالء صنف‬ ‫َح��ا َر َب ا َ‬

‫من المنافقي���ن‪ ،‬حركتهم حركة مس���اجد‪ ،‬حركة عناوين‬ ‫آخ ِر{[البقرة‪ :‬من اآلية‪]8‬‬ ‫دينية‪ ،‬من يقولوا‪�} :‬آ َمنَّا ِب��اللهّ ِ َو ِبا ْل َي ْو ِم ال ِ‬

‫‪53‬‬

‫ويتحرك تح���ت العنوان اإليماني‪ ،‬هؤالء صنف من المنافقين‪،‬‬ ‫تحدث عنهم َم ْن؟ القرآن الكريم‪ .‬فضحهم َم ْن؟ القرآن الكريم‪.‬‬ ‫كشفهم َم ْن؟ القرآن الكريم‪.‬‬ ‫صنف آخر‪| ،‬ال|‪ ،‬يتحدث تحت عناوين مصلحية‪ :‬إما عنوان‬ ‫وطني‪ ،‬أو عنوان قومي‪ ،‬أو أي عنوان‪ ...‬ولكنه ِّ‬ ‫يركز على عنوان‬ ‫المصلحة العامة }�إِ َّن َما َن ْحنُ ُم ْ�ص ِل ُحون{‪ ،‬القرآن هو الذي تحدث‬ ‫يل َل ُه ْم َ‬ ‫عنه���م بهذا‪َ } :‬و�إِ َذا ِق َ‬ ‫���ض َقا ُلو ْا �إِ َّن َما‬ ‫ال ُتف ِْ�س��دُ و ْا ِفي الأَ ْر ِ‬ ‫َن ْحنُ ُم ْ�ص ِل ُحونَ { [البقرة‪ :‬اآلية‪ ،]11‬فالعنوان المصلحي واإلصالحي‬ ‫هو عنوان رئيس���ي لبعضهم‪ ،‬يتحركون من خالله‪ ،‬وينشطون‬ ‫من خالله‪ ،‬ولهم أنشطتهم وبرامجهم وحركتهم الواسعة في‬ ‫داخ���ل هذه األمة‪ ،‬ث���م كذلك البعض منه���م‪| ،‬ال|‪ ،‬قد يكونون‬ ‫إلى درجة المجاهرة بالش���ك‪ ،‬المجاهرة بالحديث عن عناوين‬ ‫رئيسية في اإلسالم للتشكيك حولها‪ ،‬هذه فئة منهم معينة‪.‬‬ ‫فئات كثيرة تحدثت عنهم سورة التوبة‪ ،‬سورة (المنافقون)‬ ‫سورة باسمهم في القرآن الكريم‪ ،‬حديث واسع عنهم في سورة‬ ‫البقرة‪ ،‬اهلل تحدث عنهم بأكثر‪ ،‬وفي نفس الوقت الحديث في‬ ‫القرآن عنهم أس���وأ م���ن الحديث عن الكافري���ن‪ ،‬وهذه من أهم‬ ‫المس���ائل الت���ي ينبغي على كل مس���لم أن يفه���م عنها‪ ،‬بالحد‬ ‫نقاطا أساسية‪ً ،‬‬ ‫نقاطا عامة‪ً ،‬‬ ‫األدنى يفهم عنها ً‬ ‫نقاطا ضرورية؛‬ ‫ألن هذه المسألة ِّ‬ ‫تشكل خطورة كبيرة في واقع األمة‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫فالرس���ول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› قدَّم ضمن عمله لهداية‬ ‫األم���ة‪ ،‬وحركته لهداية األمة‪ ،‬ما ِّ‬ ‫يمثل ضمانة أساس���ية لها‬ ‫لمواجهة الزي���ف‪ ،‬لمواجه���ة التحريف‪ ،‬لمواجهة التش���ويش‪،‬‬ ‫لمواجه���ة كل مس���اعي االنح���راف الت���ي س���تتحرك بها قوى‬ ‫النف���اق في داخل األمة من بعد وفاته‪ ،‬وفي كل زمن إلى قيام‬ ‫الس���اعة‪ ،‬وقال ع���ن اإلمام علي ‹علي���ه الس�ل�ام›‪(( :‬لاَ ُي ِح ُب َك �إِلاَّ‬ ‫ُم�ؤ ِمن‪َ ،‬ولاَ ُيب ِغ ُ�ض َك �إِلاَّ ُم َنا ِفق))‪.‬‬ ‫فالمنافق���ون ال يس���تطيعون أن يعلنوا موق ًف���ا عدائ ًيا‪ ،‬أو أن‬ ‫يتحدثوا عن بغضهم لرس���ول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى آله"؛‬ ‫ألنه���م ل���و فعلوا ذل���ك‪ ،‬خالص يعني ح���د فاصل بي���ن اإليمان‬ ‫خارجا من اإلس�ل�ام ومن‬ ‫والكفر‪ ،‬بين اإلس�ل�ام والكفر‪ ،‬يصبح ً‬ ‫األمة اإلس�ل�امية ما دام يتحدث عن بغضه لرس���ول هلل‪ ،‬أو عن‬ ‫كف���ره برس���ول اهلل‪ ،‬وكما قلنا الق���رآن قدَّم ش���هادة َّ‬ ‫مؤكدة‬ ‫له���م باعترافه���م بنبوة رس���ول اهلل وإقرارهم به���ا } َن ْ�ش�� َهدُ �إِن ََّك‬ ‫َل َر ُ�س ُ‬ ‫��ول اللهَّ ِ {‪ ،‬ع���اد معهم زيادة (ال�ل�ام) للتأكيد‪ ،‬ولكن ال بد‬ ‫م���ن أن يكون هناك‪ً -‬‬ ‫أيضا‪ -‬عالم���ات فارقة‪ ،‬األمة بحاجة إلى‬ ‫هذا (عالمات فارقة) تكش���ف‪ -‬ليس فقط المس���لم من الكافر‪-‬‬ ‫المسلم من المنافق‪ ،‬داخل األمة ال بد من حالة فرز‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫حالة الفرز سنة إلهية‬ ‫اهلل [س���بحانه وتعال���ى] م���ن أعظم م���ا قدَّمه م���ن هدى في‬ ‫كتابه الكريم أنه َّ‬ ‫أكد لنا ً‬ ‫س���نة من س���ننه‪ ،‬سنة إلهية ضمن‬ ‫أس���لوب اهلل‪ -‬إن ص���ح التعبير‪ -‬ضمن الطريق���ة التي يعتمدها‬ ‫اهلل مع عباده‪ ،‬هي‪ :‬حال���ة الفرز‪ ،‬حالة االختبار‪ ،‬حالة الغربلة‪،‬‬ ‫حالة التنقية‪ ،‬حالة الكشف للحقائق‪ ،‬أن يميز اهلل الخبيث من‬ ‫الطيب‪ ،‬اهلل قال في القرآن الكريم } َّما َكانَ اللهّ ُ ِل َي َذ َر ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ‬

‫ِيز ال َْخ ِب َ‬ ‫��م َع َل ْي ِه َحت ََّى َيم َ‬ ‫يث مِ��نَ َّ‬ ‫الط ِّي ِب{‬ ‫َع َل��ى َما �أَن ُت ْ‬ ‫َّا���س �أَن ُيت َْر ُك��وا َ�أن َي ُقو ُلوا �آ َمنَّ��ا َوهُ ْم لاَ‬ ‫اآلي��ة‪�} ،]179:‬أَ َح ِ�س َ‬ ‫��ب الن ُ‬ ‫��م َف َل َي ْع َل َم َّن اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ‬ ‫ُي ْف َتنُ��ونَ (‪َ )2‬و َل َق ْ‬ ‫��د َف َتنَّا ا َّل ِذينَ ِمن َق ْب ِل ِه ْ‬ ‫َ�صدَ ُقوا َو َل َي ْع َل َم َّن ا ْل َكا ِذ ِبينَ {[العنكبوت‪.]3-2 :‬‬

‫[آل عمران من‬

‫اهلل ال يقب���ل بالتضلي���ل‪ ،‬بالدج���ل‪ ،‬بالتزيي���ف‪ ،‬وأن ال يكون‬ ‫هناك م���ا يميز‪ ،‬ما يفرز‪ ،‬ما يبين‪ ،‬ما يكش���ف‪ ،‬ما يجّلي الناس‪،‬‬ ‫يجّل���ي الحقائ���ق‪ ،‬يجّل���ي المس���ارات‪ ،‬حت���ى يك���ون كل ش���يء‬ ‫واضح���ا‪ ،‬هذه من حكمة اهلل‪ ،‬وم���ن عدله‪ ،‬ومن عزته‪ ،‬ما يترك‬ ‫ً‬ ‫األم���ور كذا‪( :‬يجو الناس مخبوصي���ن) يجي لك بعض الناس‬ ‫مخبوص ومشوش‪ ،‬يقول‪[ :‬يا أخي‪ ،‬ما عاد درينا وين هو الحق‪،‬‬ ‫اهلل ينص���ر الحق‪ ،‬ووو‪ ،‬م���دري ويش هو ذاك‪| ،]...‬ال|‪ ،‬اإلس�ل�ام‬ ‫أرقى من هذا‪ ،‬طريق الهداية اإللهية أعظم وأس���مى‪ ،‬اهلل َّ‬ ‫"جل‬ ‫شأنه" الذي هو نور السماوات واألرض ال يمكن أن يترك عباده‬

‫‪56‬‬

‫الذين ينتمون إلى دينه في حير ٍة من أمرهم‪ ،‬في حالة التباس‪،‬‬ ‫في حالة تش���ويش‪ ،‬في حالة اضطراب‪ ،‬ما هناك نور‪ ،‬ما هناك‬ ‫معال���م‪ ،‬ما هناك أع�ل�ام‪ ،‬ما هن���اك حقائق‪ ،‬حالة ملتبس���ة‪ ،‬ما‬ ‫الذي أس���مى اهلل به كتابه الق���رآن الكريم؟ الفرق���ان } َت َبا َر َك‬

‫��د ِه ِل َي ُكونَ ِل ْل َعا َلمِينَ َن ِذير ًا{‬ ‫ا َّل ِذي َنز ََّل ا ْلف ُْر َقانَ َع َلى َع ْب ِ‬

‫[الفرقان‪:‬‬

‫اآلية‪ ،]1‬ما الذي أس���مى به حتى حوادث تاريخية‪ ،‬مثل‪ :‬يوم بدر؟‬ ‫(يوم الفرقان)‪.‬‬ ‫القرآن الكريم هو نور‪ ،‬اإلس�ل�ام في قرآنه‪ ،‬وفيما قدَّمه نبيه‬ ‫ورسوله خاتم األنبياء وسيد الرسل محمد ‹صلوات اهلل عليه وعلى‬ ‫ينور لها‪ ،‬ما يكش���ف لها معالم‬ ‫يبي���ن لها‪ ،‬ما ِّ‬ ‫آل ��ه› قدَّم لألمة ما ِّ‬ ‫الطري���ق إلى الجن���ة‪ ،‬إلى مرض���اة اهلل [س���بحانه وتعالى]‪ ،‬إلى‬ ‫يبين‪ ،‬ما يجِّلي‪،‬‬ ‫الحق‪ ،‬قدَّم من البصائر والدالئل ما يوضح‪ ،‬ما ِّ‬ ‫ما يضمن لإلنس���ان الس���ير في الصراط المستقيم‪ ،‬هذا هو اهلل‬ ‫[سبحانه وتعالى] في نوره‪ ،‬في هديه‪ ،‬في رحمته‪ ،‬في عدله‪ ،‬في‬ ‫عزته‪ ،‬في حكمته‪.‬‬ ‫الذين يتهمون المنهج اإلس�ل�امي بالتش���ويش واالضطراب‬ ‫يبي���ن‪ ،‬واألحداث كذلك‪،‬‬ ‫وااللتب���اس‪ ،‬وليس فيه ما يميز‪ ،‬وال ِّ‬ ‫والواق���ع كذل���ك‪ ،‬وأن األمة هذه تركت في ه���ذه الحالة من‬ ‫العم���ى والتخبط؛ ه���م يتهم���ون اهلل‪ ،‬يتهمون اهلل ف���ي حكمته‪،‬‬ ‫يتهمون���ه في عدله‪ ،‬يتهمون���ه في رحمته‪ ،‬يتهمون���ه في علمه؛‬ ‫ألنه���م ي���رون أن���ه تركن���ا هك���ذا‪ ،‬نح���ن عبي���ده المس���اكين‪،‬‬

‫‪57‬‬

‫المس���تضعفين‪ ،‬المبهذلين‪[ ،‬ما ندري ما هو الحق‪ ،‬وأين نسير‪،‬‬ ‫وم���ا هي المس���ألة‪ ،‬وأي���ن هو الصح م���ن الغل���ط‪ ،‬وكل األمور‬ ‫ملتبس���ة‪ ،‬ولم نعد ندري ما هو الصح والغلط‪ ،‬ومن هو المؤمن‬ ‫ومن هو المنافق‪ ،]...‬ال |ال|‪ ،‬ليس���ت المس���ألة كذلك أبدًا‪ ،‬إنما‬ ‫ه���ذا نت���اج الجه���ل‪ ،‬أو‪ -‬أحيا ًنا‪ -‬القي���ود المكبلة م���ن العصبية‬ ‫والعمى تجعل اإلنسان على هذا النحو‪.‬‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› يقدم هو في حب���ه‪ ،‬في نهجه‪ ،‬في‬ ‫اإلم���ام ٌ‬ ‫شخصيته‪ ،‬في منهجه‪ ،‬في ما جسده من قيم هذا الدين‪ ،‬ومبادئ‬ ‫ه���ذا الدين‪ ،‬وأخالق ه���ذا الدين‪ ،‬وتعاليم ه���ذا الدين‪ ،‬هو ِّ‬ ‫يمثل‬ ‫االمتداد األصيل لإلسالم‪ ،‬النموذج األصيل لإلسالم‪ ،‬وحركة‬ ‫النف���اق ه���ي حركة تزيي���ف‪ ،‬تعمد إلى أن تأخذ من اإلس�ل�ام‬ ‫م���ا يالئمها‪ ،‬وما يالئ���م الطاغوت‪ ،‬وترمي ع���رض الحائط من‬ ‫اإلسالم‪ ،‬من تعاليمه‪ ،‬من مبادئه‪ ،‬من قيمه‪ ،‬ما ال يناسب الطغاة‬ ‫والظالمين والمستكبرين‪ ،‬وما ال يناسب الطاغوت واالستكبار‪،‬‬ ‫وتتأقلم بما بقي لها من طقوس وش���كليات ُف ِّرغت وفصلت عن‬ ‫الجوان���ب األخرى من اإلس�ل�ام والدين‪ ،‬تتالءم م���ع الطاغوت‪،‬‬ ‫وتولف وتقدم ش���كلاً معي ًنا عن اإلس�ل�ام ينسجم‪ ،‬يعني‪ :‬مسلم‬ ‫ينسجم كل االنس���جام مع ترامب ونتنياهو‪ ،‬مع إسرائيل‪ ،‬مع‬ ‫إمام���ا للحرم المك���ي‪ ،‬ويذهب ليزور‬ ‫أمري���كا‪ ،‬وق���د يكون حتى ً‬ ‫إلى أمري���كا‪ ،‬ويبارك قيادتها للبش���رية‪ ،‬ويَع َت ِبر ذلك يعني في‬ ‫س���ياق التوفيق اإللهي الكبير للبش���ر [ما ش���اء اهلل العظيم أي‪:‬‬

‫‪58‬‬

‫يكون قائدهم مثل ترام���ب‪ ،‬ومثل ذوالك األمريكيين‪ ،‬وذوالك‬ ‫الطغاة!!]‪ ،‬هكذا ً‬ ‫أيضا‪.‬‬

‫أصالة اإلمام علي تكشف حركة النفاق‬ ‫فحركة النفاق هذه ما هو أعظم ما يكشفها؟ ما هي العالمة‬ ‫الفارق���ة الس���هلة القريبة التن���اول؟ اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪،‬‬ ‫ال يس���تطيع المنافقون أن ينس���جموا أبدًا م���ع اإلمام علي ‹عليه‬ ‫السالم›‪ ،‬هم ال يحبونه‪ ،‬يبغضونه‪ ،‬المنافق ال ينسجم مع اإلمام‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬قد يس���تطيع منافق معين‪ -‬وقد يكون حتى‬ ‫بطبيعة مس���اره في هذه الحياة‪ -‬يقدِّم نفس���ه على أنه متدين‪،‬‬ ‫قد يطيل لحيته‪ ،‬عملية س���هلة ج���دًّا عملية إطالة اللحية‪ ،‬ما‬ ‫تحتاج إلى مش���كلة كبيرة‪ ،‬خاصة بعضهم كثيف الشعر‪ ،‬قد‬ ‫يتخذ إجراءات معينة‪ ،‬قد يتقن عملية السواك‪ ،‬قد يتقن ً‬ ‫بعضا‬ ‫من األمور‪ ،‬وقد يظهر عابدًا متنس ًكا‪ ،‬وقد يجيد تالوة القرآن‪...‬‬ ‫إماما‬ ‫ش���كليات كثيرة‪ ،‬قد يكون خطي ًبا في مس���جد‪ ،‬قد يكون ً‬ ‫في مس���جد‪ ،‬قد يكون تحت اس���م داعية‪ ،‬ويتق���ن فن الخطابة‪،‬‬ ‫وي���كاد أن يحطم مكبرات الصوت في المناب���ر‪ ،‬ووو‪...‬الخ‪ .‬ولكن‬ ‫سيصل عند علي بن أبي طالب ويواجه مشكلة‪ ،‬يواجه مشكلة‪،‬‬ ‫خالص‪ ،‬ما يتحمل يعني‪ ،‬هذه أصالة اإلمام علي ‹عليه السالم›‪،‬‬ ‫أصال���ة اإلمام علي التي ال تقب���ل النفاق وال المنافقين‪ ،‬أصالة‬ ‫عجيبة جدًّا وآية‪ ،‬هذه آية‪ ،‬ما يتحمل حتى لو جامل‪ ،‬مجاملة‬

‫‪59‬‬

‫يش���وبها الكثير من التنقص‪ ،‬يعني إذا أضط���ر اضطرا ًرا‪ ،‬يقول‬ ‫ل���ك‪[ :‬اإلمام علي صح رجل جيد‪ ،‬لكن ولكن ولكن ولكن ولكن‪،‬‬ ‫وانتبه���وا من حبه؛ ألن���ه خطير جدًّا]‪ ،‬يجعل م���ن محبة اإلمام‬ ‫علي ‹عليه السالم› مسألة خطيرة للغاية‪ ،‬ومحفوفة بالمحاذير‪،‬‬ ‫[ويج���ب أن تنتبه‪ ،‬وال تزيّد‪ ،‬وال تس���وي‪ ،‬وال‪ ،]...‬وقائمة طويلة‬ ‫من المحاذير التي ال يقدمها عند الحديث عن أي شخص آخر‪،‬‬ ‫يحتاج يطلع معه مشكلة مع اإلمام علي‪ ،‬مع أن حركة النفاق‬ ‫افتضحت في س���عيها الدؤوب لتغييب اإلمام علي من المش���هد‬ ‫نهائ ًيا‪ ،‬هي تس���عى لذلك‪ ،‬ولكنها فش���لت عبر التاريخ بكله‪ ،‬وإال‬ ‫فهي تس���عى‪ ،‬وكلم���ا كان هناك جهة في األم���ة أكثر نفا ًقا‬ ‫ً‬ ‫سلبية في موقفها من اإلمام علي ‹عليه‬ ‫وأسوء نفا ًقا كانت أشد‬ ‫الس�ل�ام›‪ ،‬أشد سلبية وأكثر سلبية‪ ،‬وتبدو في جفائها ُّ‬ ‫وتنكرها‬ ‫(((‬ ‫بشكل أكبر وأوضح‪.‬‬ ‫لإلمام علي ‹عليه السالم› ٍ‬ ‫"علي مع القر�آن والقر�آن مع علي"‬ ‫ٌ‬

‫‪ ‬حديث آخر قاله رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› وهو‪:‬‬ ‫عل��ي م��ع الق��ر�آن والقر�آن مع عل��ي)) حديث يؤك���د اقتران‬ ‫(( ٌ‬ ‫اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› بالق���رآن في مواقفه‪ ،‬في توجهاته‪ ،‬في‬ ‫مس���ار حياته‪ ،‬في معارفه‪ ،‬فيما يقدمه لإلس�ل�ام وعن اإلسالم‪،‬‬

‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫فه���و مقترن بالق���رآن‪ ،‬مواقفه مواقف الق���رآن‪ ،‬معارفه معارف‬ ‫القرآن‪ ،‬سياس���ته سياس���ة الق���رآن‪ ،‬منهجه في الحي���اة قرآني‪،‬‬ ‫تطل���ع إلى اإلمام ‹عليه الس�ل�ام› من هذا الموقع ((علي مع الحق‬ ‫والحق مع علي))‪.‬‬ ‫"يحب اهلل ور�سوله ويحبه اهلل ور�سوله"‬

‫وهك���ذا نجد هن���اك الكثي���ر والكثير من النص���وص حديث‬ ‫الراي���ة في قصة خيبر عندم���ا قال النبي ‹صل���وات اهلل عليه وعلى‬ ‫آل ��ه›‪(( :‬لأعطي��ن الراية غد ًا رج ًال يحبه اهلل ور�س��وله ويحب‬ ‫اهلل ور�سوله كرار غير فرار يفتح اهلل على يديه))‪.‬‬ ‫الحظ���وا هذا الن���ص كيف يتحدث ع���ن اإلمام عل���ي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام› يحبه اهلل ورس���وله‪ ،‬كيف ال نحب هذا الرجل العظيم‬ ‫ال���ذي حظ���ي بالمحب���ة المؤك���دة التي أخب���ر عنها الرس���ول‬ ‫م���ن اهلل ومن رس���وله؟! كيف ال نحبه؟! وكيف ال ننش���د إلى‬ ‫ش���خصية بهذه العظم���ة‪ ،‬بهذا المس���توى‪ ،‬بهذا الق���در الكبير‬ ‫والمنزل���ة الرفيع���ة العالية؟! ولماذا س���يحبه اهلل ورس���وله إال‬ ‫لكماله اإليماني‪.‬‬ ‫علي وعلى‬ ‫ه���ذا النص يقطع لنا قطعاً على باطن وس���ريرة ٌ‬ ‫نيته‪ ،‬على س���ريرته وعالنيته‪ ،‬رجل إيمانه محقق يشهد له اهلل‬ ‫ويشهد له رسوله بكمال إيمانه‪.‬‬

‫‪61‬‬

‫ه���ذه المحبة هي وس���ام ش���رف وهي في نف���س الوقت هي‬ ‫دليل قاطع عل���ى كماله اإليماني على عظمت���ه الرفيعة عند‬ ‫اهلل س���بحانه وتعالى‪ ،‬منزلته العالية عند اهلل س���بحانه وتعالى‬ ‫ومرتبته اإليمانية العالية‪ ،‬ويحب اهلل ورس���وله‪ ،‬كذلك نفس‬ ‫الش���يء ش���هادة ل���ه بمحبته للهّ ورس���وله بكل ما يلح���ق بها من‬ ‫كمال إيماني ومواصفات إيمانية‪.‬‬ ‫ثم نجد الكثير والكثير من النصوص هذه بعض منها هناك‬ ‫السني هناك كتب بأكملها‪،‬‬ ‫كتب بأكملها حتى في التراث ّ‬ ‫اس���مها كتب المناقب‪ ،‬كتب الفضائل‪ ،‬مقام علي ‹عليه السالم›‬ ‫في األمة قال عنه ابن عباس رضوان اهلل عليه قال‪( :‬ما من آية‬ ‫وعلي أميرها وش���ريفها) هو صالح‬ ‫فيها ثناء على المؤمنين إال ٌ‬ ‫المؤمني���ن‪ ،‬ه���و أكم���ل المؤمني���ن‪ ،‬كل ثناء عل���ى المؤمنين‬ ‫(((‬ ‫ينطبق عليه‪.‬‬

‫•••‬

‫((( ذك ��رى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لل�سيد عبد الملك حفظه اهلل‬ ‫لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫المسار الثالث‪ :‬جانب من حياته اإليمانية الجهادية‬ ‫إذا أتيت إلى القرآن الكريم لتعرف جوانب اإليمان ومجاالت‬ ‫اإليم���ان تج���د أن م���ن أهم ما ف���ي اإليمان من أخ�ل�اق وأعمال‬ ‫ومس���ؤوليات ويرتبط به أش���ياء كثيرة هو الجهاد في س���بيل‬ ‫اهلل‪ ،‬وه���و أيضاً فضيلة عظيمة وش���رف كبير ومنزلة عالية‬ ‫عند اهلل س���بحانه وتعالى‪ ،‬وفيه أيضاً الداللة التي تدل بوضوح‬ ‫عل���ى حقيقة اإليم���ان فنجد اهلل س���بحانه وتعالى ف���ي القرآن‬ ‫الكري���م يتح���دث عن الجهاد في س���بيله كصف���ة إيمانية من‬ ‫أهم الصفات اإليمانية‪ ،‬ونج���ده يتحدث عنه كمنزلة رفيعة‬ ‫اع ِدينَ �أَ ْج ًرا َع ِظي ًما‬ ‫وعالية } َو َف َّ�ض َل ا ُ‬ ‫اه ِدينَ َع َلى ا ْل َق ِ‬ ‫هلل ال ُْم َج ِ‬

‫��ر ًة َو َر ْح َم ً‬ ‫��ة َو َكانَ اهلل َغفُ ��و ًرا َر ِحي ًم��ا{‬ ‫• َد َر َج ٍ‬ ‫��ات ِمنْ��هُ َو َم ْغ ِف َ‬

‫(النساء‪.)96 – 95:‬‬ ‫اإلمام علي ‹عليه السالم› كان جهاده في سبيل اهلل وإسهامه‬ ‫الكبير جداً في مواجهة أعداء اإلس�ل�ام وفي الدفاع عن اإلسالم‬ ‫وع���ن األمة وفي اإلس���هام الكبير ف���ي إقامة ه���ذا الدين كان‬ ‫متميزاً نس���تطيع القول ما بعد النب���ي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪،‬‬ ‫لي���س ألحد م���ن أتباعه وال من أصحابه وال م���ن أنصاره ما هو‬ ‫لإلمام علي ‹عليه السالم› في هذا الجانب‪.‬‬ ‫ف���كان جهاده وإس���هاماته ومواقفه وعناؤه الكبير في س���بيل‬ ‫اهلل واستبس���اله وفدائيت���ه العالية جداً في س���بيل اهلل س���بحانه‬

‫‪63‬‬

‫وتعالى وطول مسيرة اإلس�ل�ام وفي كل المشاهد والمقامات‬ ‫والمواق���ف الكبي���رة في اإلس�ل�ام كان كل ذل���ك متميزاً بين‬ ‫أتباع الرسول أكثر من أي شخص آخر بين المسلمين‪.‬‬ ‫وهذا أيضاً نتاج لتلك التربية من النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى‬ ‫آل ��ه›‪ ،‬لم َت ِض ْع جهود النب���ي في تربيته‪ ،‬لم َت ِض ْع عبثا أبداً‪ ،‬جهو ٌد‬ ‫أثمرت أيَّما ثم���رة عظيمة‪ ،‬وأثمرت أيَّما أثراً عظيماً‪ ،‬وكانت‬ ‫في نفس الوقت ش���اهداً على عظمة اإلس�ل�ام نفس���ه‪ ،‬ألن علياً‬ ‫هو صنيعة اإلس�ل�ام‪ ،‬أثر اإلس�ل�ام‪ ،‬كل ما فيه من أثر هو أثر‬ ‫أخالق اإلسالم‪ ،‬لقيم اإلسالم لمعارف اإلسالم‪.‬‬ ‫وبجهد وبسعي وبتربية من النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪،‬‬ ‫فالمعل���م والمربي هو النب���ي‪ ،‬والذي رباه به وعلمه به وأنش���أه‬ ‫عليه هي أخالق اإلس�ل�ام‪ ،‬معارف اإلسالم‪ ،‬قيم اإلسالم‪ ،‬فكان‬ ‫ش���اهداً للنبي وش���اهداً لإلس�ل�ام وعل���ى عظمة هذا اإلس�ل�ام‪،‬‬ ‫وتجل���ت في���ه قيم ه���ذا الدي���ن وأخالق ه���ذا الدين عل���ى أرقى‬ ‫مس���توى‪ ،‬هناك مس���لمون عظم���اء‪ ،‬هناك أيضا م���ن الصحابة‬ ‫من ب���رزوا عظماء ف���ي إيمانهم في عطائهم ف���ي جهادهم‪ ،‬في‬ ‫صبرهم‪ ،‬ولكن ليس بمس���توى ما كان علي���ه اإلمام علي ‹عليه‬ ‫السالم›‪ ،‬وليس بمستوى ما وصل إليه اإلمام علي ‹عليه السالم›‪.‬‬ ‫والنب���ي ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آل���ه› أواله اهتماماً خاصاً وفي‬ ‫نف���س الوقت كانت قابليته أعلى م���ن قابلية غيره‪ ،‬لم يمتلك‬

‫‪64‬‬

‫أحد من المس���لمين م���ن قابلية بقدر ما امتل���ك هو من قابلية‬ ‫عالي���ة في نفس���ه وفي مداركه وفي مش���اعره وفي إحساس���ه‬ ‫وف���ي وجدانه وف���ي قدراته وفي طاقته إلى آخ���ره‪ ،‬فكان جهاده‬ ‫ومسيرته الجهادية على نحو عظيم‪ ،‬ولذلك تستطيع الحديث‬ ‫ع���ن الجانب الجهادي بالنس���بة لإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› من‬ ‫جوانب متعددة‪.‬‬ ‫أو ً‬ ‫ال‪ :‬ه���و بط���ل اإلس�ل�ام‪ ،‬بين تالمذة الرس���ول وبي���ن أتباع‬ ‫الرس���ول ‪ -‬بي���ن المس���لمين ‪ -‬م���ا من أح��� ٍد يصل إلى مس���توى‬ ‫اإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› في بطولت���ه في ثباته في ش���جاعته‬ ‫ً‬ ‫معنوية عالية‪ ،‬وصنعها‬ ‫ف���ي قوته المعنوية‪ ،‬كان يمتلك ق���و ًة‬ ‫فيه اإلس�ل�ام والرسول‪ ،‬ووهبه اهلل س���بحانه وتعالى هذه الهبة‬ ‫العظيم���ة والعالي���ة‪ ،‬فاإلمام علي ‹علي���ه الس�ل�ام› كان يمتلك‬ ‫طاقة معنوية وقوة معنوية عالية جداً‪ ،‬ألنها ليس���ت فقط قو ًة‬ ‫ً‬ ‫شجاعة غريزية ‪.‬‬ ‫غريزية‪ ،‬البعض يمتلكون‬ ‫أكيد يتوفر لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› الش���جاعة الغريزية‬ ‫ولك���ن قد تك���ون الق���وة الغريزية في���ك والفط���رة الربانية قد‬ ‫تكون بمس���توى معين‪ْ ،‬‬ ‫إن َ‬ ‫أنت قمت بتنميتها وتنشئتها والرفع‬ ‫من مس���تواها واإلعالء من ش���أنها وكان لدي���ك القابلية نمت‬ ‫وتعاظمت وتجذرت وتمكنت وأثمرت‪.‬‬ ‫وإن أن���ت لم تنم هذه الفطرة ولم تس���ع إل���ى التفاعل معها‬

‫‪65‬‬

‫تبقى في مس���توى محدود وأحياناً اإلنس���ان ق���د يضرب فطر ًة‬ ‫ً‬ ‫أص�ل�ا فال يس���تفيد منها وتكاد‬ ‫معينة في نفس���ه ق���د يضربها‬ ‫أن تنع���دم فيه ٌ‬ ‫ف���كل منا يمنحه اهلل في فطرته أش���ياء عظيمة‪،‬‬ ‫أشياء مهمة‪ ،‬أشياء ذات قيمة‪ ،‬وكل الملكات الالزمة لإلنسان‬ ‫التي يحتاج إليها في حياته للصالح وللخير وللتقوى وللرشد‬ ‫ولالرتقاء اإلنساني واألخالقي ٌ‬ ‫كل منا يمنحه اهلل في فطرته‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫لك���ن إذا كان إل���ى جان���ب ه���ذه الفط���رة تنمي���ة وتنش���ئة‬ ‫وبن���اء وارتق���اء نم���ت وتعاظم���ت وأثم���رت‪ ،‬وهذا ه���و ما كان‬ ‫بالنس���بة لإلم���ام عل���ي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬إلى جانب ذل���ك كان له‬ ‫األث���ر اإليماني إلى جانب الفط���رة التي فطره اهلل عليها ونمت‬ ‫وتعاظمت بفعل التربية‪ ،‬بفعل التنش���ئة اإليمانية المباركة‬ ‫والتنمية األخالقية والتنمية اإلنس���انية والبيئة الراقية التي‬ ‫ترب���ى فيه���ا‪ ،‬الى جان���ب ذلك األث���ر اإليماني؛ ولذل���ك قدم اهلل‬ ‫س���بحانه وتعالى هذا االستبسال‪ ،‬وهذه الفدائية العالية‪ ،‬وهذه‬ ‫الطاقة المعنوية العالية ‪ -‬في سبيل اهلل ‪ -‬قدمها اهلل في القرآن‬ ‫ً‬ ‫��ري َنف َْ�س��هُ‬ ‫َّا�س َم ْن َي ْ�ش ِ‬ ‫تقدمة إيمانية قال اهلل تعالى‪َ } :‬ومِنَ الن ِ‬ ‫هلل َر ُء ٌ‬ ‫هلل َوا ُ‬ ‫ات ا ِ‬ ‫وف ِبا ْل ِع َبا ِد{ (البقرة‪.)207:‬‬ ‫اء َم ْر َ�ض ِ‬ ‫ا ْب ِت َغ َ‬ ‫يذكر المفس���رون ويروي ال���رواة أن أول وأعظم مصاديق‬ ‫ه���ذه اآلية من أبناء اإلس�ل�ام من أتباع الرس���ول هو اإلمام علي‬ ‫‹علي ��ه الس�ل�ام›‪ ،‬أول مصاديقها من أبناء األمة وم���ن أتباع النبي‬

‫‪66‬‬

‫هو اإلم���ام علي ونعني بأنه أول مصاديقه���ا أن اآلية ال تخصه‬ ‫اء‬ ‫َّا�س َم ْ‬ ‫��ن َي ْ�ش ِ‬ ‫وه���ي ال تعني���ه فقط } َومِ��نَ الن ِ‬ ‫��ري َنف َْ�س��هُ ا ْب ِت َغ َ‬ ‫��ات اهللِ{ هي تش���مل كل من يبيع نفسه من اهلل ويتجه‬ ‫َم ْر َ�ض ِ‬ ‫هذا التوج���ه (ابتغاء مرضاة اهلل) من اتج���اه صحيح وفي اتجاه‬ ‫صحيح وسليم ال تشوبه شوائب باطلة وال محبطة‪.‬‬ ‫ولكن أرقى من فعل ذلك أعلى ش���أناً من ذلك أكمل إيماناً‬ ‫م���ن فع���ل ذلك أص���دق من فعل ذلك م���ن أتباع رس���ول اهلل من‬ ‫األمة اإلس�ل�امية‪ ،‬وأولهم في المرتب���ة األولى‪ ،‬األول من أبناء‬ ‫اإلسالم من أتباع النبي هو علي بن ابي طالب ‹عليه السالم› ‪.‬‬ ‫فأن���ت تتطل���ع إلي���ه كجن���دي من جن���ود اإلس�ل�ام إذا أنت‬ ‫تجاهد في س���بيل اهلل تتطلع إلى هذا الجندي الذي سبقك من‬ ‫جنود النبي من جنود اإلس�ل�ام وه���و علي بن أبي طالب‪ ،‬كيف‬ ‫وس ُ‬ ‫بق علي‬ ‫كان على هذا النحو‪ ،‬وكيف كان الس���ابق أيضاً‪َ ،‬‬ ‫ف���ي اإلس�ل�ام كان س���بقاً في التصديق بالنبي رس���و ً‬ ‫ال وس���بقاً‬ ‫في كل فضائل اإلس�ل�ام‪ ،‬في كل مجاالت العمل اإلس�ل�امي‬ ‫العظيم���ة والمهمة‪ ،‬كان س���باقاً صادقاً س���باقاً يحمل روحية‬ ‫الس���بق في كل مجاالت اإلسالم‪ ،‬حينما يدعو النبي إلى شيء‬ ‫ويأمر بشيء ويحث على شيء فهو من يسبق إلى فعل ذلك‪.‬‬ ‫وسجلت الس���ير لإلمام علي ‹عليه السالم› من‬ ‫سجل التاريخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫المواق���ف البطولية والفدائية ومواقف االستبس���ال في س���بيل‬

‫‪67‬‬

‫ُسجل لغيره‪ ،‬حتى برز اإلمام علي ‹عليه السالم› ُعرف‬ ‫اهلل مالم ي َّ‬ ‫بين األمة اإلسالمية وبين البشرية كافة بأنه بطل اإلسالم‪،‬‬ ‫عظيم اإلس�ل�ام في جه���اده‪ ،‬عظيم أتب���اع النب���ي‪ ،‬عظيم رجال‬ ‫النب���ي‪ ،‬عظيم جن���وده‪ ،‬بطل جن���وده‪ ،‬صفوة جن���وده‪ ،‬ونتحدث‬ ‫بإيج���از جداً يعني ألن المعول ألن يس���تفيد الناس من التاريخ‬ ‫ٍ‬ ‫ومن السير في هذا الشأن ومن التراث اإلسالمي فيما ورد‪.‬‬ ‫فدائي في الإ�سالم‬ ‫علي ‹عليه السالم› �أول‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬

‫م���ن المواقف التي س���جلها التاريخ وس���جلتها الس���ير ليلة‬ ‫المبي���ت على فراش النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› بعد أن تآمر‬ ‫األعداء على قتله ألنه بعد أن أتى البعض من األوس والخزرج‬ ‫من األنصار إلى مكة وأسلموا وعزم النبي على الهجرة فتفاقم‬ ‫القل���ق لدى المش���ركين والكافري���ن في مكة‪ ،‬واتخ���ذوا قراراً‬ ‫بقت���ل النبي ‹صلوات اهلل عليه وعل���ى آله› والتخلص منه قت ً‬ ‫ال وأذن‬ ‫اهلل له بالهجرة‪.‬‬ ‫فالليلة التي تآمروا فيها على قتل النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى‬ ‫آله› وفق خطة أعدت سلفاً جمعوا فيها من كل بطن من بطون‬ ‫قريش مقات ً‬ ‫ال شرس���اً فتاكاً يحمل س���يفاً حاداً بغية أن يقتلوا‬ ‫النبي بضربة واحدة بس���يوفهم‪ ،‬فحسب قولهم يتفرق دمه في‬ ‫القبائل فيعجز بنو هاش���م عن الثأر له‪ ،‬ففي تلك الليلة بعد أن‬ ‫أعدوا خطتهم هذه وجهزوا لتنفيذها وأرسلوا أولئك المقاتلين‬

‫‪68‬‬ ‫للتنفيذ‪ .‬جبريل ‹عليه الس�ل�ام› بوحي من اهلل أخبر النبي ‹صلوات‬ ‫اهلل عليه وعلى آله› مسبقاً‪ ،‬وأعطاه اإلذن واألمر من اهلل بالهجرة‬ ‫ولكن لنجاح عملية الهج���رة والخروج من منزل النبي ‹صلوات‬ ‫اهلل علي ��ه وعلى آله› س���يما والم���كان الذي كان يبي���ت فيه النبي‬

‫كان مكاناً مكش���وفاً يتضح ما إذا كان النب���ي موجوداً أو غائباً‬ ‫كان البد من عملية تمويه حتى يتوهم أولئك أن النبي ال زال‬ ‫موجوداً بينما يتمكن هو بالخروج والهجرة‪.‬‬ ‫فالنب���ي ‹صل���وات اهلل عليه وعلى آل���ه› عندما أخب���ر اإلمام عل ًيا‬ ‫‹عليه السالم› بذلك كان جاه ًزا الفتداء النبي وقال نعم الكرامة‬ ‫وفرح بذلك واستبشر جداً أنه سيحظى بهذه المهمة الفدائية‬ ‫الت���ي يبيت فيها في فراش النبي حتى يتوهم أولئك األعداء أن‬ ‫النبي ال يزال في فراش���ه‪ ،‬وأنه يبيت في منزله فينتظروا حتى‬ ‫اللحظ���ة التي حددوه���ا لقتله فينقض���وا عليه لقتل���ه‪ ،‬وحينها‬ ‫يك���ون النبي ق���د خرج‪ ،‬وبات علي ‹عليه الس�ل�ام› في فراش النبي‬ ‫‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪.‬‬ ‫وعندم���ا هجم أولئك مع طلوع الفج���ر تفاجأوا‪ ،‬وثار فيهم‬ ‫اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› تفاجأوا ب���أن الموجود هو علي بن ابي‬ ‫طال���ب أم���ا النبي ‹صل���وات اهلل عليه وعل���ى آله› فلم يك���ن موجوداً‪،‬‬ ‫وكان قد خرج‪ ،‬قصة شهيرة في التاريخ وفي السير والحديث‬ ‫ٌ‬ ‫حديث واسع‪.‬‬ ‫عنها وما قبلها وأثناءها وبعدها‬

‫‪69‬‬ ‫هذه الليلة ُس���جلت في التاريخ وورد ع���ن النبي ‹صلوات اهلل‬ ‫عليه وعلى آله› بش���أنها مواقف أن اهلل باهى بعلي بعض مالئكته‪،‬‬

‫فدائي يجهز نفسه للشهادة‪،‬‬ ‫موقف‬ ‫كيف بقي تلك الليلة في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ويعد روحه للش���هادة‪ ،‬وحاضر للش���هادة في سبيل اهلل‪ ،‬في تلك‬ ‫‪ ‬اللحظ���ة وفي ذلك الموق���ف‪ ،‬ونزل قول اهلل س���بحانه وتعالى‪:‬‬

‫ات اهللِ{‬ ‫اء َم ْر َ�ض ِ‬ ‫َّا�س َم ْن َي ْ�ش ِ‬ ‫} َومِنَ الن ِ‬ ‫��ري َنف َْ�سهُ ا ْب ِت َغ َ‬

‫(البقرة‪)207:‬‬

‫ف���كان علي أول المؤمنين‪ ،‬أول جنود النبي من ط ّبق ذلك فعل ًيا‬ ‫مع النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪.‬‬ ‫علي ‹عليه السالم› في بدر‬ ‫ٌ‬

‫نأت���ي إلى مقام���ات أخ���رى كذل���ك باختصار ش���ديد‪ ،‬يوم‬ ‫��ر ِه َو ِبال ُْم�ؤْ ِمنِينَ {‬ ‫ب���در عندما ق���ال اهلل }هُ َو ا َّل ِ‬ ‫��ذي �أَ َّي��دَ َك ِب َن ْ�ص ِ‬ ‫(األنف��ال‪ )62:‬وكان أعظ���م هؤالء المؤمنين أث���راً يوم بدر وعطا ًء‬ ‫علي ‹عليه السالم› هو تميز بذلك وعرف‬ ‫وجهداً كان هو اإلمام ٌ‬ ‫ي���وم بدر ببطولت���ه وثباته واستبس���اله‪ ،‬استبس���اله العجيب في‬ ‫س���بيل اهلل‪ ،‬وجديته العالي���ة في القتال وأدائ���ه المتميز‪ ،‬عرف‬ ‫بذل���ك كله‪ ،‬وكان علي ‹عليه الس�ل�ام› حامل الراية راية النبي‬ ‫صل���وت اهلل علي���ه وعلى آل���ه‪ ،‬راية اإلس�ل�ام في يوم ب���در وفي‬ ‫مشاهد النبي كلها التي حضرها كان هو حامل الراية وكان‬ ‫دائم���اً وفي الع���ادة يوكل حم���ل الراية إلى من يع���رف بثباته‬ ‫واستبس���اله وشجاعته وتماس���كه وإقدامه وصبره‪ ،‬فكان اإلمام‬

‫‪70‬‬

‫علي ‹عليه السالم› هو حامل راية النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪.‬‬ ‫ف���ي يوم ب���در كان أول ما حدث ف���ي المعركة أن برز من‬ ‫جانب المش���ركين ثالثة مقاتلين هم‪ :‬عتبة بن ربيعة وأخوه‬ ‫ش���يبة وولده الوليد‪ ،‬كبار المش���ركين ومن أبطالهم‪ ،‬أبطال‬ ‫الش���رك والكفر‪ ،‬وتقدموا للمب���ارزة فقال النبي ‹صلوات اهلل عليه‬ ‫وعلى آله›‪ :‬قم يا علي‪ ،‬قم يا حمزة‪ ،‬وقم يا عبيدة بن الحارث‪ ،‬فقام‬ ‫الثالثة ودخلوا في أول مبارزة في المعركة ونتج عنها مقتل‬ ‫الذين خرجوا من المشركين‪ ،‬ونزل قول اهلل سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫��موا ِف��ي َر ِّب ِه ْم{ (الح��ج‪ )19:‬خصومة في‬ ‫}هَ َذانِ َخ ْ�ص�� َمانِ اخْ َت َ�ص ُ‬ ‫ربهم على اإلس�ل�ام وعلى الحق وعلى الدين اإلس�ل�امي‪ ...‬إلى‬ ‫آخ���ر اآليات بما فيها من ثناء على المؤمنين‪ ،‬بما فيها ً‬ ‫أيضا من‬ ‫كالم ووعيد ألعداء اهلل الكافرين‪.‬‬ ‫ف���ي ي���وم بدر من أَعج���ب ما نقل���ه المؤرخون أن علي���اً ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام› كان ل���ه أكب���ر إس���هام مع أنه���ا كان���ت أول معارك‬ ‫يخوضه���ا لك���ن كان له أكبر إس���هام ف���ي القت���ال لدرجة أن‬ ‫البع���ض من المؤرخين وأصحاب الس���ير أحصوا في إحصائية‬ ‫للقتلى من المش���ركين أن علياً قت���ل ُقرابة النصف من قتلى‬ ‫المشركين‪ ،‬أي‪ :‬نصف المعركة ُح ِس َب ْت عليه‪ُ ،‬قرابة النصف‬ ‫من قتلى المش���ركين كان هو من قتلهم‪ ،‬وكان معرو ًفا عنه‬ ‫أنه قت���ل صنادي���د األع���داء وأبطاله���م ومقاتليهم األش���داء بل‬ ‫إن بع���ض مقاتليه���م األش���داء‪ ،‬عندما تق���دم كان البعض من‬

‫‪71‬‬

‫المسلمين يتهرب من مواجهته فيكون علي من يتقدم ويواجه‪.‬‬ ‫في �أُ ُحد‪ :‬ال فتى �إال علي وال �سيف �إال ذو الفقار‬

‫أم���ا ف���ي ي���وم أح���د وم���ا أدراك ما ي���وم أح���د عندم���ا انهزم‬ ‫المسلمون وهرب الكثير منهم قال اهلل تعالى }�إِنَّ ا َّل ِذينَ َت َو َّل ْوا‬

‫ا�س�� َت َز َّل ُه ُم َّ‬ ‫�ض َما‬ ‫ال�ش�� ْي َطانُ ِب َب ْع ِ‬ ‫ِمن ُك ْ‬ ‫��م َي ْو َم ا ْل َت َقى ال َْج ْم َعانِ ِ�إ َّن َما ْ‬ ‫َك َ�س�� ُبوا{ (آل عم��ران‪ )155:‬وكذلك ق���ال }�إِ ْذ ُت ْ�ص��عِدُ ونَ َولاَ َت ْل ُوونَ‬ ‫��ول َي ْد ُع ُ‬ ‫��د َوال َّر ُ�س ُ‬ ‫��م{ (آل عم��ران‪.. )153:‬‬ ‫َع َل��ى �أَ َح ٍ‬ ‫وك ْم ِف��ي �أُخْ َر ُاك ْ‬

‫اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› كان له موقف متميز جدًا بثباته مع‬ ‫النب���ي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› يوم أحد‪ ،‬وفي صبره ومرابطته‬ ‫واستبس���اله العجيب جداً ما َق ْبل الفرار و َق ْبل الهزيمة وهروب‬ ‫األكثر من المسلمين‪.‬‬ ‫أيض���اً بع���د أن هربوا‪ ،‬قبل الفرار منهم وم���ا بعد الفرار‪ ،‬قبل‬ ‫الفرار كان ه���و قاتل أصحاب الرايات من المش���ركين فقتل‬ ‫معظمهم ومواقفه في ذلك مس���جلة‪ ،‬قتل فال ًنا وفال ًنا وفال ًنا‪.‬‬ ‫يذكرون باألس���ماء من األبطال الذين يعتم���د عليهم األعداء‬ ‫في بطولتهم‪ ،‬في دورهم القتالي‪ ،‬في شجاعتهم‪ ،‬في إقدامهم‪..‬‬ ‫ثم ما بع���د الفرار من جانب المس���لمين كان صموده كذلك‬ ‫صمودًا أسطوريًا وعجي ًبا جدًا‪ ،‬صمودًا ال نظير له‪.‬‬ ‫ثبت مع النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪ ،‬واستبسل هو‪ ،‬كسر‬ ‫جفن س���يفه ألنه في البداية ش���اعت شائعة عن استشهاد النبي‬

‫‪72‬‬

‫‹صل ��وات اهلل علي���ه وعلى آله› وهرب الكثير من المس���لمين فكس���ر‬ ‫اإلمام علي جفن سيفه وكان هذا صنيع من يريد أن يستشهد‬ ‫وليس في أمله أن يعيد س���يفه إلى جفنه‪ ،‬يريد أن يقاتل حتى‬ ‫يستشهد وحمل حملة على األعداء حتى كشفهم فوجد النبي‬ ‫ومغم���ى عليه فدافع عنه في‬ ‫جريحا‬ ‫‹صل ��وات اهلل علي���ه وعلى آله›‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫استبس���ال حت���ى عاد النبي ‹صل���وات اهلل عليه وعل���ى آله› وخرج من‬ ‫حالة اإلغماء وأفاق‪.‬‬ ‫واستبس���ل اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› مع قل���ة قليلة جدًا من‬ ‫اختالف‬ ‫الصابرين والثابتين يحصون بالعدد اليسير جدًا على‬ ‫ٍ‬ ‫في الروايات في ذلك ‪.‬‬ ‫من الثابت والمجمع عليه في التاريخ ثبات اإلمام علي ‹عليه‬ ‫السالم›‪ ،‬لم ينهزم فيمن انهزموا‪ ،‬واستبسل استبسالاً عجي ًبا جدًا‬ ‫ومنحه اهلل عو ًنا عجي ًبا جدًا‪ ،‬وهتفت له المالئكة وهو يستبسل‬ ‫ذلك االستبس���ال في ما أصبح معرو ًف���ا ومنقولاً لدى األمة (ال‬ ‫سيف إال ذو الفقار وال فتى إال علي)‪.‬‬ ‫فيم���ا يروى من أحداث أحد ما يروى ع���ن النبي ‹صلوات اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫محتدمة‬ ‫علي ��ه وعل ��ى آله› وس���لم أنه في أثن���اء المعركة وه���ي‬ ‫جدًا ما بعد هزيمة المس���لمين وما بع���د بقاء النبي بقلة قليلة‬ ‫م���ن الثابتي���ن وأبرز موقف كان ه���و موقف اإلم���ام علي ‹عليه‬ ‫السالم› بعد استشهاد حمزة واستشهاد من استشهدوا من أبطال‬ ‫المسلمين قرابة السبعين شهيداً‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫كان األع���داء يحرص���ون ‪ -‬ف���ي تلك اللحظ���ات ‪ -‬على قتل‬ ‫رئيسي لهم‪ ،‬فكانت كل آونة تتقدم كتيبة لهذا‬ ‫كهدف‬ ‫النبي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الهدف‪ :‬لالقتحام والس���عي إلى قتل النبي مباش���رة ‹صلوات اهلل‬ ‫جريحا ومثخ ًنا بجراحه وكان على‬ ‫عليه وعلى آل���ه› كان النبي‬ ‫ً‬ ‫جانبه جبريل ‹عليه الس�ل�ام› والبعض م���ن المالئكة حاضرون‪،‬‬ ‫ف���كان النبي يقول لإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› ي���ا علي ويأمره أن‬ ‫يتجه إلى تلك الكتيبة‪ ،‬ويوجهه أن يواجه تلك الكتيبة‪ ،،‬كلما‬ ‫أقبلت كتيبة أمر عل ًيا بالتصدي لها‪.‬‬ ‫عل���ي ‹علي���ه الس�ل�ام› يتج���ه إل���ى كل كتيبة تس���عى‬ ‫كان ٌ‬ ‫لالقتح���ام على النب���ي وقتله فيقتل فارس���ها وقائده���ا وبطلها‬ ‫وأهم الفرس���ان فيها فس���رعان ما تتراجع‪ ،‬تأتي كتيبة أخرى‬ ‫يقتل قائدها س���رعان ما تتراجع‪ ،‬تأتي كتيب���ة ثالثة وهكذا‪...‬‬ ‫ال ينفك يتصدى لهذه الكتيبة ثم يتحول إلى تلك الكتيبة في‬ ‫قتال واستبس���ال بش���كل عجيب‪ .‬فقال جبريل ‹عليه السالم›‪( :‬إن‬ ‫هذه لهي المواس���اة‪ ،‬فقال النب���ي‪�(( :‬إنه مني و�أن��ا منه))‪ ،‬فقال‬ ‫جبريل‪ :‬وأنا منكما)‪.‬‬ ‫هذا شرف ال يفوقه شرف أبدًا‪ ،‬فضيلة هذه ومنقبة عظيمة‬ ‫جدًا تدل على عالقة اإلمام علي ‹عليه السالم› بالنبي ‹صلوات اهلل‬ ‫عليه وعلى آله›‪.‬‬

‫‪74‬‬ ‫علي يوم الأحزاب‬ ‫ٌ‬

‫في ي ��وم األحزاب‪ ،‬هذا الي ��وم الذي صور اهلل س ��بحانه وتعالى‬ ‫حال المس ��لمين فيه بقول ��ه‪�} :‬إِ ْذ َجا�ؤُو ُكم ِّمن َف ْو ِق ُك ْم َومِنْ �أَ ْ�س�� َف َل‬

‫��م َو�إِ ْذ َز َ‬ ‫اج�� َر َو َت ُظنُّ��ونَ‬ ‫اغ��تْ ْ َ أ‬ ‫ال ْب َ�ص��ا ُر َو َب َل َغ ِ‬ ‫��ت ا ْل ُق ُل ُ‬ ‫��وب ا ْل َح َن ِ‬ ‫ِمن ُك ْ‬ ‫هلل ُّ‬ ‫��ديد ًا{‬ ‫ِب��ا ِ‬ ‫��ي ا ْل ُم ْ�ؤ ِمنُونَ َو ُز ْل ِز ُلوا ِز ْل َزا ًال َ�ش ِ‬ ‫الظ ُنو َنا هُ َنا ِل َك ا ْب ُت ِل َ‬

‫(األحزاب‪ )10 - 11‬خرج بطل قريش عمرو بن عبد ود العامري متحدياً‬ ‫للمس ��لمين فل ��م يبرز له أحد غي ��ر اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› وفي‬ ‫ذلك اليوم قال رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪(( :‬برز الإيمان‬ ‫كله لل�شرك كله)) برز اإلمام علي لرأس الشرك هذا فقتله فكانت‬ ‫بداية الهزيم ��ة المدوية للمش ��ركين الذين تحزب ��وا وتحالفوا‬ ‫حتى مع اليهود للقضاء نهائياً على اإلسالم والمسلمين‪.‬‬ ‫علي يوم خيبر‬

‫وف���ي خيبر وبع���د أن ُه ِزم المس���لمون مرتين ف���ي مواجهة‬ ‫اليهود في غياب علي ال���ذي كان مصاباً بالرمد في عينيه فال‬ ‫يبصر موضع قدميه‪ ،‬وعند ذلك قال النبي ‹صلوات اهلل عليه وعلى‬ ‫آل ��ه›‪(( :‬لأعطي��ن الراية غدً ا رج ًال يحب اهلل ور�س��وله ويحبه‬ ‫اهلل ور�س��وله‪  ،‬كرا ٍر غير فرار)) كرار غير فرار أي‪ :‬ال يعرف‬ ‫الف���رار كما غيره ممن س���بقوه‪ ،‬ثم دعا علي���اً وتفل في عينيه‬ ‫فشفيتا‪ ،‬وانطلق علي كالبرق يتقدم المسلمين فقتل قائدهم‬ ‫مرحباً وفتح حصن خيبر قبل أن يتكامل الناس‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫ً‬ ‫�شخ�صية متكاملة‬ ‫كان‬

‫اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› بقدر ما كان ف���ي دوره الجهادي‬ ‫وإسهاماته الكبيرة في إقامة اإلسالم‪ ،‬ومن واقع إيمانه العظيم‬ ‫الذي يتحرك فيه كان أيضاً ش���خصية إيمانية متكاملة‪ :‬في‬ ‫جه���اده‪ ،‬ش���جاعته‪ ،‬في بطوالت���ه‪ ،‬في صبره‪ ،‬في استبس���اله في‬ ‫سبيل اهلل‪ ،‬في روحه العالية‪.‬‬ ‫�أعلم الأمة‬

‫اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› كان ه���و أعلم األمة بع���د نبيها‪،‬‬ ‫هو تلميذ النبي الذي اس���تفاد منه ما لم يس���تفده غيره‪ ،‬ومثلما‬ ‫كبير في‬ ‫اختصاص‬ ‫كان النب���ي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› عل���ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نحو أكثر من غيره والنبي‬ ‫المجال التربوي استفاد ٌ‬ ‫علي على ٍ‬ ‫اع َي ٌ‬ ‫��ة{ (الحاقة‪ )12:‬قال‬ ‫بع���د أن نزل قوله تعال���ى‪َ } :‬و َت ِع َي َها �أُ ُذنٌ َو ِ‬ ‫فيم���ا روي عن���ه ورواه المس���لمون عنه‪" :‬س���ألت اهلل أن يجعلها‬ ‫أذن���ك يا علي" فكان اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› أول مصداق لهذه‬ ‫اآلي���ة ‪ ،‬أول مص���داق وأرقى مصداق من المس���لمين‪ ،‬من أتباع‬ ‫النبي‪  ‬لهذه اآلية ‪ ،‬األذن الواعية التي تستوعب وتسمع‪ ،‬تتلقف‬ ‫الهدى وتس���توعبه وال ينس���ى؛ لدعاء النبي له‪ ،‬لم يكن ينسى ما‬ ‫حفظه وتعلمه من معارف وعلوم‪ ...‬وإلى آخره‪.‬‬ ‫عل���ي كان في م���دى اهتمام���ه ف���ي أن يتعلم وأن‬ ‫واإلم���ام ٌ‬ ‫درجة عالية‪ ،‬من قال عن ذلك ‹عليه الس�ل�ام›‪( :‬ما‬ ‫يس���تفيد إلى‬ ‫ٍ‬

‫‪76‬‬

‫نوم عيني على عهد ر�س��ول اهلل حت��ى علمت ذلك اليوم‬ ‫دخ��ل ٌ‬ ‫ما نزل به جبريل ‹عليه الس�ل�ام› من حالل �أو حرام �أو �س��نّة �أو‬ ‫كتاب �أو �أمر �أو نهي وفي من نزل)‪.‬‬

‫الحظوا ه���ذه‪ ،‬اهتمام كبي���ر جداً‪( ،‬أذن واعية) يس���توعب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يحفظ‪ ،‬ال ينس���ى ما استوعبه‪ ،‬يمنحه اهلل الحفظ لذلك بدعاء‬ ‫النبي له‪ ،‬في نفس الوقت عناية‪ ،‬اهتمام كبير جدًا ‪ ،‬ال ينام إال‬ ‫وقد اس���توعب ما نزل في ذلك اليوم من جبريل ‪‹-‬عليه السالم›‪-‬‬ ‫نهي وفي من‬ ‫ح�ل�ال أو حرام أو س��� ّن ٍة أو‬ ‫م���ن‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أم���ر أو ٍ‬ ‫ن���زل‪ ،‬ارتقاؤه العمل���ي هو الذي أوصل���ه إلى قول النب���ي‪�(( :‬أنا‬ ‫وعلي بابها))‪.‬‬ ‫مدينة العلم ٌ‬ ‫ثم ه���و أُ ِّهل ‪ ،‬أُ ِّه���ل ليكون له ال���دور المس���تقبلي في األمة‪،‬‬ ‫ليكون ناقلاً لهذا العلم‪ ،‬ومؤتم ًنا على معارف اإلس�ل�ام‪ ،‬يحتاج‬ ‫إل���ى م���ن يؤتمن عليها‪ ،‬كم يدخل في من ينطق عن اإلس�ل�ام‬ ‫دجالين‪ ،‬م���ن مفترين‪ ،‬من‬ ‫م���ن محرفي���ن من كذابي���ن‪ ،‬م���ن ّ‬ ‫قائلي���ن على اهلل ما ل���م يقل‪ ،‬ومن مفترين على اإلس�ل�ام ومن‬ ‫مفترين على اإلسالم‪  ‬ما لم يقله‪.‬‬ ‫اليوم كم تعاني األمة من ش���خصيات كبيرة تقدم نفسها‬ ‫على أنها تنطق باس���م اإلس�ل�ام وليس هو مؤتمناً على اإلسالم‬ ‫عل���ي المؤتمن بعد رس���ول اهلل ‹صل���ى اهلل عليه وعل���ى آله›‪،‬‬ ‫ف���كان ٌ‬ ‫عل���ى هذا اإلس�ل�ام فيما يقدم���ه من معارف‪ ،‬عن هذا اإلس�ل�ام‬

‫‪77‬‬

‫وفيم���ا يتخذه من مواقف وق���رارات‪ ،‬وفيما ً‬ ‫أيضا ‪ -‬يحمله من‬‫أخالقي���ات‪ ،‬وفيما يحمل���ه من روحية تعبر عن���ه وهي أثر هذا‬ ‫اإلس�ل�ام‪ .‬هذا الجانب ً‬ ‫أيضا له مجاالته الواس���عة‪ ،‬وفيه الكثير‬ ‫والكثير‪.‬‬

‫•••‬

‫‪78‬‬

‫ذكرى حزينة‬ ‫في التاس ��ع عشر من ش ��هر رمضان من عام ‪ 40‬هجرية حدثت‬ ‫مأساة لألمة‪ ،‬مأساة للدين‪ ،‬مأساة للبشرية ‪ ،‬مأساة تفرض علينا‬ ‫أن نح ��زن لها في هذا العصر وفي كل عص ��ر‪ ،‬وكيف ال نحزن‬ ‫حديث أن ذلك الذي‬ ‫والرسول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› قد قال في‬ ‫ٍ‬ ‫يقت ��ل اإلمام عل ��ي بن أبي طالب ‹عليه الس�ل�ام› هو أش ��قى األمة‪،‬‬ ‫جلب الشقاء على هذه األمة من ذلك الزمان إلى اليوم‪.‬‬ ‫اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› بفضله‪ ،‬بمقامه‪ ،‬بس���بقه‪ ،‬بكماله‪،‬‬ ‫بعنائه الكبير‪ ،‬وجهاده المستمر المرير في سبيل إعالء كلمة‬ ‫اهلل‪ ،‬تحت راية رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›‪.‬‬ ‫كي���ف ال تكون ذك���رى حزينة أن نرى ذل���ك البطل‪ ،‬ذلك‬ ‫العظيم‪ ،‬ذلك ال َع َلم يس���قط شهيداً‪ .‬هل كان سقوطه ذلك في‬ ‫مواجهة مع أعداء اإلسالم فكان السيف الذي ُق ِتل به من خارج‬ ‫هذه األمة؟ إنه ولألسف الشديد‪ ،‬والذي يدل على الشقاء الذي‬ ‫وقع���ت فيه هذه األمة أن عل ًيا ‹صلوات اهلل عليه› يس���قط ش���هيدًا‬ ‫في عاصمة دولته‪ ،‬في باب محرابه‪ ،‬في ِف َنا ِء مس���جده‪ ،‬وس���ط‬ ‫وبسيف محس���وب على هذه األمة‪ ،‬وبمؤامرات من‬ ‫هذه األمة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قب���ل من أصبح فيما بعد خليفة يحكم هذه األمة‪ ،‬والكل تحت‬ ‫(((‬ ‫عنوان‪ :‬إسالم ومسلمين‪.‬‬ ‫((( من محا�ضرة لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه بمنا�سبة ا�ست�شهاد الإمام علي‬ ‫‹عليه السالم› لعام ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪79‬‬

‫أفي سالمة من ديني؟‬ ‫لقد كان اإلمام علي على علم عن رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه‬ ‫وعلى آله وسلم› يوم أن أخبره بأن لحيته َس ُت ْخ َضب من دم رأسه‪.‬‬

‫ه���ذا الخبر لو يأتي لش���خص منا ‪ -‬ربما ‪ -‬ق���د يكون مزعجاً‪ ،‬لو‬ ‫يأت���ي ه���ذا الخبر لش���خص منا قد ينظ���ر إلى ما حول���ه‪ ،‬ينظر‬ ‫إلى أس���رته‪ ،‬إلى أوالده‪ ،‬إلى ممتلكاته إل���ى مظاهر الحياة من‬ ‫حوله فيبدو متأس���فاً ويودِّع نفسه حيناً بعد حين وينتظر متى‬ ‫رأسه لحي َته‪ ،‬لكن علياً كان يهمه شيء واحد‪.‬‬ ‫يخضب د ُم ِ‬ ‫كيف أجاب على الرسول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›؟ قال‪:‬‬ ‫(يا ر�س��ول اهلل �أَ ِفي �س�لامة من ديني؟) أفي س�ل�امة من ديني‬ ‫يحصل هذا؟ (قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪� :‬إذ ًا ال �أبالي) مادام ديني سليماً‪.‬‬ ‫اإلمام علي عندما يقول بهذه العبارة يعطينا إشارة مهمة جداً‪،‬‬ ‫وكأن���ه يلحظ م���ن خالل ما يس���مع من رس���ول اهلل ‹صلى اهلل‬ ‫علي ��ه وعلى آله وس���لم› أنه س���يحصل ضالل‪ ،‬س���يحصل انحراف‪،‬‬ ‫س���تحصل فتن‪ .‬يهم ّ‬ ‫أي إنس���ان حريص على س�ل�امة نفسه أن‬ ‫يبحث عن سالمة دينه‪ ،‬وأن يحرص على سالمة دينه‪.‬‬ ‫ل���و كانت األمور عند اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› في رؤيته ‪-‬‬ ‫يوم قال له الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› بهذا الكالم ‪-‬‬ ‫أن هذه الرسالة ستسير بشكل طبيعي‪ ،‬وسيكون الناس كلهم‬ ‫هكذا يس���يرون بشكل صحيح جي ً‬ ‫ال بعد جيل َل َما سأل الرسول‪:‬‬

‫‪80‬‬

‫عما إذا كان قد ق���ال له‪ :‬إن‬ ‫(�أف��ي �س�لامة م��ن ديني؟) ناهي���ك َّ‬ ‫الذي سيقتله هو أشقى هذه األمة‪ْ ،‬‬ ‫أي من هذه األمة‪ ،‬وهو من‬ ‫وش���بهه بعاقر ناقة ثمود الذي‬ ‫يجلب الش���قاء على هذه األمة‪َّ ،‬‬ ‫جلب الش���قاء على تلك األمة فجعلها تستحق عذاباً شديداً من‬ ‫اهلل استأصل تلك األمة بأكملها‪.‬‬ ‫(�أفي �س�لامة من ديني يا ر�س��ول اهلل؟) ما أحوجنا إلى هذه‬ ‫ال كان قريناً‬ ‫المش���اعر! تجد اإلم���ام علياً تأكد أيضاً بأن���ه فع ً‬ ‫للق���رآن‪ ،‬وال ي���زال قرين���اً للق���رآن‪ ،‬أن ه���ذا هو منط���ق القرآن‬ ‫هلل َحقَّ ُت َقا ِت ِه َو َ‬ ‫ال َت ُمو ُت َّن‬ ‫نفس���ه‪َ } :‬يا َ�أ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا ا َّت ُقوا ا َ‬ ‫�إِ َّ‬ ‫ال َو�أَن ُت��م ُم ْ�س�� ِل ُمونَ {(آل عم��ران‪ )102:‬أليس هذا توجيهاً يحث كل‬ ‫إنس���ان من���ا على أن يكون حريصاً على أن يس��� َلم ل���ه دينه‪ ،‬وأن‬ ‫يك���ون كل م���ا يهمه هو أن يس��� َلم له دينه‪ ،‬عل���ى الرغم من ِّ‬ ‫أي‬ ‫ش���يء يمكن أن يواجهه حتى وإن كان خبراً مؤكداً على نحو‬ ‫ما جاء لعلي ‹عليه السالم› ((�ستخ�ضب هذه من هذا)) وأشار إلى‬ ‫لحيته ورأسه؟‬ ‫وم���ن خالل هذا نعرف موقعن���ا نحن من القرآن ومن قرين‬ ‫يضحي‬ ‫الق���رآن عندما نج���د الكثير منا‪ ،‬الغالبي���ة العظمى منا ِّ‬ ‫بدينه من أجل احتمال أن تس��� َلم له دنياه‪ ،‬احتمال أن تس��� َلم له‬ ‫قدم���اه ناهيك عن رأس���ه‪ ،‬أو الحتمال أ ّ‬ ‫ال يبيت ليلة في س���جن‬ ‫من الس���جون‪ ،‬الحتمال أ ّ‬ ‫يضحي بمبلغ من المال في س���بيل‬ ‫ال ِّ‬ ‫إعالء كلمة ربه‪ ،‬أليس كثير من الناس على هذا النحو؟‬

‫‪81‬‬

‫كأنن���ا نقول للقرآن نفس���ه عندما يق���ول‪َ } :‬يا �أَ ُّي َه��ا ا َّل ِذينَ‬ ‫ن�ص��ا َر اهللِ{(الصف‪ )14:‬أفي س�ل�امة م���ن دنيانا يا‬ ‫�آ َمنُ��وا ُكو ُنوا �أَ َ‬ ‫ق���رآن اهلل؟! عندما يقول‪َ } :‬و ْل َت ُكن ِمن ُك ْم �أُ َّم ٌة َي ْد ُعونَ �إِ َلى ال َْخ ْي ِر‬ ‫��ن ال ُْمن َك ِر{(آل عم��ران‪ )104:‬تمام‪،‬‬ ‫��ر ِ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْونَ َع ِ‬ ‫��رونَ ِبا ْل َم ْع ُ‬ ‫َو َي�أْ ُم ُ‬

‫لكن هل في س�ل�امة م���ن دنيانا ورؤوس���نا وأقدامن���ا وأيدينا يا‬ ‫كتاب اهلل؟!‬ ‫إن كل إنس���ان يتولى علياً‪ ،‬إن كل إنس���ان مصدق برسول‬ ‫اهلل ‹صل ��ى اهلل علي���ه وعل���ى آل���ه وس���لم› وبكتاب اهلل يج���ب أن تكون‬ ‫مش���اعره على هذا النحو الذي كان يسيطر على مشاعر علي‬ ‫‹عليه الس�ل�ام› (�أفي �س�لامة من ديني يا ر�سول اهلل؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫ق��ال‪� :‬إذ ًا ال �أبال��ي) ولق���د كان يق���ول‪( :‬واهلل ال �أبالي وقعت‬ ‫علي) إن كل شيء يهمه هو أن يكون‬ ‫على الموت �أو وقع الموت ّ‬ ‫رأس���ه لحيته‪ ،‬وليتقطع‬ ‫هناك س�ل�امة لدين���ه‪ ،‬فلتخضب دما ُء ِ‬ ‫ْإرباً ْإرباً((( وليكن ما كان ما دام دينه سا ِلماً له‪.‬‬ ‫وه���ذه هي الرؤية الصحيحة‪ ،‬هذه هي الس�ل�امة لمن يبحث‬ ‫عن الس�ل�امة‪ ،‬اإلنسان ال يمكن أن يس��� َلم إذا لم يس َلم له دينه‪ ،‬ال‬ ‫ف���ي دني���اه وال في آخرته‪ ،‬ما ال���ذي جع َلنا ُنظلم؟ م���ا الذي جع َلنا‬ ‫ُنقهر ونحن ماليين نمتلك اإلمكانيات الكبيرة‪ ،‬نمتلك الجيوش‪،‬‬ ‫نمتلك الثروات الضخمة والهائل���ة في باطن األرض وظاهرها‪،‬‬ ‫((( �إ ْرب ًا �إ ْرب ًا‪ :‬ع�ضو ًا ع�ضو ًا‪ .‬ل�سان العرب ‪.208/1‬‬

‫‪82‬‬

‫نمتلك رقعة استراتيجية مهمة؟ ألن ديننا لم يس َلم لنا‪ ،‬فوجدنا‬ ‫أنفسنا لم نس َلم من الذل‪ ،‬لم نس َلم من القهر‪ ،‬لم نس َلم من النهب‪.‬‬ ‫أصبحت هذه األمة ذليلة‪ ،‬أصبحت مس���تضعفة‪ ،‬أصبحت‬ ‫مقه���ورة؛ ألنها لم تفكر تفكي���ر قرين القرآن (�أفي �س�لامة من‬ ‫دين��ي؟) وحينها عندما تنطلق لتبحث عن الس�ل�امة لنفس���ك‬ ‫وأن���ت ال تفك���ر في أن يس��� َلم لك دينك فلن تس��� َلم نفس���ك‪ ،‬لن‬ ‫يس َلم ِع ْرضك‪ ،‬لن تس��� َلم كرامتك‪ ،‬وفي األخير لن تس َلم أنت‬ ‫في اآلخرة يوم تلقى اهلل‪ ،‬لن َ‬ ‫تس���لم سوء الحساب‪ ،‬لن تس َلم نار‬ ‫جهنم‪ ،‬إنها الرؤية الحكيمة‪.‬‬ ‫ليس���ت رؤية ذلك الذي يفكر في ممتلكاته البسيطة‪ ،‬يفكر‬ ‫في نفس���ه فيرى نفس���ه أغلى من الدِّين بكله‪ ،‬يرى نفسه أغلى‬ ‫من نفس الرسول‪ ،‬أغلى من نفس علي‪ ،‬أغلى من نفس الحسن‪،‬‬ ‫أغلى من نفس الحسين‪.‬‬ ‫مت���ى يمكن أن يكون إلنس���ان يفكر هك���ذا تفكير قيمة عند‬ ‫اهلل؟ متى يمكن أن يُمنح إنسان على هذا النحو عزة من اهلل؟ ال‪،‬‬ ‫إنه بهذا التفكير يُعتبر تجس���يداً صادقاً لمن ي َْعشو((( عن ذكر‬ ‫الرحم���ن } َو َمن َي ْع ُ�ش َعن ِذ ْك ِر ال َّر ْح َم ِن ُن َق ِّي ْ‬ ‫�ض َلهُ َ�ش�� ْي َطا ًنا َف ُه َو‬ ‫َلهُ َق ِرينٌ {(الزخرف‪.)36:‬‬ ‫((( َع َ�ش ��ا ( َي ْع ُ�شو) عن ال�شيء‪�َ :‬ض ُع َف َع ْن ُه َب َ�ص� � ُر ُه َف َل ْم َي َر ُه و� ْأع َر َ�ض َوم َ�ضى َع ْنهُ‪.‬‬ ‫المعجم الو�سيط‪ .‬باب العين‪.‬‬

‫‪83‬‬

‫كم هو الفارق بي���ن أن تكون في االتجاه الذي يمنحك اهلل‬ ‫في���ه العزة‪ ،‬يمنح���ك اهلل فيه الق���وة‪ ،‬التأييد‪ ،‬يمنح���ك اهلل فيه‬ ‫س�ل�امة آخرتك وإن لم تس َلم دنياك؟ كم هو الفارق بين واقع‬ ‫ُق ِّيض اهلل له ش���يطاناً‬ ‫ش���خص على هذا النحو وبين ش���خص ي َ‬ ‫يل َو َي ْح َ�س ُبونَ �أَ َّن ُهم‬ ‫ال�س ِب ِ‬ ‫يصبح قريناً له } َو�إِ َّن ُه ْم َل َي ُ�ص ُّدو َن ُه ْم َع ِن َّ‬ ‫ُم ْه َتدُ ونَ {(الزخرف‪ )37:‬وواقع إنسان يُسلط اهلل عليه شرار عباده‪،‬‬ ‫يس���لط اهلل عليه من يس���ومه س���وء العذاب في دني���اه‪ ،‬وفي يوم‬ ‫القيامة س���وء الحساب وس���وء العذاب في نار جهنم؟ نعوذ باهلل‬ ‫من نار جهنم‪.‬‬ ‫(س َ‬ ‫���ق َط) بل نقول صعد‬ ‫إن علياً ‹عليه الس�ل�ام› ‪ -‬وإن وجدناه َ‬ ‫إل���ى ربه ش���هيداً ‪ -‬إن���ه ال يزال حي���اً كما أن هذا الق���رآن الذي‬ ‫ح���ي فيما يعطيه من هدى‪ ،‬من نور‪ ،‬من‬ ‫حي‪ٌّ ،‬‬ ‫قرنه به الرس���ول ٌّ‬ ‫دروس‪ ،‬م���ن عظة‪ ،‬م���ن عبر‪ ،‬حياً فيم���ا يعطيه األح���رار‪ ،‬فيما‬ ‫يعطيه المجاهدين‪ ،‬فيما يعطيه الصادقين من دروس تجعلهم‬ ‫يذوبون في هذا الدِّين‪.‬‬ ‫أن���ت عندما تنظر إلى نفس���ك‪ ،‬أنا عندما أنظر إلى نفس���ي‪،‬‬ ‫وأنظر أيضاً إلى علي ‹عليه السالم› فأكون حريصاً على سالمة‬ ‫نفسي وإن كان ثمن ذلك أن أُلقي بعلي‪ ،‬وبدين علي‪ ،‬وبمنهج‬ ‫عل���ي‪ ،‬وبتوجيه���ات علي ع���رض الحائط‪ ،‬هذا يعتبر من أس���وأ‬ ‫االنحط���اط الذي يمر به اإلنس���ان‪ .‬هل يمكن أن أرى نفس���ي ‪-‬‬ ‫عندما أقارن نفس���ي ‪ -‬أرى نفس���ي أو ُّ‬ ‫أي واحد منا يرى نفس���ه‬

‫‪84‬‬

‫أغلى من نفس علي ‹عليه الس�ل�ام› ؟ هل يمكن ألح ٍد منا أن يرى‬ ‫دم���ه أغلى من دم علي ‹عليه الس�ل�ام› ؟ ال يمك���ن ألح ٍد أن يقول‬ ‫لنفسه هكذا وإن كان واقع الكثير منا هكذا‪.‬‬ ‫فعلي ‹عليه السالم› عندما وجدناه كان يستقبل ذلك الحدث‬ ‫الذي يتوقعه‪ :‬أن يخضب د ُم رأس���ه لحيته ويس���قط شهيداً‪ ،‬لم‬ ‫يك���ن من‍زعجاً م���ن ذلك‪ ،‬كان الذي يزعجه ه���و ما يرى األمة‬ ‫فيه وهي تسير باتجاه ذات الشمال‪ ،‬وهي تبتعد حيناً بعد حين‪،‬‬ ‫وتبتع���د عن كت���اب اهلل مس���افات طويلة‪ ،‬وعن منهج رس���وله‬ ‫‹صل ��ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم› كان يتألم عندم���ا يرى أن تلك‬ ‫الجهود التي بذلها الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› وبذلها‬ ‫ه���و تحت لوائه‪ ،‬في مك���ة‪ ،‬وفي المدينة‪ ،‬في معارك اإلس�ل�ام‪،‬‬ ‫كله���ا ضاع���ت هباء‪ ،‬وص���ارت هبا ًء منث���وراً تحت أق���دام وعلى‬ ‫أي���دي من لم يكونوا يجرؤون في يوم م���ن األيام أن ين‍زلوا إلى‬ ‫ساحات الوغى لمواجهة أعداء اهلل‪.‬‬ ‫لق���د كان اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› يخوض غم���ار الموت‪،‬‬ ‫ويقتحم الصفوف‪ ،‬في بدر‪ ،‬في أُ ُحد‪ ،‬في كل معارك اإلسالم‪،‬‬ ‫بينم���ا كان أولئك يجلس���ون جانب���اً‪َ ،‬و َل ْي َتهم جلس���وا جانباً من‬ ‫بعد ممات الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› ال‪ .‬كانوا في‬ ‫أثناء احتدام مواجهة الكفر يجلس���ون جانباً‪ ،‬وعندما نزل ‹صلى‬ ‫اهلل عليه وعلى آله وس���لم› إلى قب���ره‪ ،‬بل من قبل وهو ال يزال على‬ ‫فراش الموت بدؤوا يتحركون وين‍زلون إلى ساحة هذه األمة؛‬

‫‪85‬‬

‫لينحرفوا بها عن نهج محمد ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم› الذي‬ ‫من أجله كان يقتحم س���احات الوغى يقتح���م الصفوف‪ ،‬وهو‬ ‫يواجه المش���ركين‪ ،‬ويواجه الرومان‪ ،‬ويواج���ه اليهود‪ ،‬ويواجه‬ ‫كل أصناف أعداء اإلسالم‪ ،‬برزوا بعد!‬ ‫هناك عبارة قالها أحد العلماء بالنس���بة لعلي ‹عليه الس�ل�ام› ‪:‬‬ ‫(ل��و كانت الأمور ُتقا���س بمقايي�س الدنيا َل َما ر�أين��ا �أحد ًا ُي َع ُّد‬ ‫مظلوم�� ًا �أكثر مما ح�ص��ل على علي من الظل��م) يجاهد‪ ،‬يعاني‪،‬‬ ‫يتعب في س���بيل دين ه���و يعلم أنه دين عظي���م‪ ،‬وفي خير هذه‬ ‫األمة‪ ،‬وفي مصلحة هذه األمة‪ ،‬وفي عزة هذه األمة‪ ،‬ثم يرى‬ ‫أيادي تعبث بهذا الدِّين‪.‬‬

‫يتجه إلى تلك األمة نفسها التي من أجلها جاهد‪ ،‬من أجلها‬ ‫عان���ى‪ ،‬من أجل عزتها تعب‪ ،‬يحاول أن يحركها قبل أن ي َْع ُظم‬ ‫َ‬ ‫الخ ْط���ب‪ ،‬في مرحلة كان يمكن أن يتالفى فيها ما حصل‪ ،‬لم‬ ‫يحصل اس���تجابة‪ ،‬ح��� ّرك الزهراء ‹عليها الس�ل�ام› حرك الجانب‬ ‫العاطف���ي‪ ،‬ماذا عمل أولئك عندما خطب���ت فيهم الزهراء؟ بكوا‬ ‫وقالوا‪ :‬إن خطوتها ما َت ْخ ُرم خطوة رس���ول اهلل‪ّ ،‬‬ ‫تذكروا رسول‬ ‫اهلل ‹صل ��ى اهلل علي���ه وعل���ى آله وس���لم› في خط���وة فاطمة‪ ،‬وخطى‬ ‫فاطم���ة‪ ،‬ومنط���ق فاطم���ة‪ ،‬ول���م ّ‬ ‫يتذك���روا رس���ول اهلل ‹صلى‬ ‫اهلل علي ��ه وعل���ى آله وس���لم› فيما ّ‬ ‫ذكرتهم به فاطم���ة! بكوا لغياب‬ ‫الرس���ول ‹صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله وس���لم› ولم يبك���وا لغياب دينه‪،‬‬

‫‪86‬‬

‫لم يبكوا لغياب الدِّين الذي كان الرس���ول مستعداً من أجله أن‬ ‫يُقتل‪ ،‬وواجه المخاطر الشديدة من أجل هذا الدِّين‪.‬‬ ‫فكي���ف ال يتألم اإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› ؟ وكيف ال يرى‬ ‫نفس���ه مظلوماً وه���و يرى األمور تس���ير على ه���ذا النحو الذي‬ ‫يضيع كل الجهود التي بذلها الرس���ول ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله‬ ‫وس ��لم› وكل الجهود التي بذلها ه���و وبذلها عظماء آخرون من‬ ‫خيار صحابة رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم›؟‬ ‫وعندما نرجع إلى علي ‹عليه الس�ل�ام› نراه ‪ -‬كما أس���لفنا ‪-‬‬ ‫ُلهم الناس كيف‬ ‫ُله ُ‬ ‫���م من خالل ما قدَّم‪ ،‬من خالل ما تكلم‪ ،‬ي ِ‬ ‫يِ‬ ‫تكون المواق���ف الصحيحة‪ ،‬كيف تكون التوجه���ات التي فيها‬ ‫نجاة الناس‪.‬‬ ‫عندما نرج���ع إلى فضائل اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› نجد أن‬ ‫الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› يُثني عليه كثيراً‪ .‬يجب‬ ‫أن نفهم من كل هذا‪ ،‬من كل ما قدَّمه الرسول ‹صلى اهلل عليه‬ ‫وعلى آله وسلم› من فضائل لعلي‪ ،‬من كل ما ذكره من فضائل‬ ‫لعلي‪ ،‬من كل ما وجدن���اه من مواقف عظيمة لعلي أن تفكير‬ ‫النب���ي ‹صل���ى اهلل عليه وعل���ى آله وس���لم› وتفكير عل���ي‪ ،‬وما يريده‬ ‫النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› وما يريده اإلمام علي هو أن‬ ‫نأخ���ذ من ذلك العب���رة‪ ،‬نأخذ من ذلك الوعي‪ ،‬نأخذ من ذلك ما‬ ‫يجعلنا مس���تبصرين في كل شؤون الحياة‪ ،‬في كل المواقف‬

‫‪87‬‬

‫التي يُطلب منا أن نقفه���ا في هذه الحياة‪ ،‬أن نعرف المقاييس‬ ‫الصحيح���ة الت���ي من خالله���ا نس���تطيع أن نق ّيم األش���خاص‬ ‫والمواق���ف واالتجاهات في هذه الحياة؛ لهذا قال عنه ‹صلى اهلل‬ ‫عليه وعلى آله وسلم›‪(( :‬علي مع الحق‪ ،‬والحق مع علي))‪.‬‬ ‫ونحن ش���يعة علي يجب أن نرجع إلى دراس���ة تاريخ علي‪،‬‬ ‫إلى دراس���ة سيرة علي ‹عليه الس�ل�ام› لنعرف كيف نقتدي به‪،‬‬ ‫كيف نس���ير على ُخطاه‪ ،‬كيف نتمسك بنهجه‪ ،‬كيف نسلك‬ ‫الس���بيل الذي س���لكه‪ ،‬كيف ننظر إلى األم���ور كنظرته؛ ألنه‬ ‫(((‬ ‫بالتأكيد قرين القرآن‪.‬‬

‫"فزت ورب الكعبة"‬ ‫علي‬ ‫ث���م نأ ِتي إلى موض���وع آخر هو‪ :‬كيف كان اس���تقبال ٌ‬ ‫‹صل ��وات اهلل علي���ه› للش���هادة؟ لنعرف أن اإلمام عل ًي���ا ‹صلوات اهلل‬ ‫علي ��ه› كان يرى أن مقام الش���هادة مقاماً عظيم���اً‪ ،‬وأنها أُ ْم ِن َية‬ ‫كان يطلبها‪ ،‬أنها أمنية كان يسأل رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه‬ ‫وعلى آله› عنها هل سيحصل عليها؟‪ ،‬ومتى سيحصل عليها؟‪.‬‬ ‫عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› اس���تقبال م���ن يعرف‬ ‫اس���تقبلها اإلم���ام ٌ‬ ‫خر صريعاً بعد تلك‬ ‫كرامة الشهيد‪ ،‬عظمة الش���هيد‪ .‬فعندما َّ‬ ‫((( من محا�ضرة لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه بمنا�سبة ا�ست�شهاد الإمام علي‬ ‫‹عليه السالم› لعام ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫الضربة قال ‹صلوات اهلل عليه›‪ُ (:‬فزْ ُت ورب الكعبة)‪.‬‬ ‫بينما نرى التاريخ يحكي عن أشخاص آخرين ممن سبقوه‬ ‫���رات لخروف‬ ‫أن أحده���م تمن���ى عن���د احتض���اره أن���ه كان َب َع َ‬ ‫تتس���اقط هنا وهن���اك‪ ،‬لكن عل ًيا ‹صل���وات اهلل عليه› ق���ال‪ُ ( :‬فزْ ُت‬ ‫ورب الكعبة)؛ ألنه على يقين من س�ل�امة دينه‪ ،‬على يقين من‬ ‫صح���ة موقفه‪ ،‬على يقين من صح���ة نهجه‪ ،‬على يقين من أن‬ ‫اهلل س���بحانه وتعالى قد منح الشهداء‪ ،‬وأعطى الشهداء الكرامة‬ ‫الت���ي تجع���ل مثله ‪ -‬على الرغ���م من عباداته الكثي���رة ‪ -‬يصرخ‬ ‫بهذه الكلمة العظيمة مقسماً‪ُ ( :‬فزْ ُت ورب الكعبة)‪.‬‬ ‫علي ‹صلوات اهلل عليه› الصبر‬ ‫ما أحوجنا إلى أن نس���تلهم من ٍ‬ ‫عل���ى الح���ق‪ ،‬الصمود ف���ي مواجه���ة الباط���ل‪ ،‬اس���تقبال العناء‬ ‫والش���دائد بصدور َر ْح َبة‪ ،‬بعزائم قوية‪ ،‬بإرادات ال ُتقهر‪ ،‬برؤية‬ ‫واضح���ة‪ ،‬ببصيرة عالية فنكون ممن يحمل ش���عور علي حتى‬ ‫في لحظة االستش���هاد‪ ،‬في لحظة اغتياله يرى نفسه مسروراً‬ ‫( ُفزْ ُت ورب الكعبة)‪.‬‬ ‫لماذا س���ماه فوزاً؟‪ .‬وهل يمكن للكثير منا‪ ..‬الذي يرى نفسه‬ ‫فائ ًزا أنه لم ي ْ‬ ‫ُق ِحم نفسه ‪ -‬كما يقول الكثير ‪ -‬في مشكلة‪ ،‬أنه‬ ‫لم يدخل في عمل ربما يؤدي إلى مش���كلة‪ ،‬أنه يبتعد مس���افات‬ ‫عن أن يحصل عليه أبس���ط ما يحتمل من ضر في ماله أو في‬ ‫نفس���ه‪ ،‬هل يمكن ألحد ممن يفكر هذا التفكير أن يقول عندما‬

‫‪89‬‬

‫يحتضر‪ ،‬عندما تأتيه مالئكة الموت‪ُ ( :‬فزْ ُت ورب الكعبة)؟؟‪ .‬ال‬ ‫واهلل‪ ،‬ب���ل ربما يصرخ ُم َتَأ ِّو ًها‪ ،‬بل ربما َي ْب َه ُره الموت ‪ -‬كما قال‬ ‫علي ‹صلوات اهلل عليه› وهو يوصي ابنه الحس���ن ويحذره‬ ‫اإلم���ام ٌ‬ ‫من أن يكون على طريقة س���يئة عندم���ا يفاجئه الموت ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫َرك)‪ .‬نعوذ باهلل من ب َْه َرة الموت‪.‬‬ ‫(ف َي ْبه َ‬ ‫���رة الموت؟ عندما تك���ون أنت من لم تحرص‬ ‫مت���ى تكون ب َْه َ‬ ‫على س�ل�امة دين���ك‪ ،‬من لم ُت َض ِّح من أج���ل دينك‪ ،‬من ال تعتبر‬ ‫الس���قوط ش���هيداً في س���بيل اهلل من أجل س�ل�امة دين���ك فوزاً‪،‬‬ ‫س���يبهرك الموت‪ ،‬وسيبهرك الحشر‪ ،‬وستبهرك زبانية جهنم‪..‬‬ ‫هذا شيء ال شك فيه‪.‬‬ ‫علي عندم���ا يقول‪ُ ( :‬ف��زْ ُت ورب الكعبة)؛ ألنه س���ار‬ ‫اإلم���ام ٌ‬ ‫(((‬ ‫على منهجية هي منهجية يفوز من سار عليها‪.‬‬ ‫وبتمي���زه ه���ذا وبروحيته ه���ذه اس���تقبل الش���هادة فهو قال‬ ‫عندم���ا أصيب‪ ،‬عندما ضربه ابن ملجم لعنه اهلل بالس���يف على‬ ‫رأسه قال ‹عليه السالم› كلمته الشهيرة التي لها دالالت عميقة‬ ‫وكبيرة‪ُ ( :‬فزْ ُت ورب الكعبة)هكذا اس���تقبل الشهادة في سبيل‬ ‫اهلل مطمئن القلب مرتاح البال إلى ماضيه وإلى مس���تقبله إلى‬ ‫ماضي���ه بما كان علي���ه أنه كان ماضياً س���ليماً صحيحاً على‬ ‫((( من محا�ضرة لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه بمنا�سبة ا�ست�شهاد الإمام علي‬ ‫‹عليه السالم› ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫مسار صحيح يوصل إلى نتيجة مستقبلية‬ ‫أساس‬ ‫صحيح‪ ،‬في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ه���ي الفوز برضوان اهلل والفوز بجنته ( ُفزْ ُت ورب الكعبة) بكل‬ ‫ثقة‪ ،‬بكل اطمئنان‪ ،‬بكل يقين‪.‬‬ ‫مقسما مطمئ ًنا إلى مستقبله ألنه كان‬ ‫قال هكذا‪ :‬ورب الكعبة‬ ‫ً‬ ‫في المسار الصحيح لإلسالم‪ ،‬اإلسالم كما هو بتعاليمه بروحيته‬ ‫بأخالقه بمواقفه‪ ،‬ثم كان ذلك الذي يقول وهو على فراش الشهادة‬ ‫ف ��ي آخر لحظات الحياة الدنيا (م��ا فاج�أني من الموت واردٌ كرهته‬ ‫وال‬ ‫طال��ع �أنكرت��ه) فأنا ما تفاج ��أت بالم ��وت وال كرهت مجيئه؛‬ ‫ٌ‬ ‫كقارب ورد‪،‬‬ ‫ألنه كان مطمئناً إلى مستقبله عند اهلل (وما كنت �إال‬ ‫ٍ‬ ‫خير و�أبق��ى) اطمئنان لضميره وقلبه‬ ‫وطالب وج��د وما عند اهلل ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى مستقبله العظيم عند اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫دائما إلى ما عند‬ ‫فهكذا كان‪ ،‬وهك���ذا كان متمي ًزا متطل ًعا ً‬ ‫اهلل ال يأب���ه بالموت أبدًا وهو الذي ق���ال‪(:‬واهلل البن �أبي طالب‬ ‫�آن���س بالم��وت من الطفل الر�ض��يع بثدي �أمه) ربما ال يس���اوي‬ ‫ه���ذا ُ‬ ‫األن���س أُنس‪ ،‬أُن���س الطفل الرضي���ع بثدي أمه لك���ن علياً‬ ‫كان آن���س بالم���وت‪ ،‬ألنه يرى في الموت نقل���ه إلى ما عند اهلل‬ ‫دائم���ا يتطلع إلى ما عند اهلل‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫قلي���ل قليل‪ ،‬أقل القليل‬ ‫وه���و ً‬ ‫مم���ا يمك���ن أن نقوله ع���ن علي فه���و مدرس���ة متكاملة نعرف‬ ‫من خالله���ا ونرى من خاللها اإلس�ل�ام بكل كماله‪ ،‬اإلس�ل�ام‬ ‫بكل جماله‪ ،‬اإلس�ل�ام بحقيقة مبادئه‪ ،‬اإلس�ل�ام بعظم أخالقه‪،‬‬ ‫اإليمان بجالله وجماله‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫اإلمام ٌ‬ ‫علي ‹عليه السالم› يقدم وصيته األخيرة‬ ‫قبل أن يغادر اإلمام علي ‹عليه السالم› هذه الحياة إلى الحياة‬ ‫التي تليق به عند أخيه رسول اهلل ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله› وعند‬ ‫زوجته فاطمة الزهراء ‹عليها السالم› وعند إخوانه الذين سبقوه‬ ‫أوصى ولديه الحسن والحسين ‹عليهما السالم›بهذه الوصية‪:‬‬

‫الد ْن َي��ا َو�إِ ْن َب َغ ْت ُك َما َولاَ‬ ‫و�ص��ي ُك َما ِب َتقْ�� َوى ا ِ‬ ‫هلل َو َ�ألاَّ َت ْب ِغ َي��ا ُّ‬ ‫(�أُ ِ‬ ‫لَ ْج ِر‬ ‫اع َملاَ ِل ْ أ‬ ‫َت�أْ َ�س َفا َع َلى َ�ش ْيءٍ ِم ْن َها ُزوِيَ َع ْن ُك َما َو ُقولاَ ِبال َْحقِّ َو ْ‬ ‫َو ُكو َنا ِل َّ‬ ‫و�ص��ي ُك َما َو َجمِي َع َو َل ِدي‬ ‫لظا ِل ِم َخ ْ�ص��م ًا َو ِل ْل َم ْظ ُلو ِم َع ْون ًا ُ�أ ِ‬ ‫��م �أَ ْم ِر ُك ْم َو َ�ص�َلحاَ ِح‬ ‫��ن َب َل َغ��هُ ِك َتا ِب��ي ِب َتقْ�� َوى ا ِ‬ ‫َو�أَ ْه ِل��ي َو َم ْ‬ ‫هلل َو َن ْظ ِ‬ ‫��م َف�إِنِّي َ�س�� ِم ْعتُ َجدَّ ُك َما ‹صل���ى اهلل عليه وعلى آله› َي ُق ُ‬ ‫ول‬ ‫َذ ِ‬ ‫ات َب ْي ِن ُك ْ‬ ‫اهلل َ‬ ‫ال�ص� ِة َوال�ص َيا ِم َ‬ ‫ات ا ْل َب ْي ِن َ�أ ْف َ�ض ُ‬ ‫اهلل‬ ‫َ�ص�َلااَ ُح َذ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫��ل ِم ْن َعا َّم ِة َّ َل اَ‬ ‫��ر ِت ُك ْم َو اهلل‬ ‫ِفي ْ أ‬ ‫الَ ْي َتا ِم فَلاَ ُت ِغ ُّبوا �أَ ْف َواهَ ُه ْم َولاَ َي ِ�ض��ي ُعوا ِب َح ْ�ض َ‬ ‫يرا ِن ُك ْم َف�إِ َّن ُه ْم َو ِ�ص�� َّي ُة َن ِب ِّي ُك ْم َما َز َ‬ ‫و�صي ِب ِه ْم َحتَّى‬ ‫ال ُي ِ‬ ‫اهلل ِفي ِج َ‬ ‫اهلل َ‬ ‫َظ َننَّ��ا �أَنَّهُ َ�س�� ُي َو ِّر ُث ُه ْم َو َ‬ ‫اهلل ِفي ا ْل ُق ْر�آنِ لاَ َي ْ�س�� ِب ُق ُك ْم ِبا ْل َع َم ِل‬ ‫ال�صلاَ ِة َف�إِ َّن َها َع ُمو ُد ِدي ِن ُك ْم واهلل اهلل‬ ‫ِب ِه َغ ْي ُر ُك ْم واهلل اهلل ِفي َّ‬ ‫��ر َك َل ْم ُت َن َ‬ ‫اظ ُروا‬ ‫ِف��ي َب ْي ِ‬ ‫��ت َر ِّب ُك ْم لاَ ُت َخ ُّلو ُه َم��ا َب ِقي ُت ْم َف�إِنَّهُ �إِ ْن ُت ِ‬ ‫يل‬ ‫واهلل اهلل ِفي ال ِْج َها ِد ِب�أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو�أَ ْن ُف ِ�س�� ُك ْم َو َ�أل ِْ�س َن ِت ُك ْم ِفي َ�س ِب ِ‬ ‫��م َوال َّتدَ ا ُب َر َوال َّت َق ُ‬ ‫اط َع‬ ‫ا ِ‬ ‫ا�ص ِ‬ ‫هلل َو َع َل ْي ُك ْم ِبال َّت َو ُ‬ ‫��ل َوال َّت َبا ُذ ِل َو�إِ َّي ُاك ْ‬ ‫��ن ال ُْم ْن َك ِر َف ُي َو َّلى َع َل ْي ُك ْم‬ ‫لاَ َتت ُْر ُك��وا َْ أ‬ ‫ال ْم َر ِبا ْل َم ْع ُر ِ‬ ‫وف َوال َّن ْه َي َع ِ‬ ‫اب َل ُك ْم‪.‬‬ ‫ِ�ش َرا ُر ُك ْم ُث َّم َت ْد ُعونَ فَلاَ ُي ْ�س َت َج ُ‬

‫‪92‬‬

‫ُث َّم َق َ‬ ‫��ال‪َ :‬يا َب ِني َع ْب ِد ال ُْم َّط ِل ِب لاَ �أُ ْل ِف َي َّن ُك ْم َت ُخ ُ‬ ‫اء‬ ‫و�ض��ونَ ِد َم َ‬ ‫ير ال ُْم�ؤْ ِمنِينَ �أَلاَ لاَ َت ْق ُت ُل َّن ِبي‬ ‫ال ُْم ْ�س�� ِلمِينَ َخ ْو�ض ًا َت ُقو ُلونَ ُق ِت َل َ�أ ِم ُ‬ ‫ا�ض ِر ُبو ُه َ�ض ْر َب ًة‬ ‫ِ�إلاَّ َقا ِت ِلي ان ُْظ ُروا ِ�إ َذا �أَ َنا مِتُّ ِم ْن َ�ض ْر َب ِت ِه هَ ِذ ِه َف ْ‬ ‫��ـر َب ٍة َولاَ ُت َم ِّث ُلوا ِبال َّر ُج ِل َف�إِنِّي َ�س�� ِم ْعتُ َر ُ�س َ‬ ‫هلل ‹صلى اهلل‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ِب َ�ض ْ‬ ‫(((‬ ‫ول �إِ َّي ُ‬ ‫عليه وعلى آله› َي ُق ُ‬ ‫اك ْم َوال ُْم ْث َل َة َو َل ْو ِبا ْل َكل ِْب ا ْل َع ُقو ِر)‪.‬‬ ‫اإلمام الحسن يودع والده‬ ‫ودع اإلمام الحس���ن ‹عليه السالم› والده بعد استشهاده فحمد‬ ‫اهلل وأثن���ى علي���ه وذك���ر أمي���ر المؤمنين عليا رض���ي اهلل عنه‬ ‫خات���م األوصياء ووص���ي األنبياء وأمين الصديقين والش���هداء‪،‬‬ ‫ث���م ق���ال‪ :‬أيها الن���اس لقد فارقكم رج���ل ما س���بقه األولون وال‬ ‫يدرك���ه اآلخ���رون لقد كان رس���ول اهلل صل���ى اهلل عليه وآله‬ ‫يعطي���ه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يس���اره‬ ‫فما يرجع حتى يفتح اهلل عليه‪ ،‬ولقد قبضه اهلل في الليلة التي‬ ‫قب���ض فيها وصي موس���ى وع���رج بروحه في الليل���ة التي عرج‬ ‫فيها بروح عيسى بن مريم‪ ،‬وفي الليلة التي أنزل اهلل عز وجل‬ ‫فيها الفرقان‪ ،‬واهلل ما ترك ذهباً وال فضة‪ ،‬وما في بيت ماله إال‬ ‫س���بعمائة وخمس���ين درهماً فضلت من عطائه أراد أن يشتري‬ ‫بها خادما ألم كلثوم‪.‬‬ ‫((( نهج البالغة ‪423 /2‬‬

‫‪93‬‬

‫معاوية هو المتهم بترتيب عملية اغتيال اإلمام ٌ‬ ‫علي‬ ‫‹عليه السالم›‬

‫معاوية هو المته���م بترتيب عملية اغتيال اإلمام علي ‹عليه‬ ‫الس�ل�ام› اتهمه بهذا أبو األسود الدؤلي في أبيات ِّ‬ ‫يرثي بها اإلمام‬ ‫عل ًيا ‹عليه السالم› وهو معاصر للحدث قال فيها‪:‬‬

‫�����رب‬ ‫أال أب�����ل�����غ م�����ع�����اوي�����ة ب������ن ح� ٍ‬ ‫ف���ل��ا ق��������رت ع�����ي�����ون ال���ش���ام���ت���ي���ن���ا‬ ‫أف������ي ش���ه���ر ال����ص����ي����ام ف��ج��ع��ت��م��ون��ا‬ ‫ب���خ���ي���ر ال�����ن�����اس ط���������راً أج��م��ع��ي��ن��ا‬ ‫ق��ت��ل��ت��م خ���ي���ر م����ن رك�����ب ال��م��ط��اي��ا‬ ‫ورح����ل����ه����ا وم������ن رك������ب ال��س��ف��ي��ن��ا‬ ‫وم�����ن ل���ب���س ال���ن���ع���ال وم�����ن ح���ذاه���ا‬ ‫وم�������ن ق�������رأ ال����م����ث����ان����ي وال���م���ب���ي���ن���ا‬ ‫إذا اس��ت��ق��ب��ل��ت وج�����ه أب�����ي ح��س��ي� ٍ�ن‬ ‫رأي���������ت ال������ب������در راع ال���ن���اظ���ري���ن���ا‬ ‫ل���ق���د ع��ل��م��ت ق����ري� ٌ‬ ‫���ش ح���ي���ث ك��ان��ت‬ ‫ب�����أن�����ك خ����ي����ره����ا ح����س����ب����اً ودي����ن����ا‬ ‫وف���ي الحقيق���ة أن أه���ل العراق كان���وا قد قتل���وا عل ًيا وهو‬ ‫كان ال ي���زال ح ًيا يوم كانوا يتثاقلون عن���ه‪ ،‬ويتباطؤون عنه‪،‬‬ ‫حتى قال‪( :‬اللهم إني قد مللتهم وملوني‪ ،‬وسئمتهم وسئموني‪،‬‬

‫‪94‬‬

‫فأبدلني بهم خيراً لي منهم‪ ،‬وأبدلهم بي شراً لهم مني)‪.‬‬ ‫قتل���وا قلب���ه وهو ما يزال ينب���ض‪( :‬قاتلك���م اهلل) كان يقول‬ ‫هك���ذا‪( :‬قاتلكم اهلل يا �أه��ل العراق لقد ملأتم �ص��دري قيح ًا)‬ ‫ثم قتل بالس���يف‪ ،‬قتل فع ً‬ ‫ال‪ ،‬واستش���هد ‹صلوات اهلل عليه›‪ ،‬أليس‬ ‫ه���ذا هو أول رجل بعد رس���ول اهلل ‹صلوات اهلل علي���ه وعلى آله› في‬ ‫هذه األمة من القائمين بالقس���ط؟ ممن هم بمنزلة أنبياء بني‬ ‫(((‬ ‫إسرائيل؟‪.‬‬ ‫استهداف اإلمام ٌ‬ ‫علي هو استهداف لإلسالم‬ ‫فاإلم���ام علي ‹عليه الس�ل�ام› بمنزلته العظيمة في اإلس�ل�ام‬ ‫بكمال���ه بفضل���ه بس���بقه يُقتل ويلقى اهلل ش���هيدًا في مس���جده‬ ‫ف���ي محرابه في عاصمة دولته بس���يف محس���وب على أنه من‬ ‫األمة في شهر رمضان المبارك بما تبع استشهاده من تحوالت‬ ‫في واقع األمة وهو ‹عليه الس�ل�ام› حين استش���هد لم يكن مجرد‬ ‫حاكم يحكم األمة اإلس�ل�امية شأنه شأن أي حاكم يقتل أو‬ ‫يموت فيأتي البديل وانتهى األمر‪ ،‬بل كان ‹عليه الس�ل�ام› يمثل‬ ‫امت���دادًا لإلس�ل�ام المحم���دي األصي���ل بقرآنه ونهجه ومس���ار‬ ‫أس���تاذه ومعلمه ومربي���ه وقدوته وقائده الحبي���ب المصطفى‬ ‫((( ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه السالم› لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه‬ ‫لعام ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫نبي اهلل محمد ‹صلى اهلل عليه وعلى آله وس���لم› كان يمثل امتدادا‬ ‫ألخ�ل�اق اإلس�ل�ام لمنهج���ه ومش���روعه الكبير في بن���اء األمة‬ ‫اإلس�ل�امية؛ لتكون بمستوى مس���ؤوليتها العالمية الكبرى في‬ ‫بناء الحياة ونشر الحق والعدل والخير في العالم‪.‬‬ ‫فاس���تهدافه لم يكن مجرد استهداف لشخصه بل استهداف‬ ‫لذلك المشـروع بكله‪ ،‬إلحالل البديل الناقص والمح ّرف الذي‬ ‫يتالءم مع الظالمين والمس���تبدين والمجرمين وممارس���اتهم‬ ‫(((‬ ‫وما يتركونه من أثر سلبي في الحياة‪.‬‬ ‫اإلمام علي ‹عليه السالم› عندما أُستهدف وهو بهذا المستوى‬ ‫ول���ه ال���دور المهم في الحفاظ على مس���ار اإلس�ل�ام المحمدي‬ ‫األصيل؛ ليبقى له أصالت���ه؛ ليبقى له نقاؤه؛ ليبقى له حضوره‬ ‫في واقع الحياة وتأثيره وسيادته في واقع المسلمين؛ ليحافظ‬ ‫على هذا اإلس�ل�ام وليربي األمة على قيمه وأخالقه وليرس���خ‬ ‫مبادءه وأخالقه في نفوس أبناء األمة‪.‬‬ ‫عندما أُس���تهدف وهو بهذه األهمية وهو بهذا المستوى وله‬ ‫هذا الدور المهم جدًا كان االس���تهداف له اس���تهدافاً لإلس�ل�ام‬ ‫في مس���اره الصحيح‪ ،‬استهدافاً لإلسالم في مسار الحق ومسار‬ ‫الع���دل ومس���ار األصالة والنقاء م���ن القوى الت���ي انقلبت على‬ ‫((( م ��ن محا�ضرة ال�سيد عب ��د الملك في منا�سبة ذك ��رى ا�ست�شهاد الإمام علي‬ ‫‹عليه السالم› لعام ‪1433‬هـ‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫اإلس�ل�ام في مفاهيم���ه في قيمه ف���ي مبادئه المهم���ة‪ ،‬وأرادت‬ ‫اإلس�ل�ام ش���كال يخدمها وال تخدم���ه وتطوع���ه وال تتطوع له‪،‬‬ ‫وأرادت اإلس�ل�ام زي ًفا تتغنى به وتستغل بعض شعائره لتثبيت‬ ‫س���لطتها وإحكام قبضتها وتركيز هيمنتها وإحكام سيطرتها‬ ‫على األم���ة في كل واقع األم���ة‪ .‬القوى االنقالبي���ة على قيم‬ ‫اإلس�ل�ام ومبادئ اإلس�ل�ام النازعة لالس���تبداد الجموحة التي‬ ‫تري���د الظلم والهيمنة واالس���تبداد والتجرد من قيم اإلس�ل�ام‬ ‫العظمى وفي مقدمتها العدل والحق والخير ومكارم األخالق‪،‬‬ ‫وأرادت أن تتح���رر من كل تلك المبادئ والقيم التي ترى فيها‬ ‫قي���وداً تحد من نزعته���ا وتحد من هيمنتها وتح���د مما تعتبره‬ ‫مصالح لها‪.‬‬ ‫الق���وى االنقالبية قامت بتخطيط وتنفي���ذ تلك الجريمة‬ ‫الكب���رى الت���ي كان���ت جريمة بح���ق اإلس�ل�ام وجريمة بحق‬ ‫(((‬ ‫علي‹عليه السالم›‪.‬‬ ‫األمة ولم تكن جريمة فقط بحق شخص ٌ‬ ‫لقد ش���هدت ليلة التاس���ع عشر من ش���هر رمضان المبارك‬ ‫حد ًثا ِّ‬ ‫ً‬ ‫فاجعة كبرى في تاريخ أمتنا اإلس�ل�امية‪ ،‬حيث‬ ‫يمث���ل‬ ‫أقدم من أس���ماه الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وآله› بأشقى األمة على‬ ‫علي ‹عليه الس�ل�ام› في مس���جد‬ ‫تنفي���ذ جريم���ة اغتيال اإلم���ام ٍ‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد الملك ف ��ي منا�سبة ذكرى ا�ست�شه ��اد الإمام علي‬ ‫‹عليه السالم› لعام ‪1434‬هـ‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫الكوفة‪ ،‬اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام› بكل م���ا ِّ‬ ‫عظيم‬ ‫كرمز‬ ‫يمثله‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫علي ‹علي���ه الس�ل�ام›بمنزلته العظيمة في‬ ‫وول���ي لألمة‪ ،‬اإلم���ام ٌ‬ ‫اإلس�ل�ام‪ ،‬ودوره المحوري في اإلسالم منذ بزغ فجر اإلسالم‪،‬‬ ‫وامتداد ه���ذا الدور إلى نهاية تاريخ األمة‪َّ ،‬‬ ‫مثل اس���تهدافه في‬ ‫تلك الليلة‪ ،‬والعمل عل���ى اغتياله‪ ،‬حيث أصيب في تلك الليلة‪،‬‬ ‫وفي ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان التحق بالرفيق‬ ‫عظيما‪َّ ،‬‬ ‫مثل كارثة ونكبة كبيرة على األمة‪،‬‬ ‫األعلى ش���هيدًا‬ ‫ً‬ ‫اس���تهدافه‪ -‬فعلاً ‪َّ -‬‬ ‫ً‬ ‫رهيبة لم تعوض أبدًا على هذه‬ ‫مثل خسار ًة‬ ‫األمة‪.‬‬

‫استهداف اإلمام علي فتح الطريق للتسلط األموي‬ ‫الجان���ب اآلخر‪ :‬فيما يتعل���ق بحادثة استش���هاد اإلمام علي‬ ‫‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬ه���ي‪ -‬بالفعل‪َّ -‬‬ ‫مثل���ت ً‬ ‫نكبة كبي���ر ًة لألمة‪ ،‬هي‬ ‫عبرت ع���ن حالة انحراف كانت قائم���ة‪ ،‬وكانت تتصارع مع‬ ‫َّ‬ ‫تعبر‬ ‫اإلمام علي ‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬وتلك الحالة من االنحراف هي ِّ‬ ‫أيضا‪َّ -‬‬ ‫مثلت ً‬ ‫ع���ن النفاق بالتأكيد‪ ،‬ثم هي‪ً -‬‬ ‫نكبة كبير ًة جدًّا؛‬ ‫ألنها أتاحت الفرصة وفتحت الطريق للتس���لط األموي‪ ،‬الذي‬ ‫َّ‬ ‫مثل كارثة كبيرة ورهيبة على األمة‪ ،‬التسلط األموي الذي‬ ‫عب���ر عنه الرس���ول ‹صلى اهلل علي���ه وآله›‪ ،‬وما أعظم م���ا قاله‪ ،‬وما‬ ‫َّ‬ ‫أجم���ع ما قاله‪ ،‬وما أحكم ما قاله‪ ،‬وما أدق ما قاله عن التس���لط‬

‫‪98‬‬

‫األم���وي‪ ،‬أن���ه عندما يتمكن ماذا س���يفعل بهذه األم���ة‪ ،‬قال عن‬ ‫بن���ي أمي���ة‪( :‬ا َّت َخ ُ‬ ‫هلل َد َغ�َل�اَ ‪َ ،‬و ِع َب��ا َد ُه َخ�� َولاَ ‪َ ،‬و َما َلهُ‬ ‫��ذوا دِينَ ا ِ‬ ‫معبر‪ ،‬وداللت���ه داللة كبيرة‬ ‫ُد َولاَ )‪ ،‬ه���ذا نص عمي���ق‪ ،‬جامع‪ِّ ،‬‬ ‫ج���دًّا‪ ،‬وخطيرة للغاية‪ ،‬هو كش���ف عن طبيع���ة الدور األموي‬ ‫ماذا فعله باألمة‪ ،‬وما مستوى تلك الجناية الهائلة على األمة‪،‬‬ ‫نحو كبير منذ استش���هاد اإلمام علي‬ ‫وذل���ك كله تمكن عل���ى ٍ‬ ‫‹عليه الس�ل�ام›‪ ،‬ما بعد استش���هاد اإلمام علي ‹عليه السالم› وإقصاء‬ ‫اإلمام الحسن ‹عليه السالم› وما حدث‪.‬‬ ‫فبنو أمية هم استفادوا من ذلك‪ ،‬وعندما نالحظ فيما روي‬ ‫سمى قاتل اإلمام‬ ‫عن رسول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى آله" أنه َّ‬ ‫سماه بأش���قى األمة‪ ،‬ووصفه بأشقى األمة‪ ،‬وشبهه بعاقر‬ ‫عل ًيا َّ‬ ‫ناق���ة صالح‪ -‬الناقة في ثمود‪ -‬الذي كان أش���قى ثمود‪ ،‬وجلب‬ ‫الش���قاء على تلك األمة‪ ،‬هذا التشبيه لم يأت من فراغ‪ ،‬كلمات‬ ‫معبرة‪ ،‬هادي���ة‪ ،‬حكيمة‪ ،‬صادق���ة‪ ،‬وعظيمة‬ ‫الرس���ول دقيق���ة‪ِّ ،‬‬ ‫ومهمة جدًّا‪ ،‬فيها هداية لألمة‪ ،‬هو هادي األمة‪.‬‬ ‫هو عندما ش���بهه بعاقر الناقة؛ ألن ذلك جلب ش���قا ًء كبي ًرا‬ ‫عل���ى أمت���ه‪ ،‬وهذا جلب ش���قا ًء كبي��� ًرا على األمة اإلس�ل�امية‪،‬‬ ‫وإال م���ا هناك فائدة أنه يصف���ه بهذا التوصيف‪ ،‬ويش���بهه بهذا‬ ‫كالم���ا ً‬ ‫فارغا ال معنى له‪ ،‬ل���و لم يكن له هذه‬ ‫التش���بيه‪ ،‬يصبح‬ ‫ً‬ ‫الداللة‪ ،‬هذا المعنى‪ ،‬والشقاء الذي جلبه على هذه األمة ونكب‬ ‫ب���ه ه���ذه األمة اب���ن ملجم "لعن���ه اهلل"‪ ،‬قات���ل اإلمام عل���ي ‹عليه‬

‫‪99‬‬

‫الس�ل�ام› بدسيسة من معاوية‪ ،‬هو أنه َّ‬ ‫مكن التسلط األموي من‬ ‫رقاب األمة‪ ،‬وأتاح الفرصة‪ ،‬إزاحة اإلمام علي ‹عليه السالم› من‬ ‫الس���احة أتاح الفرصة للتس���لط األموي على رقاب األمة‪ ،‬هذا‬ ‫هو الش���قاء لألمة‪ ،‬وكيف ال يكون شقا ًء تمكين َمن (يتخذون‬ ‫يحرفون مس���ار‬ ‫يحرفون مفاهيم هذا الدين‪ِّ ،‬‬ ‫دي��ن اهلل دغال)‪ِّ :‬‬ ‫األمة‪ ،‬يلعبون ويشوهون بالمفاهيم اإلسالمية‪ ،‬حتى يقدِّمون‬ ‫مفاهي���م محس���وبة على اإلس�ل�ام‪ ،‬يتدين بها الكثي���ر على أنها‬ ‫ِّ‬ ‫تمثل اإلس�ل�ام‪ ،‬يتقربون بها إلى اهلل‪ ،‬وهي منحرفة وخاطئة‪،‬‬ ‫وليست من اإلسالم في شيء‪.‬‬ ‫يحول���ون األمة إلى عبيد‪،‬‬ ‫و(دين��ه دغال‪َ ،‬و ِع َب��ا َد ُه َخ َولاَ )‪ِّ :‬‬ ‫حولوه���ا إل���ى عبي���د‪ ،‬وبل���غ ذلك ذروت���ه في أي���ام يزيد‬ ‫وفع�ًل�اً َّ‬ ‫ال���ذي ختم واليه وقائده العس���كري على رقاب أه���ل المدينة‪-‬‬ ‫مدين���ة رس���ول اهلل "صلوات اهلل عليه وعلى آل���ه"‪ -‬وطلب منهم‬ ‫البيع���ة على أنهم عبيد خالصون ليزي���د بن معاوية‪ ،‬هكذا نقل‬ ‫التاري���خ‪ ،‬التاريخ نق���ل هذا كحقائق ثابتة‪ ،‬وحالة االس���تعباد‬ ‫اس���تمرت أيام التس���لط األموي‪ ،‬وامتدت لبعدهم؛ ألن من أتى‬ ‫بعده���م‪ -‬مثلاً ‪ -‬ف���ي الفترة العباس���ية‪ ،‬وما تاله���ا‪ ،‬مضوا على‬ ‫نفس النهج‪ ،‬س���اروا عل���ى نفس الطريق‪ ،‬على نفس األس���لوب‪،‬‬ ‫أصبحت طريقة في الحكم في الس���احة العربية واإلسالمية‪:‬‬ ‫االستبداد‪ ،‬االس���تغالل‪ ،‬الظلم‪ ،‬القمع‪...‬الخ‪ .‬فكان‪ -‬فعلاً ‪ -‬أشقى‬ ‫األم���ة‪ ،‬وأت���اح الفرصة ألولئ���ك الذين س���يطروا واس���تحوذوا‬

‫‪100‬‬

‫َّ‬ ‫وتمكنوا من إحداث تحول خطير جدًّا في مس���ار األمة‪ ،‬امتدت‬ ‫نتائجه السلبية إلى عصرنا هذا وزمننا هذا‪.‬‬ ‫كل‪ ،‬يبق ��ى اإلم ��ام عل � ٌ�ي ‹علي ��ه الس�ل�ام› ِّ‬ ‫يمث ��ل االمتداد‬ ‫وعل ��ى ٍ‬ ‫األصيل والنقي والراقي‪ ،‬والنموذج الكامل في األمة‪ِّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ضمانة‬ ‫ويمثل‬ ‫ً‬ ‫المتلبس ��ة باإلس�ل�ام‪،‬‬ ‫عظيمة وفارقة في مواجهة حركة النفاق‬ ‫ِّ‬ ‫والمخادع ��ة لألم ��ة‪ ،‬والمش ��كلة لخطورة كبيرة عل ��ى األمة في‬ ‫واقعه ��ا‪ ،‬والتي ِّ‬ ‫تمثل‪ً -‬‬ ‫ذراعا لق ��وى الطاغوت‪ ،‬وألعداء األمة‬ ‫أيضا‪ً -‬‬ ‫من خ ��ارج األمة‪ ،‬تضرب بها في داخل األم ��ة‪ ،‬بل ِّ‬ ‫تمثل معول هدم‬ ‫بيد أعداء األمة‪ ،‬واليوم هي معول هدم في يد أمريكا وإسرائيل‪.‬‬ ‫يبقى لن���ا أن يكون ضمن اهتماماتنا التثقيفية والتعليمية‪،‬‬ ‫علي‬ ‫وتربيتنا حتى ألجيالنا‪ ،‬أن يكون ضمن اهتماماتنا هذه هو ٌ‬ ‫‹علي ��ه الس�ل�ام› فيما قاله الرس���ول ‹صلى اهلل عليه وآل���ه› عنه‪ ،‬فيما‬ ‫قدَّمه هو في حركته‪ ،‬في هديه‪ ،‬في علمه لألمة‪ ،‬في ما قدَّمه‬ ‫التاري���خ عن���ه في كل مراح���ل حياته مع رس���ول اهلل ‹صلى اهلل‬ ‫ِّما ألرقى نم���وذج في االتباع‪،‬‬ ‫عليه وآله› س���اب ًقا‪،‬‬ ‫ومخلص���ا‪ ،‬ومقد ً‬ ‫ً‬ ‫واالقتداء‪ ،‬والتمسك‪ ،‬والطاعة‪ ،‬واالهتداء‪ ،‬وااللتزام‪ ،‬وفيما بعد‬ ‫ذلك كعالمة فارق���ة ِّ‬ ‫يمثل امتدادًا أصيلاً لإلس�ل�ام ومنهجه‬ ‫وصل‪ ،‬وفي منزلته‬ ‫ورس���الته ونبي���ه ‹صلى اهلل عليه وآله›‪ ،‬حلق���ة ٍ‬ ‫عدي))‪،‬‬ ‫العظيمة التي ُتس���تثنى منها النبوة ((�إِلاَّ َ �أنَّهُ لاَ َن ِب َّي َب ِ‬ ‫(((‬ ‫كما يقول رسول اهلل ‹صلى اهلل عليه وآله›‪.‬‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫ال�سالم› لعام ‪1439‬هـ‪.‬‬

‫‪101‬‬

‫اليوم نحن في أمس الحاجة إلى أن نستفيد من علي‬ ‫الي���وم نح���ن ف���ي أمس الحاج���ة إل���ى أن نس���تفيد من علي‬ ‫كي���ف كان ف���ي مرحلة عه���د النبي ‹صل���ى اهلل علي���ه وعلى آله›‬ ‫ً‬ ‫تلميذا متمي ًزا وإنس���ا ًنا راق ًي���ا في إيمانه ما بعد‬ ‫مخلصا‬ ‫جنديًا‬ ‫ً‬ ‫وحريصا‬ ‫النبي مقاتلاً على تأويل القرآن ومؤتم ًنا على اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومحافظ���ا عليها ومداف ًعا عنها وعن‬ ‫عل���ى األمة وعلى وحدتها‬ ‫اإلسالم؛ ليبقى اإلسالم لألمة في كل مراحل تأريخها‪ ،‬فكان‬ ‫قاتله كما قال النبي أشقى اآلخرين‪ ،‬أشقاهم كما كان عاقر‬ ‫(((‬ ‫ناقة ثمود كان أشقى األولين‪.‬‬ ‫لماذا يقول البعض أن ذكرى استشهاد اإلمام ٌ‬ ‫علي بدعة؟‬ ‫م���ن يقولون‪ :‬أن إحياء ذكرى استش���هاد اإلم���ام علي بدعة‪،‬‬ ‫ه���م من يريدون أن تموت األمة باس���م الدين‪ ،‬وأن تذبح باس���م‬ ‫اإلس�ل�ام‪ ،‬هم م���ن يعملون عل���ى تفريغ هذه األمة م���ن هويتها‬ ‫الدينية وفصلها ع���ن رموزها الدينيي���ن والحقيقيين وإبعادها‬ ‫عن أعالمها العظماء من يشـرفها أن تنتمي إليهم ومن تجد في‬ ‫(((‬ ‫حياتها كل ما تحتاجه من الدروس التي تفيدها في حياتها‪.‬‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد الملك ف ��ي منا�سبة ذكرى ا�ست�شه ��اد الإمام علي‬ ‫‹عليه السالم› لعام ‪1438‬هـ‪.‬‬ ‫((( ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي ‹عليه الس�ل�ام› لل�سيد ح�سين ر�ضوان اهلل عليه‬ ‫لعام ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫ً‬ ‫أخيرا‪ :‬اإلمام ٌ‬ ‫علي ‹عليه السالم› سيظل قدوة للمستبصرين‬

‫عل���ي ‹عليه الس�ل�ام› هكذا كان وهكذا يبق���ى نو ًرا في‬ ‫اإلمام ٌ‬ ‫وعلما‬ ‫مش���ـرق الش���مس قدوة للمس���تبصرين ونو ًرا للحائرين ً‬ ‫يُقتدى ويتأسى به في مدرسة اإلسالم الكبرى ويمثل النموذج‬ ‫الحقيق���ي والقدوة للرم���وز الحقيقيين؛ ألننا ف���ي هذا العصر‬ ‫نش���هد كيف تتحرك مخابرات الع���دو‪ ،‬المخابرات األمريكية‬ ‫لتصن���ع رمو ًزا وهميين في الس���احة اإلس�ل�امية يبرزون وهم‬ ‫يتمس���كون ببعض من قش���ور اإلس�ل�ام وش���كله ث���م يبقون هم‬ ‫أو يب���رزون ه���م ف���ي الس���احة اإلس�ل�امية ليس���تقطبوا الكثير‬ ‫الكثي���ر من قاص���ري الوعي وناقص���ي اإليمان ليلتف���وا حولهم‬ ‫فيتحركون تحت عناوين دينية ليضربوا اإلس�ل�ام من داخله‬ ‫ليثي���روا المش���اكل لألمة اإلس�ل�امية م���ن داخله���ا وعلى مر‬ ‫التاريخ اإلس�ل�امي لطالما ُصنع الكثير م���ن الرموز الوهميين‬ ‫الزائفين الذين ال يمثلون اإلس�ل�ام بحقيقته بأخالقه وكانوا‬ ‫أس���اطين للظالمي���ن والجباب���رة والطغاة واالس���تبداد وكانوا‬ ‫أنصا ًرا لخط االس���تبداد والظلم في داخل األمة‪ ،‬هذه وس���يلة‬ ‫وهذا أسلوب اع ُتمد عليه في السابق ويُعتمد عليه في الحاضر‬ ‫(((‬ ‫وهذا شيء ملموس‪.‬‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عبد المل ��ك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫السالم› لعام ‪1433‬هـ‪.‬‬

‫‪103‬‬

‫لذل���ك نح���ن في ه���ذا العصر ونح���ن نعاني م���ن الظالمين‬ ‫ونحن نعاني من حال���ة الزيف فقد أراد النبي من خالل اإلمام‬ ‫عل���ي أن يوصلنا بالقرآن‪ ،‬ويبقى حب���ه عالمة فارقة يتبين بها‬ ‫ٌ‬ ‫المؤم���ن‪ ،‬وبغضه وصمة عار ينكش���ف به���ا المنافق‪ ،‬لو لم يكن‬ ‫لنا من علي إال هذا‪ ،‬فكيف وهو مثل مس���ار اإلسالم في أصالته‬ ‫(((‬ ‫ومفاهيمه الصحيحة بعيدًا عن الزيف وبعيدًا عن التحريف‪.‬‬

‫ً‬ ‫وابن ملجم سيظل أيضا قدوة للتكفيريين‬ ‫ث���م يبقى لن���ا نقطة واح���دة نؤك���د عليها كي���ف كانت‬ ‫الوس���يلة التي اعتمدها من تآمروا على علي ‹عليه السالم› لقتله‬ ‫ه���ي أداة مصنوعة م���ن األداة التكفيرية (ابن ملجم) واحد من‬ ‫التكفيريي���ن المغفلين الجاهلين بحقيقة اإلس�ل�ام تبقى هذه‬ ‫النوعي���ة ‪ -‬التكفيريون المغفلون الجاهلون بحقيقة اإلس�ل�ام‬ ‫ أداة ق���ذرة يُحركه���ا األع���داء ويس���تغلونها لض���رب الخ���ط‬‫اإلس�ل�امي األصيل من الداخ���ل‪ ،‬وهذا ملم���وس ً‬ ‫أيضا؛ أال نرى‬ ‫كيف يتح���رك التكفيريون داخل األم���ة ليواجهوا أي تحرك‬ ‫يناه���ض السياس���ة األمريكي���ة؟ ه���م ال ي���رون كف���ر أمريكا‬ ‫وال كف���ر إس���رائيل وه���ذا من عجائبه���م‪ ،‬ال تص���در قراراتهم‬ ‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عب ��د الملك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫السالم› لعام ‪1434‬هـ‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫وأحكامه���م بالكف���ر إال داخ���ل ه���ذه األم���ة‪ ،‬الكف���ر األمريكي‪،‬‬ ‫الكف���ر اإلس���رائيلي ال يرونه ال يس���تهدفونه‪ ،‬ال يُصدرون عليه‬ ‫أحكامهم‪ ،‬ثم ينقضون بكل وسائلهم بمفخخاتهم بما إلى ذلك‬ ‫الستهدافه ألنهم فقط وفقط أداة‪ ،‬أداة بيد األعداء‪.‬‬

‫عي���ن الكف���ر عنده���م ه���و مناهض���ة السياس���ة األمريكية‬ ‫واإلس���رائيلية وبهذا يتحركون الستهداف القوى التي تواجه‬ ‫(((‬ ‫الكفر الحقيقي والخطر الحقيقي على األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫لقد ع���اش أمي���ر المؤمنين علي ‹علي���ه الس�ل�ام› مجاهداً في‬ ‫س���بيل اهلل‪ ،‬عاش أميناً‪ ،‬عاش صادقاً‪ ،‬ع���اش ناصحاً‪ ،‬عاش حراً‪،‬‬ ‫عاش ينطق بالحق‪ .‬ول���وال علي‪ ،‬لوال كلمة علي‪ ،‬لوال مواقف‬ ‫عل���ي َل َم���ا وصل الدِّي���ن إلين���ا بنقاوته‪َ ،‬ل َم���ا وصل الدِّي���ن إلينا‬ ‫بصفائ���ه من داخ���ل ظلمات ذل���ك االنحراف ال���ذي أوصل بني‬ ‫أمية إلى ُس َّد ِة الحكم‪ ،‬إلى أن يتحكموا على رقاب هذه األمة‪.‬‬ ‫نس���أل اهلل أن يوفقنا وإياكم ألن نك���ون من عباده المؤمنين‪،‬‬ ‫المتقين‪ ،‬المهتدين بهديه‪ ،‬إنه سميع الدعاء‪ ،‬وأن ينصرنا بنصره‪،‬‬ ‫ويفرج عن أسرانا‪.‬‬ ‫وأن يرحم شهداءنا األبرار‪ ،‬ويشفي جرحانا‪ِّ ،‬‬ ‫وصلى اهلل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين‪.‬‬

‫((( م ��ن محا�ض ��رة ال�سيد عب ��د الملك في ذك ��رى ا�ست�شهاد الإم ��ام علي ‹عليه‬ ‫السالم› لعام ‪1433‬هـ‪.‬‬

‫‪105‬‬

‫المحتويات‬ ‫ما �أهمية احلديث عن الإمام علي ‹عليه السالم›؟‪5...............‬‬ ‫خ�صو�صيات الإمام علي ‹عليه السالم› يف والدته ‪6...............‬‬ ‫النبي ‹صلى اهلل عليه وعلى آله› هو من توىل تربية علي ‹عليه‬

‫السالم› ‪7.........................................................................‬‬

‫�أثر هذه الرتبية النبوية ‪11..................................‬‬ ‫فعلي ‹عليه السالم› كان �أول امل�سلمني �إ�سالم ًا ‪13..................‬‬ ‫امل�سلمون جُممعون على جاللة وقدر الإمام علي ‹عليه السالم› ‪15...‬‬ ‫ي�سعى التيار الوهابي التكفريي �إىل �أن يجعل احلديث عن الإمام‬ ‫علي ‹عليه السالم› حمط �إ�شكال ‪16.............................‬‬ ‫موقف التيار الوهابي من الإمام علي ك�شف ب�أنهم منافقون ‪17....‬‬ ‫النظام ال�سعودي ا�ستغل نفوذه ففر�ض الفكر الوهابي التكفريي‬ ‫على الو�سط ال�شيعي وال�سني ‪19...............................‬‬ ‫املثقفون والرتبويون مدعوون للتعرف على �شخ�صية الإمام علي‬ ‫‹عليه السالم› ‪22..............................................‬‬ ‫ما الذي يربطنا بالإمام علي ‹عليه السالم›؟ ‪25..................‬‬ ‫امل�سار الأول‪ :‬بع�ض مما ورد فيه وخلده القر�آن الكرمي‪27...... :‬‬ ‫القر�آن الكريم يخلد جان ًبا من جوانب �إح�سانه وعطائه ورحمته ‪27...‬‬ ‫َ�صا ِل ُح ا ْل ُم ْ�ؤمِ ن َ‬ ‫ِين ‪28........................................................‬‬ ‫هلل َو َر ُ�سو ُل ُه َوا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا{ ‪29...........................‬‬ ‫}�إِ َّن َما َو ِل ُّي ُك ُم ا ُ‬

‫‪106‬‬

‫}ا َّلذِ َ‬ ‫ين ُي ْن ِف ُقو َن �أَ ْم َوا َل ُه ْم بِال َّل ْيلِ َوال َّنهَارِ{ ‪30..........................‬‬ ‫}�أَ َف َمنْ َكا َن َعلَى َب ِّي َن ٍة مِ نْ َر ِّب ِه َو َي ْت ُلو ُه َ�شاهِ ٌد مِ ْنهُ{ ‪30..................‬‬ ‫ما هي �شهادة علي للر�سول ‹صلوات اهلل عليه وعلى آله›؟ ‪31..........‬‬ ‫امل�سار الثاين‪ :‬بع�ض ما ورد من كالم ر�سول اهلل ‹صلى اهلل عليه‬ ‫وعلى آله› الذي ال ينطق عن الهوى‪36......................... :‬‬ ‫"�أنت مني بمنزلة هارون من مو�سى"‪37...............................‬‬ ‫الإمام علي امتداد للإ�سالم الأ�صيل ‪43.........................‬‬ ‫فهذا علي مواله"‪44..................................‬‬ ‫"من كنتُ مواله‬ ‫ٌ‬ ‫"ال يحبك �إال م�ؤمن وال يبغ�ضك �إال منافق" ‪46......................‬‬ ‫حب الإمام علي ال�ضمانة الأ�سا�سية ملواجهة الزيف ‪51..........‬‬ ‫حالة الفرز �سنة �إلهية ‪55....................................‬‬ ‫�أ�صالة الإمام علي تك�شف حركة النفاق‪58.....................‬‬ ‫"علي مع القر�آن والقر�آن مع علي" ‪59.................................‬‬ ‫ٌ‬ ‫"يحب اهلل ور�سوله ويحبه اهلل ور�سوله" ‪60...........................‬‬ ‫امل�سار الثالث‪ :‬جانب من حياته الإميانية اجلهادية ‪62..........‬‬ ‫فدائي في الإ�سالم‪67...........................‬‬ ‫علي ‹عليه السالم› �أول‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫علي ‹عليه السالم› في بدر ‪69...........................................‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫في �أ ُحد‪ :‬ال فتى �إال علي وال �سيف �إال ذو الفقار ‪71......................‬‬ ‫علي يوم الأحزاب‪74........................................................‬‬ ‫ٌ‬ ‫علي يوم خيبر ‪74..........................................................‬‬

‫‪107‬‬

‫كان �شخ�صي ًة متكاملة ‪75..................................................‬‬ ‫�أعلم الأمة ‪75...............................................................‬‬ ‫ذكرى حزينة‪78.............................................‬‬ ‫�أيف �سالمة من ديني؟ ‪79......................................‬‬ ‫"فزت ورب الكعبة" ‪87..................................................‬‬ ‫علي ‹عليه السالم› يقدم و�صيته الأخرية‪91...............‬‬ ‫الإمام ٌ‬ ‫الإمام احل�سن يودع والده ‪92..................................‬‬ ‫علي ‹عليه السالم›‪93.‬‬ ‫معاوية هو املتهم برتتيب عملية اغتيال الإمام ٌ‬ ‫علي هو ا�ستهداف للإ�سالم ‪94..................‬‬ ‫ا�ستهداف الإمام ٌ‬ ‫ا�ستهداف الإمام علي فتح الطريق للت�سلط الأموي ‪97...........‬‬ ‫اليوم نحن يف �أم�س احلاجة �إىل �أن ن�ستفيد من علي ‪101........‬‬ ‫علي بدعة؟ ‪101....‬‬ ‫ملاذا يقول البع�ض �أن ذكرى ا�ست�شهاد الإمام ٌ‬ ‫علي ‹عليه السالم› �سيظل قدوة للم�ستب�صرين ‪102.‬‬ ‫�أخ ً‬ ‫ريا‪ :‬الإمام ٌ‬ ‫وابن ملجم �سيظل � ً‬ ‫أي�ضا قدوة للتكفرييني ‪103.................‬‬